إلى أين ................؟؟؟؟؟؟!!!!
التاريخ: الأثنين 20 حزيران 2022
الموضوع: اخبار



نيرفت عمر

جرت سنوات الازمة في سوريا معها نار الخلل الاجتماعي وعدم الطمأنينة لمستقبل آت... فتيل مشتعل يحرق بصمت ما تبقى من ضمير الانسانية  والقيم الاجتماعية ، لتتصاعد مشاكل اجتماعية عديدة وتطفو اخلاقيات غير معتادة الى سطح المجتمع مصحوبة باستغاثة مكتومة من أرواح انهكت ، تلهث وتستنجد بما تبقى منها .
أجيال عدة دارت بطاحونة الحرب ، وعلق في راحها جزء من أيامها وأحلامها ، فأضاعت براءة طفولة جيلا واستهلكت أحلام شباب جيلا وارعبت آمان كهولة جيلا اخر.
فبعد صبر طويل وأمل أن ما سيأتي سيكون أجمل ، يولد ضنك المعيشة ويشتد الخناق الاقتصادي ، يأتي وحش الغلاء ليفتك بما تبقى من أحلام الشباب بتكوين عائلة واستقرار ..أسعار غير مقبولة ومتزايدة تذهل كل من حولها بحركتها الشاقولية للأعلى باستمرار . متغاضة عن المعقول والرواتب ، طامعة بمدخرات استنزفت ، فتكتمل الازمة وتجر معها مشاكل اجتماعية جمة بين ارتفاع نسبة العزوبية ، زواج القاصرات ، شتات وتفكك العائلة..... 


ليبدأ الرحيل ، ليبدأ مشهد غياب الاحباب والاصدقاء يسيطر على أغلب البيوت السورية ، لتصبح خالية  باردة  فالأحباب رحلوا وبقيت ذكرياتهم في زوايا البيت تتلفظ أنفاسها الأخيرة تستصرخ مع الأبوين بعد فلذات أكبادها  عن العين والفؤاد .الا انهم لا يستطيعون  اللوم ومعاتبهم أيضا فالحياة أصبحت قاسية وبخيلة في مكان انتزع الحرب منها كل القيم ، وأصبح حلم الشباب مستحيلا وفرص النجاة بحياة كريمة لصنع مستقبل أشبه بالسراب ...أب وأم يقفان حائرين بين مستقبل أولادهم  وبين رغبتهما بمشاركتهم الحياة  وتكميل رحلتهما معهم ..عاجزان عن إقناع أنفسهما أنه الأفضل لأولادهم ليحيوا حياة كريمة  وعاجزين ايضا عن اسكات نبض وانين قلوبهما التي ستستوحش رحيلهم ..
 لم تعد الهجرة بسبب الحرب أصبحت بسبب المال بسبب عدم توافر أدنى مستلزمات الحياة أو بالأحرى عدم القدرة على توفيرها ،ان أردت حياة كريمة بأقل معايير الانسانية تلزمك ميزانية ضخمة معونة  بالدولار لتنعم بالماء والكهرباء ببلد لا صيفه يرحم ولا شتاءه تلزمك ميزانية بالدولارات لتتدارك ضروريات وأساسيات المعيشة التي تنفر منك كلما حاولت الاقتراب منها لتبرز احتياجات اخرى في مكان اخر كشح المحروقات وندرة الادوية وغيرها و غيرها.
تتكشف الوعود الزائفة وتضيع الخيارات ، تتوحد إجابات جيل تشع رغبة السفر والرحيل من وجوهها فلا يكاد حديث يخلو من هاجس الهجرة ، وكأنه عصر الرحيل ، وكأن كل حلول الارض انتهت ويبقى الخيار الأمثل هو السفر ، الحلم والأمل الوحيد بعد خيبات متتالية بصلاح الأمور وانتهاء الأزمة . 
ما هو حلمك ؟ السفر لخارج سوريا لأشعر أني أعيش 
ما هو الاختصاص الذي تريد دراسته؟ لا أعلم بعد ، اذا سافرت فالمجالات مفتوحة أمامي ...ولكن يجب ان اسافر بداية
ماذا تريد ان تعمل ؟ بماذا تفكر ؟.....اخطط للسفر ،ابحث عن طريقة للهروب ...
متى ستتزوج ؟ سأسفر لأتزوج ....من ستتزوجين ؟ أفضل الزواج من شخص يعيش خارج سوريا ، كأنها لا تريد الزواج إلا للسفر فقط والهروب. من يدري فقد تجد هناك ما كانت تصبو اليه من عمل او علم لم يكن مقدرا لها في موطنها  ..
وهكذا تتجه الأنظار الى الملاذ الوحيد ويكبر أمل بالحياة الكريمة  ...أين ...في أوربا ....بلد الأحلام والأمنيات ..هناك تستطيع أن تعمل وتجني ثمار تعبك المضني ، هناك من يسندك إن جارت عليك الأيام ، هناك تنتهي مشكلات الحياة  الثانوية وتضمحل عراقيل السعادة كما يظن الكثيرون. 
بالرغم من واقعية خيانة المهربين والتسبب في مقتل الكثير بين الغرق ،الحوادث ،  الموت من شدة البرد والتعب بسبب المسير لعدة ايام بشكل متواصل ، الا ان هذه الوقائع لا تردع المهاجرين.  لتبدأ رحلة الأبناء بالسفر إلى مجهول إلى حكايات تروى...ووعود معلقة . لا تهم طريقة السفر وإن كانت أشبه بلعبة قمار مع الموت أما أن تخسر حياتك أو تفز بجنة الارض التي ستوفر لك حياة بلا احتياجات مادية فكل كماليات الحياة بالوطن، هناك هي ضروريات ومتاحة ، هناك  تستطيع أن تعمل أو تدرس وتجني المال كما تستطيع مساعدة الأهل هذا ممكن ..
تمضي سنوات الشباب وهم يحاولون بدأ حياة جديد وتكميل أوراق مهمة للم الشمل أو اكمال دراسة بلغة جديدة وخوض حياة أخرى لم يعتادها ...وتبقى الشابات بانتظار روتين أوراقهم ، يأجلن استمتاعهن بحياتهن ليكتمل شتاتهن مع أزواجهن سنوات وسنوات تمضي في الانتظار تضيع لذة الحياة وهن على وعود بقرارات منصفة لهن في المرة القادمة .وهناك من قرر الهجرة مع عائلته كاملة فغامر بحياة أولاده وانطلق في وجهة مجهولة محفوفة بالمخاطر لموطن يظن ان مستقبل أولاده هناك أفضل ( مفارقة غريبة ان تفكر بمستقبل طفلك المنشود وأنت تعلم أنك في موطن لن يبقى طفلك لك ولن تستطيع أن ترعاه وتربي فيه قيمك أنت وإنما سيتسرب من بين أحضانك وينشئ غريب عنك ). 
بعد الهجرة هناك من يحاول جاهدا التأقلم مع حياة غريبة عنه بكل تفاصيلها ليصبح حاله أفضل أو تنقلب حياته راسا على عقب بسبب قوانين صارمة يجب إتباعها وروتين طويل بكل معاملة أو تأمين  . لديه كل يوم  فواتير عن التزامات يجب القيام بها ، مرتبط بشكل يومي مع الدائرة الحكومية لتحصيل معاملات عمل ، موعد مع الطبيب ، للنقل من ولاية لأخرى ...هذا الكم الهائل من الورقيات لا يتحمله الكثيرون ممن اعتادوا سهولة الحصول على أمور روتينية في بلد قد تكون الرشوة و الواسطة  سبيل من سبل تسريع المعاملات ...هناك من ببساطة لا يتحمل فقدان نكهة حياة سورية لا يستطيع الاندماج بمجتمع بعيد عن ثقافته الدينية والاجتماعية والثقافية يجد نفسه غريبا دائما ولكن أيضا هناك من يجد نفسه غريب في وطنه ...
لن لا ألوم الشباب والشابات برغبتهم بالرحيل لفقدانهم الامان والأمل فالماضي كان سيئ والحاضر متأرجح و مهدد والمستقبل ملغوم...
طالما كان السفر فرصة لبدأ شيء جديد سواء كان جيد أم سيء فهي حظوظ وتجارب قد تنجح وقد تفشل لمن أراد الدراسة في بلد أخر ،اكتساب مهارات جديدة وتعلم خبرات ، هروب من الحرب و الإبادات العرقية والدينية ، للبحث عن عمل أفضل وتحسين مستوى معيشة .
ولكن عندما يتحول الأمر الى سياسة القطيع ، لمجرد أن هناك من سافر بل بالأحرى كل من حولي سافر، فيجب ان أسافر بغض النظر عن الأسباب أو الكلفة الباهظة التي تدفع ماديا ومعنويا. هنا يجب الوقوف والتأمل ...







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=28441