القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 282 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: سنديانة سري كانيي «رأس العين»

 
الأحد 15 ايار 2022


ابراهيم اليوسف

تلقيت قبل أيام- ولربما كان ذلك  في أواخر شهر رمضان الماضي، أو في أول أيام العيد- هاتفاً من المناضل المعروف أحمد رمضان- أبي زويا- هنأني خلاله بمقدم العيد، وقال: ابنتي وصلت ألمانيا وهي الآن مع شقيقها خالد الذي سبقها في الهجرة إلى ديار الغربة، وسيعطيهما رقم هاتفي لأمر خاص، ففرحت لهذا الخبر، وتحدثنا في بعض التفاصيل، في انتظار التواصل بيني وخالد، لأبين له- في هذه المكالمة الأخيرة- عن شوقي إليه. إلى أيام سري كانيي والعمل الحزبي والتي سأتوقف عند بعض نقاطها، خلال هذا المقال! وأحمد رمضان الشيوعي المبدئي . ابن سري كانيي. ابن الأسرة العريقة في نضالها، بل والمناضل العريق، والمبدئي!


اليوم، انتشر على صفحات الفيس بوك خبر الرحيل المفاجئ لأبي زويا، في مهجره، في إحدى المدن- في تركيا- إذ لم أرد أن أصدق الخبر المر، فمضيت إلى-صفحات- أصدقاء وصديقات مشتركين من سري كانيي، لأجد الخبر مؤكداً، بأسف،  وأن سنديانة صلبة، مشهوداً لها، ذبلت، بعيداً عن موغل جذورها، بعد أن كانت باسقة. عالية، تواجه الرياح العاتية، على عقود، وفي ذروة زمن التحديات، وهو ما يشهده له أهالي مدينته!
لقد قيض لي أن أعرف أبا زويا الذي ظل يناديني ب" الرفيق" رغم تركي للحزب الشيوعي منذ حوالي عشرين سنة، وذلك في صفوف هذا الحزب، فكان أحد هؤلاء الذين لا يعرفون سوى حب جميعهم، في روح ملاك. طيب. نبيل. مبدئي. صلب، وكان من أكثر الذين تواددنا في الحزب- وكان الكاتب مقدراً بين رفاقه على ضوء عمله-  ثم عملنا معاً في اللجنة المنطقية، بعد عملي في المحلية. وسكرتاريا هيئة المثقفين، وحضرنا مؤتمرات عامة في دمشق، وكانت رؤانا متقاربة لاسيما فيما يخص قرار الحزب المستقل. القضية الكردية إلى جانب آخرين، وأتذكر أنني وهو كنا آخرمن غادرنا صفوف الحزب- الرسمي- بل سبقني هو وعبدالحليم حسين بأسابيع، كي نعمل سوياً ضمن تيار قاسيون الذي غادرته وعبدالرحمن أسعد عشية سقوط بغداد، تحديداً، وهو ما كتب عنه الراحل عبدالرحمن في مذكراته التي نشر بعض صفحاتها مصورة على الفيس بوك.
في ثمانينات القرن الماضي، كان كلما جاء إلى قامشلي لعمل تنظيمي،  اتصل بي لنسهر معاً، بشكل ثنائي، أو مع آخرين، يحدثني عن قضايا تاريخية عاصرها، وليكون أحد الذين وثقوا علاقتي بالشاعر بي بهار وتم ذلك بحضور حكمت محمد . بكر قوقي وآخرين. كان يحدثني عن مدرسة بيته: شقيقه بطل سري كانيي. عن الرياضة. أسماء قدامى الشيوعيين. بعض القياديين الكرد الذين عرفهم عن قرب وأحدهم من استأجر غرفة في منزله وهو بعد طالب، لا يوفر فرصة إلا ويدعوني لإقامة ندوة هناك، ولنعمل عن قرب أكثر عندما كلفت بالإشراف على المنطقة الشرقية: عامودا- الدرباسية- سري كانيي. يحدد مواعد الندوات ليلاً، من دون أن يسمح لي بالعودة عبر الباصات القادمة من حلب، أو دمشق، بعد انتهاء العمل، وليكون معنا في أحايين كثيرة الراحل نايف فرحان أبي أفين، ولينضم إلينا أبو الفداء. عبدالإله الباشا بي بهار ومحمد الجزاع ... وآخرون، يحدد للأصدقاء منهم،موعداً، بعد انتهاء العمل الحزبي وإن كان أبو الفداء- أمد الله في عمره- دينامو تلك الاجتماعات والندوات، مع شباب آخرين لا أريد أن أبخسهم حقهم!
مازال صوت لهاثه ونحن نمضي صوب موقع اجتماع أو ندوة، مشياً على الأرجل، في أذني، إذ إن كل ذلك كان من مخلفات التعب. النضال. العمل، بلا هوادة، وهو يحرص على اسمه كي يكون نظيفاً في زمن تعصف فيه أغبرة الرياح المجنونة، من جهات الأرض، كلها، لئلا تبقى حجراً على حجر- في هذه الحرب اللاأخلاقية اللاخلاقة- التي كان بعضنا يشمت من مصطلحها، قبل عقود، وها أصبحت حقيقة. أمراً معاشاً...!
ثمة تفاصيل كثيرة، على صعيد نضالات أبي زويا، تحضر في ذاكرتي، فهو الذي واجه آلة النظام، ولم تلن له قناة في ذلك، لاسيما فيما يخص قضايا لا مساومة عليها، ليكون بذلك، من الأصوات المتفردة، ضمن الحزب، وخارجه. قلت له: الحوار الذي أجريته معك في التسعينات، آن الأوان، لنستكمله، فأبدى ترحيباً، واستعداداً، لذلك، إلا إن- مطحنة الزمن- التي تستهلكنا، في قضايا كثيرة، منها ماهو يومي، نافل، لاتزال تسرقنا خارج- كشاكيلنا- وإن كنا انتبهنا إلى هذه المسألة- في الحزب- وسعينا عبر مجلة مواسم إلى تكريم بعض قدامى الحزبيين وتوثيق سيرهم النضالية، وكلفنا زملاء لنا لإجراء حوارات حزبية وثقافية" مع أدباء كرد"- كان أكثرهم شيوعيين ومقربين من الشيوعيين: تيريج- كلش إلخ، ربما كان المشروع الأشمل والأوسع ذاك الذي أعده: عصام حوج والراحل خورشيد سليمان، إلا إنه ضاع، أو ضيع، بيد أننا نشرنا حوارات قليلة في- مواسم- وتبنت قيادة المنظمة فكرة التكريم، وعممت- ربما- خارج الحزب- وليت- جميع أحزابنا- يواصلونها، وإن تمت محاولات حثيثة مشكورة، في هذا المجال، على مستوى عام.
لم يكن في بال أبي زويا، قبل احتلال مدينته، وهاتيك المحاولات التي سبقت الاحتلال، من قبل تركيا و مرتزقتها، أن يغادرها، في يوم ما، فهو- أحد أيقوناتها- كما يعرفه سائر الطيف- الرأس عيني- بل سائر العاملين في الشأن السياسي، في مواجهة الظلم والقمع والطغيان: كرداً وعرباً وشاشان . مسيحيين ومسلمين وإيزيديين وسواهم، على امتداد تفاصيل هذا الطيف، في لحظته التي سبقت فعل الاحتلال، وما خلفه من جينوسايد، كأحد تفاصيل التغيير الديمغرافي!
أتخيل الآن ملامح بيت أبي زويا الذي تسكنه أسرة- محتلة- مزروعة من قبل محتل أكبر، بهدف تذويب الكرد، ومحوهم من الخريطة. مكتبة بيته. كتبي التي أهديتها إليه. أرشيف مجلة مواسم. المجلدات السياسية. كتب السياسة. الصور المعلقة على الحائط. الميداليات. التحف. ألبوم البيت وهو يتضمن جزءاً مهماً من تاريخ سري كانيي التي دون بعض ملامحها صديقنا المشترك عبدالعزيز أيو، و كان في رأس أجندات ومشروع الصديق المشترك الراحل عبدالإله الباشا، الذي أجزم، لو أن ما حدثني عنه حول تاريخ سري كانيي استكمل تدوينه، ونشره، لقدم أعظم البراهين الإضافية إلى كردية هذه الجغرافيا التي تسعى دوائر كثيرة لمحو هويتها عنها، وإكسائها، لباساً، لم تعهده، بات لباس الأمر الواقع الذي ولد سلسلة- أمور أو أوامر واقعة لا واقعية!
......
*تعازي لأختي أم زويا. المناضلة. الصبورة التي كانت أرض تلك السنديانة وغيمتها وشمسها. لأسرة هذا البيت الجميل الذي شربنا ماءه وتناولنا ملحه ورغيفه مرات!

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.14
تصويتات: 14


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات