القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: من أوراق «العصفور الدوري»، قصص قصيرة جداً

 
السبت 10 حزيران 2023


إبراهيم محمود

تحذير

حذّرت العصفورة الأم فراخها، قبل خروجها النهائي من عشها قائلة:
- هل تعرفين من هو العدو الأكبر لك؟
تمسحت فراخها بها، وهي بمناقيرها الطريَّة، تردُّ عليها:
- وكيف لنا أن نعرف، ولم نر العالم بعد ؟
ضمتها إلى صدرها الدافىء، وقالت:
أمثال هذا الذي بنينا عشاً في سقف بيته، ربما في أي لحظة يتلف العش، ويقضي علينا.
إنه لا يكتفي بقتل أبناء جنسه، إنما الكائنات الأخرى. ولهذا ينجب الكثير ليدفع بهم إلى الموت.
وهو الفرق بيننا. ما ننجبه للحياة، وما ينجبه غالباً: ليموتوا أو ليقضي عليهم هو نفسه .


***

فزع

في طيرانه التجريبي الأول، أخبر العصفور الصغير عما رآه وهو فزِع:
لقد رأيت جسماً، لا أعرف ما، لكن رأسه أكبر مني. هل سنكبر لنصبح مثله ؟
ردت العصفورة الأم:
هو هكذا، طائر كبير في خلقته، ونحن طيور بأجسام صغيرة، وسنظل هكذا. احذر أن تنظر إلى أي طائر كان، وتتحسر لأنك لست مثله. تصرف بحجمك، ستعيش سعيداً .

***

التحليق إلى أعلى

رأى  العصفور طائراً يشبهه وهو أكبر منه قليلاً.
حلَّق ذلك الطائر عالياً.
أحب العصفور أن يحلّق عالياً مثله.
عالياً عالياً حلَّق الطائر.
اندفع العصفور نحو الأعلى بدوره.
نسي أنه عصفور، وأن جناحيه لا يقويان على التحليق عالياً شأنه شأنه الآخر.
انطبق جناحاه على جسمه الصغير وهوى إلى الأسفل، ورغم ذلك كان يفكّر في التحليق عالياً.

***

دودة

جلب العصفور الذكر دودة صغيرة وشهية لأنثاه العصفورة .
أدخل منقاره في ثنية منقارها معرباً عن حبه لها.
بشغف شديد تناولت أنثاه الدودة من ثنية منقاره. ومالت إليه .
دودة صغيرة كانت فاتحة علاقة حب تخللتها زقزقات نبّهت أهل المكان إليهما، وهم يتابعون بفضول شديد ورغبة لا تُخفى، تلك العلاقة بكل تفاصيلها.

***

رأي

أعلَم العصفورُ الصغير أمه، بتلك المضايقات التي يلاقيها من هؤلاء الدابين على اثنتين.
انزعجت الأم وقالت له:
ألم أخبركم بوجوب الابتعاد عنهم، خاصة حين ينحنون ليلتقطوا حجرة ليرموكم بها.
اندفع الصعقور الصغير الآخر، وهو يقول بحماس:
هكذا تعلمتُ. أن أتجنبهم حتى قبل أن ينحنوا. مخافة أن تكون حجرة ملءَ قبضة أحدهم .

***

نتف الريش وأبعَد

قال العصفور للعصفورة:
أرأيت ماذا يفعل هؤلاء الدابين على اثنتين، وهم ينتفون ريشنا أحياء ؟
ويقولون عن أنهم رحماء ؟
ضربت العصفورة منقارها بمنقاره تودداً:
وماذا تقول عنهم، وهم يحرقون بعضهم بعضاً أحياء، ويقطّعونهم أشلاء وبتلذذ ؟
تملّك رعبٌ شديد العصفور، وأنزل منقاره بين رجليه الرفيعتين .

***

ذهول

ذهلت العصفورة الأم لمرأى صغيرها الذي لم يمض على خروجه من العش الكثيرَ، وهو يقلّد صوت الحمام تارة، وصورة الدجاج تارة أخرى، وبشكل مزعج، وبالكاد يزقزق.
نبّهته بطرف جناحها، وضغطت عليه بانزعاج: 
ستدخل البلبلةَ في كل شيء. اكتف بالزقزقة طريقة للتعارف، أما إذا تصرفت هكذا، فلن تجد أحداً يقبل بك قريباً منه، ومعترفاً بك، حتى جماعتنا من عصافير الدوري .

***

تغيير المكان

عمل كل من العصفورين: الذكر والأنثى على بناء عش لهما، في أعلى شجرة بعيدة عن البيوت الآهلة بالناس.
كانا قلقين من تغيير المكان.
قال العصفور لعصفورته:
لقد بدَّل هؤلاء البيوت الطينية بالحجرية والاسمنتية. وحُرّمنا من عش آمن بعد الآن .
ردت العصفورة عليه محركة رأسه علامة الموافقة:
وأنا مثلك في خوف مما نحن فيه. ونحن مكشوفان هنا. تُرى هل نستطيع وضع بيضنا والتفقيس ورؤية فراخنا وهي تكبر وتطير بسلامة ، كما كنا هنا، ونحن شبه محميين ؟

***

العصفورية

سألت العصفورة شقيقها:
نحن الآن في محيط شجري يُسمى " العصفورية " ما علاقتنا بها، ومن يقيمون فيها يُعتبَرون مجانين ؟
رد شقيقها: لا بد من وجود سر. لعل الذي يأتون به إلى العصفورية، يصبح وزنه من وزن العصفور، وفي حجمه .
ردة العصفورة:
هذه عنصرية ؟
وعنصرية مقيتة، وهم دائماً يتصرفون هكذا.

***

وردة

عصفور وعصفورة رأيا اثنين متقابلين جالسين في مقعد خشبي، في العصفورية.
كلٌّ منهما يحمل وردة .شاب وشابة في مقتبل العمر، ودون حراك.
كلٌّ منهما ينظر إلى الآخر، وهو يحمل وردته .
سأل العصفور العصفورة: ماذا يفعلان ؟
ردت العصفورة: لا بد أنهما عاشقان عن بعد.  الوردة علامة. يبدأ الحب، عندما يتقدم أحدهما من الآخر، ويسهّل قلباهما ما تبقّى.

***

مأساة

سقط فرخ عصفور من عشه على الأرض.
حزن الوالدان عليه وهو يصطدم بالأرض، وينقض عليه قط ، ويمضي به .
سقطت دمعتان من عيني الأم.
احتضنها الأب بكلا جناحيه :
هكذا هي الحياة. كان علينا أن نكون أكثر يقظة. علينا أن نكون أكثر يقظة لئلا نخسر البقية .

***

تنظيم عصافيريّ

حطّت مجموعة كبيرة من العصافير على شجرة، وأثقلت على أغصابها .
أعجب المنظر أحدها. فقال:
إن عددنا كبير. لماذا لا نكوّن تنظيماً، ونتقدم لكبير الغابة بمنحنا حقوقنا، كأن تكون لنا شجرة خاصة بنا؟
سخرت منه مجموعة عصافير:
أتريد أن نكون مثل هؤلاء الذين يتقاتلون على الأرض، ويعكّرون صفونا؟ ونحن نتصرف على سجيّتنا.
قالها أحدها.
عصافير أخرى راقت لها الفكرة.
تم انتخاب أحد العصافير مسئول تنظيم لها.
سأتولى أمر التنظيم، في تسجيل الأسماء. واجتماعنا سيكون مثل اليوم والساعة بعد أسبوع .
في اليوم الموعود. تأخرت عصافير عن المجيء. سواها تأخرت أكثر، وقدَّمت حججاً. وأخرى لم تأت .
صار جدل كبير بين العصافير.
-يجب أن نوقف هذه المهزلة، ومازلنا في البداية، قبل أن نندم على مثل هذه اللحظة، ويكون الخصام قد نال منا جميعاً، كما هم هؤلاء الذين يتعقبوننا في كل مكان .
قالها أحدها.
-لنعش طبيعتنا، كما قال كبير الغابة لنا، وإلا سنحوّل كل من في الغابة إلى عدو لنا .
ردد آخر.
وعلى هذه اتفقت العصافير وهي تتفرق وتطير كعصافير من قبل.

***

فنان

عصفوران متقدمان في العمر، أبصرا شاباً وهو أسفل الشجرة، ويحمل شيئاً في يده ، ويناوب بين النظر إليهما والنظر في الذي في يده .
نبّه أحدهما الآخر إلى ما يجري .
دقق الآخر في الجاري:
-إنه رسام. وأرى صورتينا في صفحته .
رد نظيره: 
وهل يكفي رسمه لنا؟ 
أجاب الآخر:
إذا أراد أن يعطينا قيمة عصفورية كما نحن. عليه أن يرسمنا كعصافير، ويبث فينا روحاً كما نحن، وليس كما يريد .
علّق الآخر:
سيكون ذلك صعباً جداً. إلا إذا كان يملك بين جنبيه روح فنان، دونها سيكون مجرد رسام !

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 8


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات