القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: وفي مشفى فرمان قامشلو

 
الخميس 07 اذار 2024


إبراهيم محمود

الحدث الذي يُعتبَر ركيزة التاريخ، ولسان حاله، ليس واحداً بالتأكيد، ربما يتنوع في عناصره، وهو يجمع بين استمرارية فيه، وتغيّر في الاستمرارية نفسها، كما هي الحياة ومنطقها .
والأمم والشعوب أحداث هي منصات حياتها في تنوع حالاتها ومظاهرها، والمأهول بالحياة هو من يعيش آتيه من خلال دروس ماضيه، ومؤثرات حاضره، ليكون جديراً بالحياة هذه.
اللحظة الآذارية لم تكن منطلق التاريخ الكردي، أو الحدث الذي ظهر طفرة، غير متوقعة، إنما هي بمنطق التاريخ الحي، لسان حال ما ليس يظهر لأي كان، بسببها ومآلها. هي الحدث الأكثر حضوراً في التاريخ الكردي في نوعيته، الحدث الذي كان لسان حال شعب مقهور في مجمله.


وما أفصح عنه الحدث كان جلياً بانتسابه إلى التاريخ ودراسته من النواحي كافة.

وكما لوحظ سابقاً، فإن رؤية الكردي وهو يتحرك في الشارع، كما لو أنه شارعه، ويتكلم، كما لو أنه، للمرة الأولى، يصرّح بجرحه الإنساني عالياً، مردداً صداه هنا وهناك، رؤية تنتمي إلى انعطافة تاريخ، مرآته الأكثر سطوعاً، مهما حاول مستبده التعتيم على صورته، صوته، وصيته.
وهنا، أتحدث عن وجه آخر من هذه اللحظة : الحدث، في يوم " 13- 3 / 2004 "، بعد الظهر، ظهر يوم السبت، بعد قطع مسافة طويلاً سيراً على الأقدام: كاتبنا الراحل والكردي بروحه ودمه: محمد سيد حسين، وأنا، عابرين  ساحة " السبع بحرات " نراقب ما يجري، نازلين صوب " عرين " الذين أصيبوا من كردنا الكرد، أو ضحوا بدمائهم، في : مشفى فرمان، حيث يمر بجانبه يساراً الطريق إلى " الحسكة " لنعيش عن قرب، خاصية اللحظة تلك، سخونة الحدث ذاك. قريباً من بوابة المشفى، فوجئنا بسيارة " تويوتا " كانت تحمل مصاباً بجروح بليغة، من رصاص قتلة النظام ، وهو ينزف دماً، هرعنا إليها، ساعدنا آخرين في حمله إلى الطابق الأرضي" السفلي " للمشفى، أدخلناه في ممر داخلي، كان الممر: الدهليز يضم كثيرين من الأبطال المصابين هناك، وتتم معالجتهم. يستحيل في وضع كهذا، وصف الشعور النفسي برؤية المشهد المؤلم والباعث على الفخر في آن، لم يكن هناك عويل، كما يحدث في الحالات العادية، حالات شجار مؤسفة، الجرح إشراقة تاريخ في جسد هو جغرافيا كردية، هكذا كانت الوجوه تترجم إصاباتها، علاقاتها مع بعضها بعضاً، وهكذا كانت وجوه وأيدي الذين انهمكوا في معالجتهم فياضة بالأمل، بالتحدي، بالمستقبل المؤشر على إطلالة كردي آخر، بوجه آخر، بروح أخرى، بلغة أخرى، وكنا بين سخونة الدمع المنحبسة في العين، والفرح الممزوج به، تعظيماً للحدث وإيماناً بالمنشود.
ما يجدر التركيز عليه، جهة التأريخ للحظة تلك، هو هذا التركيز على الإصابات، هذا الاستغراق في العمل الإنساني، والقومي الكردي، بدافع من شعور مأخوذ بإيمانه الروحي، وتقديره النفسي، ممن كانوا في المشفى، وبدءاً من إدارته وصاحبه، الدكتور الراحل: عبدالعزيز فرمان.
لا أتحدث عن مشفى فرمان باعتباره المشفى الوحيد الذي فتح بابه واسعاً لاستقبال المصابين، ربما كان هناك مشاف أخرى " مشفى الرحمة ، مثلاً " غير أن موقع مشفى " فرمان " الطرفي، وبعده عن مركز المدينة وملاحقات أزلام النظام وسعارهم، لكل مصاب ومن يهتم بأمره، منحه هذا الاعتبار، إنها لحظة معززة بحمولتها القيمية، بخاصية الافتداء فيها، وبروح الأثرة .
إنه واجب تاريخي حقاً، لا أعتبرني الوحيد المعني به، والذي انفرد بتدوينه، لكنه التاريخ الذي ألزِم نفسي به، كأحد شهود على ما كان، ومن باب الواجب الإنساني، والقومي، واستجابة لخاصية الكتابة التي أجدني، كآخرين، طبعاً، متفاعلاً معها. أي قيمة لكتابة، مهما علا صوتها، إن لم تسمّ لحظة كهذه، ومن قبل من يعرّف بنفسه كاتباً، ويظهر متخاذلاً، رعديداً، ويسمّي نفسه كاتباً وكردياً ببصمة الكردية وعلامتها الفارقة: الكردستانية ، أيضاً؟
هوذا الطريق المعبَّد بما هو تاريخي، وما أثرته حتى الآن، سعي إلى حمْل كتاب التاريخ بيميني!
شكراً لمشفى فرمان، شكراً للجنود المجهولين: المعلومين الذين عملوا فيه، شكراً وشكراً وشكراً للذين تفتحت جراحاتهم وروداً حمراء فواحة الرائحة تزهو بها شجرة النسب الكردية عالياً !

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 5


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات