أي أننا لا نلمس ما يوحي بخلاف حول هذه القضايا وغيرها، مما لم نذكرها تجنبا للإطالة- وإن اختلفت لغة التعبير عنها أحيانا (فقط في الآونة الأخيرة انضوت بعض الأحزاب الكردية إلى ما يعرف بـ"إعلان دمشق" تجمع مشترك بين عدد من أحزاب المعارضة العربية السورية وبعض الأحزاب الكردية السورية).
2- وأما عن تشخيص المعاناة:
فالأمر فيه سواء لدى الجميع. كل الأحزاب تعبر عن شكواها من:
- استمرار الحكومة في التنكر للوجود التاريخي للشعب الكردية في سورية، وحقوقه القومية والديمقراطية. يرافق ذلك:
- اضطهاد قومي.
– سياسة شوفينية.
- تدابير وقوانين استثنائية، من تجليات ذلك:
* الإحصاء الجائر عام /1962 / والحزام العربي العنصري الذي يهدف إلى الفصل بين الكرد في تركيا وفي العراق والكرد في سوريا كخطة احتياطية لاحتمالات مستقبلية قد تجمعهم في دولة واحدة كما تتصور السلطات في هذه البلدان جميعا، إضافة إلى النتائج غير الإنسانية لهذا المشروع الذي حرم الفلاح الكردي من أرضه التاريخية لتوزع على فلاحين استقدموا من محافظات أخرى باسم الغمر..(نظام مستوطنات).
* فصل الطلاب من المدارس والجامعات والموظفين من الدوائر...
* سوء تطبيق الإصلاح الزراعي (غياب العدالة ).
* حظر اللغة الكردية وحظر ممارسة الثقافة الكردية.
* وجود بورجوازية طفيلية.
* عدم استقلال القضاء. تدخلات أمنية بدون مبررات قانونية.
* استقدام عرب لتوطينهم في أراضي الفلاحين الكرد بعد الاستيلاء عليها.
* إهمال المنطقة الكردية، من جميع الجوانب ومنها: الخدمات والمرافق وعدم تثبيت ملكية العقارات.. الخ.
3- وحول تصور الأحزاب الكردية في سوريا لواقع الحركة السياسية الكردية (الأحزاب) يتفق الجميع حول:
- حالة التشرذم المفرط، والدعوة إلى معالجتها في صيغة تآلفية (تحالف – جبهة-تنسيق).
- نبذ الخلافات والصراعات الداخلية والمهاترات.
- تعزيز الروح الديمقراطية في الحياة الحزبية، ومع الجماهير الكردية وغير الكردية ... الخ.
وقد تحققت في الآونة الأخيرة خطوات في هذا الاتجاه :
- إنشاء (تحالف من عدة أحزاب).
- إنشاء( جبهة من عدة أحزاب).
- حصول اندماج بين حزبين :الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي و الحزب الاشتراكي الكردي (لم يدم هذا الاندماج.. فانسحب الحزب الاشتراكي الكردي بقيادة السيد صالح كدو).
- أنباء عن حوارات بين أطراف حزبية ضمن التجمعات أو خارجها، وبين التحالف والجبهة أيضا.
-إنشاء تجمع باسم التنسيق بين حزبين وتيار.
إن هذا الأمر مؤشر إيجابي نحو نمو حالة أكثر انفتاحا ووعيا في صفوف أبناء الحركة السياسية الكردية، ونأمل أن تتطور إلى (سلوك ديمقراطي عملي) ينعكس على واقع الحركة إيجابيا فتصبح ( القومية) قاعدة التفكير والسلوك لهذه المرحلة التي يعاني الكرد فيها من حرمانهم من شعورهم بقوميتهم.
ولقد أكتمل التصور لدى الأحزاب جميعا، بالجمع بين العناصر المذكورة سالفا :(وحدة المطالب، وتشخيص المعاناة، ووحدة تصور واقع الحركة، ووحدة التصور حول معالجة التشرذم). إضافة إلى(وحدة التصور حول الجمع بين الانتماء الوطني السوري التاريخي والقومي الكردي).
وهذه حالة مشتركة بين الأحزاب الكردية جميعا.
ولئن طرحت اتهامات هنا وهناك، حول ارتباط بين بعض الأحزاب الكردية، أو تيارات فيها، وبين أحزاب كردستانية (p.d.k ، y.nk في كردستان العراق، وp.k.k في كردستان تركيا ..الخ) فهي تصدق بنسبة ما تكون تيارات أو أفراد ذات مصالح مرتبطة بهذه الجهات, وهي تقل يوما بعد يوم، بحكم تنامي الوعي السياسي الكردي والكردستاني معا، وهذه علامة خير، خاصة إذا تخلت الجهات غير الكردية في التدخل والتوجيه من خلال الثغرات التي تعاني الأحزاب الكردية منها – وطبعا هذا لن يكون –.
لذا فإن الاعتماد على الذات الكردية أساسا هو المنطلق الأكثر جدوى، في معالجة ما تعانيه الحركة – أو الأصح الكرد بشكل عام – بعبارة أخرى :
التركيز على المسألة التربوية منذ الطفولة، كمهمة حزبية سياسية في توعية جماهيرها، وتوجيه الاهتمام نحو إيجاد المؤسسة الأسرية القادرة على أداء وظيفتها التربوية، وهذا ممكن، إذا استطعنا تقدير دور الوعي التربوي في حياتنا الاجتماعية، ومن ثم الاهتمام من قبل الأحزاب، بإيجاد آليات مختصة لأداء هذا الدور الهام، إلى جانب الاهتمام بالعلاقات التنظيمية، والتي تتعثر أحياناً، لعدم مراعاة هذا الجانب. إضافة إلى ما توفره الحالة العملية للتربية ( في المدارس والتراث ..).
ولنعد إلى موضوعنا . فإن الانطباع ، أو الأصح، النتائج المستخلصة مما سبق تجعلنا نقول :
* إن الكرد جميعا في سوريا ( أحزاباً وأفراداً) متفقون على:
- الانطلاق نضالياً من واقع الجمع بين (الخصوصية الكردية في سورية وانتمائهم الوطني السوري) وبين (البعد القومي الكردي) الممتد بحكم - سايكس بيكو- إلى خارج سوريا (كردستان العراق وتركيا وإيران وروسيا).(11)
* وإن صيغة النضال - في حدها الأقصى- سياسية، تقدمية، ديمقراطية، لا تتضمن عنفاً، إلا في حدود الدفاع عن النفس حيال تجاوزات غير محمولة. وشديدة الأثر السلبي، وبأسلوب لا يجعله مصنفاً ضمن النضال المسلح بحال من الأحوال _(12) (كما حصل في 12 آذار 2004 نتيجة حوادث الملعب الرياضي في القامشلي)
* الالتزام بالوسائل المقررة في الدستور: التعبير عن الآراء والمطالب بشكل بعيد عن العنف.
وهكذا نرى على الصعيد النظري – سواء في صياغة الشعارات أو تحديد المطالب) أو الشكوى من الواقع المتشرذم، أو التطلع نحو تأطير(وحدة ) الجهد النضالي، أو العلاقة مع الأحزاب الكردستانية ...الخ .
نرى الاتفاق حاصل بين الجميع - نظرياً على الأقل- حول هذه المسألة إذا استثنينا شعار :
((الاعتراف المبدئي بحق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا)) (13) , والذي تفرد في طرحه (الاتحاد الشعبي الكردي).
كما تبدى لي فإن المشكلة تتجسد في أمرين اثنين – إذا أحسنا النية اتجاه قيادات الأحزاب أو الأصح بعضها من ذوي التأثير-بالإضافة إلى المؤثر الذاتي (طبيعة السيكولوجية لدى الذين يقودون الأحزاب) وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق، وأما الأمران فهما:
1- عدم اعتماد المصطلحات نفسها في التعبير، يربك الفهم ويوحي باختلاف, وخاصة أن اللغة المعتمدة في كتابة الأدبيات الكردية الحزبية وخاصة الجرائد المركزية والبيانات ..الخ هي : اللغة العربية (ذات المفردات الكثيرة والواسعة)(14), مما يجعل الاستعانة بمختصين لغويين إضافة إلى مختصين في ميادين مكملة (فلسفة- علم النفس- علم الاجتماع- علم السياسة- علم الاقتصاد...الخ) ضرورة لصياغة حسنة لمختلف الأفكار والضوابط وغيرها. مع الحرص الدائم على اعتماد المصطلحات والكلمات نفسها للتعبير عن المعاني نفسها، بأقصى درجات الضبط الممكنة، لا سيما وأن مفاهيم السياسة تستعصي على الضبط الدقيق (أو على وحدة الفهم لها) وهذه من طبيعتها. (وضع قاموس متفق عليه حول المصطلحات السياسية في التعامل السياسي والعمل به).
2- ضبابية العلاقة بين الجانب النظري(الفكري) من العمل السياسي، [أو ما يمكن تسميته بـ(التنظير)] وبين الجانب التطبيقي أو العملي (ترجمة النظري إلى واقع).
أو بعبارة أخرى: غموض الرؤية في علاقة الحالة (النظرية) بـ ( الممارسة العملية) للسياسة، وبالتالي، فإن تعبير (النضال السياسي) يفتقر إلى وضوح يحصره ضمن حالة اصطلاحية تجعله يوحد الفهم والدلالة لدى الجميع، إضافة إلى غياب نظرية سياسية واضحة ومتكاملة، (الافتقار إلى نظرية سياسية أو فكر سياسي، أو رؤية سياسية ذات بعد فكري).
إن وجود مختصين تكون مهمتهم- بالدرجة الأولى- عملية فنية، تتجلى في توفير المصطلحات ذات الدلالة المحددة، وتوحيد استخداماتها، سيساهم في التقريب بين الجميع، في درجة الفهم، وصيغ الاستخدام (أي إيجاد معايير في الفكر والعمل) وهذا سيساهم أيضا -كما نرى- في معالجة إشكالية العلاقة بين النظري والعملي-غالبا- ذلك لأن القبول بهذه الخطوة يعني القبول بالأسلوب العلمي (الدقيق) في العمل بدلا من الارتجال، ومن ثم القبول بإعادة النظر في (أسس الفكر والعمل) لدى الأحزاب السياسية الكردية، لصياغة جديدة، تتجاوز الحالة القائمة، والتي نرى لها تأثيرا لا يستهان به، في غموض الرؤية، وضبابيتها، في هذا الإطار، وذلك لبلوغ الجميع إلى تصورات مشتركة (مبدئية) للعمل السياسي وما يتصل بها (أحزابا وأفرادا).
بتقديري فإن تكليف مختصين بدراسة عن الكرد، تتناول تاريخهم، وتكوين شخصيتهم عبر التاريخ بأبعادها النفسية والثقافية والاجتماعية...الخ، ومن ثم تشخيص (الحالة الواقعية) لما هم عليها، سيكون جهدا مفيدا وذا جدوى، في إيجاد انسجام في الأرضية التي تشكل قاعدة الانطلاق للعمل السياسي الكردي (البيئة الفكرية المناسبة لتطوير الحالة الحزبية).
إن هذه الدراسة والتي يمكن تسميتها بـ :
{دراسة استكشافية تحليلية لواقع الشعب الكردي تاريخيا وراهنا في سوريا} يمكن أن تساهم في صياغة ذات بعد إيديولوجي سياسي تتناسب مع:
1 - واقع الكرد فكرا، وتكوينا نفسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ..الخ بشكل عام.
2 - العقلية الثقافية السائدة سياسيا لدى أوساط غير كردية (داخل الوطن السوري) – إن جاز التعبير- ونظرتها إلى الشعب الكردي ومرتكزات هذه النظرة.
3- الدور العالمي- والإقليمي- الذي يمكن أن يستفيد الشعب الكردي منه عبر:
أ- دعم الأطروحات والمطالب الكردية المشروعة.
ب- توفير الحماية الأدبية للعملية النضالية الكردية، من المتفهمين لها، والمتعاطفين معها، وأيضا استثمار العلاقات الواقعية (المصالح) في هذا الاتجاه.
4 - حالة التوازن بين مجموعة الخصائص والأطروحات والإمكانيات على المستويات ( الوطنية السورية والقومية الكردية والتفهم الإقليمي والعالمي) بعبارة أخرى:
كيفية المحافظة على معاني (الوطنية السورية) و(القومية الكردية) والعلاقة (العالمية) على أن تكون دراسة تتناول العموميات (الخطوط العريضة) بالدرجة الأولى للمساهمة في تكوين نظرة مشتركة عن هذه القضايا بنوع من السهولة ..
ولعل فكرة (مفهوم) المجلس الوطني الكردي، أو حتى (المجلس القومي الكردي) تكون قاعدة مقبولة لمثل هذه الدراسة، ووعاء لها أيضا(15). وقد ظهر في الآونة الأخيرة اتجاه مفيد لبناء صيغة يغلب على تسميتها (المرجعية الكردية في سوريا وقد كتب عدد من الكتاب حول هذا المشروع وأبدوا رؤاهم حولها، كما تعلن الأحزاب نفسها عن الحاجة إلى مرجعية كهذه). بل إن الاتفاق النظري حصل فعلا على وثيقة رؤية مشتركة بين الأطر الحزبية الثلاثة (التحالف-الجبهة-التنسيق) وهي تنتظر إعطاءها الروح عبر تطبيقها ميدانيا (في الواقع).
إننا نتساءل باستمرار، عن سبب التباعد بين الأحزاب الكردية، على الرغم من وحدة- أو تقارب- الشعارات والمطالب والمشاعر والآمال ..الخ. فلا نجد سوى بعد شخصي قوي (ذاتي) يوفر المناخ له أمران أساسيان :
1- تشجيع السلطات لهذه الظاهرة – التباعد- وتوفيرها لمستلزماتها.
2- النزعة التابعية في تكوين الشخصية الكردية – بشكل ما – كنتيجة لعوامل تاريخية اجتماعيا، إضافة إلى أسباب مختلفة ورد بعضها فيما سبق، ومن هذه العوامل مثلا:
أ- خضوع الكرد طويلا لحكام من غير الكرد وما أفرز ذلك من نوع من المسلك يعبر عنه بعض من غير الكرد بالقول: بتستكردني..؟ من الاستكراد الموازية لكلمة الاستعباد. أي استلاب الشخصية والاستسلام للواقع. أو لنقل: (ضعف المبادرة في السلوك وكذلك ضعف رد الفعل..!!).
(قال لي السيد فريد سعدون –دكتور في الأدب العربي من القامشلي-:
إن المصطلح ناتج عن عصر صلاح الدين الأيوبي. وكان المقصود من هذه العبارة (بتستكردني) هو أن المصريين عندما كانوا يشترون بضاعة ما ويجدون فيه غلاء بنظرهم يقولون للبائع بتستكردني. أي هل تراني كرديا لأقدر على شراء بضاعة غالية. لأن الكرد في مصر كانوا لا يبالغون في المساومة كأسلوب للتقرب من المصريين، فهي هنا دلالة مكرمة لا سبة فيهم، ولكن الذي غلب على المعنى هو المعنى المرادف للاستعباد شعبيا).
ب- العلاقة الاستسلامية -ناتجة – إضافة لما سبق- من الحالة الاستسلامية الطوعية أو غير الطوعية من المريدين والفلاحين (أبناء العشائر) لشيوخ الطريقة والأغوات- بأشكالهم المختلفة (مختار، إقطاعي، بك..الخ حالة استسلام ترتكز إلى وضع نفسي متخلخل اجتماعيا.
هذه العوامل بكل تعقيداتها، بسبب استمرارها لمدة طويلة زمنيا، ساهمت فيها ظروف موضوعية وذاتية معا،
أورثت أبناء الشعب (الأمة) الكردية نوعا من الاستكانة للواقع، والتكيف السلبي معه، وهو ما يعبر عنه عنوان كتاب في علم النفس للدكتور مصطفى حجازي، وهو: ((سيكولوجية الإنسان المقهور)).
ولا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى العلاقة غير المتكافئة مع الأحزاب الكردستانية (, p.d.k , y.n.k من كردستان العراق، و p.k.k من كردستان تركيا...).ساهمت هذه العلاقة غير المتكافئة إلى زيادة شعور الأحزاب الكردية السورية بالضعف حيال هذه الأحزاب فتحولت بعضها إلى تابع لهذه الأحزاب- وربما متكئة عليها في بعض عناصر وجودها كالمال، والدعم المعنوي والإعلامي, وغيرها..- بدلا من التوجه نحو علاقات متكافئة أسسها الاحترام المتبادل من هذا الموقع. وهذا له تأثيره المهم في عملية الشرذمة مادامت الأحزاب الكبرى كردستانيا مختلفة فيما بينها أيضا.
يتبع......
نشرت هذه الحلقة في موقع ثروة – سوريا إلى أين بتاريخ: 2- 3/ July 26, 2007
قراءة مختصرة في أدبيات الأحزاب الكردية في سوريا (الحلقة الأولى)