محاولة في اعادة تعريف «الحركة الكردية» السورية
التاريخ: الأربعاء 07 ايلول 2011
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

  اذا كانت هبة آذار الدفاعية السلمية التي تفجرت بالقامشلي منذ أكثر من سبعة أعوام وانتشرت بباقي مناطق الكرد وأماكن انتشارهم قد لفتت الأنظار مجددا نحو دور مفترض للأحزاب الكردية لادارة الأزمة التي فرضتها سلطة الاستبداد على حين غرة في قيادة الجماهير وتنظيم صفوفها والخروج بنتائج ايجابية لمصلحة الأهداف والمطامح المتوخاة على الصعيدين الكردي الخاص والوطني العام واذا كانت الهبة العفوية المغدورة المفتقرة الى قيادة سياسية مجربة بعد أن – تبرأت – منها عمليا قيادات مجموع الأحزاب الكردية وقلبت لها ظهر المجن والتي أخمدت بقوة القتل والقمع والقساوة المعهودة من سلطة شوفينية جائرة


 قد أثارت في المنظور الفكري والثقافي ليس مسألة تقصير الأحزاب وتهربها حتى من تطبيق برامجها وشعاراتها فحسب بل وضعت على بساط البحث والنقد والمراجعة وبقوة أسباب ومبررات وجودها كتنظيمات كانت تعتبر نفسها جسم الحركة القومية الكردية بدون منازع وتلتزم اعلاميا بالدفاع عن الشعب والقضية ولم تطبق ذلك على الصعيد العملي عندما نشبت الأزمة وأصبح الناشطون الكرد الذين هبوا للدفاع عن كرامة أهاليهم وقدموا عشرات الشهداء بأمس الحاجة الى من يشد أزرهم وينظم صفوفهم ويوضح مطالبهم ويضمن حقوقهم ويسترد على الأقل ماخسروه من نهب للممتلكات ويعوض عن ضحاياهم ويعيد بناتهم وأبناءهم الى الجامعات والمعاهد التي أغلقت الأبواب في وجوههم بعقوبات الطرد والفصل والحرمان .

   بالعودة أكثر الى الوراء يمكن القول أن التحولات الجذرية التي أصابت عمق مجتمعات بلدان أوروبا الشرقية وانهيار المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي وسقوط أحزابه الحاكمة التي كانت مثالا يحتذى بها لدى أحزاب منطقتنا الوطنية وخصوصا اليسارية على الصعيدين الفكري والتنظيمي كانت الاشارة الأولى لأفول نجم تلك الأحزاب وحصول تحول ما باتجاه فرز جديد لقوى المجتمع المستقبلية الفاعلة وانكشاف أزمة القيادة فكرا وممارسة حول مفهوم العمل الحزبي السائد (الطليعي – قائد الدولة والمجتمع – قائد الجماهير – أداة الثورة والتقدم – معبر عن ارادة الشعب) وتنبيها لمن كان على استعداد أن يعتبر بأن عصر الأحزاب بأشكالها القائمة القديمة قد ولى ولابد من البحث عن وسيلة أخرى تناسب مستوى التطور في الوعي البشري والتقدم التكنولوجي وتتصالح مع تقديمات العولمة ومع جديد مرحلة مابعد الحرب الباردة وتتناغم مع خصوصيات الشعوب والبلدان ولم يقتصر الزلزال البنيوي هذا على الأحزاب الشيوعية الحاكمة بل شمل مختلف تنظيمات وجماعات حركات التحرر الوطني في العالم التي لم تنأى عن التحولات العميقة في الفكر القومي ومفهوم الدولة الوطنية والتنمية وتبدلات الطبقات الاجتماعية وأساليب الكفاح وتعريف العدو والصديق .
  الآن وفي المرحلة الراهنة ومنذ بزوغ فجر ما أطلق عليه بالربيع العربي منذ الشهر الأخير من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين الذي فجر الثورات والانتفاضات في أكثر من بلد بمافيه الانتفاضة الثورية السورية منذ أقل بقليل من ستة أشهر بدأت قضية الأحزاب والحركات التقليدية الحاكمة منها والمعارضة تتصدر مشهد السجالات بين النخب السياسية والثقافية كما أفرزت التجربتان التونسية والمصرية دروسا مفيدة وحقائق جديدة في مقدمتها تخلف الأحزاب التقليدية فيما تعرف بالحركة الوطنية باسلامييها ويمينييها ووسطييها وشيوعييها من الامساك بزمام مبادرة الدعوة للثورة واشعالها وقيادتها في اسقاط الاستبداد بل تصدر الحراك الشبابي صفوف الانتفاضة الثورية تخطيطا وتنظيما وادارة وشعارات وتضحيات عبر التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات ومواجهة أجهزة القمع بكل شجاعة وتصميم والأمر نفسه تكرر في سوريا حيث تنسيقيات الانتفاضة الثورية من درعا الى القامشلي هي التي تدير الصراع مع نظام الاستبداد وتقدم الشهداء من أجل الحرية والكرامة وهي التي بادرت مبكرا الى رفع وتبني شعار اسقاط النظام في حين ظلت الأحزاب التقليدية بمختلف أطيافها وتياراتها مشدوهة مرتبكة مصدومة وبقي الجزء الأكبر منها في موقعه المستجدي السابق المراهن على اصلاحات رأس النظام وبذلك تكون الانتفاضة السورية وفي ستة أشهر من عمرها قد غيرت وجه الحركة الوطنية السورية ومهدت السبيل أمام المحللين والمؤرخين لاعادة قراءتها من جديد.
  لايختلف الوضع الكردي كثيراعن الحالة السورية العامة الراهنة من جهة تراجع تأثير الأحزاب الكردية وانفراط عقدها وغيابها شبه الكلي عن الصف الانتفاضي وعدم أهلية قياداتها للفعل في الوقت الراهن وصار النقاش النقدي في الوسط الثقافي الكردي واسعا ومتشعبا بغية التوصل الى صيغة علمية موضوعية في قراءة تحولات الحركة الكردية وتشخيص جوانبها المختلفة ومضمونها السياسي على ضوء البروز الفاعل لدور الشباب الكردي وثقله في المجتمع أولا وفي معادلة الصراع مع الاستبداد واجراء التغيير الديموقراطي جنبا الى جنب الشباب السوري بكل مكوناتهم ومشاربهم ومن قراءتي للسجال الدائر منذ أعوام والمتصاعد منذ اندلاع الانتفاضة وبغض النظر عن – حماوة – الكتابات ومايتخللها من تجريح  بعض الأحيان أرى أن تناول هذا الموضوع أكثر من ضروري وقد استوقفني في كل النقاش الدائر توجهان خاطئان من طرفي السجال واحد يستثمر ضعف وتقصير وفشل الأحزاب ليصب جام غضبه ومن منطلقات مختلفة على الحركة القومية الكردية بكل تاريخها ويتعامل معها بعدمية كاملة نافيا دورها الايجابي وصفحات انجازاتها التاريخية في مراحل عديدة على الصعيدين الكردي في الحفاظ على الهوية والابقاء على جذوة النضال مشتعلة والوطني السوري منذ حركة خويبون مرورا بالحزب الديموقراطي الكردستاني وحتى الآن وفي معارك استقلال البلاد وبنائها وآخر مازال يتوهم أن الأحزاب هي الحركة الكردية في حين أن جميع طبقات الشعب الكردي الوطنية وفئاته الاجتماعية ورجاله ونسائه ومثقفيه هم الجسم الرئيسي للحركة الكردية وفي المرحلة الراهنة وكما ذكرنا آنفا يشكل شباب الانتفاضة في المناطق الكردية ومواقع الشتات القوة الأساسية الفاعلة للحركة الكردية ومقياسنا هو الموقف السياسي والدور القيادي الميداني وتبقى الأحزاب التقليدية المتشعبة من العائلة الواحدة بخطابها المتشابه وفرديتها المفرطة بكل أسمائها جزءا يسيرا من هذه الحركة حيث لم ينبثق حتى اللحظة أي حزب كردي من رحم الحداثة وفي الغالب لن يتحقق ذلك الا بزوال الاستبداد وفي ظل الدولة الديموقراطية التعددية الحديثة.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9927