صدمة الحقيقة الكردية في سوريا
التاريخ: الخميس 21 تموز 2011
الموضوع: اخبار



  حليم يوسف

منذ الخامس عشر من آذار هذا العام, حيث الضربة الأولى والقاضية على القفل الحديدي لباب السجن الذي كان يبتلع بلادا يلفها الصمت , وحتى هذه الأيام العصيبة التي تعيشها هذه البلاد المنكوبة بسلطة مكونة من شبكات أمنية تسيرها عقلية عصابات لاتفهم من السياسة سوى الامعان في القتل, والحقائق المريرة حينا والمفرحة حينا آخر تتدافع للظهورأمام الجميع. اندلعت المظاهرات الغاضبة, فحملت معها فجأة , وفي فترة أقل من خمسة أشهر, مصباحا مضيئا الى قلب الغرفة السورية المغرقة في ظلام دامس , وبدأت رحلة الكشف المثيرة على جميع المستويات. سقطت ورقة توت السلطة الحاكمة التي كانت تسمى ولعقود مديدة (الممانعة والمقاومة) وانزاح الثوب القومي العروبي الوحدوي الاشتراكي عن جسد طائفي عائلي مخابراتي دموي قميء.


ولم تكن المعارضة المنهكة, المشرذ مة, اليائسة , البائسة بأفضل حال من السلطة التي تقارعها تارة وتتودد اليها تارة أخرى , في هذا المنحى. ولعل أكثر الحقا ئق سطوعا في هذا المضمار هو الوقوف أمام الحقيقة الكردية وجها لوجه والارباك الذي سببه الاصطدام مع هذه الحقيقة الصارخة في سياق الحديث عن سوريا التي تتغير. وهنا سأ تطرق الى بعض تجليات هذه الصدمة لدى مختلف الجهات الطامحة الى لعب دور ما في صياغة مستقبل الوطن السوري.

-على صعيد التنظيمات التقليدية المعارضة

توزعت هذه التنظيمات بين الاتجاهات الدينية واليسارية. وقد ظل الاتجاه الديني في هامش الحياة السياسية الكردية في سوريا لسببين رئيسيين , أولهما المعاناة القومية لدى الأكراد وعدم تفهم قضيتهم من لدن هذا الاتجاه. وثانيهما انغماس الأكراد في البحث عن حل معقول لقضيتهم الشائكة من خلال الانخراط في العمل في التنظيمات اليسارية السورية, رغم اشتراك الاتجاهين في محاولة صهر الكرد في بوتقة الأممية الاسلامية تارة واليسارية تارة أخرى. وعندما باغتت الأحداث الأخيرة هذه التنظيمات التي وجدت الحجة تلو الحجة لتأجيل البت في الموضوع الكردي من خلال الاشادة بدور الأكراد في تاريخ الاسلام وتقديم الاسلام, بالمعنى المخملي للكلمة, على انه الحل الناجع لجميع القضايا العالقة من طرف الاتجاه الديني, أو من خلال التغني بالاشتراكية, بالمعنى الرومانسي للكلمة, والتأكيد على انها الدواء الشافي لكل أمراض المجتمعات ومعاناتها المزمنة, بما فيها المسألة القومية. وهكذا تم وضع مفتاح حل المشكلة الكردية على رف منسي على شرفة الأكراد الحالمين المنخرطين في العمل لدى هذين الاتجاهين. أما الآن وقد وقع الفأس في الرأس ولم تعد الحلول العمومية تلك تقنع حتى أصحابها, فنجدها تتخبط هنا وهناك بالتطرق الى حلول لازالت عامة ولازالت لا تقنع أحدا. انها الصدمة بكل تجلياتها المربكة لكل الاتجاهات أمام تغيير شامل يكتسح البيت السوري, تغيير لم يخطر على بال هذه التنظيمات التقليدية أن يدق الأبواب عليهم بهذه السرعة المباغتة.

-على صعيد الأحزاب الكردية
لقد أوقعت انتفاضة الشارع الكردي وبالتزامن مع انتفاضة أخواتها في المدن العربية السورية الأخرى, ابتداء من درعا ومرورا بحماة وحمص, الأحزاب الكردية, المنقسمة على نفسها, في حيرة كبيرة. اذ انها ورغم التاريخ السياسي الطويل نسبيا, الذي تركته وراءها, منذ نهاية الخمسينات, لم تستطع أن تبني لها امتدادا, ولو بسيطا, في الشارع العربي السوري. واقتصرت العلاقات السياسية الكردية-العربية على مجاملات موسمية و تحالفات جزئية مع تنظيمات لاتأثير لها على الشارع السوري العريض. وفجأة وضعها الشارع المنتفض والمطالب باسقاط النظام أمام مسؤولية تاريخية, لم تكن تخطر لها على بال بأنها قادمة هذا العام. وأغلقت الأجواء التي خلقتها الحالة الجديدة الباب أمام قادة هذه الأحزاب للدخول في حوار مع رأس النظام في العاصمة , في حين كان الأمر قبل أقل من أشهر قليلة غيرذلك, حيث أن الرأس الأكبر الذي كان يحاورهم, وعند الحاجة, رئيس فرع الأمن العسكري في القامشلي. ان هذا الاستطراد ليس تقليلا من شأن قادة هذه الأحزاب الذين قضى بعضهم سنوات طويلة من عمره في سجون النظام, بقدر ما هو لفت النظر الى مدى عمق الصدمة على مستوى أداء هذه الأحزاب التي لازالت أسيرة الحيرة الموزعة بين شارع منتفض يطالب بسقوط النظام, وبين نظام لم تتجرأ يوما على الحلم باسقاطه, وبين معارضة غريبة عنها وينقصهما الفهم المتبادل, عدا عن الثقة المفقودة في الجانبين.

-على صعيد الشارع المنتفض
يبدو لي أن الشرائح المنتفضة, الثائرة, الشبابية منها خاصة, هي أكثر الجهات انسجاما مع نفسها و مع تحديات المرحلة القادمة على امتداد الوطن السوري. وبالتطرق الى موضوع هذا المقال نجد , على الأغلب, أن تجليات الصدمة تلك تمتلك بعدا ايجابيا يتجسد في التناغم بين المنتفضين في الشارع الكردي وبين رفاقهم المنتفضين العرب على امتداد الجغرافيا السورية. وتقاسم الجميع تذوق طعم الحرية العربية وآزادي الكردية في الشوارع نفسها وتحت نفس السماء. وانشق عن الكردي السوري ثوب الانفصالية والانعزالية والمتهم دائما باقتطاع جزء من الأراضي السورية, لينكشف الأمر عن كردي تائق الى الحرية, جاهزلتلبية نداء شريكه العربي للثورة على الظلم وانتهاك الحقوق بحماس منقطع النظير. في حين كشف العربي السوري لشريكه الكردي بأنهم ليسوا شركاء في الوطن فحسب, بل شركاء في التوق الى الحرية أيضا. بعد أن كان العربي في المناطق الكردية شرطيا أو سجانا أو رجل أمن. وهذا, في رأيي, الانجاز الأهم الذي حققته الثورة السورية حتى الآن, على هذا الصعيد.
بقي أن أقول, أن المؤثرات تتداخل أحيانا بين الأمورالتي ذكرتها آنفا. فقد تخلق هذه الصدمة الجديدة في الحياة السياسية السورية الكثير من عوامل الجذب المتبادل التي تساهم في تقوية شوكة المعارضة والقوى المناهضة للنظام وتساهم في اسراع وتيرة التحول واجتيازامتحان التغيير الصعب الذي ينتظرالمعارضة السورية بكل اتجاهاتها. ومثال ذلك يتجسد في التقارب الشديد بين الحركة السياسية الكردية وبين مثيلتها العربية في الداخل السوري. الا أن الصدمة قد تؤدي الى عوامل نفور وافتراق أيضا. ومثال ذلك التهميش المتعمد للحضور الكردي في مؤتمر المعارضة الاسلامية في استانبول مؤخرا والكتابات الهجومية التي تلت تلك الحادثة من الطرفين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وانعكاس كل ذلك على حركة الشارع المنتفض أيضا. و لفتت نظري احدى اللافتات المرفوعة من قبل بعض المنتفضين في اليوم التالي من نشوب هذا الخلاف في المؤتمر وقد كتبت عليها (عاشت سورية حرة عربية) اذ تم استبدال كلمة أبية بكلمة عربية, جكارة بالأكراد طبعا. قد يبدو هذا الحدث أمرا عابرا وعديم الأهمية, من حيث الشكل, لكنه يحتوي على تحديات كبيرة, تعكس جانبا من تحديات أكبر تواجه الجميع نتيجة تراكمات هائلة من الأخطاء و الجرائم التي ارتكبت و ترتكب تحت ذريعة الأمن أوالأمان الذي كان ولازال حلما يراود مخيلة جميع السوريين. لذلك, يبدو من حجم التضحيات الهائلة التي يقدمها السوريون على مذبح الحرية, أن اسقاط النظام أمرصعب, وهو كذلك فعلا. الا أن المؤشرات جميعها تحيلنا الى قدرة الشباب السوري على تحقيق هذا الأمر, وهو قادر على ذلك. الا أن أمرا أكثر صعوبة ينتظر السوريين, وهو القدرة على ترجمة آزادي الكلمة-الشعار على الأرض الى حرية فعلية تدمل جراح  الجميع, دون استثناء. فهل ستكون الصدمة التي تخلفها الحقيقة الكردية الآخذة بالظهور عاملا مساعدا للمساهمة في انجاح التغيير المنشود, أم أنها ستخلق المزيد من الارتباك في المشهد السوري الجريح والمرتبك أصلا؟
من الصعوبة بمكان الاجابة على سؤال لم تتبين ملامح الاجابة عليه, لكنه يظل سؤالا محافظا على حيويته, طالما أنه يشكل جزءا حيويا من الغموض الذي يلف المستقبل السوري حتى الآن. 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9239