القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: الديمقراطية دراسة تحليلية هادئة

 
الخميس 31 اب 2006

كاني وار سـروجي

   في التاريخ لا يوجد مكان للافتراضات والتوقعات الصائبة والمفيدة على أساس المفاهيم والأعمال الطوباوية كما لم يتحدث المؤرخون عن شعب بمعزل عن معايير الزمن، والمقصود هو أننا لا نستطيع التحكم بالزمن وإن ما نفعله هو الخضوع لقوانينه ومسايرته، وهذا ما يسمى بقانون التكيف، ومن لم يخضع لهذا القانون كانت نهايته وخيمة ومتجهة نحو الهلاك المحتم والديناصورات، وهي ديناصورات قد انقرضت منذ ستة ملايين سنة لأنها عجزت عن التكيف مع المحيط.

   ومن خلال استقرائنا للتاريخ وللواقع الحضاري الذي أفرزته السيرورة الطبيعية لنمط الحياة واستيعابنا وتفهمنا الجيد وقدرتنا على التمييز بين المفارقات المستحدثة بين حضارات العالم المختلفة منذ القدم وصولاً إلى الحداثة نستطيع أن نتفهم بشكل واضح بأن أعظم القوانين المتعلقة بالتكيف والمتولدة من مخاض تتالي وتفكك وتركيب الأنظمة والقوانين المتحددة لثقافات العالم المتداخلة والتي شكلت فيما بعد موزاييكاً جميلاً نابعاً من مساهمة جميع الثقافات هي الديمقراطية وقد تلاشت أمامها جميع الطوباويات والدوهماويات والحضارات التي استطاعت أن تقطع أشواطاً في منح الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير لأبنائها استطاعت أن تعبر عن قوة حضارتها وتبني حضارة قوية تقوم على أسس تتميز دائماً بكونها معاصرة وتمتلك في صميمها متطلبات بنائها وعوامل ديمومتها كون مثل هذه الحضارة تقوم على أساس حاجات ومتطلبات متنوعة ومتغيرة ومستمدة من قوة التنوع الثقافي بشقيه المادي والمعنوي (الحضاري).
   ونحن في غمرة الخوض في مثل هذا الموضوع المعقد الشائك والذي بات يثير نقاشاً واسعاً في بلدان العالم الثالث والعالم على حد سواء والذي كان منطلقاً قوياً وأوصل المؤمنين بها إلى بر الأمان في الوقت الذي يكاد يشكل بعبعاً للأنظمة ذات الطابع الدكتاتوري الشمولي لا بد لنا أن نجيب على بعض من الأسئلة التي تحوم حولها ومنها: هل الديمقراطية هي حركة موضوعية وبالتالي حتمية لا خيار لنا إلا معها أم هي سياسة ومفهوم ذاتي يمكن تجنبها والعمل كما لو لم تكن موجودة بل ومقاومتها للحفاظ على خصوصياتنا؟ وهل ذلك ممكن؟ هل هي مرتبطة بالهيمنة الايديولوجية لبعض القارات القوية؟ أم هي دينامية جديدة تتيح الخروج من الهيمنة وتقدم فرصاً أكبر لتحرر المجتمعات البشرية وتفتح الباب أمام انعتاق الشعوب النامية والفقيرة والتي عانت وتعاني من آثار الدكتاتوريات المتلاحقة والمتوارثة كما تعد فضاء رحبا لتكامل جهود الشعوب في بينها للوصول إلى أسمى الأشكال الإيجابية لمجابهة التحديات التي يفرزها التطور الطبيعي للحياة وهل يمكن مجتمعاتنا الفقيرة والضعيفة والمتخلخلة في بنيانها والمبرمجة على أساس نمط التفكير الفردي الأناني و المؤرخ على أساس أنا الصحيح والعالم كله خطأ أن تكون ديمقراطيا؟
   للإيجاب على هكذا تساؤلات علينا أن نخوض قليلا في كيفية توالد مراحل التطور البشري ثم نلاحظ دور الديمقراطية كآلية فعالة في تشكيل التنوع الثقافي والتطور الحضاري الذي نجده أو على أقل نسمعه عند البلدان ذات الإرث الديمقراطي التي تشكلت لديها التكنوقراطيات فيما بعد.
إن ظهور الشكل البدائي للمجتمع البشري على شكل تجمعات صغيرة هنا وهناك أفرزت نوع من العلاقة بين عناصر المجتمع اتسمت بالعنف والعشوائية وسميت بقانون الغاب لأنها بالأساس مستمدة منها ثم ظهور أشكال مجتمعات أوسع وحدوث نوع من الاستقرار في حياتهم وتعمق الفكر البشري بأمور دنيوية وفلسفية توازيا مع علم اللاهوت وظهور الأديان السماوية ظهرت قوانين مناسبة لحياتها وأنماط معيشتهم وهذا ما تؤكده جميع العلوم والاساطيرالقديمة وظهور علوم الميثولوجية كانت حاجة بشرية للربط بين الحياة وقوة الإله التي تنظم سير الحياة على الكون وهذه القوة قائمة على أساس تعزيز روح الخير بأركانه وعناصره ووسائله وهذه الأفكار تمثل جوهر الديمقراطية.
   وبظهور آخر الأنبياء محمد (ص) الذي أن يضع بالاستفادة من القرآن والكتب السماوية السابقة لبنات أساسية لقواعد عادلة لمواجهة الأفكار البالية في المجتمع الجاهلي وظهور أفكار من قبيل (وشاورهم في الأمر ) كانت في الحقيقة قاعدة راسخة لانطلاق فكر ديمقراطي كان يجب أن يكون في طور التنفيذ والديمومة في الدساتير التي حكمت المجتمع الإسلامي فيما بعد.
   وفي أوربا لتمأسس الاقطاعات على أرضية المجتمع المشاعي كآلية متطورة لنمط المعيشة في المرحلة التي سمية بالقروسطية وتشكل المدن الكبرى والتمأسس المرحلة البرجوازية والتوجه نحو الفكر الذي بالتزامن مع تنامي أفكار الكنيسة والتي أصبحت عبئا على   حياة الأحرار الذين تراكم لديهم وظهور أفكار تمجد الفرد وحاجة الفرد للتحرر من قيود المجتمع بأبعاد عمودية وأفقية ثم فراغيه أدى إلى الحاجة التامة لوجود مفهوم يتسم بالاعتدال والنسبية وبشكل أدق يأخذ شكل الوسادة التي يجب أن لا تتكسر عليها ولا ينكسر تحت الأفكار والمعتقدات والتطور الذي أصاب ذلك العصر فكانت هذه التداعيات بمثابة  ......... الديمقراطية وترجمت عمليا في ......التي كانت مصدر انبعاث الفكر الديمقراطي .....فكلمة( ديو) باليونانية تعني الشعب و( كراتوس) تعني الحكم وقد كان السياسي الاغريقي القديم بيريكليس (500- 429) ق م هو اول من عمل على تطبيقه خلال فترة سيطرته على اثينا وقد كان متاثرا بفلسفة اناكساغوراس وكان طموحه يتمثل في جعل اثينا بلدا ديمقراطيا ومنبعا لها لجميع أمم الارض وانتفت بذلك فكرة انه يجب ان يكون الرجل ثريا ارستقراطيا حتى يكون له راي في مسائل الحكم وتم تشكيل مجلس تشريعي ومجلس اخر تنفيذي يجدد بالتناوب عن طريق القرعة وكذلك هيئة للمحلفين وتزامن هذا النموذج الهليني للديمقراطية مع تفوق اثينا الاقتصادي والبحري وازدهار كبير للفنون الابداعية والبحث الفلسفي  ووضع ذلك حداً لمنتقدي الديمقراطية وحجتهم في أن إعطاء الناس العاديين حق التعبير عن آرائهم فيما يخصهم يخلق مجتمعاً رتيب النمط وحكومة لامسؤولة.
   إن التنور في الفكر البشري والتقدم المعيشي ومرور العالم في مرحلة ازدحام الأفكار والمعتقدات الدينية والفلسفية في القرن ال 18 ةتنامي الفكر العلماني في المجتمع الأوروبي أدى إلى إشعال شرارة الثورة الفرنسية ومبادئها السامية في مجال الحقوق المدنية. وباعتبار الديمقراطية تمثل الشكل الأسمى والأعدل لطبيعة الروابط بين عناصر الثقافات ثم الثقافات فيما بينها تم تقبلها بسرعة في وسط المجتمع الأوروبي ووصلت بسرعة إلى القارة الأمريكية التي كانت حديثة الولادة واستفاد منها في بناء اللبنات الأساسية لدساتيرهم الحديثة وقوانينهم التي يقطفون ثمارها الآن وفرضت (أي الديمقراطية) على البيض الأمريكان تقبل السود وقد تم تفعيل الديمقراطية وتنشيطها ودخل إلى طور التنفيذ الحقيقي من خلال مبادئ ويلسن الأربعة عشر التي فرضت على دول الخاسرة في الحرب العالمية الأولى واعتبرت فيما بعد مرجعاً وإلهاماً للديمقراطية.
   وقد عانت الديمقراطية خلال مسيرة نموها وتبلورها تحديات كثيرة في كل منطقة كانت تصل إليها، فمثلاً عانت في بداية انتشارها في أوروبا من حكم الكنيسة وفي أمريكا عانت من التفرقة العنصرية.. الخ.
   على العموم فإن الديمقراطية عبر التاريخ كانت تشكل بالنسبة للدول المؤمنة بها هاجساً فكرياً حتى بات عقائدياً في الدول المتحضرة.
   وللانخراط في صلب مفهوم الديمقراطية وجوهرها علينا أن نفهمها على أنها مسألة نسبية وتتغير في شكلها ومضمونها بالتوازي مع تطور الحياة، وهي تنتمي إلى دائرة من المفاهيم والمصطلحات مثل الحرية وحق التصويت والاقتراع وحقوق المواطنة وحقوق القوميات الأخرى المشاركة مع القومية الرئيسية في الأرض والمصير.. الخ من المفاهيم المتعلقة بها.. وقد ساهمت الديمقراطية في تحريم امتلاك العبيد وأقرت بتجريم التفرقة العنصرية.. والفقر لا يعتبر عائقاً أمام الديمقراطية، كما أن التطور التقني والاقتصادي ليس شرطاً أكيداً ومنطلقاً للديمقراطية.
   ومن الجدير بالذكر أن الديمقراطية تستلزم مبدأين رئيسيين توأمين هما السلطة الشعبية على صنع القرار والمساواة في الحقوق لممارسة تلك السلطة. والجماعة تعتبر ديمقراطية بقدر ما يتحقق فيها هذان المبدأان كما أن هناك علاقة وثيقة بين الديمقراطية والحرية والسلام. كما ويتم تعريف الديمقراطية على أنها تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية بالقانون الذي يشبه الوسادة وهو المستوعب الذي تتبلور ضمنه الأفكار والمعتقدات وتتلاقى وتتلاحم ومن خلاله يتم تحقيق الأهداف والشعارات، فالقضية الكردية لا يمكن حلها حلاً عادلاً ما لم يتم إرساء مبادئ الديمقراطية في المنطقة، والحركة الكردية لا يمكن تطويرها لتستوعب أكثر قدر ممكن من الشارع الكردي ما لم تطور الديمقراطية في داخل هرمها الحزبي. ومن هذا المبدأ كان النضال الكردي ومنذ انطلاقه هو نضال من أجل تحقيق الديمقراطية في المنطقة، والشعب الكردي يناشد الحركة الكردية لتطور الممارسة الديمقراطية في داخلها ولتكون أداة لتأطير كامل الحركة لتغدو سفينة تتجه نحو بر الأهداف بقيادات ديمقراطيين ومجازيفها الديمقراطية. وهو بدوره يناشد المجتمع الدولي والمنظمات المهتمة بحقوق الانسان والسلطات الحاكمة المعنية بالقضية الكردية للاسراع في إرساء مبادئ الديمقراطية والحرية في المنطقة. فالحرية عبر التاريخ كانت مطلباً حيوياً كائناً في غريزة الانسان وحدودها يضعها الانسان الحر نفسه وليس السجان والدكتاتور كما أن الحرية والديمقراطية ليست موضوعات للخلاف والنقاش حولها ومن الإجرام بحقها عندما نقول بأنها تناسب مجتمعاً ولا تناسب آخر، ومن المتطلبات الأساسية لها هي التسامح مع الآراء المختلفة واحترامها وليس هناك جنس أو دولة أو طبقة أو دين يمكن أن يدعي لنفسه حق تمثيل فكرة الحرية ولا يمكن إنكار حق الحرية على أحد تحت اسم أي مفهوم فكري أو أي هدف مهما كان والاسهام التاريخي لأي حضارة يجب الحكم عليه بحجم ونوعية الحرية التي يتمتع بها أفراده بالفعل وصولاً إلى ليبرالية التفكير والتي عبر عنها المؤرخ الياباني فوكوياما بمقولته الشهيرة في أواخر القرن المنصرم: (( إن الديمقراطية الليبرالية الشاملة قد انتصرت وهو الشكل النهائي للحكومة الانسانية على مستوى العالم) وهو يدعو الخارجين عنه إلى التكيف معه. وهذا ما نتوخاه ونرجوه للمجتمع السوري بموزاييكه البشري الذي تثاقل عليه الجهل والتخلف والفقر والاستبداد.


 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات