الخطاب القومي والأممي لدى الكورد بين الازدراء والابتذال «2»
التاريخ: الثلاثاء 02 تشرين الثاني 2021
الموضوع: اخبار



زاكروس عثمان

من يتابع تصريحات وادبيات الفريقين يجد ان كلاهما يسيئان ليس إلى فكر منافسه فحسب بل كذلك إلى فكره هو ايضا، لان تنافسهما الإيديولوجي هو في الحقيقة صراع حزبوي مبطن، كل طرف فيه يرمي إلى الهيمنة وفرض وصايته على المصير الكوردي، هذا ان لم اقل ان التنازع الفكري بين هؤلاء كثيرا ما يدخل في عداد خضوع المتنازعين لأوامر حكومات الدول المحتلة لكوردستان بغية الامعان في تمزيق الكورد وزرع الخلافات بينهم حتى على الصعيد العقائدي ـ الفكري،  لهذا يمكن القول ان الغرض من هذه المبارزة الايديولوجية المزيفة هو الإيهام بوجود صراع إيديولوجي عميق في المجتمع الكوردي، لتحريف مسار حركة التحرر الوطني الكوردستاني عن مقارعة دول الاحتلال سياسيا ـ ميدانيا إلى خلافات  فكرية تشعل نزاعات بين الاحزاب الكوردية تصل بعض الاحيان إلى حد تذابح الاخوة، وبالتالي هدم البيت الكوردي من الداخل بفأس الايديولوجيا، فهل نضع  النظرية القومية والنظرية الأممية في خدمة قضية الكورد المركزية ام نضع الكورد في خدمة هذه النظريات، الاعتقاد الراسخ لدى الكورد هو اذا واحد منهم اعتنق فكرة ما سواء كانت إيديولوجيا او ديانة او مذهب سياسي فان واجبه يقتضي ان يضع نفسه وقضيته الوطنية في خدمة هذه الفكرة، وإذا تطلب الامر لا مانع ان يضحي بالقومية الكوردية كرمى لها.


هذا يدفعنا إلى السؤال فيما إذا كانت المصارعة الايديولوجية بين الاحزاب الكوردية  ظاهرة موضوعية "صحية" ام انها فكرة دخيلة على الكورد وهم في غنى عنها، بكلام آخر ما هي اولويات شعب في مرحلة حركة التحرر الوطني هل هي السعي إلى التحرر الوطني والاستقلال، ام الانغماس في مسائل ايديولوجية ـ فكرية سابقة لأوانها، والإجابة تأتي من ماوتسي تونغ مؤسس جمهورية الصين الشعبية، ومن هوشي مين بطل استقلال وتوحيد فيتنام، إذ رغم ايمانهم العميق بالإيديولوجية الشيوعية "الاممية" العابرة للقومية، ترفعا عن فكرهما العقائدي وقررا ان يكونا قادة وطنيين ليعطوا الاولوية للتحرر القومي الوطني، بهدف تجميع كافة فئات الشعب حول هدف سام يشكل قاسم مشترك بين الجميع، بدلا من تمزيق الصفوف بشعارات كانت تعتبر وهمية تبعا لظروف النضال في البلدين آنذاك، وكان هذا الموقف الصحيح من اهم اسباب نجاح الثورتين الصينية والفيتنامية، فهل يقتدي قادة الاحزاب الكوردية بتجارب هؤلاء الزعماء الكبار للعمل على تأجيل رفاهية المصارعة الإيديولوجية بغية حفظ ما تبقى من الخيوط التي تربط بين الكورد، للأسف ما يحدث هو العكس حيث يوجد توجه قوي إلى دفع قطيع الطرفين للنفخ في نار الصراع الإيديولوجي بشكل مبتذل، ومن المحزن ان كل طرف يدعي ان فكره يقود إلى تحقيق الاهداف الكوردية، ولكن افعالهما يقودان إلى إعادة العربة الكوردية إلى النقطة ما دون الصفر، ربما عن جهل او عن قصد، لم يحصل ان الهدف المشترك بين الكوردي الأممي و الكوردي القومي دفعهما ليمدا اياديهما إلى بعضهما البعض، وكأن كل منهما حَوَلَ معتقده شعارا للمناكفة والمكايدة، حيث يعمل كل فريق على التغني بفكره وازدراء فكر الخصم والطعن فيه، دون ذكر حجج مقنعة، وهذا تجني على الفكر الأممي والفكر القومي، فهل يوجد اكثر من هذا الابتذال، إنها مبارزة إيديولوجية لا شروط ولا قواعد تضبط إيقاعها فتتحول إلى مصارعة حرة تغري الكثيرين بالانخراط  فيها.
لقد نجحت الفرق الايديولوجية الجوفاء في جر الجمهور الكوردي إلى صراع مبتذل لا معنى له، في وقت تتخبط فيه العربة الكوردية  في وحل مرحلة مفصلية لا يمكن التكهن بمصيرها، هل تغوص اكثر في مخاطر جدية كبيرة  تهدد بإغراقها، ام تدفعها احتمالات ضئيلة خطوات إلى الامام، فما هي مصلحة الكورد في إغراق انفسهم بمجادلات كونية عقيمة، لماذا يعمل هؤلاء إلى الايحاء بوجود تناقض قاتل بين القومية والأممية في حين يرى كل من الأمميين كريستيان لانج و ريبيكا ويست ان لا تناقض بين النزعتين القومية والأممية.
حتى تتوضح الفكرة لنأخذ الامور بحسن نية، ونعتبر ان المصارعة الحرة المفتوحة ليلا نهارا بين الفريقين ما هي الا اخطاء ناتجة عن ضعف في الإدراك وشيء من الجهل والغباء وكثير من الامية المعرفية، لهذا نحتاج إلى الحديث على المكشوف دون مواربة، بعيدا عن تأثير الولاء لزعيم او التعصب لحزب او الانحياز لتوجهات فكرية معينة، علنا نوفق قليلا في تبيان مدى التشويه الذي تعرض له مفهوم الفكر القومي او الفكر الاممي لدى الاحزاب الكوردية، حيث ساهمت هذه الاحزاب نفسها مع انصارها في جعل خطابها القومي او خطابها الاممي غاية في الابتذال، إذ لم يقدم الابوجية فكرة واقعية جيدة تجعلنا نؤمن بالأممية الآفلة، بل طرحوا مقولات طوباوبة فجة غير قابلة للتطبيق، كما ان التجارب التي اجروها على المجتمعات المحلية في كوردستان الغربية ـ روزئافا  لزراعة "امة ديمقراطية" ليست مبشرة، حيث تم استغلال ظروف الحرب لتركيب مجموعات بشرية غير متجانسة في كيان واحد، فما زال الكثيرون من المكون العربي والتركماني والكلدواشوري المتواجدون  في روزئافا التي تديرها إدارة ذاتية تابعة للابوجية يوالون المعارضة الارهابية الموالية لتركيا او يوالون النظام الحاكم، بمعنى آخر يرفضون إلى حد ما الشراكة مع الكورد، رغم الرشاوى الكبيرة والامتيازات التي يقدمها الابوجية إلى تلك المجموعات، بينما لم يجني الكوردي من مزرعة الامة الديمقراطية سوى الاهمال وانعدام الخدمات وانتشار الفقر، رغم انه اكثر من قدم دماء وتضحيات على مذبح الأممية.       







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=27899