القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: جثة حالمة

 
الأربعاء 26 تموز 2023


خالد إبراهيم

هل يُعقل، ومن يصدق؟
هل يُعقل أننا بتنا مثل الغرباء في حافلة مجهولة المصير؟
أين ذلك العشق الذي نبع وبللَ كل الطرقات المقيدة، ووقف بوجه آلاف العلاقات العابرة؟
أرفعُ سبابتي وديجور العتمة يلفني مثل أفعى!!
ثلاثة أشهر وأنا أذبل مثل قطعة لحم مجروح، وفي كل يوم أقف أمام النافذة، أراقب الستارة، وأصوات تخترق جدار العتمة الفاصل بيني وبين بارك السيارات و ملعب الأطفال، حيث أمدُّ يديَّ حول المراجيح الثلاث، وأجلس على مقعدٍ خشبي مدحرجاً لفافات التبغ وأحتسي عرق خيبتي إلى أن أثمل، وفي أكثر من مرّة صرخت، وناديتُ ولم يسمعني أحد، الأبواب مقفلة، وديجور الظلام حالك، وصفعات الهواء البارد تشل أطرافي الأربعة، والرمل يملئ  ذروة رأسي الأشيب، وأحياناً يخرج البعض وينظر إليَّ من تلكَ النوافذ التي تحاصر المكان، لأبقى أسير الليل.


أذهب إلى السيارة، وأصوات الصراخ لا تفارقني، وكأنني في حفل وداعٍ أبدي وأمام خسارة لا نهاية لها، وهل يعقل أنني لم أخسر شيئاً بعد؟
وما كل هذه السكاكين التي تحوم حول عنقي؟
لازلتُ محظورا عن الشمس في النهار والقمر في الليل، أتصل في الساعة ستون ألف خيبة تطاردني، وتنجرُّ أحلامي إلى عنق زجاجة، لأرسم مِن ترابٍ يغمر أمي صور أطفالي الخمس ملايين جثّة، هل سأرحل؟
هل سأجثو طاعناً ركبة الزمن؟
ساحلا معي ملايين الاثداء والأفخاذ والمفاصل؟
ولم يبقَ من صراخ أسمي أي صدى، مُسحت نسبتي من السجلات، وحتى ساعي البريد مزق كل طرود الرسائل تحت ذلكَ الجسر، نُزعت شارة أسمي من صندوق البريد الذي يلف ضحكة الطفلة الوحيدة، أسمي مجهول، وعنواني مجهول!!
لازالت ذئاب روحي نائمة، والطريق مُبتل، رطب، تتزحلقُ عليه كُل أحلامي وأخطائي!!
ماذا فعلت بيَّ هذه البلاد؟
ويالَ حجم الخسائر والأثمان الباهظة!!
سألني أحدهم
كيف صمدت أمام كل شيء؟
فقلتُ: لم أصمد
في داخلي شخصٌ مصابٌ بالشلل، وقع كُل ما بهِ أرضاً إلا جسده
'''''''''''''''' نفسيتي بحاجة إلى حادثٍ خطير
ومستشفى كبير
 وطبيبٌ يقول:
إن لله وإن إليه راجعون وتنتهي القصة''''''''''''''''
لا أتذكر شكلي ولا غرف الفنادق أو المطارات ولكني أتذكر الأحداث دائمًا
السجن أكثر أماناً من الخارج
لقد انتهيت من المدن، قضيت  عشر سنوات في ألمانيا وعشر سنوات في الحلم المخيف ، وكنت في حظوة الموت لفترة، بالنسبة لي الآن هم مجرد مطارات.
أكره كل شيء في المطارات من الوصول إلى هناك وحيدا إلى الإقلاع أسيرا لا يشعر سوى بالموت البطيء!!
أين أنتِ ألان؟
اذهبي الى تلكَ الشجرة ولملمي بقايا رماد احتراقي، لا أريدكِ حزينة، ولا اريد لدمعة تتجرأ وتجرح ما تبقى من حبٍ بيننا، فقط اذهبي هناك، وانظري ماذا فعلت بيَّ الايام التي مرت دون رائحة نهديكِ، وغمازات وجنتيكِ، والكثير الكثير من كلمة أحبكَ، أعشقكَ
يا ذلكَ الشارع المُسمى " شارع المطار"
هل تذكر قبل ستة أعوام من الآن؟
دلّها إلى مكان بكائي الأبدي أيها الشارع الطويل مثل حلم لا ينتهي
باردة هذه الشجرة، مثل جثة، مثل ساق مبتورة لجندي غدر به كل العالم
مثل جزيرة نائية يبدو هذا المكان
هنا جلسنا، وتقاسمنا السجائر وأكواب القهوة والشاي
هنا وفي هذا الحد الفاصل من مدينة دورتموند وما حولها، عند هذا النهر، ماتت العصافير ذات ليلة موجعة
عند هذه المقبرة وتحت ذلك الصليب، رميتُ كل افراحي العتيقة
هنا تركتُ لكِ شيئا، ستبكين عليه طويلا، ستندمين عمراً، سيأكل الوجع اطرافكِ كْلما رأيت شجرة أو بحيرة صغيرة، تركتُ لكِ نفسي جثّة تعبث بها ريح الفراق والألم.
لا يوجد شخص يلائمك تمامًا ويطابقك، هذه خدعة من خدع الحكايات. يوجد شخص يتنازل من أجلك ويتماهى من أجلك وأنت كذلك، لأنكما-ببساطة- ترغبان بشدة أن تبقيّا معًا.
كم يلزمني أمانًا للعبور؟
وكم جثّة تستطيع طمر أنين جثّتي؟
خطرٌ على أمن الدولة هو أسمي، وسُيرفع ما تبقى من تجاعيد وجهي إلى دائرة الأوسلاندر، وكل محاكم الدولة ومراكز الشرطة ودور الدعارة!!
خطرٌ على الأطفال، والنساء، وعلب السردين والبيرة الفاسدة، على الهواء والريح والمطر والثلج والمياه وجسورها المنتصبة، على الطرقات أضع المتفجرات في عجلات السيارات وفوق أعمدة الإنارة وإشارات المرور، ومن بين السكك الحديدة أزرع القنابل وأنصب الصواريخ نحو الشمس الأبية!!
أنا من يخطط لعودة النازية، رافعاً صور القادة القدامى على حافة القبور وميادين الاستقلال، وانصب الكمائن والخطط العسكرية للاستعداد الكلّي لتنقلب الدولة  
كم سيجتاح الموت هذا الجسد، وكم مرة في اليوم  ستموت هذه الروح؟
 
    23/7/2023
 دورتموند خالد إبراهيم

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات