عودة المهاجر الحزين إلى مهاده! في وداع محمد صبري علي داود: أبي فرهاد
التاريخ: الأربعاء 19 تشرين الاول 2022
الموضوع: اخبار


  
إبراهيم اليوسف
 
كانت -إيسن- محطة الطريق للصديق محمد علي صبري داود- أبي فرهاد، وكنت من عداد قلة مقربين، يعدون على أصابع اليد، ممن يلتقيهم، في هذا العنوان من خريطة المغترب، وهو يقصد الوطن، أو يعود إليه، كمحطة وفاء، لترجمة شوقه إليهم، لنحتفل به، وكان ذلك مبعث راحة وسروركبيرين، بالنسبة إلينا: معاشر أصدقائه. يعلمنا قبل وصوله بأيام: أنا قادم، إلا إنه - وللأسف- لم نلتق في زيارته الأخيرة لبيت ابن عمه سربست، قبل حوالي ثلاثة أسابيع، وقد أعلمني بعد وصوله إلى سويسرا أنه وصل في الحادية عشرة ليلاً إلى إيسن، وغادرها، بعد ست ساعات، في الخامسة من صباح اليوم التالي، ليواصل طريقه إلى زيورخ- سويسرا، وقد كنت على علم بتدهور وضعه الصحي، وإن كان جد متفائل، لا يستسلم أمام تداعيات عملية القلب التي أجريت له، وبات وضعه الصحي يتردى، إلى حدِّ تشكيل خطر كبير عليه.


عندما هتف إلي الصديق زردشت شقيق أبي فرهاد، ليهتف رودي نجل أبي فرهاد، بعده بثوان، فحسب:
البقية بحياتك صديقك أبو فرهاد توفى! 
صدمني الخبر الأليم، رغم أنه قبل اتصالهما الأخير- كل على حدة- بحوالي ساعتين، كانا قد أعلماني: بأن وضعه الصحي جد حرج، وأن الأطباء أيسوا من حالته، بعد أن تفاءلوا قليلاً، قبل يوم أو يومين، حين استأنفوا معالجته، وبان بصيص من أمل، بعد أن فقدوه، وهو لما يزل في غرفة العناية المركزة. الأمر الذي ذكرني بموقف سابق، عندما التقط أبو فرهاد فيروس كورونا قبل سنة، وعومل في المشفى بأنه قد توفي، وتمت الإجراءات اللازمة على هذا الأساس، و أول ذلك: الاتصال بذويه، وقد هتف لي شقيقه أبو داود وهو يقود سيارته باتجاه المشفى، على بعد ساعتين، أو أكثر، قائلاً:
أبو فرهاد لفظ أنفاسه الأخيرة!
كان الوقت متأخراً في تلك الليلة، وصدمتي بلغت ذروتها، ورغم ذلك أحببت أن أخفف من وطأة صدمته وأخلق بعض التفاؤل، قائلاً:
سيكون بخير لا تقلق!
ليعلمني، فور وصوله أن أطباء مشفى- زيورخ- غامروا بإعطائه جرعة - لقاح كورونا- كما فهمت، فعادت إليه الروح، ليبشرني هو وبعض أنجال أبي فرهاد، ويرسلوا إلي في اليوم الثاني صورة له وهو يدخن سيكارة، في شرفة المشفى عن طريق ممرضة، فأهتف له، وأمازحه، وليحدثني بعد أسابيع، عندما نلتقي في إيسن، وهو في طريق العودة إلى الوطن:
لقد منحت فرصة حياتية أخرى!
تعمقت علاقتي مع أبي فرهاد، منذ ما بعد2004، إذ قدمت وعدد من الأقرباء منهم: الحاج عبدالكريم فرمان ومعه نواف عبدالله-  وآخرون العزاء بفرهاد، بعد مواراته التراب في- مرقده في المحمقية- وكان ذلك جد صعب، إذ كانت قامشلي محاصرة بقوات جيش النظام، والقناصة، والدوريات، وحصلت على صور الشهيد ليتم نشرها في المواقع الإلكترونية، وكان هناك من نشر الخبر في أكثر من موقع إلكتروني، إلا إننا نشرنا مضمون تصريح أبي فرهاد دون ذكر اسمه، ولنلتقي بعد حوالي سنة عندما أعلمني الصديق مسعود ديواني قائلاً:
فلان وفلان وفلان تهربوا من إحياء الذكرى السنوية للشهيد فرهاد
قلت له:
سنحيي هذه الذكرى!!
كان الشباب الكردي لايزال في السجون، منذ أيام الانتفاضة، وكانت هناك حالة رعب وخوف وهلع فرضها النظام الأمني، وذهبت وكل من الأصدقاء: مسعود ديواني- أحمد حيدر- سيامند ميرزو للقاء بأبي فرهاد، وكان في استقبالنا قريبه صديق أسرتنا: عبدالقادر خليل- المسمى باسم عمي الشيخ عبدالقادر- لما بيننا من علاقات عائلية تاريخية وثيقة هناك، وأقنعنا أبا فرهاد بإقامة الاستذكارية، لأعتمد فيما بعد على كل من: أحمد حيدر- أمينة بيجو- أيهم اليوسف كمقدمي هذه الاستذكارية، وثمة أحداث كثيرة تمت، من بينها، أن  أبا فرهاد طلب مني التعرف على الشهيد معشوق ويطلب منه حضور الذكرى السنوية- وهو ما قاله مرات عدة في لقاءات مصورة- فتم ذلك، وألقى الشيخ معشوق كلمته المدوية، وهكذا بالنسبة للشهيد مشعل وعدد من الشعراء والسياسيين وحضر وفد من المعارضة وقائع وفعاليات الحفل، وإن متأخراً- كانوا في زيارة إلى الرميلان مع الشهيد مشعل و أ. ريزان شيخموس- إذ صادفت زيارتهم للجزيرة موعد التأبين/ الاحتفال التي أصبحت حديث الساعة، وقال كثيرون:
جاء إحياء السنوية الأولى للشهيد فرهاد كسراً لحالة الرعب التي فرضتها أجهزة النظام!
ثم بعد استشهاد الشيخ محمد معشوق خزنوي تبنى أبو فرهاد تأمين كل  مستلزمات إقامة أربعينية الشيخ الشهيد، ليقول لأنجاله:
تمت بيننا توأمة الدم!
طوال سني علاقتي بأبي فرهاد- لاسيما بعد الاحتفالية- لاحظت درجة وفائه لمن حوله من أصدقاء وأقرباء، إذ لم ينقطع عن التواصل معي، كأخ مقرب، وبدا لي بعكس كثيرين بيننا تجارب عميقة سرعان ما تناسوها إذ إنه ما من لقاء تلفزيوني تم معه إلا وذكر قصة واقع تعاوني معه، خلاله، رغم أن ما قمت به- بمعونة أصدقاء وصديقات -بعدد أصابع اليد- اتخذوا موقفاً شجاعاً في ليلة إحياء السنوية، كما هو حال من راح يتشجع تحت هيمنة حالة الحماس وبات يبدي موقفه،  كان من عمق واجبنا تجاه أهلنا، في ظل سلطة الدكتاتور، وقد قمت بجمع وتحرير الكلمات والنصوص الملقاة باللغتين الكردية والعربية، وهكذا البرقيات، في كتاب عنونته ب" مدائح السوط"2005
 
  وكتبت مقدمته، وكان من إصدارات" ملتقى الثلاثاء الثقافي" وإن راح بعض هؤلاء الذين تهربوا من إحياء المناسبة يحاولون إيغار صدر أبي فرهاد- كما يعلم مسعود ديواني- مستكثرين وجود اسم- ملتقى الثلاثاء!!؟- تمت الطباعة بوساطة نهاد إسكان- وعن طريق مسعود ديواني.
لن أتحدث هنا عن الشهيد فرهاد، لأن جميعنا بات يعرف حقيقة موقفه البطولي، في إسعاف جرحى الانتفاضة في 13-3-2004، وتم اعتقاله، ليستشهد تحت التعذيب، بسبب مواجهته الجلاد، كما روى أكثر من شاهد عيان كان معتقلاً معه، ليغدو أحد رموز مقاومة النظام حتى في معتقلاته الرهيبة.
لقد انضم أبو فرهاد إلى منظمة حقوق الإنسان في سوريا-ماف، وحضر هو و: الشيخ عبدالقادر خزنوي- الشيخ عبدالرزاق جنكو- توفيق عبدالمجيد-أكرم كنعو" من زملائنا الراحلين رحمهم الله" جمعية عامودا التي عقدت في منزل زميلنا: عبدالله دقوري، وظلَّ يحمل بطاقتها في جيبه مع أوراقه الرسمية، حتى آخرلحظة في حياته، أنى حل، في زمن الرعب كما في زمن الحرب، من دون أن يتخلى عنها.
برحيل أبي فرهاد أفتقد صديقاً آخر، مقرباً، عزيزاً، من عداد دائرة القلب، فقد كان وفياً لقيمه ومبادئه التي تربى عليها، صادقاً مع من حوله، لا يخشى من قول كلمته، أنى كان ثمن ذلك.
في يوم 20-10- 2022 سيلبي أبو فرهاد الموعد الذي ضربه لرفاقه وأسرته وأهله وذويه:
سأعود إليكم؟
وسيرقد، قرب فلذة كبده: فرهاد. يده اليمنى التي عول عليها، وموئل فخاره الذي استشهد- واقفاً- في ضاحية- المحمقية-  في ذلك المرقد الذي كان يستقبلنا فيه، في كل عام، في ذكرى استشهاد فرهاد- إما من ضمن عدد قليل من المقربين أو ضمن احتفال عام- بحسب ظروف المنطقة، من دون أن يحضر مؤتمر المجلس الوطني الكردي الذي تأخر عن موعده، وكان من عداد أعضاء أمانته، ورئيس مكتب الشهداء فيه!








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=28772