القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: حيوانيات..إنما «قصص قصيرة جداً»

 
الثلاثاء 27 حزيران 2023


إبراهيم محمود

نداء الهدهد 
انطلق الهدهد إلى أنحاء الغابة، وهو يردد عالياً: 
نداء... نداء 
فتترك كائناتها ما كان تنشغل به، لتسمع الهدهد وما يقوله:
لقد صدر عقد اجتماعي حيواني طفرة، يدخلنا نحن كائنات الغابة في نطاق حياة جديدة، والتفاصيل ستأتيكم بما يفيدكم جميعاً.


واطلعت على النداء وتفاصيله، وكلها ذهول، حيث أخذت علماً بما عليها ويمكنها القيام به.
حيوانات كثيرة لم تصدَّق، لأنها منذ آلاف السنين، عاشت كما هي معروفة، وها هي أمام تحدّ جديد، لتكون خلاف ما كانت عليه حتى الأمس القريب.
كان الذي جاء به النداء مذيَّلاً بعبارة:
خذوا من الداب على اثنتين عِبْرة، لتكونوا أنتم أهلاً للتعايش السلمي.
هذه العبارة كانت منبّهة ومشجعة لهم لكي يؤهلوا أنفسهم لحياة جديدة، وحباً لهم بالطبيعة.

***

زيارة الأسد
في زيارة غير متوقعة للأسد، وفي رقعة مقتطعة من الغابة، تفاجأ الفهدُ حين أوقفه ابن آوى، مستفسراً عن طلبه، فسمّى طلبه:
زيارة ودّية إلى الأسد، فبينا صلة قربى.
أشار إلى الجهة التي عليه الذهاب إليها .
كان ثمة مكان مسقوف وواسع، والصدمة في رؤيته للحمار جالساً وراء طاولة تليق بحجمه.
البواب قرد البابون هو من أدخله، وكان عليه أن ينتظر بعض الوقت حتى يأتي قريبه الأسد.
تم استضافته قرابة سطل من القهوة، ارتشفها على عجل .
والذي جاءه بالقهوة كان الأسد نفسه.
تبلبل الفهد.
كيف يحدث ما يحدث؟
انفرد به الأسد بعد أخذ الإذن من مسئوله الحمار.
-ماذا يجري يا قريبي؟ أأنت الأسد الذي أعرفه ؟
هز الأسد رأسه، وفي عينيه صفاء :
ليتك تعلم ما يجري يا قريبي. لنتعلم الحكْم معاً.كنت أعتبرني ملِك الغابة. وهذا الحمار معلّمي أبصرني بأشياء كثيرة كنت أجهلها. إنني أهذّب نفسي في حضرته.

***

مقام البوم
رحَّب الغراب بالبوم، وهو يطلق نعيقاً، بعد أن سمع نعيبه:
-كنتُ في انتظارك يا صديقي الليلي.كيف تخليت عن نومك، وأنت تلازم الليل؟
لولب البوم رأسه:
-كنت أعتقد أنني لا أستطيع دخول عالمكم النهاري. جرَّبت، وقد نجحت بعد محاولات عدة.
-يعني أنت تراني جيداً ؟
قالها الغراب.
-أراك بكل أوصافك يا عزيزي الغراب.
قالها البوم.
نوّرني قليلاً:
ضيقتُ زواية الإبصار في عيني. لا شيء يصعب علينا تعلمه إذا حاولنا ذلك، والأهم، أن نلازم بعضنا. لكم أنا سعيد، وأنا في هذا التحول الجديد .
مقابلهما: كان سنجاب صغير، يلتقط لهما صوراً، ثم قدَّم لهما ثماراً يشتهيانها معاً، وعصير أناناس، شكره عليه البوم:
يمكننا بعد الآن، أن نعيش حياة جديدة.. وها هي الطبيعة تفتح لنا ذراعيها !

***

غزال
حاول غزالٌ قطْع النهر، فصعب عليه اجتيازه، ولم يستطع العودة من حيث أتى.
أرعبته رؤية تمساح ضخم قادم نحوه، وبسرعة لافتة .
فتح التمساح شدقيه، وأطبقهما بهدوء على جسمه، ودفع به بعيداً، حتى بلغ به ضفة النهر.
كعادة بني جنسه توقع الغزال أن أمره قد انتهى. وها هو التمساح ينقذه، ويقول له:
-قبل عبور النهر، اختبر قوتك، وحينها تدرك متى وكيف تعبره .
استغرب الغزال تصرَّف التمساح، وهو يستفسر:
ولكن...!
حرّك التمساح ذيله، وهو يقول:
ولكن لم أفترسك..هناك موارد جديدة، عوّدت نفسي عليها، فلماذا أسفك دماء يا قريبي الحيواني؟

***

فأر
ما أن رأى الفيل الفأر قادماً نحوه.. رفع خرطومه عالياً خوفاً من أن يدخله .
على مبعدة منه وقف الفأر على رجليه الخلفيتين:
-انظر إلي أيها الفيل العظيم.. جئتك بأمر آخر..أنا طالب صداقتك..
مد الفيل خرطومه، وسأله:
-وكيف يتم ذلك ؟
-لدى جحور كثيرة، وأبواب رزق واسعة، فلماذا أقلقك ..
ثم تسلّق خرطومه، ومنه ظهره، وهو يدندن:
أليس جميلاً أن يسلّي بعضنا البعض الآخر؟
انطلق الفيل وكله نشوة وطرب !

***

ذئب
أبصرت النعاج ذئباً صحبةَ الكلب الذي يحرسها.
ثغاؤها ملأ المكان وتردد في الجوار:
-يا للخائن، حارسنا جلب الذئب عدونا إلينا !
قالتها إحدى النعاج!
شكلَّت النعاج دائرة، وهي متراصة.
نبح الكلب، وهو ينظر إلى نعاجه، وبجواره الذئب، ويقول مخاطباً إياها:
-أنا هو الكلب نفسه، وها هو الذئب قادم إلينا، ليس كما اعتقدنا.. إنما لنعيش حياة جديدة معاً.
حرَّك الذئب نفسه:
-كما يقول ابن عمّي الكلب.. أستطيع الاعتماد على غذاء آخر. ولن يكون هناك افتراس بعد الآن.. إلأ إذا نفق حيوان ماء، سوف أتولى أمره مع غيري، ليكون الهواء أصفى ..
رقص خروف صغير قريباً من الكلب والذئب:
-من الآن فصاعداً سأشبع حليباً من أمي !

***

طلب وصال
اقترب النمر من فرس النهر، وهو يتلمظ لمرآها، وقد أدركت فرس النهر هذه اللفتة، فلم تتحرك من مكانها، وهي تتشمس على ضفة النهر.
دون مقدمات، ومن مسافة قريبة جداً، خاطبها النمر قائلاً، وبصوت يفيض رغبة فيها:
أطلب وصالك يا عزيزتي فرس النهر، فهل ترفضينني شريكاً لك ؟
نظرت إليه فرس النهر، وهي معجبة برشاقته وجمال وبره ورأسه المغزلي، ثم قالت:
كلّي شوق إلى هذه اللحظة. أنت تعلم، أن ليس من ولي أمر لي، إنما أمري بيدي، ولكن يا عزيزي النمر، في الوقت الذي أقدّر شعورك، ومدى شغفك بي، كما أرى ذلك في عينيك الناريتين، أشفق عليك، إذ يستحيل الوصال، وبيننا هذا الاختلاف الكبير في الحجم وحتى طبيعة الحياة، فأنا مائية كثيراً، وطلباتي كثيرة، لهذا لا أرد طلبك، وملئي حزن، إنما كما أوضحت لك، لا بد أن تبحث عن شريكة قريبة منك، وتستطيع التعيش معها دون منغصات، وسأكون أول المباركين لك في حياتك الجديدة.
ابتعد عنها النمر، في الوقت الذي كان قلبه ينبض هياماً بها، ولا يجد تفسيراً له .

***

دب
كان الدب يرعى في مرج، وهو يمضغ عشباً ندياً.
أبصره خنزير من على مسافة منه، فاثاره تصرفه.
رآه الدب، ولوَّح له بإحدى رجليه الأماميتين:
-اقترب يا جاري الخنزير.. عليك الأمان..
استغرب الخنزير مما يسمع، وهو يقترب منه، وبحذر:
كما تراني، وانظر في الطرف الآخر، جارتنا الوعلة ترعى دون أن أمسَّها بسوء.. ولن أسمح لأحد بذلك.
-إنما كيف.. كيف ؟
سأل الخنزير!
-هأنذا أمضع العشب، والورق المتساقط من الشجر، وأنا سعيد جداً، وليس بي رغبة بسلوكي السابق. أنت أيضاً تستطيع أن تغيّر سلوكك، فلا تحفي في الأرض، ونعيش جيراناً، ونحن بأمان.
لن نخسر شيئاً، ما نخسره فقط، هو أذانا لبعضنا بعضاً ذات يوم !

***

دودة
قالت دودة لشقيقتها وهي تشعر بمغص شديد في جسمها الدبق:
هذا النداء المعمم علينا، وراءه حماقة ما بعدها حماقة، وجسمي يكاد يجف .
سألتها الأخرى:
ولكنه نداء يفيدنا كثيراً، فلا يمعسنا أو يؤذينا أو ينال منا أحد. 
لكنها سمعت من نظيرتها ما لم تفكّر فيه:
نعم، إنه نداء غير مسبوق، إنما هناك أمور كثيرة، تعاكس الطبيعة. الطبيعة نفسها لن تقبل، وكائنات كثيرة ستنقرض، ولا أحد يوقف حكمة غرائزنا. هل فكَّرت في هذا يا شقيقتي ؟
صمتت الدودة الأخرى، وهي تتخيل ما يمكن أن يحصل. إذ وراء السلسلة المعروفة لتراتب الحيوانات وعلاقاتها الغريزية مع بعضها بعضاً، تكون الطبيعة قائمة.
وزاد مغصها وإيلامها مما وصلت إليه:
أضم صوتي إلى صوتك.. هذا النداء سيثبت فشله عاجلاً أم آجلاً.. لا بد من عقد اجتماعي- طبيعي آخر، لا يوقف عمل غرائزنا، إنما ينظمها لتكون الطبيعة أكثر غنى، وأكثر إيفاء بحاجاتنا..!

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.33
تصويتات: 6


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات