القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: حدث عالمي عظيم: الزلزال والتاريخ أيهما يكتب الآخر؟

 
الأحد 26 شباط 2023

 
إبراهيم اليوسف
 
ضعف الآدمي
عظمة الآدمي!
 
لم أستطع متابعة مشاهد زلزال الشرق الأوسط، الذي ارتبط تاريخه بالسادس من شهرشباط الذي يمضي إلى نهايته، من دون أن يتمكن من طي هذه الصفحة، ليس لأن الهزات والارتدادات تتوالى، على امتداد اليوم الواحد، أو الأسبوع الواحد، أو العشرين يوماً الماضية، فحسب، وهو ينشر الهلع والذعر في نفوس الملايين،  في جهات الأرض: شرقاً وغرباً. شمالاً وجنوباً، ليكون هناك عشرات الآلاف من الضحايا، على امتداد خط سيره، غير معترف بالحدود التي رسمها- سايكس بيكو- ولا سواهما، من دهاقنة واضعي خرائط المنطقة، والعالم، كي يوحد بين أبناء المكان. القارة. القارات، مصيراً، وأحاسيس، وإن  كان وقع تلقي نبأ الصدمة سيختلف بين امرىء وآخر. فما إن بت أتلقى أنباء" حدث" الزلزال- تدريجياً- شفاهاً، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، بعد أن استيقظت ورأيت أفراد الأسرة راحوا يتجمعون حول جهاز التلفزيون ويتابعون ما يبث من أخبار، عن الزلزال الذي استسهل ليلة أمس بعضهم أمره، قبل أن أنام، وباتت ملامح أثره تتضح تدريجياً، حتى رحت أتحاشى النظر في المشاهد الأليمة التي كانت الفضائيات تعرضها، أو تصل عبر الواتس آب، وهي جميعها لما تزال لا تمثل قطرة من بحر آلام الضحايا وذويهم، إذ آثرت سماع النبأ . قراءته، متهرِّباً من رؤية الأهوال التي تركتها هذه الكارثة العظمى، الأشد وقعاً، على الإطلاق!


بعد مرور-أيام- على الحدث العظيم، وبعد أن اطلعت على الكثير مما نشر من أنباء، وأخبار، عن هذه المأساة، بما يبز متون حكايات الأساطير، وبعد أن أصغيت إلى شهادات بعض الناجين: الأطفال- النساء- الشيوخ- الشباب، محاولاً عدم التدقيق على ملامح وجوه كل هؤلاء- ما أمكن- وإن كان مرور- بعض الأيام- على هذا الحدث قد منحني بعض الجرأة، للإقدام على مثل هذه المغامرة. مغامرة رؤية أجزاء من صور الضحايا والناجين في- الفيديوهات- وليس على نحو كامل، معتمداً على الصوت- فحسب- لتترسخ في ذاكرتي- عبر أقنوم- السمع، بعض تفاصيل هؤلاء، وهم تحت الأنقاض، بين الموت والموت، بين الموت والحياة، يعانون زمهرير الجدران المنهارة التي يتنفسون تحتها- في أقصى درجات وحشية البرد- وليس في إمكانهم الحراك. لقضاء حاجة، أو بل الريق بقطرة ماء، في ذروة ظمئهم المديد،  لينسى بعضهم المحنة التي هم فيها، وهم في طريقهم إلى الموت الأكيد، وإن كان خيط الأمل جدّ  واهٍ، منصرفين إلى التفكير بذويهم، فمنهم من يعيش مع أشلاء أهله: أما وأبا أو زوجة وأبناء، ومنهم من يسمع استغاثات بعض ذويه وليس له أن يمضي نحوه مجرد سنتمتر واحد، بل مجرد مليم واحد. إنها أعظم لحظات العذاب، كما إن الكم العظيم من العمارات والأبنية المنهارة ليشكل تحدياً عظيماً لإرادة الإنسان. هذا الإنسان الذي يبدو هشاً في تلك اللحظة، سواء أكان منقذاً، أم عالقاً، لأن كل جزء من الدقيقة. كل ثانية تمر محسوبان وفق قانون متوالية: الشهيق والزفير اللذين يبينان كم أن الإنسان ضعيف!
 
رائحة الموت الأعظم

ثمة نقاط مؤثرة، رددتها في مخيلتي، على أن أبني عليها  مفاصل مرثية مؤثرة، في هذا الحدث الجلل، وكلما حاولت أن أتناولها، وجدت أن لا لغة يمكنها أن تترجم ولو مجرد جزيء من آلام هؤلاء الضحايا: شهداء، أو ناجين، لاسيما عندما باتت دائرة الأخبار تتوسع وتصل تترى، عن أسر كاملة قضت بسبب زلزال الألفية الثالثة الأول. ستون ألف إنسان، ناموا ليلتهم تلك، وفي مخيلة كل منهم برنامجه الصباحي. مشاريعه. أحلامه. طفل في حضن أمه. عروس تتوسد ذراع عريسها. أشقاء أو شقيقات فوق أسرتهم في غرف نومهم، ناهيك عن أحوال من نجا بمفرده: طفلاً، أو عجوزاً، أو أحد الوالدين من دون بقية الأسرة، ولعل الجرح أعمق..أعمق...عندما نكون أمام بضعة أفراد من أسرة واحدة، قضوا جميعاً، وهناك عائلة فقدت عشرة أشخاص، أو عشرين شخصاً، أو أربعين شخصاً، من أفرادها، من دون أن يبقى لها من أثر، أو أن يبقى هناك ناج ما، كان خارج بيته. خارج مدينته. آلام كل هؤلاء عظيمة، وإن كان لمأساة الأسر السورية لاذت بهذه المدينة التركية أو تلك هرباً من مجازر طاغية بلدهم التي كانت تترصدهم، ويلاحقهم صنَّاعها، فلاقوا الموت المجاني بسبب كارثة طبيعية سهت عنها أجهزة رصد الزلازل، وخبراؤها، وبدوا وكأنهم بين جدران شقق متآمرة، مع الزلازل، ومتعهدو العمارات ومهندسوها، انطبقت عليهم، طابقاً طابقاً، في الوقت الذي صار في مقدور العقل الإنساني إشادة عمارات شاهقة تتحسب أكثر من احتمال زلزالي، فتتراقص، أمام زمجراته، وتنتصر عليه، في نهاية المطاف!
  
وسام البطولة
أو نوط الشجاعة!

لطالما رحت أطرح السؤال على نفسي، وأنا أتصورني هلعاً، أمام عمارة منهارة، وفيها نشيج آدمي، يشق الركام الذي انهار فوقه، متوسلاً إنقاذه، في تلم الليلة الشتوية، فما الذي كان يمكنني أن أعمل؟. كان المشهد يبدو أكثر درامية عندما كنت أرمم المشهد في ذاكرتي أكثر وأنا أتصور أماً ثكلى. أباً كليماً. طفلاً يتوسل: أن انقذوا ذوينا تحت الأنقاض!، فما الذي كان يمكنني أن أفعله. شهادات بعض الناجين، بعد مرور أيام، على مقاومتهم، وقوة إرادتهم وهم في أعظم محنة تابعها العالم كله كانت تعطيني بعض التفاؤل، على أمل نجاة كل من هم تحت الأنقاض- وأنى ذلك- لأن هذا ليس إلا مجرد خيال، فثمة من لن ينهض من تحت هاتيك الأنقاض إلا مجرد أشلاء، إلا إن من ظل يتشبث بخيط الأمل، وهو يقرض لسعات عقارب الساعة المتخيلة ليستحق أن نعده- أعظم بطل- بعكس من يفتك بالآخرين، ظلماً، ويغتصب هذه التسمية، ويكاد ينافسه آخر، هومن استنفر منذ أول انتشار نبأ الزلزال وراح ينبش بأصابع يديه الأنقاض، يرفعها، وحده، أو مع آخرين- من أمثاله- عساه، أو عساهم ينقذون: روحاً، أرواحاً، تنتظر النجاة! 
 
من يكتب التاريخ
من يستلهم العبر؟

لاشك، أن زلزال- كردستان- الذي ترك أثره العظيم، في نفوسنا جميعاً، لما خلف وراءه من كوارث وأهوال، لن يستطيع الطغاة امتطاءه، مهما أوتوا من دهاء وحنكة، إذ إن أصابع الاتهام توجه إليهم: أولاً، إنهم في موقع الإدانة واحداً واحداً، كل بحسب رتبته وترتيبه، كما إن الشعوب التي دفعت ثمن هذه الكارثة، هي التي استنتجت الدروس والعبر مما تم، وإن بدت مقهورة، عاجزة، لاتستطيع قول كلمتها الفصل، في اللحظة المطلوبة، وما يحاول طاغية أن يقوله خلال خطاب تهريجي، هنا، أو وعد ثعلبي هناك، من قبل قرينه، إنما  سيتم تجاوزهما، كي تبقى دروس الكارثة: أعمق، في الذات المعنية، وهي تستنج أسئلتها التي انشغلت عنها، وهي تلهث وراء تفاصيل صنعها مثل هذين الأنموذجين، وغيرهما، من الأشباه، والبطانات.
  
حكَّام بكراسٍ وقصور محصنة:
ماذا عن بيوت مواطنيهم في مسار الزلازل؟
 
كان على أولي أمر البلد الذي انطلق منه الزلزال، وهو وأجهزة رصد بلده، وخبراؤه، وعلماؤه، يغطون في نومهم العميق أن يعتذروا أمام مشهد موت ستين ألف امرىء، بدلاً من إطلاق الخزعبلات المخدرة، والإعلان عن- إعادة إعمار ما دمره الزلزال- لأن كل هذا لا يعادل  ذريرة من عويل طفل رضيع- تحت الأنقاض- على مبعدة سنتمترات من ثدي أمِّه الميِّتة، قبل أن يقضي هو الآخر: برداً، وجوعاً، وعويلاً، فمن يحلم أن يبني- إمبراطوريته- العظمى، مسؤول عن السلامة الفنية لمسكن أي فرد من رعيته، كما يفكر بسلامة كرسيه، وعرشه!

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.66
تصويتات: 12


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات