القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

رواية: الارض الجريحة.. الحلقة السادسة

 
الخميس 03 اب 2023


زاكروس عثمان 

تنهد الطريق وقال في نفسه عدنا من حيث انطلقنا، أبناء اليوم أجداد الأمس في كل منعطف يبشر القرية بالخلاص تنهض الحماقة وترفع رأسها لتفسد كل شيء، جني احمق يعتقد أن العشق من حقه وحده وأنه قادر على تأديب الزلازل، جني اخر خامل و احمق ايضا يهرع إلى الغزاة ويبيعهم المفتاح حيث لا يسعه ان يجد عاشقا أكثر حماسة منه، تقع الزلازل فوق رأسه لا لشيء فقط ليفسد على العاشق حماسته، ثم يجلس الجميع يشتكون من القدر.
الطريق هذه المرة يبكي بحرقة حيث حماقة الأبناء فاقت حماقة الأجداد، بعضهم يحمل عصا غليظة يهوي بها على رأس من يرفع صوته، وبعضهم يبيع المفتاح للشرير مقابل وجبة غداء، انهم يمزقون الثوب الوحيد الذي يستر عورة القرية، همس الحمار للطريق: هل تعلم يا صديقي ان الحماقة توأم الخيانة.


الطريق: لا تزد علي همومي ايها الحمار الحكيم حين يصبح عدد الدكاكين أكثر من عدد سكان القرية لا بد أن تكون الحماقة أم الخيانة، انت حيوان مسكين متهم بالغباء ولكن ترفض أن يمتطي ظهرك شخص غريب، فما بال ابناء الجن نكاية ببعضهم يتحولون الى بغال يركبهم الاخرون. 
الحمار: إنها الحماقة عفوا الخيانة، انظر اليهم يتشاجرون كما لو انهم فتيان مراهقون يتقاتلون على قيادة الدبكة ويشعلون مشاجرة تفسد فرحة العرس، سپاسکو يريد رأس الدبكة أن تكون للمتغطرسين والسماسرة يريدونها لأنفسهم مع أنهم لا يجيدون الرقص ولا يقوون عليه.
الطريق: لو كانت لي اسنان كنت اعض اقدامهم حتى يعودوا إلى جادة الصواب، صديقي لماذا لم تفتح لنفسك دكانا ايضا.
 الحمار: نحن ملة الحمير لا نحتاج دكاكين اذ أمرنا شورى بيننا.
الطريق: احسنتم… حسنا طابت ليلتك سوف انام قليلا.
حمل المتغطرسون العصي يضربون رؤوس السماسرة يطلبون منهم الرضوخ لهم، وكانت هذه حجة للسماسرة أن يحملوا دكاكينهم إلى الضفة الأخرى ليطوروا مشاريع الثرثرة على راحتهم، منهم من ذهب إلى أبعد من الضفة ودخل في خدمة الشرير، وطور دكانه إلى سوپرمارکت عمالة. 
انفجرالبركان وزلزلت الأرض وفُتحت الأبواب المغلقة وتدافعت القطعان واختلط الصالح بالطالح، الكل عينه على القرية، لم يجد الحمار والطريق سبيلا إلى النوم فبقيا يتسامران.
الطريق: ما بك صديقي كأن النوم قد جافاك تعال اجلس انا ايضا في حالة ليست افضل من حالك.
الحمار: وهل مصائب أبناء الجن تدعني ارتاح حتى اجد سبيلا إلى النوم لولا أنني كائن صبور لكانوا منذ زمن جعلوني اصاب بجلطة قاتلة لأموت في عز شبابي.
الطريق: انت محق... اغبياء مشاكلهم لا تنتهي ابدا.
الحمار: ثمة حصان يجر عربة إلى الأمام وثمة بغال يشدونها إلى الخلف، السوط بيد السائق تارة يحث الحصان واخرى يحث البغال، لا يبالي ان تحركت العربة إلى الأمام او الخلف انه مأمور أن يبقيها معلقة في الطين إلى أن يسقط حملها.
الطريق: لسوء حظ القرية سقط الحمل قريبا منها واجتمع صيادو الفرص لنهب ما سقط من العربة بل خطر لبعضهم ان يضعوا يدهم على القرية نفسها.
الحمار: لما لا انها ارض غزو وغنيمة مشروعة أهلها كفار وكنوزها وفيرة.
الطريق: حين يكون الحديث عن قرى الجن تصبح شهية اللصوص مفتوحة، يأتون من مختلف المشارب، يتآخى السلفي والملحد ويلتقي الليبرالي بالمستبد وتنتهي الثارات بين القط والفأر ويغدو التفاهم بين الثعلب والديك مصلحة كونية.
الحمار: الكل يعقدون صداقات ليكون لكل واحد منهم حصة في الفريسة.
الطريق: ابناء الجن قبح شكلهم يدركون ان قراهم فرائس ولكنهم يتنازعون على هواء لم يمتلكوه بعد. 
الحمار: مع أن الهواء الموعود سوف يكفيهم جميعا.
الطريق: تبا لهم أشداء على بعضهم رحماء على الاعداء لا يحب أحدهم أن يتنازل لأخيه عن نسمة زائدة. 
الحمار: بل لأجل هذه النسمة يزدادون شقاقا ويبلغ الأمر ببعضهم أن يستقووا باللصوص.
الطريق: نعم نعم هم مستعدون أن يمنحوا حصتهم للصوص مقابل حرمان اخوتهم من التنفس.
الحمار: مئات السنين يغرقون في خلافاتهم ويورثون أسباب الهزيمة لأحفادهم.
الطريق: قوم مجنون لا يحسن شيء سوى الرقص والحرب.
الحمار: حمقى يزلزلون الدنيا ولكن غيرهم يسرق انتصاراتهم في المعارك.
الطريق: اخي الحمار اعذرني لدي سؤال يقال أن الحمار لا يقع في الحفرة مرتين هل هذا صحيح.
الحمار: اصلا نحن يقظين لا نقع في الحفرة مرة حتى نحسب حساب عدم السقوط مرة ثانية.
الطريق: تقصد ان ابناء الجن لم يتعلموا منكم.
الحمار: بالتأكيد لم يتعلموا، انظر الى السماسرة وسپاسکو كيف يتناطحون على شيء لم يمتلكوه بعد، فيما الجحيم يحيط بالزوزان من كل الجهات.
الطريق: ئوووف منهم ئوووف.
الحمار: ئووف ومليون ئوووف.
حاولت العندكو النوم للفرار من كوابيس تنبأت العرافة بقدومها، وكان الحمار والطريق تَحدثَا عنها ايضا، لكن العندكو تعثرت بالأرق، بلد غريب الكوابيس فيه تهاجم الناس في وضح النهار، لكل واحد منهم كابوس يرسله ليجثم على صدر جاره، القرية تأكل نفسها انها حرب الكوابيس، ربيع مصاب بالسرطان، خيبة تغطي رونق العندكو، عبق يختنق في قارورة حيرة، المراعي متخمة بالعواء والقطيع يرهف السمع.
لم يحدث أن جرس الغريزة خذل خراف سپاسکو لكن الأشياء هذه المرة ليست واضحة، ذئاب تعوي في الجوار وخلفها يسمع عواء ذئاب تأتي من بعيد، استنفر القطيع، المسألة لا تحتاج القيل والقال الذئاب تبقى ذئاب إن كانت قريبة او بعيدة، لن يردعها غير عصي الرعاة، لكن ما زال بعض رعاة القرية نيام وبعضهم يتظاهر بالنوم والبعض الآخر أمر الخراف بالكف عن الثغاء، دعاهم سپاسکو إلى ما يلزم فعله لم يستجيبوا ناداهم: ما بكم مترددين ألم تجدوا مصائركم فرائس سهلة تخدشها مخالبهم في سري كانيية، ألم تنهش الذئاب رأس النبع كي يعطش العندكو وتموت فيكم الرجولة، انصرف الرعاة وتركوا قطعانهم في حيص وبيص، وانشغلوا بالحديث عن سپاسکو قائلين: ماذا يريد منا أنه يجلب لنا الخراب، لماذا علينا استفزاز ذئاب اعتدنا عليها، اليس من الأفضل التفاهم معها علها تصد عن مراعينا ذئاب لم نعهدها بعد.
لمحت آسيا في مجرة مشاعرها فوضى نجوم كان سپاسکو تحدث عنها، قالت في نفسها: مجنووون مجنوننننن يريدني أن أرتب هذه الفوضى التي يعجز الله عن ترتيبها، فيما انا لم اكن اريد أكثر من أن اغلق الباب عليه لينام في حضني ويثير فوضى عشقه على جسدي، اي مغناطيس يخطفه شمالا ويخطفني جنوبا ويلقي بنا في حقول الوجع، تبا لتلك الصدفة أتت متأخرة وجعلتني اعثر على روحي بعد فوات الأوان، آه مجنوني سپاسکو أنت تجد في فوضى النجوم موطنا لنا ولا تجد في تراتيب البشر ثقوب سوداء اعدت لنا كي يلتهمنا التلاشي.
سمع سپاسکو أنين ضياء من مجرة بعيدة، تلاه نزيف لا لون له، ثمة ذئاب على الأرض تريد اختطاف خرافه واخرى في السماء تفترس الضياء، كيف يقنع القرية بأن الضوء قد مات وأن لا أحد بمقدوره رؤية النزيف، من يصدق مجنونا يتحدث عن حفر متوحشة يختزنها الفضاء، سپاسکو محتار لا يعرف ماذا عليه أن يفعل حتى يقنع القرية بأنها واقفة على فوهة ثقب أسود، هل عليه إحضار اينشتاين أم الملك داوود أم مشعوذ يطلق الدعاء على الغيوم كي تنزف مطرا، أم يستعين بتاجر رغم ان كل بضاعته سياسة لكنه لم يقرأ ميكافيللي، تمنى سپاسکو لو انه يكون زوزاني الذي كان يكفيه أن ينبح مرة واحدة حتى يُقنع الاهالي بدخول متسلل إلى القرية، قرأت آسيا امنيته يا له من مسكين لا يمانع أن يكون كلبا أن كان في نباحه نجاة القرية، قالت لنفسها آه من عشق المجانين كم هو شهي. 
ارتفع ثغاء القطيع ليؤكد ان حشرة الخراء تحط على الخراء، العواء يصم الآذان ورائحة الخراء تفوح من أفواه سماسرة عشعشت خنافس المكائد في نفوسهم، باعة السياسة يرحبون بمن جاء يدوس على رؤوسهم، في حين ينفرون من متغطرسين يدعون انهم جاؤوا لإنقاذ القرية من مشنقة جديدة، حاول سپاسكو أن يرتق أسمال القرية قبل أن يصل إليها لهيب شتاء مجهول النسب، لكن الابرة ضاعت في خلافات الرعاة، وحين تبين له أن الرعاة مزيفون وضع آماله في المجانين وشتان ما بين جنون يأتي من الفطرة وجنون يصنعه معلم مراميه ضباب، وما من خيار أمامه سوى المجانين ففي النهاية تكون وراء كل مجنون قصة حب غير عادية والعشاق جديرون بالثقة.
التقى العاشقان في الخواطر تبادلا الاحاسيس والأوجاع.
آسيا: كأن جنونك لا يكفيك لتضيف جنون الآخرين إلى جنونك. 
سپاسکو: ما شأني بالتعقل ان كان يجعلني خروفا في قطيع يسوقه راع مزيف إلى الهاوية، لا لا خياري الأمثل أن اسير في الضباب مع المجانين إلى مصير مجهول.
آسيا: كم اكره عقلي.
سپاسکو: عقلك سوف يجلدنا حتى بعد موتنا.
آسيا: وهل نحن أحياء لقد غلبني وقتلني وقتلك معي.
سپاسکو: لا أحب أن أموت مرتين.
آسيا: احسدك.
سپاسکو: هيا اقفلي القبر و دعينا نجرب كيف يتضاجع الأموات.
آسيا: الجنون عندكم بالوراثة يا معشر الجن، الذئاب تهبط عليكم من السماء وعقلي يفتك بك وأنت تريد مضاجعتي.
سپاسکو: بعد شنق مملكتنا بدأنا ننظر إلى كل شيء بسخرية من لا وطن له يبحث عن بديل في همسة امرأة.
آسيا: كلامك يقتلني هيا ضاجعني وارحل.
سپاسکو: ارحل هههههه وهل انا حاضر عندك حتى تطلبي مني الرحيل.
آسيا: أنت عندي وجع لا يغيب. 
سپاسکو: وأنت ألم بدونه لا أحس بكياني.
آسيا: ماذا هناك اسمع من حولك صرخات هل بدأت المعركة.
سپاسکو: الحرب بدأت منذ ثلاثة آلاف سنة، وانتِ الآن تسمعين معركة صغيرة فيها.
آسيا: ثلاثة آلاف ولم تستطيعوا الانتهاء منها لماذا.
سپاسکو: هناك خلل فينا نحن معشر الجن جميعنا يعرفه ولكن لا أحد يحاول إصلاحه.
آسيا: ما هو.
سپاسکو: نحن قطيع يعتقد كل خروف فيه أنه كبش مختار فلا يقبل احدهم الخضوع للآخر ويبدأ التناطح حتى تتكسر قرون الجميع و تسيل ادمغتهم من أنوفهم، وحين تهاجم الذئاب لا يوجد كبش عاقل يرشد القطيع.
آسيا: مع ذلك لم تستطع الذئاب إبادة خرافكم.
سپاسکو: لحسن الحظ يوجد بيننا مجانين كثر يجيدون القتال.
آسيا: شيء عجيب الحروب تنفي البشر ولكن انتم تستمدون بقائكم من القتال.
سپاسکو: لا اعرف يمكنك أن تسألي الله لماذا فرض علينا أن نقاتل إلى الأبد.
آسيا: دعك منه لا اريد أن أفسد عليه نومه هذه الساعة.
سپاسکو: كيف ينام الا يسمع أصوات المدافع إلا يهتز سريره على وقع انفجارات تكاد تزحزح المدينة من مكانها، الا يرى اطفال مرعوبين لا يستطيعون النوم.
آسيا: اسمع صوت انفجارات قريبة منك انتبه إلى نفسك. 
سپاسکو: يا دبة تخافين علي من القذائف وتنسين أنك من فجر قلبي بقذائف عقلك.
آسيا: خذ استراحة مقاتل، الليلة هذه سوف ازف نفسي إليك عروسة تعال نتزوج دون عقد قران.
سپاسکو: لست املك بندقية لدي سلاح آخر به أقاتل عدو خبيث غير ظاهر للعيان يفتك بنا اكثر مما تفعله الذئاب.
آسيا: ما هو.
سپاسکو: الذئاب لم تغلبنا في الوقائع بل نحن من سلمنا لها خرافنا.
آسيا: لماذا.. كيف.. من يسلم جسده للذئاب.. حقا انتم معشر مجانين.
سپاسکو: نعم نحن نفعل ذلك ونعلم أننا نفعل ذلك، في الآونة الاخيرة ظهر بيننا من يحاول محاربة الاسباب التي تدفعنا إلى تسليم رقابنا للذئاب.
آسيا: هل هناك سبب آخر غير الجنون.
سپاسکو: نحن ملة نعشق سمائنا وارضنا بجنون ولكنهم لم يتركوا لنا فرصة حتى نهنئ بالجنة، قضينا جيل بعد جيل نقاتل لأجل الحصول على جرعة ماء أو نسمة هواء ننشقها.
آسيا: هل يقطعون عنكم الهواء ايضا.
سپاسکو: ولو استطاعوا سوف يحجبون الشمس عن جبالنا.
آسيا: إنها معجزة.
سپاسکو: معجزة ماذا.
آسيا: أنكم لم تنقرضوا رغم حرمانكم من الهواء والماء.
سپاسکو: معجزة باهظة الثمن صحيح أننا انتصرنا على الفناء ولكن الحرب الأبدية حجزتنا في حيز من الزمن لا نستطيع الهروب منه.
آسيا: ولكن انتم موجودون معنا في القرن 21 لا أظن أن الزمن تغلب عليكم.
سپاسکو: أجسادنا في القرن الجديد ولكن تعالي افتحي قلوبنا لن تجدي غير الحزن افتحي نفوسنا لن تجدي غير العُقد افتحي عقولنا لن تجدي غير ادمغة مشوهة، تشوهات ابقتنا قطيعا أعمى يتبع كل من يحمل عصا الرعاة.
آسيا: كلنا قطعان تتبع راع وليس كل راع أمين.
سپاسکو: انتم قطعان تتبعون رعاة ليسوا مخلصين ولكن لستم مهددين بالذئاب، أما نحن قطيع مطوق بالوحوش لهذا ليس من الصواب السير خلف أي راع يظهر في الساحة، لا سيما ان رعيان كثر ظهروا في هذه الايام اغلبهم مزيفون و معاقون، يسلمون القطيع إلى الذئاب ليغطوا عجزهم.
آسيا: ولماذا يمشي القطيع وراء راع مشبوه.
سپاسکو: هذا ما احاول ان اقوله لك قطيعنا يعتقد أن الخراف قرابين الرعاة، انقطعت أنفاسي وانا اعزف له معزوفة أخرى ولكنه لا يسمع الناي انه مهووس بالطبل والمزمار، انهم يكرهون الناي.
آسيا: قطيع راقص.. ماذا تعزف لهم.
سپاسکو: اعزف لهم لحنا يقنعهم أن الراعي خادم القطيع وإن قَصَرَ في خدمتهم يجب رميه في حاوية القمامة.
آسيا: لحن جيد لماذا لا يسمعونه.
سپاسکو: ومن يسمع المجانين.
آسيا: خذ الحكمة من أفواه المجانين.
سپاسکو: نعم ولكن المجانين لا يأخذون الحكمة من بعضهم بعضا.
آسيا: أمركم محير.
سپاسکو: هو كذلك .. تصوري أي طرطور مجرد أن يحمل عصا الرعي سرعان ما تجدي القطيع يرفعه إلها.
آسيا: افهم منك أنكم قوم مولع بصناعة الآلهة.
سپاسکو: بل هو سرطان الدم.
آسيا: الا يوجد خروف يسأل نفسه لماذا يتوجب عليه عبادة راع.
سپاسکو: لو خطر سؤالك برأس أحدهم ما كنت تسمعي الآن دوي الانفجارات من حولي.
آسيا: تقصد أنها عبادة عمياء.
سپاسکو: تماما .. إذ لو سأل أحدنا هل يستحق هذا الراع أو ذاك العبادة لاكتشف ان اغلبهم لا يستحقونها وقتها كانوا يرمونهم في الحاوية لتأديب باق الرعاة.
آسيا: نعم الراعي الذي لا يخدم القطيع مصيره الحاوية.
سپاسکو: عندنا يحدث العكس القطيع هو الذي يضع نفسه في خدمة الرعاة، ولأن الرعاة وأشباه الرعاة كثر تتنازع قطعاننا وكل قطيع يقول ربي هو الأفضل.
آسيا: هل يوجد الافضل.
سپاسکو: تقريبا لا يوجد.. اغلب الرعيان جاؤوا ليس لإنقاذ القطيع إنما لشرب الحليب وأكل اللحم وسرقة الصوف وبيع النعاج ساعة اللزوم. 
آسيا: لو بقي الامر عندكم هكذا يلزم أن تحاربوا ثلاثة آلاف سنة أخرى.
سپاسکو: وهذا ما أخاف منه.
آسيا: صدعت رأسي دعك من كل شيء و كف عن الثرثرة اغمض عينيك تحايل على الزمن تبعثر وأحضر إلي وشاهد عروسك كما لم تشاهدها من قبل.
أسكتَ سپاسکو صوت المدافع، فتحت الحسكة عينيها تعاتب جبل كوكه كيف طاوعه قلبه حتى يرميها بالقذائف، بكى الجبل واحتضن المدينة وقال: لست من يقصفك ولكنهم اخذوني عنوة وجعلوا مني منصة لإطلاق حقدهم على الصالحية.
أصيب الزمن بقذيفة طائشة وغاب عن الوعي، انتهز سپاسکو الفرصة ليهرب منه إلى غرفة نوم آسيا التي استقبلته في قميص نوم بنفسجي شفاف يكشف مفاتن جسد موسيقى أكثر مما يستره، تمايل اللحن وانسكب في نظراته لتختفي الحرائق وتنعدم رائحة البارود وتنمو زهرة عندكو على ظهر دبابة معطوبة، دعته آسيا ليعزف جسدها فارتبكت اصابع روحه وهي تتلمس نغما رقيقا على خصرها، جثم سپاسکو على ركبتيه واسند جبينه على فخيها يستنشق رائحة كمثرى شهية، مسدت آسيا شعره وجثمت إزاءه احتضنت وجهه بين كفيها وأطبقت بشفتيها على شفته وراح رذاذ المندرينا ينساب لحنا من لسانها على لسانه، تذوق سپاسکو طعم السحر أراد أن يقول شيء خذله لسانه وعجز عن النطق فتأوه، ردت آسيا بآهة، احتدم العناق وزهقت أرواح حبات عنب وتفاح بين الشفاه، غاب سپاسکو عن عالم الحروب، تمردت آسيا على حكومة العقل نهضت تنزع عن سپاسکو ثيابه وبادر هو يخلع قميص نومها، بدأت الموسيقا ترقص له عارية، ليلة بيضاء ما من رايات سود تلوح في الجوار، القت آسيا بنفسها على السرير تدعوه إلى اللهو بأزرار شهوة ليعزف سمفونية إنوثتها، استلقى بجانبها وراحت شفتاه تدندن الحان نهديها لتذرف الحلمتان في فمه حليب كستناء، غطت آسيا جسده بحرير لهفة فأيقظ دفء جسدها سناجب شهوة كانت مطُمورة في ثلوج انشغالاته، أخذت السناجب تقفز من أحاسيسه على صدر آسيا تقضم شهقة البندق، شرب سپاسکو دفء آسيا ولم يرتوي ألقى بنفسه في بحرها تلقته غريقا في خليج ساقيها تشبث الغريق بالشاطئ حد التماهي، هاجت أمواج الخليج تعصف به صعودا ونزولا وهو يلثم ضفتيه، تلمس كل موجة في جسد آسيا وعانق كل عاصفة ثارت في حجرها وطاف بلسانه حول خاصرتها، فيما البحر يغريه بكنوز لم يذقها من قبل، أنفرج الخليج كاشفا عن مرفأ رغبة، اوقدت آسيا يدها منارة ترشد الغريق إلى بر الامان، دفع الموج خاصرته إلى برزخ آسيا واشتعلت لذة التقاء اللهيب بالماء، داعب أنين آسيا شهقات سپاسکو فانتصبت مسامع العاشقين تصغي إلى ألم لا شفاء منه سوى التمادي فيه، تشابك الجسدان تقلبا في الفراش، جذبت آسيا أمنية سپاسکو إلى شفرتي امنيتها فانزلق قضيبه إلى كسها، شعر بكيانه ينزلق إلى عالم البرزخ فازداد لهفة، جذبت آسيا جسدها إلى جسده وذابت في كون خفي يتمرغ في فضاء لذة لا تسعها الحواس، رغبة محتدمة تحك روحيهما يتقلبان مذبوحين على الفراش يلهثان ويتمادى الجسد في الجسد، ارتفعت الشهقات و زاد الأنين، توسلت أنفاس سپاسکو أنفاس آسيا ان تشم رشح صدرها، تدفق النهدان نبيذا وصاح كأس جيدها: هيا خذني خذذذذني، لثم سپاسکو كتف البحر وأطبق على ضفتيه تذوقت يداه دبرها ثملت روحه أراد أن يهب كيانه لها فأولج قضيبه في مبسم البرزخ، باعدت آسيا بين فخذيها وسكب لسانها شمام شهوة في فمه وسحبت روحه من لسانه، تضرج العاشقان في دم غيبوبة وذهبا في رعشة اماتتهما حتى الصباح.
فتحت آسيا عينيها صباحا وجدت نفسها وحيدة في النفق الذي هربت إليه، أما سپاسکو فقد وجد نفسه وسط منازل مدمرة، أشلاء قتلى وقنبلة لم ترغب بالانفجارسقطت بقربه كأنها قررت بقائه حيا في جحيم الحياة، عاتبه ضميره: السكين على رقاب نعاج القطيع وأنت مشغول بممارسة السكس. 
سپاسکو: اي سكس يا رجل.. انما قلوبنا كانت تتخاطر فيما بينها.
الضمير: السكس ممنوع حتى لو كان في الأحلام.
سپاسکو: دعك مني واذهب إلى محاسبة من ينكحون امهاتنا في فنادق الاعداء والاصدقاء.
الضمير: طبعكم هذا لا يعجبني حين نُذَكر احد منكم بعيوبه تغضبون و تحتجون وتقولون انت ماهر فقط في ذكر نواقصي لماذا لا تذكر عيوب غيري.
سپاسکو: نعم انت كذلك بالفعل.
الضمير: يا بني آدم حين أنبهك إلى عيوبك لا اقصد المقارنة بينك وبين بقية المعتوهين من امثالك إنما أريد منك التخلص من عيوبك، إذا ارتكب غيرك أخطاء هذا لا يبرر لك ان تفعل مثلهم بل ان تأخذ العبرة منهم وتتجنب اخطائهم، الناس يقارنون انفسهم بالأفضل وليس بالأسوأ، إن ارتكب احدهم فعل السرقة هذا لا يبرر لك ارتكاب السرقات. 
سپاسکو: لن افعل.. ولكن لم اسرق بل مارست قليلا من الحب.
الضمير: هيا اغرب عن وجهي مثلكم لا ينفع معهم النقاش.
امتعض سپاسکو من ضميره وتمتم في نفسه: اختارني الجنون لينقذني من هذا الضمير الأبله ولكنه يظل يلاحق طيزي، ما هو ذنبي إن كان القطيع منتشي بالسقوط بين سندان ثرثارين و مطرقة متغطرسين، الثرثارون يخدعونه ويعلفونه ترهات، ومتغطرسين يضربون عصا القهر على انوف كل من لا يسير على هواهم.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات