القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: كورونا، العملاق اللامرئي - الجزء الثاني

 
الأحد 19 نيسان 2020


د. آلان كيكاني

وما إنْ انتشرَ الفايروسُ في أصقاعِ الأرضِ، واتّخذ صفة الوباء العالمي، وراح يفتك بالآلاف، حتى أخذت ألسنة المدمنين على الإيمان بنظرية المؤامرة تلوك بإمكانية أنْ يكونَ الفايروسُ مختلقاً في مختبرات أجهزةِ المخابراتِ العالمية. 
قالوا أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية اختلقتْهُ وأطلقتْهُ في أكثر المدن الصينية اكتظاظاً بالسكان، كي تدمّرَ اقتصادَ هذه الدولة، التي باتت تنافسها على الزعامة على العالم، وتعيدها خمسين سنة إلى الوراء، لكن السّحرَ سرعانَ ما انقلبَ على الساحرِ، وانتقلَ الفايروسُ من الصينِ إلى أمريكا وبات يعيدها هي إلى الوراء. 


وقالوا بل إن الصين هي التي أعدت الفايروس ونشرته في أمريكا وأوروبا، بعد تمثيلية داخلية موَّهتْ بها خطتها، لتضع العصي في عجلة التطور في هذه البلدان، ومن ثم لتحتلَّ مركزَ الصدارةِ في العالم. 
وقالوا أنَّ ثمتَ جهةً ما، تجاريةً جشعةً، أوجدتْ الفايروسْ وصنعتْ له لقاحاً، ثم أطلقته بين البشر، وهي تنتظرُ ساعةَ الذروةِ لتبرزَ لقاحَها، وتبيعَه بعشرات المليارات من الدولارات.
وقالوا أنَّ الفايروس هو لعنة إلهية حلّت بالبشر بعد أن فاقَ فسقُهم وفسادُهم في الأرض ما تتحملُه عيونُ الله. أي أنَّهم تجاوزا مرحلةَ اتهامِ البشرِ بالتآمرِ على غيرِهم، إلى مرحلة اتّهام الله جلَّ جلاله بالتآمرِ على البشرِ.
ومنهم من ذهبوا أبعدَ من ذلك حين ادّعوا أنَّ لمخابرات الغربية هي التي صمَّمَت هذا الفيروسَ الفتاكَ ليخلصَها من شريحةِ المسنين الواسعة فيها، والتي راحت تشكل عبئاَ اقتصادياً واجتماعياً ثقيلاً عليها، بعد أن ارتفعت معدلات الأعمار فيها، حتّى ناهزت التسعين سنة. 
وقالوا، وقالوا، دون أن يكلّفوا أنّفسهم عناء القراءة لساعةٍ واحدةٍ، ساعةٍ واحدةٍ فقطْ من تاريخ الأمراض الوبائية. إنها كفيلة بإزالة اللبس وإماطة اللثام عن كثير من الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع. فمنذ فجر التاريخ، تظهرُ أمرضٌ وبائيةٌ فتاكةٌ تحصدُ الناسَ حصاداً وتدمر مدناً وبلدان، وتنسف حضارات. وفي المدى المنظور من التاريخ، يمكن أن نلمح السلَّ، والحصبةَ، والجدري، والجذام، والطاعونَ، والكوليرا، والإيدز، وإيبولا، والملاريا، وأنفلونزا الخنازير، وأنفلونزا الطيور، والانفلونزا الإسبانية، وما ادراكم ما الأخيرة هذه! ظهرتْ في عام 1918 وقضَتْ خلالَ فترة وجيزة على مائة مليون من البشر، حتى أنها أنهكت الأوروبيين إنهاكاً، وقتلتْ منْهم أكثرَ مما قتلتَ الحربان العالميتان الأولى والثانية، والغريبُ في أمرِ هذه الإنفلونزا أنها كانت تتخطى المسنين والأطفال وتفتك بالشباب الأصحاء! أي أنها كانت تتصرف كفارس أبّيّ لا يرتضي منازلة الضعفاء... وربما، بل أقول من المؤكد أنَّ فايروس كورونا هو أحدُ هذه الأمراض الإنتانية الخطيرة التي تظهر بين الفينة والأخرى، وتقضي على الملايين من الأرواح. صحيح أنَّ هناك الكثير من المؤامرات القذرة تحيكها دولٌ ضد دولٍ، وأممٌ ضد أممٍ، وأفرادٌ ضد أفرادٍ، ولكن ليس كل ما يحدث حولنا هو مؤامرة، فللطبيعة كلمتها، وقوتها، وجبروتها، وهي ليست مكتوفة الأيدي، فما من يوم يمرُّ علينا دون أن نسمعَ فيه عن زلزالٍ مدمرٍ، أو بركانٍ عنيفٍ، أو سيلٍ جارفٍ، أو إعصارٍ شديدٍ، أو وباءٍ قاتلٍ ... والسؤال الذي يراود ذهني الآنَ هو ماذا لو عجزَ العلماءُ عن إنتاج لقاح لفايروس كورونا؟ أو ماذا لو أن هذا الفايروس تعرضَ لطفرةٍ أخرى، وصار أشدَّ قدرة على الفتك بالبشر، وأكثر إمكانية على الانتشار، كأن ينتقل عشرات الأمتار مع الهواء بدلاً من مترٍ أو مترين؟ حينها، بلا شكٍ، سنكونُ أمامَ كارثةٍ كبرى تحل بالبشر، وربما سنكون أمام تهديد حقيقي بانقراض البشر عن سطح الأرض. صحيح أنّ الفكرة أشبه ما تكون بالخيال العلمي لكن علينا أنْ نسأل أنفسنا: 
ترى أين الديناصورات؟ 
وأين ذهبت مجموعاتٌ هائلة من الكائنات التي تدلنا عليها الحفريات كل يوم؟ 
ولماذا لا نحب أن نصدق، نحن البشر، أن الدور سيصل إلينا ذات يوم؟ 
أقول هذا، بينما عبارة أستاذي الجامعي في علم الأحياء الدقيقة لا زالت ترن في أذني، رغم مضي ثمان وعشرين سنة عليها. كنا مجموعة من طلبة الطبّ في مختبر الأحياء الدقيقة نستمع إليه وهو يلقي علينا درساً عن الفايروسات، وفجأة سألَنا: 
"هل تؤمنون بفناء البشر عن سطح الأرض؟" 
فأجبناه بصوت واحد: "بالتأكيد."
"لكن كيف؟" سأل مرة أخرى.
فقام أحد الزملاء وراح يتحدث عن مفهوم قيامة الساعة من وجهة النظر الدينية. وأورد الحجج والبراهين من القرآن والحديث.
ثم قام آخرٌ، وذهب إلى أنَّ نيزكاً كبيراً سيسقط من السماء، وسينقرض الإنسان على إثره عن وجه الأرض، كما انقرضت الديناصورات قبل أكثر من ستين مليون سنة. 
وقام آخرٌ، وادّعى أنّ حرباً نووية بين القوى الدول العظمى هي التي ستتكفل بالقضاء على وجود البشر على سطح الأرض. 
ثم قمت أنا، ورحت اتشدق بالكلام عن الاحتباس الحراري، وذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع منسوب البحار، واحتمال زوال اليابسة.
لم تبدُ أيةُ علامةٍ من علامات الرضى على محيّا أستاذنا، وهو يسمعنا نجيب على سؤاله، وعندما أيقن أننا لا نعرف الجواب الذي في ذهنه فجّر قنبلته، قائلاً بهدوء: 
"الفايروسات هي التي ستقتلنا." 
ولم يكتفِ بهذا، بل راحَ يسردُ لنا مفاهيمَ فلسفية عن هذا الموضوع، مدعياً أنّ كلاً من الإنسان والفايروس يحتل مكانه في قمتين متضادتين في سلم الحياة، هذا يحتل قمة الرقي، وذاك قمة البدائية، ومن الطبيعي أن تكون هناك حرباً دائمة بينهما تنتهي، في نهاية الأمر، بانتصار أحدهما على الآخر. وبما ان انتصار الإنسان على الفايروس يكاد يكون مستحيلاً لأنه كائن في غاية الدقة من جهة، وله أنواع هائلة وأعداد مهولة من جهة أخرى، فإن النصر سيكون في النهاية للفايروس.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات