القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: معَ قُدومِ ألحانِ الرَّبيعِ، و زغاريدِ أسطورةِ شُعلةِ نوروز، يتجدَّدُ عهدُ البارزاني في كلِّ عام

 
الأثنين 28 شباط 2022


امل حسن

بكلِّ تأكيد بعدَ فصل الشتاء القارس، نحنُ كأمَّةٍ كرديَّةٍ ننتظرُ قدومَ الآلامِ و آمال الربيع الزاهرِ، و عندَما يبدأ فصلُ الربيع معَ أمجاد آذار، نلاحظُ أشياءَ كثيرةً، و كذلكَ تعودُ بنا الأفكارُ إلى الماضي، إلى تاريخ الشعب الكرديِّ، و لا سيَّما حروب و نضالات آبائنا و أجدادنا في عهد الثورات و الانتفاضات التي قادَها بواسلُ هذهِ الأمة بكل فخرٍ و بسالةٍ، و في رحابِ صدرها الأخضر المُلوَّنِ بدماء أبناء الشعب الكردي، نستنشقُ نسائمَ الحريَّةِ من الانتصارات، و يعزفُ الربيعُ ألحانَهُ الثوريةَ، فنتساءلُ : ماذا يعني الربيعُ للشعب الكرديِّ ؟ و ماذا يعني آذارُ ؟ و لماذا نترقَّبُ مجيئَهما بعين حزينةٍ، و قلبٍ مليءٍ بالأمل، من أجل أن نحتضنَ معانيَ الحقيقية لهذَينِ الاسمين الجميلَين في حياة الشعب الكرديِّ ؟ ومن خلالهما تبدأ مسيرةُ المقاومة في بداية الربيع في الأول من آذار معَ نفحات نشيد الوطن (Barzanî tu na mirrî tu Serok û Rêberî )


كما يُقالُ : من قلب الألم يُولدُ الأملُ، هُنا نُكملُ مشوارَ ربيع العمر للبدء بالتحدُّث عن قِنديلٍ من قناديل حياة الكُردِ، و هو شخصيَّةٌ كرديَّةٌ بارزة، رسّخَ حياتَهُ في سبيلِ حقوقِ شعبه، فارسٌ مقاتلٌ ثارَ ضدَّ الظُلمِ و الطغيان، ثائرٌ قادَ ثورةَ شعبٍ بأكمله، وعلى عاتقهِ رسمَ النصرَ للشعب الكرديِّ دونَ أن يستسلمَ أو يفقدَ الأملَ بهذا الشعب المظلوم الذي ليسَ لهُ أصدقاء سوى الجبال، إنَّهُ الجنرالُ المُلَّا مُصطفى البارزاني .
من مواليد قرية بارزان الصغيرة التابعة لقضاء ” ميركسور ” في محافظة أربيل التي عانتْ بما فيه الكفايةُ، و تحمَّلَتْ ما لا تتحمَّلَهُ الجبالُ، و احترقتْ عدَّةَ مرَّاتٍ ؛ بسبب نيران الثورات و لهيب الحروب، كانَ العدوُّ ينظرُ إلى تلك القرية المُباركة بكلِّ عدوانية و شراسةٍ ؛ لأنَّهُ كانَ يرى فيها أصالةَ روح الكرداياتي، و أيقونةَ كردستان القادمة، هُنا في هذه القرية الأثرية و الجميلة التي هي منبع الثورات الكُرديَّة الدينية، تُؤدَّى فيها مراسيمُ السمعِ و الطاعة من مُريديها لمشايخها، تلكَ المشيخةُ التي كانتْ داراً للعبادةِ و طلبِ العلم، و لكنَّ هذه الديانة المباركة، كانَ يتحوَّلُ دورُها تدريجيَّاً إلى دور سياسيٍّ و دور مُسلّحٍ، فالمُريدونَ طالبو العِلمِ في المشيخة كانوا يتحوَّلونَ إلى جنود من قِبَلِ شيوخهم الذينَ تحوَّلوا بعد ذلكَ إلى ثوَّارٍ و قادَّةِ ثوراتٍ .
المُلَّا مُصطفى البارزانيُّ ذلكَ المُحاربُ المِغوارُ في سبيل حقوق شعبهِ، وُلِدَ في ١٩٠٣/٣/١٤م، و مرَّ بمراحل مختلفة في حياته، فبعدَما خرجَ من المشيخةِ يحملُ اسمَهُ المُلَّا تحوَّلَ إلى ثائر، ثمَّ إلى عسكريٍّ يحملُ لقبَ الجنرال، اعتُقِلَ والدُهُ و هو رضيعٌ، ثمَّ سُجِنَ سنةً كاملةً مع والدته، و هو في الثالثة من عُمره في الموصل من قِبَلِ السلطات العثمانية آنذاكَ، نشأَ في بيئةٍ دينيةٍ و وطنية، و تربَّى على يَدَيْ أخيه الشيخ أحمد عبد السلام البارزانيِّ في منطقة بارزان، وشاركَ أخاهُ الأكبرَ أحمد البارزانيّ في قيادة الحركة الثورية الكرديَّة للمطالبة بالحقوق القومية للأكراد، و لكنْ تمَّ إخمادُ هذه الحركة من قِبَلِ السلطة الملكيَّة في العراق، و القوات البريطانية المحتلَّة التي استخدمَتْ و لأول مرَّةٍ في التاريخ الأسلحةَ الكيميائيَّةَ ضدَّ المناطق التي سيطرَ عليها الثوَّارُ الكُردُ، و هو والدُ رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود البرزانيّ .
وفي عام ١٩٣٥م، تمَّ نفيُ مُصطفى البارزانيّ إلى مدينة السليمانية مع أخيه أحمد البارزانيِّ .
وفي عام ١٩٤٢م، هربَ البارزانيُّ من منطقة نفيهِ ليبدأَ حركتَهُ الثورية الثانية .
وفي إيرانَ و بدعم من الاتِّحاد السوفيتيِّ أقامَ الكردُ عام ١٩٤٦م أولَ جمهورية كردية في منطقة مهاباد، و خدمَ الجنرالُ مُصطفى البارزانيّ كرئيس لأركان الجيش في جمهورية مهاباد، و التي لم تدُمْ طويلًا، فبعد (١١) شهراً من نشوئها تمَّ وأدُها من قِبَلِ الحكومة الإيرانية، و ذلكَ بعدَ انسحاب القوات السوفيتية من شمالي إيران، تحتَ ضغط القُوى الكُبرى التي تمركزَتْ قوَّاتُها جنوبَ إيران، و كانتِ القوَّاتُ السوفيتيَّةُ قد دخلَتِ الأراضي الإيرانية إبَّانَ الحرب العالمية الثانية.
بعدَ انهيار جمهورية مهاباد، توجَّهَ البارزانيّ إلى الاتِّحاد السوفييتي معَ (٥٠٠) من البيشمركة سيراً على الأقدام مُجتازينَ حدوداً جبليَّةً وعرةً في إيران و تركيا، حيثُ واجهوا عقباتٍ كثيرةً في طريقهم وصولاً إلى الحدود الأذربيجانية السوفييتية، و بقوا هَناك عشرَ سنواتٍ .
في عام ١٩٥٨م، و معَ إعلان الجمهورية العراقية دعا الزعيمُ العراقي عبد الكريم قاسم البارزانيّ للعودة إلى العراق، وبدأتْ مُناقشاتٌ حولَ إعطاء الكرد بعضَ مطالبهم القومية، و لكنَّ مطالبَ البارزاني والشعب الكرديّ لم تتطابقْ معَ ما كانَ في نيَّة الرئيس عبد الكريم قاسم إعطاءَهُ للكرد، فأدَّى ذلكَ إلى تجدُّدِ الصراع مرَّةً أخرى، حيثُ قامَ عبد الكريم قاسم بحِملةٍ عسكريَّةٍ على معاقل البارزانيِّ عام ١٩٦١م .
و بعدَ تولّي الرئيس العراقي عبد السلام عارف الحكمَ، اتَّفقَ معَ عددٍ من القادة الكُرد السياسيينَ و العسكريينَ، ومن ضمنهم الجنرالُ مُصطفى البارزانيّ على حلٍّ شاملٍ للقضية الكرديَّة، حيثُ أعلنَ اتِّفاقَ نيسان عام ١٩٦٤م، و الذي تضمَّنَ منحَ الكُرد الحقوقَ الثقافيَّةَ، و الإسهامَ في الحُكم، و بعضَ الحُقوق الأخرى، إلَّا أنَّ التيَّارَ القومي العربي تمكَّنَ من التسلُّلِ إلى السلطة، ونسفَ كلَّ ما اتُّفِقَ عليه، فاستمرَّتِ الدولةُ بإجراءاتها القمعية للشعب الكرديِّ، فتجدَّدَ النزاعُ المسلَّحُ بينَ الطرفين، وظلّتِ القضيَّةُ الكرديَّةُ تؤرِّقُ حكومةَ بغداد، و البارزانيُّ يقضُّ مضجعَ القيادة العراقية .
بعد تسعِ سنواتٍ من الحرب بينَ الكرد بقيادة البارزانيِّ الخالد، اضطرَّتِ الحكومةُ العراقيَّةُ إلى الاتِّفاقِ مع البارزانيِّ على الحُكم الذاتيِّ للأكراد عام ١٩٧٠م، والذي لم يدُمْ طويلاً ؛ بسبب انقلاب قيادة حزب البعث على اتِّفاقية الحُكم الذاتي عام ١٩٧٤م، و توقيعهم اتِّفاقيةً معَ شاه إيران، تنازلَ بموجبها العراقُ عن شطِّ العرب، و المطالبةِ بالأحواز مقابلَ توقُّفِ إيرانَ عن تقديم الدعم العسكري و اللوجستي للثوَّار الكُردِ، حيثُ كانَ البارزانيّ مدعوماً من الشاه الإيراني مُحمَّد رضا بهلوي، الذي قطعَ دعمَهُ للبارزاني عَقِبَ هذه الاتفاقية التي سُمِّيتْ باتفاقية الجزائر، و التي أُبرِمَتْ بينَ إيران و العراق بمُبادرةٍ أمريكيَّةٍ جزائريَّةٍ، و كانَ عرَّابُها وزيرُ الخارجية الجزائري آنذاكَ عبد العزيز بوتفليقة .
غادرَ بعدَها البارزانيّ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيثُ توفِّي فيها عام ١٩٧٩م، في مستشفى جورج واشنطن إثرَ مرضٍ عُضالٍ .
و منذُ تلكَ اللحظة، و إلى يومنا هذا لم يتوقَّفِ الشعبُ الكرديُّ عن المطالبة بحقوقهِ المشروعةِ، وعن مسيرة القضية الكرديَّة يوماً، بعدَ وفاة الجنرال المُلَّا مُصطفى البارزاني ؛ لأنَّ ثمارَ ثورتهِ و مسيرته النضاليَّةِ تثمرُ من آكري آرارات إلى مهاباد، ومن مهاباد إلى نهر آراس، ومن نهر آراس إلى ثورة أيلول، ومن ثورة أيلول إلى الحُكم الذاتيِّ، ومن الحُكم الذاتيِّ إلى انتفاضة الهجرة المليونيَّةِ، و من انتفاضة عام ١٩٩١م إلى الفيدرالية، و لا زالَ كفاحُهُ يُثمرُ كلَّ يوم بولادة جديدةٍ لدى الشعب الكرديِّ، وخاصةً لدى أبنائه وأحفاده السياسيين و الدبلوماسسيين، حيثُ استلمَ نجلُهُ الرئيسُ مسعود البارزانيُّ قيادةَ الثوراتِ و الحزب من بعده، نجلُهُ البيشمركةُ الذي قالَ : حانَ الوقتُ لِنُحدِّدَ مصيرَنا، و يجبُ ألَّا ننتظرَ لِيُحدِّدَهُ لنا الآخرونَ ؛ لأنَّ الشعبَ الكرديَّ يمتلكُ القوَّةَ من التاريخ، و يستمدُّ العزيمةَ من صلابة الجبال، و يكتبُ ملاحمَ البطولة والفداء من رحمِ المُعاناةِ، كما قالَها البارزانيّ الخالدُ : نحنُ أقوى من الجبال، سنرجعُ و نثورُ و نصمُدُ معَ صُمودِ جبال كردستان، فالكُردُ خُلِقَتْ أكتافُهم لحمل البنادق، فإمَّا أحراراً فوقَ الأرض أو عُظماءَ تحتَها، سيبقونَ مُتمسِّكينَ بأرضهم و وطنهم إلى الأزل ؛ لأنَّ الأمة الكرديَّة بشعبها و أبطالها البيشمركة على الاستعداد التام للتضحية بأرواحهم في سبيل قضيتهم العادلة، وكما قالَ الرئيسُ مسعود البارزانيّ : الكُردُ يفضِّلونَ الموتَ و لا ينحنونَ لأحدٍ، و قد تجسَّدَتْ طموحاتُ البيشمركة و دماء شهداء كردستان من خلال تضحياتهم و عطائهم قِيَمَ الولاءِ و الشهامة و حبّ الوطن، إنَّ راية كردستان ستبقى خفَّاقةً شامخةً إلى الأبد .
نعم إنَّ أصدقَ تعبير عن احترامنا لتضحيات و بسالة أسود كردستان هي غرسُ قِيَمِ الوفاء و حبِّ الوطن في نفوس الأجيال القادمة، كما غرسَتْها السيِّدةُ الأولى همايل محمود آغا الزيباري في قلوب و عقول أبناءها عندَ غياب زوجِها المُلَّا مُصطفى البارزانيّ لمدَّة اثني عشرَ عاماً، لنواصل سويَّاً مسيرةَ البناء و حصدَ الإنجازات نحوَ كردستان الحرَّة المُستقلَّة .
ألفُ تحيَّةٍ ملؤها الوفاءُ والروحُ الوطنية إلى روح رمز الشعب الكرديِّ البارزاني الأب الذي لم يتنازلْ يوماً عن شبرٍ من أراضي كردستان المقدَّسة التي رُوِيَتْ بدماء الشهداء، و بفضل وعيهِ الثاقب، و فكره الواسع، و نهجهِ العريقِ كرَّسَ مبادئَهُ القوميةَ على امتداد كردستان، و استطاعَ أن يسجِّلَ اسمَهُ معَ العُظماءِ في تاريخ الشعب الكرديِّ و المحافل الدولية بأحرفٍ من النور .
نعم، رحلَ البارزانيّ إلى الباري الأعلى، و لكنَّهُ باقٍ في ضمير و عقول الشرفاء من أبناء و جماهير الأمة الكرديَّةِ .
كلُّ الاعتزاز و التقدير لتضحيات شُهدائنا البواسل، و ننحني إجلالاً أمامَ بطولاتهم و مواقفهم المُشرِّفة في ساحات الشرف و الإِباءِ .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 8


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات