تركيا من حرب المضائق إلى أعالي البحار
التاريخ: الأربعاء 25 كانون الأول 2019
الموضوع: اخبار



قهرمان مرعـي

يبدو أنَّ استرجاع عناصر التاريخ بأدوات جديدة ، لا تتوافق مع نشوء الدولة التركية الكمالية ، وركيزتيها الأساسيتان ، العلمانية والقومية وهي بطبيعتها دولة إشكالية قائمة على الفكر العنصري في مواجهة التنوع والاختلاف والتعددية التي تتصف بها هويتها الدينية الإسلامية وإرثها المذهبي ، سواء ما يتعلق الأمر بالمختلف عرقياً وثقافياً ( قضية الشعب الكوردي) ، أو ما يحدث من شروخ وتكتلات في مسار وحدة المذهب السني التي تدعي تزعمها له (المؤتمر الإسلامي في ماليزيا ديسمبر/ك1 . 2019) ، لهذا يصعب عليها التكيُّف مع التطور الحاصل في العالم من حيث تغيير المفاهيم المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتنوع الثقافات والاعتراف بالآخر، فهناك تعارض صارخ مع المجتمع الدولي ، عندما يتعلق الأمر باستعادة فكرة الإرث الاستعماري أو النزعة القومية العنصرية القائمة على الهيمنة والتسلط (السلطنة الجديدة) .


منذ مئة عام خاضت تركيا آخر حروبها في المضائق التي تربط البحر المتوسط  بالبحر الأسود وانتهت من تثبيت حدودها البحرية بموجب اتفاقية لوزان 24.يوليو/تموز. 1924 ، التي جعلت من مضيق البوسفور ممراً دولياً ، لا يحق لتركيا تحصيل رسوم العبور منها والتنقيب عن النفط  فيها ، لهذا لجأت إلى حقها في التنقيب عن الغاز إلى صلاحياتها بالنسبة إلى مياهها الإقليمية في الجزء التركي من قبرص وتدعي تركيا على لسان الحزب الحاكم ورئيسها اردوغان بانتهاء اتفاقية لوزان في عام 2023 عُرفاً ، أي بعد مرور99 عاماً عليها وهو ما يناقض روح الاتفاقية ، لأنها دولية غير محددة المدة ولم يَردْ ذِكر مُدة الانتهاء في بنودها ، (حسب تفسير الكثيرين للاتفاقيات الدولية) ، لهذا فإن تركيز الرئيس التركي اردوغان في خطابه على حق بلاده في استثمار ثرواتها البحرية يأتي في هذا الاتجاه وله أكثر من مغزى , سواء في صراعه الداخلي مع المعارضات المختلفة أو تجاذباته  الخارجية , حيث يأتي مشروع قناة اسطنبول البحري بأهميته الإستراتيجية في سلم أولوياته وآماله الكبرى في استمرار حكمه , والذي سيكون موازياً لمضيق البوسفور وبديلاً تجارياً عنه وبوابة تركيا البحرية الواسعة نحو العالم و كذلك تحَكُمُّها بممرات البحر الأسود ومصالح الدول المتشاطئة عليه وخاصة روسيا . ويأتي اتفاق حكومة اردوغان مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس بترسيم الحدود البحرية بين البلدين من جملة التجاذبات الإقليمية التي تخطوها تركيا ، بعد أنْ خَسِرت الكثير من مصالحها بعد سقوط حكم القذافي بتدخل غربي , (حجم الاستثمارات لشركات البناء التركية كانت تبلغ 15 مليار دولار.... و خطط استثمارية  قبل الثورة الليبية تبلغ 150 مليار ... حسب مصادر مختلفة ) وسبق ذلك الاتفاق مع حكومة مقديشو/الصومال بإنشاء قاعدة عسكرية وكذلك بإدارة موانئ على البحر الأحمر في كل من / جيبوتي وإثيوبيا والسودان ، وإنشاء مطارات لها حق الامتياز في ظل تنافس إقليمي ودولي (يوناني ، إمارتي ، مصري ، إسرائيلي) والاستحواذ على مقدرات لوجستية في الممرات المائية العالمية وكذلك إنشاء قاعدة عسكرية في قطر على الخليج ( الفارسي/العربي) خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي مع قطر . يتبين لنا : بأن تركيا أصبحت تنجح بالاستثمار في الأزمات الإقليمية إلى أقصى حد لمصلحتها القومية على مبدأ النفعية المطلقة ، خارج قواعد السلوك الدولي ، بحيث تستثمر جهد جيشها الكبير ( أكبر جيش عدداً في حلف الناتو) ، في غزو ساحات الصراع منطلقةً من عدة اعتبارات ، منها : تكليف الجيش بمهام خارجية يَحُد من خطره في الداخل بعد محاولة الانقلاب في 15. يوليو/تموز.2016 وإيجاد أسواق لصناعاتها العسكرية والحصول على موارد إضافية لقاء خدمات الدفاع المقدمة لتلك الدول وخاصة قطر، بموجب اتفاقات لها طابع الدفاع المشترك ،(الجهد العسكري مقابل المال) بالتوازي مع إبقاء حالة الحرب في شمال كوردستان/تركيا مع حزب العمال الكوردستاني ، للإبقاء على الحجة لاحتلال مزيد من المناطق في غرب كوردستان/سوريا واستخدام المبرر ذاته لبقاء جيشه في بعض مناطق إقليم كورستان/العراق ، استكمالاً لمشروع الهيمنة والتوسع لمنع قيام كيان كوردستاني مستقل تحسباً للمتغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط .
ما يتعلق بالحقوق البحرية وفق قانون البحار وتحديد الحدود الإقليمية البحرية لمعظم الدول ينظمه اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 وما يحصل في البحر المتوسط من صراعات في المياه ليست سوى انعكاس على ما يحصل على اليابسة من نزاعات .
بالنسبة للأحلام الطوباوية لتركيا ، لاستعادة مجد السلطنة العثمانية في البحر المتوسط  ، الطريق الذي سلكه الصليبيون من قبل ، لاحتلال بيت المقدس ومصر وبلاد الشام  هو ذات الطريق الذي سلكه نابليون بونابرت يوماً ما  ، فلن يكون هناك , الزبير بن العوام وقائده السلطان صلاح الدين الأيوبي حيث سواحل مصر والشام  و لا الوالي محمد علي باشا وابنه ابراهيم باشا حيث سواحل شمال إفريقيا و مصر و السودان ولا خيرالدين  بربروسا حيث سواحل جبال الأمازيغ ولا أحمد باشا الجزار حيث أسوار عكا  ، هؤلاء كانوا حماة الحمى والمدافعين عن الثغور ، لحق بأحفادهم ثأر المستعمر، فقسِّمت أوطانهم  بين الولاة والسعاة  .
 على الذين جاؤوا من أواسط آسيا وعاشوا حياة البراري والسهول أن يدافعوا عن مجدهم الغابر، فلن تكون هناك معادلة مؤمن و كافر ، فعليهم وحدهم أن يسبحوا عكس التيار في المياه الدافئة ، حيث تشرق الشمس الساطعة .
  ـ  دويتشلاند في 25.ديسمبر/ك1 . 2019 .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=25804