« في نقد العقل الجمعي المستبد »
التاريخ: الجمعة 16 نيسان 2021
الموضوع: اخبار



وليد حاج عبدالقادر / دبي

أن لا أفكر بالكردية وإن كانت لغتي الأم فأنا أمّيٌ بهذا المعنى*

يقول الكواكبي : 
 ( فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار ، لأن دولة الإستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار ، وتحطم نفسها واهلها وبلدها قبل ان تستسلم للزوال ، وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد . ) . 


كبداية وكنقطة انطلاق لابد لنا من ان نستذكر وكبديهيات في هذا العرض ، أن نزعة الإستبداد لا تتجسد فقط بكيانيات الدول والممالك بأماراتها ، بقدر ماهي سلوكية قد تتخلل هيكليات وأطر لجماعات بشرية ، سياسية وحزبية أو اية فئويات فتهيمن عليها بمسلكياتها ، وتمارس عجرفتها في زمن لاتنتهي ، إلا عند ارواء سادية المهيمن ، وبتماس مع تعطشه العنيف في القضاء وحرق كل مختلف ، والتجارب تؤكد وبالتتابع : إن من أشد وأخطر النزعات المنتجة للدكتاتورية المدمرة لكياناتها اولا ، والتي تنغمس بإرادتها في حالة من الإستبداد الممنهج ، هي التي تترافق مع أدلجة المجتمع ، والتي بوفقها يتم تقسيم ناسها الى أشرار أوصالحين ، مناضلين أوخونة ، وبالتالي تعليب المجتمع ، وبمقاسات خاصة من جديد في سعي حثيث لتطويعه بدل تطويره ، تهجينه بدل ثورنته . هكذا أنماط ترى في المختلف معهم مجرد : حثالات لا تستاهل حتى العيش ! وكل ذلك تحت عنوان عريض وموشى بديمقراطية ؟! والسؤال هنا ؟ اذا كانت هذه هي الديمقراطية !! فكيف اذن هي الدكتاتورية ؟. 
إن من اهم ما يدفع بالمنظومات الى حافة الهاوية ، وبالقطيع - مجازا - الى الإنتحار ، وايضا جمعا كما ظاهرة الدلافين ، هو العقل الجمعي الذي يهيمن وبذكاء حاد ، ويصبح في الحالة هذه الخزان الأساسي لأفكار الجماعة والموجه لسلوكياتهم ، وكذلك الرأي العام المتحكم والمسيطر على الجماعة بحيث يصبغ المجتمع بمعتقدات وتصورات مشتركة يعمل أفراد المجتمع ضمن اطارها ويلتزم بها بوعي منه أوبدونه ، هذا النمط من العقلية الجمعية هي تسلطية ودكتاتورية ، تفرض سلطتها على الجميع وترسم لهم حدود تصرفاتهم ، والويل لمن يخرج عن هذه السلطة ، وهذا النمط من العقل الجمعي وتسلطه هي التي تحد من وجود ثقافة الاختلاف وشطب التنوع . 
وبعيدا عن التنظير وفي عودة الى آليات إنتاج هذ النمط من ثقافة الإلغاء وترسيخ ثقافة الخضوع الذاتوي - كفئة - والتضحية بها لنزعة آيديولوجية ! لنقرأ ما قاله كمقاربة السيد رضا آلتون : (... مثال آخر على هذه الذهنية ثورة «روج آفا» في سوريا . في القامشلي مثلاً ، عرب وكرد وأرمن وشركس وتركمانيون وغيرهم . كلهم فيها ولم نقل إنها مدينة كردية ، بل حتى هناك عرب استقدموا سابقاً في سياق سياسة التعريب ولم نقل لهم عودوا من حيث أتيتم . في «روج آفا»، لم نستخدم مصطلح الدولة لأنه بمجرد استخدام مصطلح الدولة يعني أن تعرّفها بقومية ما، وأن قومية ما هي الغالبة ، وإقصاء الإثنيات الأخرى . نحن طرحنا بديلاً هو «الكانتون» حيث لكل قومية الحق بتمثيل نفسها وادارة نفسها ، لكن الكل ينسقون عبر جهاز أعلى وهذا ما هو قائم .
دائماً نحن نركز على المكون الكردي ألا يتدخل في الشأن السرياني مثلاً وغيره ، بشرط ألا يشكل هذا الأخير او غيره مثلاً خطراً جدياً على حياة الآخرين ) . وفي عملية تجريد وتقص ! لنلاحظ جميعا صيغة حديثه :
لم نقل انها .. لم نقل لهم : عودوا .. لم نستخدم مصطلح... نحن طرحنا ...، دائماً نحن نركز ... ونحن هذه هي منظومة العمال الكردستاني وبصيغة عقليتها الجمعية المهيمنة والمفروضة شئنا ام ابينا ، وبالتأكيد هي ليست حزب الإتحاد الديمقراطي . 
وكإضاءة أخرى سأورد مقتطفات منقولة عن السيد مرا قره يلان ـ المصدر جريدة الحياة يوم الأربعاء 27 / 3 / 2013 نسخة الخليج .. ص 4 .. / أكد الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني التركي أن إلقاء السلاح مرهون بتحقيق مطلب إجراء مراجعة للدستور وتضمينه حقوق الشعب الكردي ... وقال الرجل الثاني في ـ الكردستاني ـ مراد قريلان خلال مؤتمر صحافي عقده في سفح جبل قنديل داخل الأراضي العراقية مساء الإثنين ( قبل دخولنا في مشاورات إلقاء السلاح طالبنا بمراجعة الدستور التركي ليضمن حقوق الشعب الكردي ، كما طالبنا بنقل أوجلان من سجنه في أمرالي إلى مكان أفضل ، فضلا عن تشكيل لجنة برلمانية لمراقبة عملية السلام وتشكيل لجنة دولية خاصة بالقضية ) وأضاف ( نحن مستعدون لمناقشة إلقاء السلاح في حال حقق الجانب التركي هذه الشروط ونؤكد اننا لا نسعى الى تغيير جغرافية تركيا ، بل نريد التعايش والشراكة مع الأتراك ، وعلى الحكومة أن تتجاوب مع مبادرة أوجلان  ، ولنا الحق في الرد على أي هجوم ) وواجهت دعوة أوجلان لإلقاء السلاح التي أطلقها في عيد نوروز تحفظات في أوساط الكردستاني .. / .. انتهى الإقتباس من جريدة الحياة وطبيعي أن تكون وجهة نظر السيد قريلان متماسكة أكثر ، ولكن هناك أيضا وفي ذات السياق الأيديولوجي قضايا مركزية مختلفة والتي تفرض السؤال الأهم ، وذلك عن مدى صحّة أو جواز ( لا نسعى الى تغيير جغرافية تركية .. ) ومساعي التدخل بشكله الإيديولوجي والتنظيمي في مسارات أجزاء أخرى .. للمقارنة  وبعقلانية ومن دون تسويف أو تخوين وما شابه ! . هذه العقلية الممارسة بزعم مؤدلج وبتراكبية تشي وبكل عفوية عن الزخم الكبير لعقد نقص تراكبت في ذهنية هكذا نمط من جهة ، وتفصح بالفعل من جانب آخر على أنها أكاديمية زراعة القرف والكراهية البينية  ؟! . أن من يرى في الإختلاف عدوانية ويتمنطق بلبوس انظمة احتلال واستبداد ، ومن يجعل من جدران البيوتات الواحا يدون عليها عبارات تحض على القتل وارتكاب جرائم عليه ان يتذكر امرا بسيطا : ان الذاكرة الجمعية الكردية حفظت بصما وعبر الاف السنين ، لابل دونت قصص كل من عمل لخرق صفوفها وبعثرة حقوقها ... قرار التخوين ليست جملة تلوث بها الحيطان ، التخوين هو فن ممارسة المساومة والتنازلات الفظيعة عن المرتكزات القومية الأساس ( وهذه عامة ) . وسأستذكر هنا نقلا عن - اعتدال جاد - مقولة لأرسطو قبل إن نعرج على رومانسية الفكر المتخم انسلاخا عن الواقع .. يقول أرسطو : ( إن المظهر الأبرز للحرية السياسية قائم في قدرة المواطن على أن يكون مرة حاكما ، ومرة محكوما ) . هذا الأمر الذي فسره حسين قارا في انسلاخ حقيقي عن الواقع : 
 ( وبارك عضو مجلس الشعب في مخيم الشهيد رستم جودي " مخمور "حسين قارا في نهاية حديثه شعب شنكال عن الإدارة الديمقراطية الناجحة مطالباً سلطات إقليم كردستان الاستفادة من تجربة شنكال التي تضمن حق وحقوق الكرد وكافة الشعوب الأخرى . ) ، هذا النمط من التفكير يذكرنا بمقولة للكاتب والناقد البلغاري الشهير ايفريم كارانفيلوف في كتابه النقدي الرائع / الجذور والعجلات / : من لا أول له لا آخر له .. وبالرغم من أن المبدع استقى جملته من واقعية مروية وواردة في ثقافات شعوب عديدة إلا أنها وروايتها بطريقته تعطيها نكهة خاصة ، ومن هنا فلنسأل كل المجموعات التي تدمر المراحل لا تحرقها  فقط ؟ . ومعهم هواة القفز على كل المراحل ، ودعاة حرق البيئة باسم حمايتها وتحرير القوم من قوميتها بالسعي في استحداث امة مبهمة وبفهم ديمقراطي مبهم أكثر ومشبع بالإستبداد ! ما هي الغاية لا العمل ؟ وباختصار شديد : كيف سنسعى لأمة ديمقراطية ورأس قضيتنا القومية هي المستهدفة كأضحية العيد والخلاف الوحيد فيها هو طريقة الذبح وطرائق شفطها .
 إن الإستبداد / أية استبداد / قد تستطيع أن تقمع وتقهر ارادة الشعوب وتهزم لا ثورة وانما ثورات !! ولكن افلا تتفقون معي بأنها ومهما بلغت فيها جبروتها لن تستطيع اطفاء الجذوة في عقول وقلوب المؤمنين بها ؟. 
إن تغليب الإيديولوجي على القومي سيتوجب حتما تبعثر الآيديولوجي كبالونات احتفالية متعددة الألوان وانهيار بنيوي على شاكلة نكسة تعود بآفاق الحركة الى مراحل بدايات التشكل القومي وذلك بالنحيب والتباكي على الأرض المنتفخة بقبور الآلاف من الشهداء واضعافهم المضاعفة الذين عبروا البحار والأجواء في انتسلاخ حقيقي عن المنشأ .
وخلاصة القول هنا : يتوجب التوكيد على إن ثقافة المراجعة النقدية بنيويا وبجدية ، خاصة أمام المنعطفات المبدأية الكبرى ، هي وحدها ستتيح المجال لإصلاحات بنيوية وحقيقية ، ومعها سبل نبذ كل النزعات الضارة والمعرقلة ، والسؤال هنا ؟ هل مارست / ستمارس منظومة حزب العمال الكردستاني من خلال الأطر التنظيمية عملية النقد والنقد الذاتي وبالتالي على ضوء المعطيات السلبية منها والإيجابية ستتجرأ وتتخذ خطوات عملية للمتغيرات الجديدة ؟! أم ستبقى هي ذاتها تلك المركزية المفرطة وتلك المسكينة اللصقة كماركة واعني بها الديمقراطية ؟! طبعا مقصدي الأساس هي تلك المحورية في التكويع الشاسع بين أمرين مركزيتين وهما : سرخبون كهدف استراتيجي وفقط كشعار دامغ ملزم ، ووجه به كل من كان يرتقي بتصوراته وتوجهاته في الثمانينات بحل القضية الكردية محليا وفي كل اجزاء كردستان الملحقة بالدول المحيطة ، حيث مورست بها سياسة رهاب وعملية تخوين كبيرة ، واليوم ارتقت تلك الأطراف - الخائنة ! -  بمطالبها في حين تراجعت المنظومة عن هدفها الإستراتيجي ولتدير ذات اسطوانة التخوين من جديد على كل من يخالفها ! . برأيي المتواضع : أن من يمارس النقد والنقد الذاتي استراتيجيا وفي صميم متغيراته من المفترض به ان يكون قد تشبع بثقافة الإعتذار لا تهم التخوين والدعوة بالقهقرى البينية ومراحل انطلاقتها الأولى في كردستان تركيا وتلك الصراعات الدموية التي انتجتها سواءا مع كوك او رزكاري وكاواجي و د . د .ق . د مع اليقين التام بأنهم ادرى بذلك ايضا بأن الظروف المعنونة كانت والمغلفة بشعار - الشرعية الثورية - أصبحت موازية ومتطابقة مع الشرعيات الأخرى ! .
..
* المقولة للكاتب يشار كمال ، نقلا من صفحة الصديق الكاتب فراس محمد







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=27428