إن نجاح هذا المؤتمر يعني قبل كل شئ وقبل أي اعتبار نجاح المعارضة في جمع شمل السوريين وتشكيل أرضية صلبة لبناء مستقبل سوريا الحر . فمن الطبيعي أن يسخّر النظام كل إمكانياته للحيلولة دون نجاح مؤتمر أنطاليا من خلال وضع عراقيل أمام الأطراف التي ستشارك فيه ، ومحاولة إفراغ المؤتمر من محتواه ، لكي يرسل من خلال ذلك إشارات إلى الخارج (المجتمع الدولي) مفادها عرض صورة هشة عن المعارضة والإيحاء بعدم وجود قوة حقيقية للمعارضة على الأرض . وإرسال إشارات إلى الداخل للجم ثورة الشباب والإيحاء بأنه لاشريك للتفاوض سوى النظام .
تريد الأطياف المعارضة السورية من خلال هذا المؤتمر أن تعطي لنفسها فرصة إجتماع بين أطرافها ولم شملها . بالتأكيد هناك تباين في المواقف بين المؤتمرين ، وكل طرف يضع أمامه أجندته الخاصة ، وهذا شئ صحي في الحياة الديمقراطية لأي حراك سياسي ، والتي نرنوا لها جميعاً . الأهم سيشكل هذا المؤتمر إمتحاناً صعباً للجميع ، في مدى إستطاعة أطراف المعارضة تقبل رؤى الغير وعلى مدى قدرة المعارضة السورية على وضع إستراتيجية واضحة المعالم لسوريا المستقبل . كما أن التلون السياسي للمشاركين في المؤتمر ، سيكسبه صبغة جيدة وحقيقية تمثل مكونات أساسية للمجتمع السوري.
رابعاً: الأجندة الكوردية
إن إيجاد حل ديمقراطي لقضية الشعب الكوردي في سوريا ، من خلال الإعتراف به كمكون أساس من مكونات الشعب السوري وتثبيت حقوقه في دستور البلاد يشكل حجر الأساس في أي سياسة وإستراتيجية في المنطقة ، لذا فإن محاولة تهميش الكورد من أي خريطة سياسية جديدة في منطقة شرق الأوسط سيجلب الدمار ليس لسوريا فقط بل سيكون له إنعكاسات في سائر دول المنطقة . لذلك على المؤتمر الوقوف بشكلٍ جدي على هذه القضية وتثبيت حقوق الكورد القومية المشروعة في قراراته ووثائقه .
وتأتي الهواجس الحالية للكورد (المبررة منها وغير المبررة) تجاه هذا المؤتمر والمستندة إلى:
أ- تركيا ، الدولة الراعية للمؤتمر ، تضطهد الشعب الكوردي الموجود فيها ، وحتى الآن لم تستطع أن تقدم حلاً حقيقياً للمسألة الكوردية في تركيا ، رغم تعهداتها المتكررة للأوروبيين وللعالم الحر بذلك .
ب- أن الحركة الوطنية الكوردية في سوريا قدمت ورقة تضمنت أسساً وإقتراحاتٍ مشتركة للخروج من الأزمة التي تعيشها سوريا الآن ، والطرف الكوردي يشعر "بأنه استبعد من الحضور ومن بحث ورقته في المؤتمر" . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من سيناقش هذه المبادرة أوهذه الورقة الكوردية ، إذا لم يحضر ممثلو الكورد إلى المؤتمر؟ وهنا ، كان من الأبدى والأجدر الموافقة على الحضور لكي يتسنى للكورد طرح ورقتهم ومناقشة قضيتهم بجدية ، وإلا ستبقى هذه الوثيقة (رؤية الأحزاب الكورية للحل) حبراً على ورق كما سابقاتها إذ لم تروج ويعمل بها في المحافل السياسية في الداخل وفي الخارج .
في النهاية يبقى السؤال: ما مدى أهمية المشاركة في المؤتمر والعمل على نجاحه؟
الشعب السوري ومنذ إنتفاضته في 15-03-2011 ينظر بشغف إلى إيجاد إطار شرعي ممثل لكل قواه الشعبية والديمقراطية ، بحيث يشكل له سنداً حقيقياً للدعم السياسي والدبلوماسي ، ويشكل اللبنة الأولى للإنتقال إلى سوريا المستقبل وإلى الحرية والمساواة والعدل ، وعدم المشاركة في هذا المؤتمر سيعطي الأخرين فرصة لعب دور الأكثرية ، وهذا سيقود إلى فشل القرارت في المستقبل ، والجهة الوحيدة التي ستخرج هنا منتصرة ، هي النظام الإستبدادي في سوريا ، والذي يراهن دائماً على ضعف المعارضة وعدم قدرتها على رص صفوفها ولم شملها .
إن عدم نجاح المؤتمر سينعكس على مجمل الحراك الديمقراطي والسلمي وعلى التظاهر في البلاد ، وسيجبر المتظاهرين في النهاية إما على سلوك منحى آخر في النضال (نضال لا سلمي) أي مزيداً من العنف والقتل ، أو الإستسلام للأمر الواقع ، أي وقف التظاهرات وحينها سيتمكن النظام من فرض قبضته الأمنية أكثر فأكثر . وبهذا الصدد أريد أن نتذكر فترة الثمانينات وكيف سحق النظام كل حراك ديمقراطي في سوريا بعد سحق المعارضة .
كما أن عدم المشاركة سيعطي النظام وقتاً إضافياً يقتل خلاله أكبر عدد ممكن من شبابنا المتظاهرين ويحصد أرواح الأبرياء ، والأيام القادمة ستظهر لنا مفاجأت كثيرة ، حينما يصلنا جثامين الشهداء الذين لقوا حتفهم إما تحت التعذيب الوحشي للأجهزة الأمنية أو قتلوا برصاص الشبيحة ، التي تقتل بوحشية كل عسكري شريف يرفض الأوامر الصادرة له بقتل المواطنين المسالمين العزل . وحسب قراءتي للمشهد ، فإن أي فرصة إضافية تعطى للنظام تعني المشاركة في هذه الجريمة الإنسانية بحق الشعب السوري المسالم والتاريخ سيقف مستقبلاً عند هذه المواقف ولاترحم مرتكبيها .
ومن هنا وفق كل ما ذكرته سابقاً تأتي أهمية المشاركة في كل المؤتمرات والحوارات للقوى الديمقراطية السورية وإنجاحها ، لكي نجعل التغيير الديمقراطي في سوريا حقيقةً وواقعاً يستعيد فيه الشعب السوري حريته وكرامته من جديد.