مخاوف كردية تجاه مواقف المعارضة السورية
التاريخ: السبت 09 تموز 2011
الموضوع: اخبار



  زارا مستو
zarakobani@hotmail.com
-  1 -
           نحن – معشر الكورد - تنتابنا هذه المخاوف إثر تجارب مريرة مررنا بها – خلال فترات ليست ببعيدة –  شاهدنا خلالها نكائث و نحوس وويلات في عهود قطعوها لنا, فإنّ التاريخ يذكرنا بمصطفى كمال أتاتورك في بداية القرن الماضي كيف وعد الكورد بأن  الشعب الكوردي سينال حقوقه بعد نجاحه في بناء دولته العلمانية ,حيث وقف الكورد مع حركته وضحّى بالغالي والنفيس في سبيل وطن حرّ للجميع, ثمّ حنث وعده مع الكورد, واتّخذ الدين وسيلة لخداعه,وفتن بين الكورد والأرمن, وضربهم ببعضهم, وفي النهاية حصد الكورد والأرمن معاً القتل والتشريد.


-  2 –
أما في إيران يخبرنا التاريخ بالأحداث نفسها , في عام 1979 وعد الخميني بحل القضية الكوردية بعد انتصار ثورته, لم يبخل الكورد بالتضحيات من أجل وطن مشترك ينال الكورد فيه الحكم الذاتي في مناطقهم التاريخية , فكانت حصيلة ثورته استبعاد الكورد من المشهد السياسي, وإنكار حقوقهم وملاحقة قياداتهم وتصفيتهم من قبل المخابرات الإيرانية كاغتيال القيادي الكوردي الدكتور عبد الرحمن قاسملو في فيينا عام 1989,والدكتور صادق شرف كندي في ألمانيا سنة 1992 .
-3-
وفي العراق, عام 1970 حصل الكورد على حكم ذاتي في مناطقهم التاريخية, وبعد فترة وجيزة تراجع البعثيون عن الاتفاقية, وتآمروا على القائد الكوردي مصطفى ملا البارزاني ,وانعقدت اتفاقية الجزائر, وعلى أثرها انتهى الحلم الكوردي في الحكم الذاتي. وأما لاحقاً اتفقت المعارضة العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين مع المعارضة الكوردية على حل قضيتهم وفق معايير دولية معينة متفقة عليها بما فيها قضية كركوك, وبعد سقوط النظام العراقي لا تزال قضية كركوك معلقة, علماً أن الدستور العراقي وضع آليات محددة لحلها, ومع ذلك تتهرب تلك القوى من الحل وتخالف الدستور, وتحنث حكومات بغداد  تلوى الأخرى بوعودها.
-4-
وبعد جلاء الفرنسيين من سوريا عام 1946 , بقي الشعب الكوردي محروماً من حقوقه, ولم يشر الدستور السوري إلى وجود الشعب الكوردي وحقوقه الثقافية والسياسية والاجتماعية المشروعة , على الرغم من كل التضحيات التي قدمها الشعب الكوردي في سوريا ووقوفهم إلى جانب أبناء الشعب السوري, فما فعله يوسف العظمة وثورة إبراهيم هنانو ..., دليل على ما ذهبت إليه.
لم يقف الأمر إلى هذا الحد, بل واصلت الأنظمة التي تتالت على الحكم في سوريا إلى ممارسة سياسات عنصرية بغيضة بحق الكورد كتهجيرهم من مناطقهم الأصلية, واستيطان العرب فيها, وتجريدهم من الجنسية السورية ,ومنعهم من تعليم لغتهم ,هذا كلّه بغية تعريبها, بالإضافة إلى ارتكاب المجازر بحقهم, كالقتل والاعتقال.....
-5-
واليوم تشهد سورية مرحلة جديدة من تاريخها, فأبناء الشعب الكوردي يقفون إلى جانب أخوانهم من أبناء الشعب السوري بقوة في انتفاضته العارمة, وما تشهده المناطق الكوردية دليل على ذلك.
إنّ المعارضة العربية بأطيافها اليسارية العلمانية , القومية ,الإسلامية, كلها تتفق- إذا استثينا بعض مواقف المثقفين  السوريين – على حصر قضية الشعب الكوردي بمسألة المواطنة, ودون الاعتراف بخصوصية شعب يعيش على أرضه التاريخية, وله حقّه في تقرير مصيره بنفسه, فإن الشعب الكوردي بعد اتفاقية سايكس بيكو التي كانت دون إرادة شعوب المنطقة برمتها,قرّر بملء إرادته أن يعيش جنباً إلى جنب مع الشعب السوري, وربط مصيره به, ضمن وحدة سوريا أرضا وشعباً.
لكن ما يثير الخوف في نفوسنا هو تهرّب المعارضة  التقليدية وغير التقليدية من إيضاح موقفها تجاه قضية الشعب الكوردي في سوريا, من خلال بعض صيغ فضفاضة غير واضحة, وعدم إعطاء أية أولوية لها,ومحاولة تأجيل قضيته إلى ما بعد تغيير النظام.
لا يزال الشيوعيون واليساريون يرون أنّ القضية الكوردية لا تنحل إلا في ظل قيام دولة اشتراكية شيوعية, فيطالبوننا الانتظار لتحقيق ذلك, أما الإسلاميون يرون أن كل القضايا ستعالج في غضون قيام دولة إسلامية, أما العلمانيون والقوميون يربطون مصيرنا بقيام نظام ديمقراطي, فإنهم يتفقون على تأجيل القضية الكوردية, وحصرها على جزء من الحقوق الثقافية وحقّ المواطنة, علماً أن هذه النماذج من الحكم موجودة في المنطقة - إذا استثينا تجربة إقليم كوردستان العراق- ومع ذلك لم تحل قضية الشعب الكوردي في ظلّ هذه النماذج المطروحة, أليس النظام التركي نظاما ديمقراطيا إلى حدّ ما, وعلى رغم هذا – مثلا - لا تدرّس اللغة الكوردية رسمياً في كوردستان تركيا, ولا يعترفون الأتراك بالقومية الكوردية  في الدستور التركي! بل تحارب الدولة التركية حركته السياسية التي تطالب بالشراكة الحقيقية في تركيا.
أما في إيران فنظامه إسلامي والكورد محرمون فيه من أبسط حقوقه السياسية, كشعب شريك في الحكم, ناهيك عن مطاردة حركته السياسية,  وتصفية قياداته, والإعدامات بحقّ أبنائه.
وفي سوريا, النظام يعرّف عن نفسه بأنه اشتراكي تقدميّ علماني, في ظل هذا النظام لم يحصد الكورد سوى الجوع والقتل والاعتقال والتهجير والحرمان, من أبسط حقوقه الإنسانية والقومية والوطنية, فإنّ هذه المواقف كلّها تجعلنا أن نكون قلقين وخائفين على المستقبل الذي يجمعنا.
 إنّ تداولنا لهذه القضية لا يعني البتة بأن الشارع الكوردي يتخلى عن واجبه الوطني على حساب خصوصيته القومية, أو أننا غير معيين بما يجري في وطننا السوري, فالحركة الوطنية الكوردية أكدت مرارا بأنها تؤيد هذا الحراك السلمي الموجود في الشارع السوري, وتدين بالقوة ما يتعرض له الشعب من انتهكات جسيمة بحقه من قتل واعتقال,تزامنا مع هذا الموقف,فإنّ المناطق الكوردية مشتعلة, ولها حضورها القوي في الحراك السلمي.
سنتناول في هذه الحلقة رؤية وثيقة هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا لقضية الشعب الكوردي , باعتبار القضية الكوردية في سوريا قضية قومية و وطنية بامتياز, تخصّ الجميع ,والشعب الكوردي مكوّن أساسي من مكوّنات الشعب السوري, ولذا وجب علينا التوقف عنده بجدية.
إنّ هذه الوثيقة لا تزال تشكل موضع جدل لدى الكثيرين, وخاصة الكورد , وهذا بسبب الفقرة التي تتعلق بقضية الشعب الكوردي في سوريا , رأى البعض من الكورد بأن هذه الوثيقة تاريخية, والبعض الآخر رأى عكس ذلك,جاءت الفقرة على الشكل التالي:" الوجود القومي الكردي في سورية جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، الأمر الذي يقتضي إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً، والعمل معاً لإقراره دستورياً، وهذا لا يتناقض البتة مع كون سورية جزءاً لا يتجزأ من الوطن العرب".
غابت عن هذه الوثيقة غالبية الأحزاب الكوردية, ورأت أنّ سبب عدم التوقيع عليها يعود إلى الغموض الذي يلف موقف الوثيقة من القضية الكوردية, وعدم انسجامها مع رؤية المبادرة الكوردية , طبعاً هذا ما أكده الأستاذ عبد الحميد درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا في تصريح له لموقع الديمقراطي, فقال أنّ عدم التوقيع يعود إلى السببين:
:"الأول هو عدم رغبتنا في تقسيم صفوف المعارضة الوطنية . والثاني هو ضرورة الاعتراف بحقوق الكرد بشكلٍ واضح وتفصيل هذه الحقوق بشكلٍ جلي".
أما حزب آزادي الكوردي في سوريا ورد موقفه من وثيقة هيئة التنسيق في بلاغ صادر عن اللجنة السياسية,فرأى :" وقد تعرض الاجتماع لموضوع اللقاءات والمشاورات التي حصلت بين أحزاب الحركة الوطنية الكردية وبعض قوى المعارضة العربية (أحزاب التجمع الوطني وأحزاب تيار اليسار الماركسي) وعدد من الشخصيات البارزة ، وأعرب عن تخوفه لانقسام المعارضة الوطنية نتيجة التسرع في التوقيع على وثيقة هيئة التنسيق للتغيير الوطني الديمقراطي في سوريا ، وانتخاب لجانها وعدم قبولها لصيغة مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكردية و ما يتعلق منها بالشأن الكردي ، الأمر الذي جاء مخالفا لقرارات أحزابنا الكردية مجتمعة والتي نصت على ضرورة وحدة الكتلة الكردية وعدم تشتيت المعارضة ، مما حدا بحزبنا – آزادي - الامتناع عن التوقيع على تلك الوثيقة بالإضافة إلى خمسة أحزاب كردية شقيقة هي الأخرى امتنعت عن التوقيع ، مع احترامنا للجميع بمن فيهم أشقاؤنا من الأحزاب الكردية الخمسة التي وقعت على الوثيقة المذكورة أعلاه".
أما الأستاذ مصطفى إسماعيل كان له رأي في مقال نشر في المواقع الكوردية بعنوان "وثيقة هيئة التنسيق الوطنية : تسويف الكورد إلى إشعار سوري آخر , وقف على دلالات صياغة النص ومعانيها وفق معايير قانونية ولغوية دقيقة ,فذهب إلى أنّ:"..., فالفقرة الخاصة بالكورد في نص الوثيقة واضحة جداً في تأجيل تقديم موقف حاسم من القضية القومية للشعب الكوردي, التي هي قضية وطنية سورية أيضاً. وإذا ما فككنا الفقرة إياها بنيوياً للاحظنا التناقض والتلاعب والتسويف وبذور المماطلة وعدم الرضى عن إدراج هذه القضية بشكل حاسم في المسار السوري الراهن والمستقبلي, فالجملة التالية ( الوجود القومي الكردي في سورية جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري ) حاملة للتأويل وكان يمكن أن تكون كالتالي ( الشعب الكوردي في سوريا مكون أساسي وبارز للوطن السوري ), والجملة التالية ( إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً ) تعني أن الطرف العربي لا يقبل لا بالحكم الذاتي للكورد ولا بالفيدرالية ولا بالإدارة الذاتية للمناطق الجغرافية الكوردية, هذا فيما يتعلق ب ( وحدة البلاد أرضاً ) أما ( وحدة البلاد شعباً ) فتعني التخلي الكوردي عن خصوصيته القومية وتمايزه القومي, ف ( وحدة البلاد شعباً ) تعني في تعريفات المعارضين السوريين ( المواطنة ) التي هي المبتدأ والمنتهى في تعاطي أولئك المعارضين مع الفسيفسائية السورية. أما ( العمل معاً لإقراره دستورياً ) فهو يوضح النيات السيئة المخفية وتسويف البت وطنياً بالقضية الكوردية إلى حين عودة الديناصور المنتظر, وكان يمكن للجملة أن تتقدم في السياق على ما عداها وبالصياغة التالية ( الإقرار الدستوري لـ .... ) أما مربط الفرس في الفقرة المخصصة للكورد في متن وثيقة هيئة التنسيق فهي الجملة التالية ( ... وهذا لا يتناقض البتة مع كون سورية جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي ) فالهاجس الأساس بالنسبة لقوى العربية المعارضة هو الانتماء السوري إلى الفضاء العربي, وإذا ما كان من شأن أمر ما أو قضية ما الإخلال بهذا الانتماء فيمكن أن تدور الدوائر على ذلكم الأمر أو القضية, لا مبرر إذن لهذه الجملة, وكان ينبغي احتراماً لمشاعر المكونات القومية لسوريا عدم إيرادها.
وإذا ما شئنا إعادة صياغة تلكم الفقرة الخاصة بالكورد في وثيقة هيئة التنسيق المعارضة يمكننا صوغها كالتالي :( الشعب الكوردي مكون أساسي وبارز لسوريا, الأمر الذي يقتضي الإقرار الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكوردي في إطار وحدة البلاد, بشكل ديمقراطي, وبما يتطابق مع العهود والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة السورية ).
الفقرة المتعلقة بالكورد في نص وثيقة هيئة التنسيق هزيلة وركيكة بنيوياً إذن, وهي حمالة أوجه, وكان من الأفضل لو لم توقع عليها الأحزاب الكوردية, وهي لا تستحق السفر إلى دمشق وتكبد مشاق السفر ووعثاء الطريق , فما علينا سوى انتظار مؤتمر الإنقاذ الوطني, وما سيتمخض عنه من إطار عام وموقف من القضية الكوردية في البلاد, ولا أتمنى أن نلدغ من جحر ثلاث مرات ( بعد هزالة الموقف من القضية الكوردية في نص وثيقة إعلان دمشق عام 2005 وفي نص وثيقة هيئة التنسيق عام 2011) . في انتظار ذلك, نقول لصالح مسلم ومحمد موسى وجمال ملا محمود, وهم ممثلو الأحزاب الموقعة على الوثيقة: حظاً أوفر".
أما الأستاذ  فيصل بدر في مقالة له على النت بعنوان :" تنسيق وهمي " كان موقفه رافضاً , وتمنى أن يخرج حزب يكيتى من هيئة التنسيق , وأبدى ملاحظات عدة:" ... أن ما ورد في الوثيقة التأسيسية للهيئة المذكورة لا يراعي أبدا الحد الأدنى المطلوب الذي يحفظ حقوق شعبنا الكردي في كردستان سوريا و مع ما يبتغيه حزب مثل يكيتي سبق أن رفض التوقيع على وثائق لأطر سابقة لم تراعي الاعتراف بوجود الشعب الكردي بمعنى الجغرافيا و ان القضية الكردية في سوريا هي قضية ارض و شعب و خاصة أن الحزب تبنى الحكم الذاتي في مؤتمره الأخير كحل للقضية الكردية في كردستان سوريا و لما تحويه الوثيقة من قنابل سياسية في المستقبل من حيث أنها لم تعترف بهذا الوجود الجغرافي فليس بالضرورة أن يترافق الوجود التاريخي بالوجود الجغرافي خاصة إذا كنا نتعامل مع إطراف كانت و ما  زالت تؤمن بان هذه الأرض هي عربية من المحيط إلى الخليج و أن التوقيع على إن سوريا هي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي  يلغى أي وجود جغرافي للشعب الكردي في سوريا و بالتالي أي حكم ذاتي لكردستان سوريا ستتم المطالبة به مستقبلا و قد نسف الأساس الذي تقوم عليه هذه المطالبة و اقصد بذلك الأساس الجغرافي استنادا على ان سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي علما إن الوثيقة لم يرد فيها أي ذكر لمصطلح الشعب الكردي بل نصت على الوجود القومي للكرد و هذه فيها أيضا فرق كبير و هي أصلا  متوافقة مع عبارة إن سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي ".







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9092