قراءة سريعة في مستجدات أزمة الحراك السياسي الكردي في سورية
التاريخ: الخميس 25 اب 2011
الموضوع: اخبار



خالص مسور

في البداية لابد من الإستنكار لوصف المثقفين الكرد بأصحاب الأقلام الرخيصة، لكن لا نحب الدخول في مهاترات الخمسينيات من القرن الماضي، وكنت أتمنى ألا ينزل قادة أحزابنا إلى هذا الدرك من الإنتهازية والحالة (النهيليستية) أو العدمية الأخلاقية بحق المثقف الكردي الذي يعرض نفسه بكتاباته صباح مساء إلى مخاطر الملاحقة والاعتقال والسجون. وقد قلت في مقالة سابقة لي أن لكل سكرتير في الأحزاب الكردية ولكل عضو فيها تعبه وعرقه وجهده المبذول، أما وأن يصل الأمر بالبعض من قادة الأحزاب الكردية إلى التهجم على المثقفين الكرد بمثل هذه العنجهية ووصفهم بأصحاب الأقلام الرخيصة فذاك أمر لايحتمل وبه بلغ السيل الزبى،  لكن لا بأس فقد ترخص في عين الصغير العظائم.


لاشك أن سورية تعيش اليوم وضعاً ثورياً حقيقياً يجد الشعب السوري من خلاله نفسه على مفترق طرق، ووسط أزمة سياسية حادة على مستوى البلاد السورية بشكل عام، ومستور الحراك السياسي الكردي بشكل خاص.  لاشك أن الأزمة فاجأت كل من النظام والمعارضة ومنها الحركة السياسية الكردية وبنفس الدرجة والمستوى. فالنظام الذي استمر عقوداً طويلة على سدة الحكم أنتج حركة ارتدادية في مسيرة الحرية والديموقراطية والتقدم الإنساني وخاصة من الناحية السياسية، والدليل هو رؤية الشعب السوري اليوم وهو يترحم على أيام ما بعد الاستقلال أي إلى أيام هاشم الأتاسي وشكري القوتلي وخالد العظم، حيث كان هناك مسيرة سياسية معبدة ببقايا الديموقراطية على الأقل.
ثم لتستلم الحكم بعدها فئات إنقلابية أوليغارشية اتصفت بالارتجالية والغموض والمراوغة في طرح الشعارات والأهداف، أوقعت نفسها في حالة من الدوغمائية العقائدية وعجزت معها عن تحقيق ما كان ينادي بها من شعارات نظرية بعيدة عن الواقع، واعتمد الحاكم الضرورة في حكمه على شخصيات سياسية ذيلية تابعة تفتقر إلى الإرادة وتفضل مصالحها الذاتية على المصلحة الوطنية العليا، مما أدى إلى شطب العدالة والقانون واختزلت الدولة في شخصية الحاكم وتحولت الرعية إلى حالة من العبودية والإذلال والقهر، وليتحول الحاكم ذاته إلى مشكلة سياسية للحالة الوطنية وليس حلاً لها. وحسب الفيلسوف (ريتشاردز إيبستين) : فإن المصلحة  الذاتية للحاكم ستجعله غير مخلص لواجبه في حماية نظام القانون....وعندها سيصبح الحاكم نفسه المشكلة. وهذا ما يحدث اليوم للكثير من الأنظمة العربية التي تحكمت بمقدرات البلاد والعباد، واحتكرت لنفسها كل الامتيازات وحول الشعب إلى متسول على أبوابها وطرحت شعارات مونودرامية يكون الممثل الوحيد فيها هو رأس النظام تآزره فئة فاسدة متسيدة، وكل من يخالف شعاراتها يتهم بالخيانة والعمالة مما نتج عنها حالة من المراوحة في المكان بل التخلف المريع في جميع مفاصل الدولة السورية. وإذا ما أمعنا النظر في الأحداث الجارية على الساحة السورية اليوم سوف نشاهد ثلاث اصطفافات أو قوى تريد أن تجد لها مكانها المناسب على الساحة الوطنية السورية وهي:
1 – القوة الأولى تتكون من المعارضة الكردية والتي تضم بين طياتها أربع كتل واضحة التبلور وواحدة لم تتبلور بعد وهي: (الأحزاب السياسية الكردية، والتنسيقيات الكردية المشاركة بالفعاليات التي تجري في الشارع السوري، والمثقفون، ثم المهنيون من مهندسين وأطباء ومدرسون ومحامون ومن في حكمهم، وكتلة لم تتبلور بعد هي كتلة الفلاحين والعمال)، وفي هذه القوة يجب أن تكون الكلمة الأولى دوماً لشباب التنسيقيات وليست المعارضة التقليدية.
2 – المعارضة العربية ومن ضمنها التنسيقيات الشبابية، والتي تباينت إلى عدة كتل مثل الكتلة الوطنية للإنقاذ، وكتلة التغيير، ومؤتمر اسطنبول، وإعلان دمشق...الخ. ولكنها تبدو متوحدة الموقف في الخطوط الرئيسية في التعامل مع الأحداث.
3 – النظام الذي يستميت في التمسك بالحكم ومعه جماعات الخضوع الهوبزاوية (نسبة إلى الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز) التي تريد الخضوع تحارب التغيير. فهذه هي القوى السياسية والاجتماعية المساهمة اليوم في اللعبة السياسية على الساحة السورية.
ولكن كيف السبيل بالنسبة للكرد التعامل مع هذا الحدث الطاريء والذي تفاجأ به الجميع نظاماً ومعارضة...؟. لا شك نحن إزاء موقف حساس وأي خطأ سيؤدي ربما إلى نسف حقوق الكرد من أساسه وسيحرمون من الكنيسة والجامع معاً. وقبل أن نعطي رأينا في الطريق الأصوب أو الجانب الأصوب الذي يجب أن يميل إليه الكرد أو الحراك السياسي الكردي، سنلقي نظرة تحليلية وباختصار على وضع كل من المعارضة والنظام من الحق الكردي ومن القضية الكردية الشائكة والعويصة. بدون شك أن النظام الذي استطاع ترسيخ نشوة العروبية في أذهان الشباب أو الناشئة من الصعب أن يتقبل هو ومؤيديه الحق الكردي بأي شكل من الأشكال. فها هو يسير بشعاراته مقلوباً على رأسه، يطرح شعاراً ويعمل بنقيضه، فالأمة ذات الرسالة الخالدة تحولت إلى رسالة للقمع واضطهاد الآخر المختلف، ومقولة حق تقرير المصير للشعوب في حيثيات حزب البعث تحولت إلى قمع للقوميات في الداخل، وبدلاً من الديموقراطية نشات الديكتاتورية وطروحات أخرى لا مجال لتعدادها هنا.
ومن هنا فالمراهنة على النظام شيء خاسر سلفاً، فمن غير المعقول أن يتحول أقطاب هذا النظام ديناميكياً بين ليلة وضحاها إلى أحمال وديعة ويوافقوا على السقف الأدنى للمطالب القومية للكرد. فالحزب الحاكم بشكل خاص الذي يدير الدولة والمجتمع اتصف طوال مسيرته السياسية بالنزعة السادية، فلا يطيق رؤية قومية أخرى إلى جانبه ويعتبر القومية الكردية وبشكل خاطئ معادية للقومية العربية . كما أن البعض وليس الكل من المتدينين العرب عروبيون قبل أن يكونوا مسلمين ويتلفظون باسم الكرد على مضض ويعجزون عن رؤية الكردي كشريك في الدولة والوطن ودوره في التاريخ المشترك مع باقي مكونات الشعب السوري. ونوايا النظام تجاه الكرد يتجلى اليوم في عدة أمور وبالأخص في قانون الأحزاب الذي جاء معادياً لحقوق الكرد برفضه إنشاء الأحزاب على أساس عرقي، بينما احتفظ لحزب العث بأن يكون عرقياً لأن الأغلبية هم من العرب على حد قولهم. وهذه ثغرة كبيرة وتناقض مثير للجدل في القانون يدل على عدم جدية النظام في الشفافية والإصلاح. ففي الديموقراطية لاتوجد إملاءات من هذا النوع، وطالما أن الحزب أي حزب يسعى إلى تحقيق أهدافه بالطرق السلمية وضمن إطار الوحدة الوطنية، فيحق له عندها أن يطرح مطالبه وفق رؤاه وأجندته الخاصة. والأمر الآخر هو قرار رئاسة مجلس الوزراء الأخير حول التوظيف وحرمان من لم يكن سورياً قبل خمس سنوات من الآن، وهو الآخر موجه ما يسمونهم بأجانب الحسكة من الكرد الذين استعادوا جنسيتهم السورية مؤخراً. يستدل من هذه الأعمال وغيرها على أن الأمل في حقوق الكرد لدى أبواب النظام كأمل إبليس في الجنة كما يقال، ومن هنا لابد للكرد من التوجه نحو الطرف الآخر وهو المعارضة السورية لا لتحقيق الأماني الكردية فقط حيث أن المعارضة – كما قلنا - تلوح على الأقل بشيء من الأمل تجاه الكرد وهذا لابأس به حيث بدأ الكرد يشعرون مع المعارضة ولأول مرة بسوريتهم، وقد قلت هذا الكلام في بداية الثورة الشعبية وقالها آخرون غيري. ومن هنا نرى أن العمل قد يكمن في تحقيق الخطوات التالية:
1 –في توحيد كلمة الكرد ونبذ الخلافات والأحقاد القديمة فكل ما فات مات وكل ما آت حياة، والإسراع بعقد مؤتمر المصالحة وتشكيل المجلس الوطني الكردي ودون استبعاد أي أحد كما نؤكد على ذلك على الدوام ، لأن في قوة الكرد تكمن حقوقهم وتحقيق أهدافهم وطموحاتهم القومية، ونرى أن هذا البند له الأولوية على ما عداه من باب تقديم الأهم على المهم في اللعبة الجارية اليوم على الساحة السياسية السورية.
2 – أن تعيد الأحزاب الأحد عشرة في مسألة استبعادها لأطراف حزبية أخرى والتي يبدو أنها قد انشقت عنها في مرحلة سابقة، ولنتعلم أن لكل رأيه وآراؤه منشقاً كان أو غير منشق، وخاصة في المرحلة الديموقراطية والتي نحن مقبلون عليها أو نعيش نوعاً من إرهاصاتها المبكرة، ولايجب مصادرة الرأي الآخر بأي شكل من الأشكال وتحت أية تسمية من المسميات، وباعتقادي يأتي الإستبعاد وفي مثل هذا الظرف الحساس كمثال صارخ على تفضيل المصلحة الحزبية على الوطنية، لأن المصلحة الحزبية وحدها تقتضي الاستبعاد وليس الوطنية، ولنعلم جميعاً أن هذا أوان جمع الكلمة ووحدة الصف وقبول الآخر وليس الاشتغال على الإستبعادات والتفرقة والتشظي. ويجب أن ندرك أن ما يحدث في البلاد هو أزمة سياسية خطيرة يتطلب توافقاً في الرأي، يتطلب من الجميع تحمل مسؤولياته التاريخية وتوفير أجواء المشاركة في المؤتمر الوطني والذي سيكون بمثابة امتحان عسير لسيميوزية العقلية السياسية الكردية، فإما التييم شطر الصفح والتسامح وقبول الآخر في سبيل مصلحة الشعب العليا، وإما الإستمرار في العبودية والتشظي والتفتت السياسي والإستجداء على موائد الآخرين. فمن لا يسامح في مثل هذه الظروف الصعبة سيجازف ولاشك بضياع الفرصة التاريخية السانحة اليوم لحقوق الشعب الكردي ربما لآماد طويلة ليس من السهل التكهن بعواقبها. 
3 – التلاحم الكردي مع أطراف المعارضة السورية وعقد اتفاقات معها ولو اتفاقات شفهية، وتحديد سقف المطالب الكردية فيها مع إبداء شيء من المرونة في هذا المجال. فهناك من المعارضين السوريين ممن يملكون وعياً سياسياً ويمتلكون قدراً من المسؤولية ويؤيدون الحقوق الكردية بشكل من الأشكال.
4 –  على البعض من المثقفين الكرد التخلص من حالة التدجين السياسي والتحرر من كونهم منتجين حزبيين سياسيين، وأن يأخذوا دورهم الطليعي في التقويم والتنوير والنقد والنقد الذاتي بشجاعة ورباطة جأش، ونبذ المهاترات وعدم الإساءة إلى الشخصية الاعتبارية، أو مدح بعضهم بعضاً من قبيل (كما قال صديقي فلان) وبشكل متعمد لتشهير اسمه وليبادله الآخر بمديح من مثله. وباعتقادي أن المديح بهذ الشكل هو المعادل الموضوعي للمهاتراتية لسبب بسيط وهو ما ينتج عنه من خلق حالة من الآغوية الثقافية والشللية المسيئة في أوساط المثقفين الكرد. وما نود قوله هو: إذا كان السياسي كتاباً أدبياً مفتوحاً فالمثقف سيكون ناقداً منصفاً صريحاً ونشيطاً لايتوانى عن فرز السيء في أفكاره من رديئها، وتشجيع ما هو إيجابي ونبذ السلبي وخاصة في الأمور السياسية التي تقرر مصير الشعب الكردي، فالتاريخ لايرحم الوصوليين، وشحاذي المناصب، والجبناء، والمتخاذلين، والمداحين، والمتقاعسين في سبيل الحرية وحقوق شعوبهم.
...................................................................................








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9750