بطبيعة الحال التنظيمات الكوردية جزأ لا يتجزأ من أملاك القيادات الموجودة على رأس هرمها وبالشكل الموجود عليها هذه التنظيمات فلا حياة سياسية وثقافية سليمة .. فالكم الهائل من السلبيات التي كرست خلال عقود (ونشوب الصراعات المستمرة بينها ووجود المنافسة الغير شريفة والتخلف الفكري والنهضوي وعدم الاتفاق على الخطوط المركزية للقضية الكوردية واختراق قراراتها المركزية من قبل الدوائر الأمنية) تقف أمام تطويرها وإصلاحها وبذلك فإنه ليست هناك حركة تحررية كوردية بمفهوم العملي والفعلي وإنما مجموعة حزيبات غير جاهزة حتى لتقود أعضائها .
لقد قدمت كتب ودواوين للطبع والنشر على سبيل الذكر (دمعة على الجدار 2007 – سخريات الليل 2008) ، وكان الرد مع عدم الموافقة.. برأيك لماذا..؟؟ وهل تعدى إبراهيم مصطفى الخطوط الحمراء فيما كتب..؟؟ أم ثمة أسباب أخرى نحن لا ندركها ..؟
بطبيعة الحال إن اتحاد الكتاب العرب هي الجهة المنوط في إعطاء الموافقات على الكتب والمخطوطات التي تقدم إليها بغية الموافقة على طباعتها ونشرها في البلاد وهذا الاتحاد غير مستقل ولا تستطيع هي أن تتجاوز الخطوط الحمراء قبل أن توافق على مخطوط مقدم إليها يتجاوز فيها الكاتب الخطوط الحمراء .
كنت أقدم دواويني بغية الموافقة وأنا متأكد أنها لم تجد طريقها للحرية داخل اتحاد الكتاب مثلاً في ديوان نصوص نثرية (دمعة على الجدار 2007) كانت هناك قصيدتين كتبتهما باللغة الكوردية ولعلها كانت السبب في عدم الموافقة والثاني سخريات الليل 2008) كتبت اغلب قصائدها أثناء اعتقالي في الفترة ما بين ( 17-5/ 5-10 – 2007) لذا كانت قوية جداً بحيث تم رفضها مباشرة بعد أيام قليلة .
مع التأكيد بأنني لم أيأس في تقديم كل نتاجاتي طالباً الموافقة على الطباعة والنشر من اتحاد الكتاب العرب وسأستمر في تقديم كل نتاج أدبي لعل وعصى تلقى بعضها الموافقة . فقد فلحت قبل ذلك في الحصول على الموافقة لديوانين قوافل الجروج 2005 وصرخات .. صرخات 2009 .
أما بنسبة لخلفيات منع نشر كتاباتي فهذه حالة طبيعية فشخص مثلي تعرض للاعتقال عدة مرات واتهم بتأسيس وقيادة تنظيم سري ويتعرض للمضايقات الأمنية والاستجوابات ... الخ من الطبيعي سيكون ضمن الخطوط الحمراء خاصة في هذه المرحلة الدقيقة .
تفور من قصائدك رائحة التفاؤل والأمل والمستقبل وشيء من العشق , أولا ما تفسيرك لهذا,و ثانيا كيف ترى قصائدك وأنت خارج السجن ( المعتقل) ..؟ و ما حال "وحيك " الآن ..؟؟ هل خرج معك أم لا …
سأبدأ حيث انتهيت من سؤالك : الشاعر يملك روح إلهامية لا نظير له .. وكون الشعر من أرقى المستويات الأدب فبرأي إن كتابة الشعر والنصوص النثرية منها تظهر حين يكون الشاعر في قمة معاناته الحزينة أو السعيدة ، ولكل شاعر روح وطبيعة كتابية تخصه ، معظم قصائدي كتبتها إما كنت حزيناً لدرجة غير طبيعية أو في حالة غرام جنوني .
والحياة كتلة من التفاؤل والأمل والمستقبل والحب بهذه المعاني تكتمل سنّة الحياة وبها تنطلق الدورة الشعرية لدي لأنني مؤمن تماماً أن بعد كل حدث هناك أحداث وحالات مكررة وتغيرات مفيدة . فممارسة الشعر حالة إرادية ولا إرادية أحيانا تخطر ببالك فكرة تود أن تكتب فيها أبيات شعرية وفي الكثير من الأحيان تصل بك الإلهام إلى تناول القلم والورق دون ان تدرك من أين تأتي تلك الكلمات البراقة والراقية ، وفي المحصلة اعتقد انه الشعور والأحاسيس التي ترسل أبيات ذهبية نادرة للترجمة من خلال الحبر والورق .
حين تبحث في الأسباب التي دفعت إلى ان تكون في المعتقل أو خارجه واستمرارك على أفكار ومبادئ واضحة المعالم تصبح حياتك جسم متكامل .. فوحي الشعر لا ينقطع حين تكون في المعتقل أو خارجه كونك تخرج من المعتقل بتجارب مفيدة وذاكرة مليئة بالمشاهد المؤثرة وما اقتبسه الفكر والعقل الباطني تصبح حقيبة مملوءة تدفعك إلى ان تكون أكثر صرامة بالتمسك في المبادئ التي ذهبت بك إلى المعتقل فالتصميم والإرادة والاستمرار تصبح نعمة في حياتك .. ففي المعتقل تحس بما يجري بين الجدران المظلمة وتشاهد اللوحة على حقيقتها القاتمة أما خارجها تصبح تلك الصور مشاهد درامية وموجات دافعة لتصوير الأحداث خلال البيت الشعري أو النص النثري ..
أنا اكتب النصوص النثرية بشكل مستمر يعني خلال أسبوع واحد مثلاً اكتب عدة قصائد فأظهر من خلاله مشاهد وصورة ورسوم لعوالم غير ظاهر بعين المجردة على الأقل هكذا يكون الشعور أثناء كتابة القصيدة .
ما هو مضمون رسالتك الشعرية التي تريد إرساله إلى الآخر..؟؟
الشعر مثل قناة تلفزيونية تعبر فيها عن معاناتك أو لحظات سعادتك وعلى الأغلب يكون مجالاً لإظهار الحزن والمعانات ، ولعل الوضع الكوردي هي القضية الأبرز في رسالتي ومعانات شعبي وهي الأجدر بترجمته للشارع من خلال كتابة القصيدة .
تمارس السياسية ..وتكتب الشعر في الوقت ذاته ..ولكن ألا يؤثر عملك في السياسية على شاعريتك وخاصة ما يدور من حولك من أحداث بشكل عام ..؟
أعتقد ان الجزء المهم في التأثير بالمشاعر والأحاسيس هي الوضع السياسي حين تتعرض للاضطهاد والظلم فإنك حينها تترجم رفضك لهذا الوضع من خلال الوسيلة التي تتقنه ومن الطبيعي عندما يكون كابان شاعراً يتناول خلال قصائده جميع الفعاليات المتعلقة بمجتمعه .
لا تتأثر الأحاسيس الشاعرية بالممارسة السياسية عندما يكون ممارسة سليمة وبعيدة عن الغبن ، وما زلت حتى الآن استطيع السيطرة على إعطاء كل جانب إبداعي في ذاتي حقه وحين امنع حقوق إحدى طرفي الإبداع في ذاتي وقتها سيرسو سفينتي الأدبية على إحدى جوانب الكتابة إما الأدب أو السياسية وأتمنى ان لا ترسو سفينتي إلى إحدى هذه الأماكن وتتسكع هناك وإنما أتمنى ان تستمر في التنقل بينها حتى أؤدي رسالتي على أكمل وجه .
الأستاذ إبراهيم مصطفى " كابان " لقد ساهمت في هيئات وتنظيمات متعددة على سبيل المثال : عضو في مكتب الإعلام حزب يكيتي الكوردي في سوريا , وعضو في مكتب الإعلام التيار المستقبل الكوردي في سوريا وكنت احد مؤسسي هيئة المثقفين الكورد في سوريا إلى جانب إصداراتك الشعرية برأيك كيف تستطيع أن توفق فيما بينهما من الناحية السياسية والإدارية والفكرية ..؟؟ وأين أنت الآن من كل هذه الهيئات وهل لازلت تعمل معها...؟؟
اعتقد إن مشكلتي مع مكاتب الإعلام الحزبية كبيرة ففي برامج هذه الأحزاب إنك تجد المواد المشيرة إلى الإعلام توحي بأنها مكاتب أو هيئات مستقل تماماً وحين تدخل في تلك الحلقة تجد أن هذه المكاتب والهيئات عليها ضوابط أكثر من اللجان الحزبية وإنها مجرد لجنة حزبية تأتيها القرارات من الجهات العليا .. وفي ظل هذه الحقيقة لم استطع الاستمرار فيها ، حقيقة لا استطيع أن أطبل وأزمر للتنظيمات والقيادات ولم أكن قادراً عل تحويل نفسي إلى آلة دعائية لأي طرف حزبي لذا لم أجد لي فيها ما يجعلني استمر .
أما بنسبة لتواجدي داخل هيئة المثقفين الكورد ( كناطق باسمها ) فكما قلت هي ليست حالة تنظيمية وإنما مجرد حراك ثقافي غير منظم وليست فيها هيئات الدنيا والقمة والقاعدة ووجودي فيها كوجود أي شخص يحاول أن يكون شريكاً في تفعيل الحراك الثقافي الكوردي .
بنسبة لكتاباتي الأدبية فهي مستمرة أنا بصدد الانتهاء من ديواني الرابع (سخريات الليل) طبعاً بحلة جديدة بعد نشر ثلاثة دواوين ( رسالة من زاكورس بيروت 2002- قوافل الجروح دمشق 2005- صرخات .. صرخات دمشق 2009 ) .. .وقبل فترة قصيرة انتهيت من كتابة دراسة دينية وهي الآن قيد المراجعة (فتن كقطع الليل) ..وكذلك مجموعة قصصية قصيرة ما زلت اكتب صفحاتها باسم (محاولات) ..كما اكتب عدة مقالات أسبوعية في النقد والأدب والسياسية والشعر وتنشر جميعها في المواقع الكوردية المميزة . كما بدأت بكتابة دراسة مطولة عن المشاكل الحركة الكوردية والحلول والإصلاح والتغيير والبديل .
لعل في الشهور أو السنين القادمة تجد كل هذه النتاجات وغيرها طريقها للنشر رغم المعوقات الكثيرة التي تعيق نشاطنا الثقافي والأدبي .
كلمتك الأخيرة أستاذ كابان
لا يسعني إلا ان اشد على أياديك وأتمنى لك ان تستمر في ما أنت عليه لان ما تقوم به بحق مفيداً جداً ومساهمة مميزة في إجراء الحوار بين المثقفين والتقارب بين وجهات النظر النخبة .. وذلك لدفع اللوحة السياسية والثقافية الكوردية إلى إيجاد مزيداً من الحوار والإصلاح وتفتح المجال للمصلحين والمثقفين الحقيقيين الذين هم بذرة الحراك وبناة النهضة الثقافية في الشارع الكوردي المكتوم والمقيد بتخلف حركته السياسية والمشاريع العنصرية الشوفينية .