القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: شركات الأسلحة وإثارة الحروب 2/2

 
الجمعة 09 شباط 2024


د. محمود عباس

دورها في الاقتصاد
 لا يخفى أن الملايين من الناس والألاف من المهندسين والخبراء والعلماء في جميع الدول المصنعة والمصدرة للسلاح يعيشون من نتاج هذا القطاع، خسارته أو أرباحه تؤثر بشكل مباشر ليس فقط على معيشة شريحة من المجتمع، بل على الاقتصاد الوطني بشكل عام. دوره بارز في الاقتصاد الأمريكي، نسبته تتجاوز 3% من الدخل الوطني، يرفع ويخفض من نسبة البطالة في الشارع الأمريكي، كما ويؤثر على سوق الأسهم ليس فقط الأمريكية بل العالمية، وبالتالي أي تباطئ في الإنتاج قد تخلف أزمة إدارية واقتصادية في الدولة، إلى درجة أن دعم هذا القطاع من أحد أهم البنود الخلافية في الحملات الانتخابية الرئاسية في أمريكا، من المعروف أن شركات هذا القطاع تتبرع بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق أشخاص أو شركات وهمية للمرشحين ولبعض أعضاء الكونغرس بكميات تجاوزت في الحملات الأخيرة المليار دولار، وبها يتم تشكيل لوبي سياسي قوي، تحصل بالمقابل على مرونة بيع بضائعها في السوق المحلية مثل أية بضاعة استهلاكية، ومن ثم نشر فكرة إيجابيات بيعه في الداخل الأمريكي وهو ما يؤثر على سهولة تسويقه في الخارج.


  ربما لا يعلم العديد منا، أن قطاع صناعة الأسلحة في العالم، ليس فقط في أمريكا، بل في الصين والهند وروسيا وغيرها من الدول المصنعة، الوحيد الذي لم يتأثر كثيرا في مرحلة جائحة كورونا، بل أزداد نسبة الأرباح فيه إلى قرابة 700 مليار دولار، في الوقت الذي عانت فيه جميع القطاعات الأخرى وبكل أنواعها في العالم إما بالكساد أو إلى الخسارات الهائلة. ففي الوقت الذي تراجعت فيه الاقتصاد العالمي بنسبة أكثر من 3 % سجل قطاع الصناعات العسكرية نموا بلغت قرابة 1 ونصف %، فعلى سبيل المثال، الشركة الأمريكية (لوكهيد مارتن) المعروفة على مستوى صناعة الطائرات حققت أرباحا بلغت قرابة 60 مليار دولار في عام 2020م، وهذا الربح خلق دعم معنوي لإستراتيجيي الاقتصاد الأمريكي.
  لا شك هذا القطاع في أمريكا يعاني عادة عند هيمنة الديمقراطيين على البيت الأبيض والكونغرس، باستثناء باراك أوباما ولأسباب، فعلى سبيل المثال، تراجع البيع مع مجيء إدارة جو بايدن تحت دعاية تغيير سياسة تصدير الأسلحة لمصلحة حقوق الإنسان، ففي العام الأول من إدارته أي عام 2021 تراجع نسبة المبيعات قرابة 21% وليس نسبة الأرباح، مقارنة بالسنة السابقة عندما كانت إدارة ترامب في البيت الأبيض الذي خفف القيود على بيع الشركات لأسلحتها وشراء الدول لها (بلغت كمية الصفقات قرابة 550 مليار دولار في عهده، منها 350 مليار دولار مع السعودية على مدى عشر سنوات وقيل فيما بعد إنها كانت إعلامية) وتم تغطية التراجع في عهد الإدارة الحالية بالشراء الداخلي، أي بدعم من البنتاغون، لذلك رفعت الإدارة سقف حصة وزارة الدفاع من الدخل الوطني العام. 

من المستفيد من نشر مفهوم دور شركات السلاح الأمريكي دون الدول الأخرى في خلق الحروب؟ 
  من المناسب عند الحوار على هذا المفهوم، تجاوز البعد الإيديولوجي، فأدوات التدمير لا تعرف الأديان والإيديولوجيات، أي كانت منابعها أو البنية التي يتم على أسسها تصديره، تظل مصدر للقتل؛ وخلق الصراعات والحروب والكوارث. فجميع الأديان السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، أسسوا إدارات للسيطرة، وكونوا إمبراطوريات أو شاركوا في إداراتها، ونشروا مفاهيمهم، واستخدموا للهيمنة أخر الاختراعات من الأسلحة وطوروا صناعتها، أي بها وسعوا حلقات الكوارث، وقتلوا الملايين، ومثلهم جميع الإمبراطوريات حتى الحضارية منها، مثلما يجري اليوم، كالسوفيتية والأمريكية والأوروبية، فلا يوجد من هو أفضل من الأخر، مصالح الجميع فرضت شروطها، ولا تزال، ومن سيأتي بعدهم سيسر على المنهجية ذاتها للهيمنة، ولن تظهر في البشرية إمبراطورية مبنية على الرحمة ورفع راية السلام والمحبة، فقد كانت الحروب موجودة والكوارث مرعبة قبل ظهور الإمبراطوريتين الأمريكية والسوفيتية، فجدلية الصراع بين الحرب والسلام ، القتل والرحمة خلقت مع الإنسان وستظل، هناك من يظهرها بأوجه مختلفة للتغطية على مجازرهم. 
 حروب اليوم ومجرياتها يجب أن تدرس بمنهجية منطقية، ومن ينشرها بهذه الضحالة بل بالخباثة الفكرية، يريد أن يغطي على الصراعات القومية والمذهبية، فلم يعد غريبا أن أكثر المستندين عليها هي الأنظمة الفاشلة، الدكتاتورية والعنصرية، يحاولون بها التغطية على طغيانهم، وإلقاء أسباب تخلف شعوب المنطقة على قوى خارجية، ومن جهة أخرى القضاء على حقوق الشعوب المعانية بتذنيب الدول المصدرة للسلاح لتبرئة الذات من جرائمهم، وأخبث من يوهم مجتمعاتنا في منطقة الشرق الأوسط بهذا المفهوم هي الدول المحتلة لكوردستان، إيران وتركيا والمتحدثة بالعربية وغيرها من الدول التي تهضم حقوق الشعب الكوردي، فقد كانوا على ما هم عليه من الإجرام وخلق الكوارث قبل أن تظهر أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفيتي كإمبراطوريات تبيع الأسلحة، فهي من مخلفات الإمبراطوريات المحلية التي غرقت في الإجرام.
  الأنظمة السائدة في الشرق الأوسط  لا تزال تحمل مورثات الإجرام والتدمير من إمبراطوريات الأم، حيث القتل على الهوية أو الانتماء القومي أو الديني والمذهبي، فما قدمته وتقدمه إيران وتركيا اليوم للمنظمات الإرهابية في المنطقة وأدواتها وأذرعها وعلى رأسهم داعش ( قدم نوري المالكي رئيس وزراء العراق بأمر من أئمة ولاية الفقيه أسلحة ومعدات ثلاث فرق عسكرية لداعش، تجاوزت 1700 مدرعة والعشرات من الدبابات فعلها نظام بشار الأسد وقدم أسلحة ومعدات فوج المهلبية ولواء 91 ومن قواعد في تدمر وبمساعدة روسيا) ومثلها فعلها نظام أردوغان في البداية كصفقة مقابل عناصر قنصليتها في الموصل، وبعدها كاتفاقية لمحاربة القوى الكوردية. الدولتين دفعوا بهذه المنظمة لتدمير إقليم جنوب كوردستان والإدارة الذاتية في غرب كوردستان، أمريكا وبسلاحها أنقذت المنطقة من جرائمهم، فلنحكم في المجازر التي تمت بحق الشعب الإيزيدي والمسيحيين في المنطقة، من هو المجرم هنا؟ 
ما دمره النظامين تتجاوز جميع ما قدمته مصانع الأسلحة الأمريكية والأوروبية لحلفائها في المنطقة، واليوم المنظمات المنضوية تحت راية أدوات إيران الشيعية (المقاومة الإسلامية) أو المعارضة التكفيرية المنضوية تحت حماية تركيا السنية، تخلق الكوارث والمجازر تتجاوز معظم الحروب التي خلفتها أمريكا في الشرق الأوسط، وفي الواقع الجدلية بدأت تظهر للإنسان الواعي بوجهها الصحيح، السلاح الأمريكي هو للدفاع في وجه أنظمة الإجرام والتدمير، مع ذلك الأنظمة الفاشلة والعنصرية تصرف الملايين على الإعلام الخبيث بالترويج للمفهوم المذكور للتغطية على جرائمهم بحق شعوب المنطقة وخاصة بحق الشعب الكوردي.
 شعوبنا تحتاج إلى حركات تنويرية لإنقاذ مجتمعاتنا من الأنظمة الطاغية وأدواتها، بتعريتها والحد من طغيانها وخلقها للكوارث في المنطقة، علينا أن ندرك إنها الأكثر استفادة من هذا القطاع المدمر، ولا شك شعوبنا تحتاج إلى التدخل الخارجي رغم تعارض الفكرة والمطلب مع الأبعاد الوطنية، لكن الأنظمة الطاغية لم تبقي مجالا،  لأنها شوهت حتى المفاهيم الوطنية والإنسانية، فجرائم نظام بشار الأسد ونظامي أردوغان وأئمة ولاية الفقيه وغيرهم خير مثال، لهذا فهم يتفقون على محاربة الوجود الأمريكي والقوى الخارجية ليس حبا بالوطن بل حفاظا على هيمنتها وطغيانها وتغطية على جرائمها، علما أنهم على خلاف حاد وصراعات داخلية في المجالات الأخرى، لو كانوا صادقين في مواجهة آلة الحرب، لقاموا بحل الخلافات القومية والمذهبية، وتطبيق الديمقراطية وإعطاء الشعوب حقوقها وعلى رأسهم حقوق الشعب الكوردي، وحل قضيتهم القومية، وتحرير كوردستان من احتلالهم، وبها لتمكنوا وبسهولة من حل القضية الإسرائيلية والفلسطينية، حينها سيكون سهلا الحد من التدخل الأمريكي أو الأوروبي أو الروسي وغيرهم، والقضاء على عبث المنظمات الإرهابية، وبها ستموت السوق المفتوحة لشراء أسلحتهم، وللأسف وعلى خلفية هيمنة الأنظمة الفاجرة على منطقتنا فشعوبنا تعاني أكثر من جميع شعوب العالم، الإشكالية التي ظهرت مع وجود الإنسان ولن تموت إلا بموته، أو موت الأنظمة الفاشلة في الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة الأمريكية
5/2/2024م

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات