الثورة السورية .. والرأسمال المالي
التاريخ: الأربعاء 20 تموز 2011
الموضوع: اخبار



هيبت بافي حلبجة

قد أثبت الشعب السوري ، في جمعة أسرى الحرية ، إن الوعي التاريخي المتوارث إليه منذ عدة آلاف سنة مازال ينبض في عروقه وفكره ووجدانه ، فالحضارات القديمة التي تعاقبت على هذه الجغرافية الرائعة ، تركت بصماتها الخالدة وطابعها الحضاري والمدني على كل شريان ووريد في المنطقة . وأمتحت مدى تعلقه بالزمان والمكان ومفهوم التطور من المعنى الحضاري لوجوده الخاص والمميز . وحينما تلفح رياح الحرية والكرامة تلك الوجوه الغارقة في الشموخ ، في الإباء ، في التسامي ، وهي تهتف بحنجرة واحدة ، وبجسد مشترك ، وبروح وحيدة يتيمة ، فإن الشر وأزلامه ومقدماته ، ترتعد أوصالها ، وتقشعر أبدانها ، وترغد هودجها ، وتزبد ثعابينها ، ويستشاط غيظها حنقاُ .


هذه الرؤيا بدت لكل متتابع للأحوال السورية على حقيقتها التاريخية الأصلية في التفاعل الجاد والفعلي ما بين آدمية الأنسان وجوهر الروح والغاية من مفهوم الديمومة ، لذلك فإن الشعب السوري وبكل ألوانه وفئاته وشرائح مجتمعه بادر إلى تحقيق أجمل صور الطبيعة في مفهوم الحرية والديمقراطية ، والتآلف والأخوة ، والشعارات السلمية ، والرمزية العفوية ، والحناجر الهاتفة المعبرة عن قاسم مشترك وهو إن الألم والوجع هو لكل الشعب السوري ، كما إن الحرية والرخاء والرفاهية هي أيضاُ لكل فرد سوري ، لكل بقعة سورية ، لكل زاوية من زوايا هذا الوطن الحبيب . وهذه النقطة في غاية الأهمية والروعة لإن شعارات المتظاهرين أسقطت مفهوم السياسة والسياسة التقليدية ، وكل من سومت له نفسه الولوج في متاهاة سراديب قاتمة دامسة ، وأعفته مشقة عناء تجشم البحث عن الفراغ ، التنقيب عن أمجاد سرابية ، التهافت على رعونة باتت من ثنايا وبقايا العهود الغابرة والأزمنة البائدة . ورحب هذا الإئتلاف الأخاذ الفريد الأستثنائي  بمفهوم الأنسان أولاُ كجوهر ، كروح ، كأخوة ، وبفهوم الولاء للوطن بنفس الدرجة كمعطيات أساسية في العلاقة ما بين الفرد والجماعة ، وبفهوم الحرية ثالثاُ كوحدة في العلاقة ما بين الأنا والأنت بعيدأ عن المضامين التقليدية في الإقصاء والألغاء ، وبمحتوى الديمقراطية كأتحاد في التعامل والرؤيا المتعددة الجوانب ،  على ضوء إن التعددية هي إغناء مسندي عضدي للجميع ، وعلى قاعدة إن الفردية ضمن صيغ التماهي الحقيقي ما بين إئتلاف الخاص والعام ليست في النهاية إلا إحدى أشكال التعددية ، والمنطوق الجوهري لحركة وتحرك المجموع ضمن المختبر الواحد الذي لايقبل القسمة بطبيعته بذاتيته ، وبطبيعته الأحادية ، وليس قسرياً ، أو تسويفياُ ، أو تعسفياُ . وهذه الطبيعة أخترقت التاريخ والمجد ، وكل الحدود المألوفة ، ونصبت خيمة واحدة وحيدة في كبد السماء ، على سقف القمر ، على كوكب لاينتمي إليه إلا الخير والمطر وأوراق الشجر ، على مجرة هي عنوان المستقبل ، هي نبض الروح الأولى ، ففي البداية كان اللوغوس وكان الشعب الحر ، وفي البدء كان اللوغوس وكانت الحرية ، وفي البدء كانت الكلمة وكانت الكرامة ، فعلى مياه دجلة وفرات وبردى والعاصي رأيت بأم عيني صورة خارقة للوصف متحدية التعبير كاسحة للزمان والمكان . وهذه الطبيعة وهذا الإئتلاف الموضوعي العلمي المعرفي هو عنوان وسيد المسطحات التالية . المسطح الأول : برزت على خارطة التاريخ والسياسة معادلة جديدة لاتتقوت من الماضي ولا من حيثيات القوة الغاشمة وفيزياءها العاطلة ، إنما تتجذر وفقاُ لخصوصية تجربة معطياتها جديدة ، ملامحها أصيلة ، أبعادها محلية ، جوهرها سورية . كما إن محركها الأساسي هو الشعب السوري وعلتها الفاعلة ، تلك العلة التي تلغي آلياُ وقبلياُ وبعدياُ كافة المصوغات – التقليدية في المحتوى والسياسة - التي تزعم ، وتزمع الولوج في جيولوجية التجربة السورية ، وتنفي عن نفسها بنفس الدرجة المسوغات التي تتهدل وتتدلى على مشانق لامناص من أن تكنس وتخنس (بضم التاءتين) . المسطح الثاني : في لحظة تاريخية معينة ، تراءت للإدارة الأميركية والفرنسية والأنكليزية ومضات خاطئة مفادها إن المنطقة العربية لامندوحة مقبلة على تكثيف سياسيي في الأسلام المؤدلج ، فلما لايكون النموذج التركي ، التجربة الأردوغانية وحزبه في العدالة والتنمية ، نبراساُ وضاءاُ ، وعلة فعلية في تجسيد الطموح الشعبي للحرية والعدالة الأجتماعية !! سيما وإن الليبراليين العرب – الكردي في سبات لارقادي وفاقدي السمت الواعي وأستقراءات المنطق وأسباب نزوله ، سيما وإن اليسار العربي – الكردي لازال لينينياُ ستالينياً يتجوهر في كيمياء الأبعاد المائتة في العلاقات المتحركة ، سيما وإن ما يسمى (بضم الياء) بالمثقف العربي – الكردي يتوهم ، أو بالدقة يظهر له التوهم ، وكأنه يتوهم في تحديد وعيه وخطه البياني على ضوء حيثيات الأنتقال من مرحلة إلى أخرى !! لكن تلك الإدارة ، الغربية الأميركية ، أدركت بسرعة إن الشعب السوري له أحتسابات مستقلة ، أحتسابات قائمة على فرضيات جديدة في مرحلة جديدة وتاريخ جديد ، ولايمكن ولا بأي شكل من الأشكال إلا الرضوخ لهذه الأحتسابات ، لهذه الوقائعية التي لاتقبل إلا بتطبيق القوانين الصحيحة والفعلية للتاريخ كما هو ، كما هو عارياُ ، كما هو بدون أحداث . المسطح الثالث : في لحظة تاريخية معينة ، تراءت للإدارة الغربية الأميركية تهيؤات خاطئة مفادها إن أمن أسرائيل هو ضرورة – سياسية غربية أميركية – وحيثية قاهرة لكل الحيثيات الأخرى ، بل إن أمن أسرائيل هو ضمانة ودالة فاعلية الغرب الأميركي في المنطقة ، لكن تلك الإدارة  أستفاقت على محتوى ثلاث مدارات متداخلة . المدار الأول : إن المنطقة العربية لاتأبه ولا تكترث بموازين القوى ولا بالتحليل على خلفية – هات وخذ – ولا على خلفية – هذا صديق قد يفيد – وأنها قد أحدثت ثورة حقيقية في تاريخها ، وبالتالي لامحيص من إن تحدث الولايات المتحدة الأميركية ثورة في علاقاتها في الشرق الأوسط . المدار الثاني : إن الأقتصاد العالمي لم يعد يحتمل البقاء على العلاقات الأقتصادية والسياسية القديمة ، وإن العلاقات الأقتصادية لاتلتزم بالعلاقات السياسية التي في معظم أحوالها تكبح وتلجم تقدمه ، وإنه لايمكن أن يسمح لهذه العلاقات أن تقف عقبة كأداء كتدخل بليد وغبي في خصوصياته البنيوية ، وفي محتواه – الراسمال المالي القروضي الربوي البنوكي الذي يقتضي السلم ويزدهر فيه ، ويتباغض وظروف الحرب وتساوقات العنف من جانبين ، الجانب الأسرائيلي : القائم على جوهر معاد لأي تطور وتقدم  ، ويقتات من القوة الحروبية  . وجانب الأنظمة القمعية التوتاليتارية التي هي الأخرى تتقوت من العنف ومن حجم الدمار والتخريب . المدار الثالث : إن المسألة السياسية بمفادها الصرف لن تمنح الخيار لإدارة الولايات المتحدة الأميركية سياسياُ أن تتحابل على الوضع الأسرائيلي من جهة ، ولا على المرتكز العربي القمعي في الحفاظ على السلطة من جهة ثانية ، ولا على الديمقراطية الغربية وحقوق الأنسان في الشرق الأوسط – الأصلاحات ، الحوار ، خارطة الطريق – من جهة ثالثة ، لأن هذه المسألة ستولد بالضرورة التاريخية فحواها السياسي المناسب ، ودالتها الأقتصادية الموازية ، ومدلولها المجتمعي المواكب ، وإلا فأنها لن تولد ، وإذا لم تولد لن يولد شيء ، وهذا يناقض صيرورة وسيروة قوانين تاريخانية هذه الأنتفاضات وحيثياتها .. ...







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9229