الصدع
التاريخ: الخميس 09 حزيران 2011
الموضوع: اخبار



  د. سربست نبي

التريث الذي وسم الموقف الدولي طوال أكثر من شهرين ونصف ومنحه تماسكاً إزاء سلوك النظام السوري لم يعدّ كذلك. وبات يشهد الآن صدعاً قوياً مع إعلان عدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي (في مقدمهم فرنسا والمملكة المتحدة) أن الرئيس السوري فقد شرعيته السياسية. وشروعهم المشترك بالتحرك نحو مؤسسات الشرعية الدولية لتضييق الخناق على نظامه, وتصنيفه وفقاً للمعايير السياسية والقانونية ذاتها التي صنف بموجبها الدكتاتور المجنون القابع في حصنه بطرابلس الغرب. وبذلك يستوي بشار الأسد (الحكيم) في المكانة مع معمر القذافي, الذي آثر أن ألّا يشترك أحد معه فيها.


والواقع أن دنيا العروبة تحفل بالعديد من الأباطرة المهووسين, الذين يعتقدون أن التاريخ لا مشيئة له سوى الرضوخ لأهوائهم السياسية والاستجابة لعجرفتهم. وكما بدا جلياً طوال تلك الفترة, فإن العطالة السياسية والغطرسة اللتان تسمان جميع نظم الاستبداد, حالتا دون أن يدرك الرئيس السوري بصورة صحيحة حقيقة المأزق الذي يعانيه نظامه, ومن ثم لم يتوصل- وعجز عن الإقدام- إلى طرح الحلول السليمة التي تحول دون المزيد من التدهور. وبالمقابل فقد دفعه العقل القمعي, المستحكم به, إلى تسخير هذا الموقف الزمني نحو مزيد من القتل والبطش بحق المحتجين المدنيين, مبرراً سلوكه هذا بهالة فاقعة من الكذب والمراوغة الإعلامية غير المتقنة, في زمن تقانيٍّ لم يعد فيه ممكناً إطالة أمد الخداع وتضليل الآخرين إلى ما لانهاية. فقد اعتقد النظام السوري أنه بترهاته الإعلامية تلك  قادرٌ على إقناع المجتمع الدولي بجدارة سياساته الداخلية وضرورتها. والحق أنه لا يكفي أن يعتقد أيّ مستبد بصواب سياساته, مستنداً إلى مبررات بقائه, كي يصدقه الآخرون أو يوافقونه على ادعائه هذا. وهذه هي الخطيئة المشتركة التي وحدت وستوحّد جميع أنظمة الاستبداد في العالم العربي في المصير المشترك.
 ومهما قيل, فقد بدأ المجتمع الدولي يدرك الآن حجم المأساة اليومية التي يعيشها السوري في أيامه الحزينة والمفجعة هذه. ولم يعد الضمير الإنساني المشترك يتحمل وزر كل هذا الصمت المريب إزاء الجرائم اليومية التي تحدث في المدن السورية. إلا أن التعنت الانتهازي للسياسة الروسية التي تفتقر إلى كل وجدان أخلاقي أو حسّ إنساني مشترك, إلى جانب الموقف الصيني لا يزالان يشكلان عقبة كأداة, هذه البرهة, أمام أية مبادرة دولية محتملة, حاسمة ورادعة لسلوك النظام القمعي.
منذ البداية كان النظام يحاول أن يخلق انطباعاً بأنه استوعب الدرس التونسي والمصري جيداً, وأنه لن يكرر أخطاء الآخرين, وأنه بصدد تغييرات إستراتيجية عميقة, وإعادة نظر عميقة في المسائل الملحة, ومراجعة جوهرية للمواقف ...الخ وبدلاً من أن يحقق هذا الانطباع ويجسده على أرض الواقع فقد انتهز الزمن الحرج للتسويف وبدده في مغامرات إعلامية فاضحة ومكشوفة برهنت الأيام التالية ووقائعها المفجعة على زيف ادعاءاته بالإصلاح والتغيير. ولم يبق أمامه الآن سوى مواجهة التحديات الصعبة التي تتصل بشرعية وجوده دولياً, وهي التي ستكرّس من عزلته السياسية خارجاً وتعمق من أزمته داخلاً. ويمثل ذلك مقدمة وبرهاناً أكيداً على أن الشأن السوري لم يعد شأناً داخلياً صرفاً  مثلما أراد النظام الاستمرار فيه.
السخط الدولي بدأ يتصاعد ويتسع, وضمير المجتمع الإنساني لم يعد يحتمل الانتظار أكثر أمام المشاهد المروعة والحقائق اليومية المرعبة, التي تجبره على اتخاذ قرارات سريعة رادعة لهذا العنف المجنون والقتل السائدين في سياسات النظام السوري. ولنا أن نتساءل في هذه الحالة, وقبل أن يسارع النظام وإعلامه إلى التشدق بذرائع( التدخل الخارجي), مَن سوّغ بسلوكه ويسوّغ حتى الآن إمكانية التدخل الخارجي؟ ومن ذا الذي جعل من الألم السوري ومأساته مشهداً كونيّاً بهذه الفظاعة وبهذا الحجم, بحيث تخطى كل الحدود السياسية, حتى لم يعد بإمكان أحد السكوت عنه أو تجاهله؟ وإلى متى ستستمر هذه المآسي اليومية والفظائع دون أن تكون لها حدّ أو نهاية؟ فهل سيبقى الشعب السورية طريدة أبدية لآلة القتل اليومي والبطش؟
إننا نتساءل فحسب, ونحن ندرك أن الشعوب الحرّة وأمم العالم المتمدن لم تعد تكترث اليوم بالحدود السياسية حينما يتعلق الأمر بكرامة  أيّ عضو  في المجتمع الإنساني وحياته أنّى كان. والوعي الإنساني المشترك لا يعنيه التمييز الميكافيللي أو الفصل بين المجالين السياسي والأخلاقي ولا يعتد به على مستوى المجتمع البشري. فمنذ زمن ليس بقريب أصبحت ممارسات أنظمة الاستبداد السياسية في كل مكان تخضع لرقابة إنسانية وضوابط كونية, بحيث لم يعد بوسع أيّ مستبد كان أن ينفرد باستباحة الحياة في مجتمعه ويبطش بالناس دون أن يحظى بالسخط والإدانة العملية.
لهذا السبب  بالذات لا ينبغي النظر إلى الموقف الدولي الناشئ على أنه مجرد ( تدخل خارجي), والحكم عليه اعتباطاً بأنه ينال من( هيبة) السيادة الوطنية, أو يعدّ( مسّاً) بها. إنما حريّ بنا أن نسلم مسبقاً إن السلوك السياسي لأي سلطة قومية يخضع لالتزامات إنسانية, وله أبعاد دولية. وهذا السلوك وإن تجسّد ظاهراً في نطاق جغرافي- سياسي محدد, إلا أنه في واقع يجب أن يكتسب مبرراته وشرعيته مما هو أشمل وأبعد من إرادة السلطة. وتلكم هي الحكمة التي لا يكترث لها, على الدوام, كلّ مستبدٍ آفل.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=8782