الغزو الروسي لأوكرانيا وارتداداته على المنطقة وسوريا
التاريخ: الأحد 17 نيسان 2022
الموضوع: اخبار



ريزان شيخموس

سيدخل الغزو الروسي لأوكرانيا خلال أيام قليلة شهره الثالث دون أن تحقق روسيا أهدافها القريبة والبعيدة، بل على العكس مما ابتغته القيادة، فقد نزع عنها كل أوراق التوت التي كانت تغطيها، وأفقدها عظمتها وهيبتها الدولية، وحوّلها إلى دولة مارقة تهدد العالم بأسلحتها النووية في كل صغيرة أو كبيرة، وعَزَلها عن كل محيطها الاقليمي والعالمي، وأدخل العالم في أزمة اقتصادية عميقة لن يتعافى من نتائجها خلال فترة قصيرة، وستكون انعكاساتها كبيرة على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم .
لم يكن هذا الغزو حرباً خاطفة ونزهة قصيرة كما خطط لها بوتين وقيادته العسكرية، بل دخل هو بإرادته الحرة في مستنقع أوكرانيا، ولن يتمكّن من الخروج منه كما دخل إليه، بل سيدفع ثمن هذا القرار التاريخي المرتجل ضريبة قاسية لن ينساها أحفاده ولن يحقق منها أي مكسب سياسي أو عسكري، بل ستكون روسيا أكثر تضرراً في العالم.


لقد وضع قرار الغزو روسيا العظمى، ثاني أقوى دولة عسكرية في العالم ، في مواجهة جار مسالم، تخلّى طواعية عن أسلحته النووية. لقد ورٍطها قرار الحرب في استخدام كافة أسلحتها الفتّاكة ضد دولة جارة، ترتبط معها بأواصر عميقة، اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية، وتتشاركان في التاريخ والجغرافيا، لمجرد تحقيق اطماع إمبراطورية. فأية دولة عظيمة هذه تلك التي تحشد مئات الآلاف من جنودها، وتستخدم كل أسلحتها في الغزو وتدمّر مدناً كاملة ومنشآت مدنية وعسكرية، وتقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء، وترتكب جرائم حرب ضد دولة ذات سيادة وشعب بأكمله؟! . هذا الغزو الذي وحّد الشعب الأوكراني خلف قيادته ورئيسه زيلينسكي والذي قاوم المحتل الروسي ببسالة نادرة، وأثبت للعالم أجمع أنه شعب يستحقُّ الاحترام والتقدير، شعبٌ يستحقُّ أن يقدّم له كل الإمكانات المادية والإنسانية والعسكرية والاقتصادية لاستمرارية الحياة وللمقاومة، استطاع بمقاومته العظيمة وبدعم عسكري دولي أن يحبط كل مخططات العدوان الروسي، وأن يفقده صوابه، ويدفعه للتفاوض؛ واستطاع أن يحطّم أسطورة الجيش الروسي على أسوار كل المدن الاوكرانية، وفي العاصمة كييف، مما أجبرها على التراجُع والخروج من هذه المناطق بعد ارتكابها جرائم ضد مدنيين، وإعادة تموضع قواته في المناطق الانفصالية، ليحوّلها إلى قواعد هجوم وانطلاق معارك أخرى !
باعتراف الناطق باسم بوتين شخصيّا، شكّل الغزو كارثة كبرى على روسيا وجيشها، وذهبت ضحيتها أرواح الآلاف من جنودها وخيرة ضباطها، وأجبرتها على تغيير قياداتها العسكرية ووضع جزار سوريا في الواجهة بعد استخدام آلاف من مرتزقتها .
علاوة على ذلك، سيترتب على الحرب، ونتائجها ارتدادات كبيرة على كافة الأصعدة والمستويات الإقليمية والدولية. من جهة أولى، وحّدت معظم دول العالم وخاصة الدول الأوربية وأعادتها إلى الحضن الامريكي، وألزمت دول حلف الناتو بإعادة تأهيله وتوحيده بعد أن كان هناك احتمالات كبيرة لتفكيكه، والعودة إلى الحرب الباردة، ودفعت أمريكا، ومعها حلفاؤها في العالم لتطبيق أقسى العقوبات الاقتصادية على روسيا والتي سيكون لها انعكاسات كبيرة ليس فقط على الاقتصاد الروسي بل على الاقتصاد العالمي، وستزداد الأعباء الاقتصادية والمعيشية على المواطنين في كل أنحاء العالم ، كما أن النمو الاقتصادي العالمي سيكون على المحك، وستخلق أزمات وكوارث عالمية، وانهيارات اقتصادية في العديد من الدول الفقيرة، وستعيد حرب الطاقة الى الواجهة من جديد والتفكير ببناء نظام عالمي جديد ، وستدفع أوربا والعالم مرة أخرى إلى التسليح وزيادة النفقات العسكرية التي ستكون على حساب النمو الاقتصادي والوضع الإنساني والمعيشي في العالم والوضع الصحي للإنسان والبحث عن التكنولوجيا العسكرية بدلاً عن التكنولوجيا التي تخدم الانسان وصحته .
إنّ المستفيد الأول والأخير سيكون أمريكا والصين من هذه الحرب التي ستنهك روسيا عسكرياً واقتصادياً، و ستزيحها من بين الدول القوية في العالم، وسيكون هناك ترتيب جديد، ولن تتخلّى الصين أبداً عن سوقها في أوربا مقابل علاقاتها مع روسيا.
إن الغزو الروسي لأوكرانيا سيكون له تأثيرٌ كبيرٌ على المفاوضات الجارية في فيينا بخصوص الاتفاق النووي مع إيران وربما أن الحديث عن إزالة اسم الحرس الثوري من المنظمات الإرهابية والانفتاح الأمريكي على ايران يشكّل صدمة كبيرة لدى العديد من الدول العربية واسرائيل، وهذا ما سيكون له ارتدادات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط وخاصة على سوريا والعراق، حيث هناك مؤشرات عديدة على بداية اصطفافات جديدة في المنطقة، ومنها زيادة التدخُّل الإيراني في العراق، وخاصة بعد تهميش أذرع ايران في العراق خلال الفترة السابقة، وما شهدته من تشكيل حكومة عراقية جديدة ليست بمقاس ايران وتوجهاتها، وهو ما ظهر في الضغوط الكبيرة التي مارسها النظام الإيراني على أنصاره في العراق لعدم الرُّضُوخ للتّحالف الجاري بين الديمقراطي الكوردستاني والسيد مقتدى الصدر، وبالتالي تشكيل الحكومة الجديدة .
ضمن هذا السياق شكّل القصف الصاروخي البالستي الايراني على "هولير" عاصمة إقليم كوردستان أقذر أشكال الضغط الإيراني، في استغلال واضح لظروف الحرب الروسية على اوكرانيا. في نفس الاتجاه، لولا تداعيات الحرب، لمًا تجرّأت على استخدام الصواريخ، ولا تجيّر أدواتها في "حزب العمال الكوردستاني" و"الاتحاد الوطني" للتهجُّم على الحزب الديموقراطي الكوردستاني والتحرُّك ضده، ولا تخرج التظاهرات الأخيرة في أوربا التي قام بها أنصار PKK ضد البارتي وقيادته عن هذا التوجه، وهذا السياق .
كما أن هناك بعض المؤشرات الإقليمية لإمكانية إعادة تشكيل اصطفافات جديدة في المنطقة كعودة السفير السعودي إلى لبنان والدعم الاقتصادي الكبير الذي قدّمته السعودية للحكومة اللبنانية، وبدء الانفراج السياسي في اليمن وتشكيل مجلس رئاسي واستبعاد المحسوبين على الاخوان المسلمين وتوجيه دعوة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان وعودة العلاقات السعودية التركية.
إن الجرائم التي ترتكبها القوات العسكرية الروسية في أوكرانيا ليست غريبة على شعبنا السوري، وقد مارس الجيش الروسي سياسات الأرض المحروقة في العديد من المناطق في سوريا ، خاصة في حلب ! لو حاسب المجتمع الدولي روسيا على جرائمها في سوريا لما تجرأت، وارتكبت هذه الجرائم في أوكرانيا، ولكن يبدو أن المجتمع الدولي له حسابات أخرى، ويمكن طرحُها في مواضيع أخرى .
على الصعيد السوري، ستكون لهذه الحرب العدوانية آثار كبيرة، قد تغيّر خارطة المشهد السياسي والعسكري القائمة .
مايحدث من حراك في صفوف المعارضة السورية، خاصة في الائتلاف، من إعادة ترتيب الأوراق وإضعاف للمكوّن الاخواني بأسمائه المختلفة وبموافقة تركيا يؤشّر لوجود تحرّكات جدّية وحقيقية في المنطقة، يمكن أن يبنى عليها حلول قادمة لباقي الملفات العالقة قبل توقيع الاتفاق النووي الايراني.
في تقليلها من احتمال حدوث توافقات روسية أمريكية لإيجاد حلول جذرية للأزمة السورية، قد ينتج فراغ، يمكن أن تستغله إيران، مستقوية بنتائج توقيع محتمل لاتفاق نووي، وأذرعها في المناطق التي يتواجد فيها النظام السوري بشكل مباشر، أو خارجها، لتفجير حروب جديدة، في محاولة لتغيير الوضع العسكري القائم لصالح توسيع مناطق سيطرتها .
في مناطق أخرى، قد تدفع أمريكا القوى المسيطرة الى البحث وإيجاد توافقات معينة بين شرق الفرات وغربه، وقد تمارس ضغوطاً معينة من أجل انجاح المفاوضات الكردية، والتوصُّل إلى اتفاق كردي يمهّد لمرحلة جديدة في المنطقة، رغم ما تواجهه هذه المفاوضات من انتهاكات وممارسات من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي ومؤسساته الأمنية ضد المجلس الوطني الكردي وأحزابه وأنصاره، تسعى جاهدةً لتعطيل أدوات الحوار ووسائطه مع الاسف، لم يصل الحوار الكردي / الكردي إلى أيّة نتائج عملية، رغم ما توصل اليها الأطراف من اتفاقات، ورغم تأكيد أمريكا لأكثر من جهة ولأكثر من مرة على ضرورة انجاحه ، وعلى أهميته توحيد الصف الكردي، ما تزال النتائج مخيّبة لآمال الجميع.
لابدّ في الختام، من توضيح فكرة معينة، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من روسيا وعلاقتها التاريخية بالقضية الكردية ومراهنة البعض عليها دون أن يكترثوا للموقف الروسي الداعم للانظمة الديكتاتورية في سوريا والعراق ورفضها لأي تغيير ديمقراطي في هذه الدول وتجاهلها الكبير للقضية الكردية فيها في الماضي والحاضر .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=28270