حزب البعث بين الشعار والممارسة
التاريخ: الجمعة 19 اب 2011
الموضوع: اخبار



المحامي مصطفى ابراهيم

لن اعود الى تاريخ البعث ومسيرته الغنية بالدسائس والمؤامرات على الحلفاء والاصدقاء والاقصاء للعديد من قياداته التاريخية والممارسة الممنهجة بتصفيتها في المعتقلات والمنافي وهي موثقة في اكثر من كتاب ودراسة من قبل بعض قيادتهم الذين حالفهم الحظ ان ينجو من غدر رفاق الدرب ويعيشون في خارج الاوطان اما الاموات اغتيالا او بمشيئة الله فأوطانهم رفضت استقبال جثامينهم ودفنوا في ديار الغربة وسأقتصر في هذه العجالة التركيز على شعارات هذا الحزب التي رفعها وناضل من اجل تحقيقها منذ تاسيسه في اربعينيات القرن الماضي وهي :


(( الوحدة ))


غني عن البيان ان البعث اعتبر الوحدة بين الاقطار العربية من اقدس شعاراته واوليات نضاله وقد ساهم من خلال تنظيماته في المؤسسة العسكرية السورية بفرض الوحدة بين سوريا ومصر في ( 22 شباط عام 1958 ) بتنازل المرحوم شكري القوتلي عن سدة الرئاسة السورية لصالح الرئيس المصري جمال عبد الناصر مكتفيا بمنصب معنوي شكلي ( المواطن العربي الاول ) تلك الوحدة التي كانت بحق احدى اماني وتطلعات جميع طبقات وشرائح الشعب السوري وقواه السياسية وان على مضض للبعض منها باستثناء الحزب الشيوعي الذي اعلن امينه العام خالد بكداش تحت قبة البرلمان قائلا ( سجل ايها التاريخ انني معارض )
بيد ان تلك الوحدة ومنذ ايامها الاولى قضت على الحياة السياسية والديموقراطية في سوريا فكانت باكورة اعمالها اصدار قانون حل الاحزاب واعلان حالة الطوارئ وفرض الاحكام العرفية وتاميم الصحافة وفتحت للمرة الاولى في تاريخ سوريا ابواب السجون والمعتقلات لاستقبال المثقفين واصحاب الاقلام الحرة والنشطاء السياسيين وكان نصيب الحزب الشيوعي والحزب الديموقراطي الكوردي حصة الاسد من تلك الحملة السشرسة وتحولت سوريا ذات النظام البرلماني الديموقراطي التعددي الى حديقة خلفية لنظام شمولي قمعي في مصر عبث جهاز المباحث العامة السيء السمعة بقيادة عبد الحميد السراج بأمن البلاد ومصير العباد ورغم ان البعث كان المهندس الرئيسي لتلك الوحدة الاندماجية الارتجالية الا انه سرعان ما دب الخلاف بين قيادته وبين عبد الناصر فأقدم وزراء البعث بصورة مفاجئة بتقديم استقالة جماعية من حكومة الوحدة في القاهرة بمن فيهم نائب رئيس الجمهورية المرحوم اكرم الحوراني . وفي 28 ايلول عام 1961 اقدمت قوة من سلاح البادية ( الهجانة ) بقيادة المقدم حيدر الكزبري بغطاء من القوة الجوية بقيادة العقيد موفق عصاصة واسناد من الكتائب المتمركزة حول دمشق الموالية للعميد عبد الكريم نحلاوي ( مدير مكتب المشير عامر ) بانقلاب ابيض نجم عنه فصم عرى الوحدة واعلان قيام الجمهورية العربية السورية وسارع قطبا البعث ( الحوراني – البيطار ) بتأييد الانقلاب والتوقيع على وثيقة الانفصال وشارك الحزب بنشاط وفعالية في الانتخابات النيابية التي تلت الانفصال وفاز بعدد من المقاعد في البرلمان السوري .
ومن الجدير بمكان الاشارة في هذا السياق ان الحكومة التي تشكلت بعد الانتخابات النيابية كانت ذات سمة محافظة مكونة من الحزبين المحافظين التقليديين ( الشعب والوطني ) وبعض مناصري حركة الاخوان المسلمين وكانت ضعيفة ومترددة تفتقد الى قاعدة جماهيرية داعمة لها ناهيكم عن التدخل السافر للمؤسسة العسكرية في شؤونها وقراراتها واقدمت بتهور وتسرع بالغاء قانوني التأميم والاصلاح الزراعي مما دفع بضابط مغمور هو العقيد زياد الحريري لاغتنام الفرصة وحالة الفوضى وعدم الاستقرار ان يتحرك بلوائه بالتعاون مع بعض الضباط ذوي التوجه الوحدوي نحو العاصمة دمشق فاحتلوا دون اية مقاومة مبنى الاذاعة ورئاسة الاركان وفرَ معظم اركان الحكومة الانفصالية الى خارج البلاد وكان البيان الاول لهذا الانقلاب بانه الرد العملي على جريمة الانفصال واعادة الوحدة بين سوريا ومصر الى سابق عهدها وتقاسم الضباط البعثيون والناصريون المناصب السياسية والمواقع العسكرية ولكن ما ان حل شهر تموز من العام نفسه حتى نشب صراع دموي عنيف بين حلفاء الامس ونجح البعث بتصفية القيادات الناصرية من خلال محاكمات ميدانية ترأسها المقدم ( صلاح الضللي )واستفرد نهائيا بحكم سوريا ولا يفوتنا في هذا السياق ان البعث العراقي كان قد نجح باسقاط نظام عبد الكريم قاسم في 8 شباط من ذلك العام من خلال انقلاب دموي وحشي بحيث بات البعث يحكم بلدين متجاورين جغرافيا ومتداخلين بنسيجهما الاجتماعي وامكانية تكاملهنا الاقتصادي بقيادة قومية واحدة وامينها العام ( ميشيل عفلق ) وكان منطق الامور وعلى ضوء المنطلقات النظرية للبعث ان تتم الوحدة بين القطرين فورا او في زمن قياسي في اضعف التقديرات بيد ان البلدين دخلا منفردين في مباحثات مع عبد الناصر لاقامة اتحاد ثلاثي بديلا عن الوحدة الأندماجية ولم يمض الكثير من الوقت حتى شن البعث في البلدين حملة شرسة وظالمة على عبد الناصر ونهجه في الحكم وموقفه من تحرير فلسطين من النهر الى البحر وقبوله ببقاء قوات الطوارئ الدولية في مضائق تيران الا ان الغرابة في هذا السياق كان الصراع الدموي بين قيادتي البعث في سوريا والعراق بعد حركة 23 شباط عام 1966 التي قادها العقيد صلاح جديد والاسد من وراء الستار والتي بلغت ذروتها في عهد الاسد الاب الذي كان يعتبر المناصرين لبعث العراق ( القيادة القومية ) أشد عداء لنظامه وخطورة عليه حتى من المتعاونين مع اسرائيل والكثير من المواطنين السوريين لازالوا يحتفظون بجوازات السفر التي استبدلت فيها عبارة ( ما عدا اسرائيل ) بعبارة ( ما عدا العراق ) وهذا غيض من فيض في مسار العلاقات بين بلدين محكومين من حزب واحد اقدس شعاراته اقامة وحدة قومية لامة واحدة .

(( الحرية ))

واما الحرية الشعار الثاني للبعث فالحقائق الحسية على ارض الواقع التي عاشها الشعب في دولتي البعث على مدى عدة عقود والتي تعتبر كارثية بجميع المعايير السياسية والقيم الانسانية ففي الوقت لم يكن في سوريا قبل البعث سوى جهاز امني واحد هو ( الامن العام ) الخاضع لسلطة الدولة ورقابة القانون وجهاز ( المكتب الثاني ) المختص بامن المؤسسة العسكرية وشؤونها نرى ان عديد الاجهزة الامنية قد وصلت الى 17 جهازا امنيا قمعيا خارجة عن رقابة مؤسسات الدولة وسلطة القانون وفي الوقت الذي لم تشهد سوريا ولم تسمع بقانون الطوارئ والاحكام العرفية فها هي تعيش في ظلها طيلة ( 48 ) عاما الذي يشل جميع مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ويطلق العنان لعناصر الامن بالتدخل السافر في حياة المواطنين وفي الوقت الذي لم يعرف الشعب السوري وقواه السياسية حالات الاعتقالات الكيفية الا نادرا واستثناء فقد اصبحت في ظل شعار حرية البعث قاعدة ثابتة وقدرا مكتوبا لا مرد له ولأجل غير مسمى يخرج المعتقل اما الى مثواه الاخير اما هيكلا عظميا ينخر في جسده جميع العلل واعداد المعتقلين باستثناء سنين الوحدة كانوا على عدد اصابع اليدين اما في ظل البعث بلغت الالاف وعشرات الالاف احيانا ولم يسمع الشعب السوري طيلة تاريخه بمفردات المفقود او المفقودين ولكن باتت هذه المفردة شائعة ومتداولة على الساحة السورية فاعداد المفقودين من مدينة حماة وحدها تدعو الى الذهول من هولها والتي تعتبر بالمنطق القانوني والانساني احدى جرائم العصر ضد الانسانية وفي الوقت الذي كانوا المناضلون يتهامسون فيما بينهم عن فظاعة الاوضاع في سجن المزة فقد اصبح هذا السجن قياسا بسجون ومعتقلات البعث الحالية ( صيدنايا .... تدمر ....) بمثابة فندق ذات النجوم الخمسة .

(( الاشتراكية ))

واما الشعار الثالث الذي تبناه البعث هو اقامة نظام اشتراكي يتم فيه التوزيع العادل للثروة بين طبقة العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود يدعو الى الرثاء والسخرية في آن معا فبعد مرور اكثر من اربعين عاما بلغت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 40% ونسبة العاطلين عن العمل بمن فيهم خريجوا الجامعات والمعاهد مخيفة وكارثية لذا نرى العمالة السورية تعج في جميع دول المنطقة واوربا وفي الوقت الذي كان متداولا في الاوساط الاقتصادية ان خمس اشخاص فقط في طول البلاد وعرضها تتجاوز ثرواتهم مليون ليرة سورية وكانت الشركة الخماسية المساهمة بدمشق رغم امتلاك الطبقتين الوسطى والفقيرة تملك معظم اسهمها احدى ابرز سمات الرأسمالية السورية فما بالنا امام ثروة رامي مخلوف التي تتجاوز ثلاثين مليارا من الدولارات ويسيطر على 62% من الاقتصاد السوري هذا اذا ضربنا كشحا عن ثروات آل الاسد وشاليش وغيرهم وغيره وهم كثر .
 
بعد هذا السرد الموجز جدا لما آلت اليها شعارات البعث الثلاثة بعد نصف قرن من حكم ديكتاتوري استبدادي مخضب بالدماء هل بقي اي مبرر سياسي وقومي واجتماعي وحتى اخلاقي لديمومته وبقاءه حزبا سياسيا قوميا لا زال يحكم سوريا ويرفض الاقرار بسقوطه المذل في العراق . وهنا اقول لا منحازا ولا حاقدا كلا والف كلا لحزب ونظام جعل سوريا مزرعة حصرية له والشعب عبيدا فيها فالبلاد انتقلت تدريجيا من الجمهورية السورية الى جمهورية البعث ومن ثم الى مملكة وراثية لآل الاسد ويقينا ان التاريخ لن يرحم وسيكتب بصفحاته بان البعث قد سقط في الامتحان بيد انه قد ينجح وبامتياز في تدمير سوريا ولبنان والعراق والكويت اوطانا وشعوبا ..

سياسي كوردي سوري







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9653