على ماذا يعوٌل النظام السوري؟
التاريخ: الأربعاء 25 ايار 2011
الموضوع: اخبار



  عبدالباقي حسيني

الأحداث الدراماتيكية التي مرت بها سوريا منذ اليوم الأول من ثورة الشباب السوري وحتى اليوم، تبرهن على أن الشعب السوري يسعى نحو الكرامة والحرية، ويتظاهر بشكل سلمي وحضاري للوصول إلى الديمقراطية و تحقيق أمانيه في العيش الكريم و التخلص من كل أشكال الفساد والقهر. أما من جهة النظام فقد بادر و منذ البداية على قمع المتظاهرين، وإستعمال أشد أنواع القمع والقهر ضد مواطنيه، وتحويل مجرى التظاهرات إلى أحداث دراماتيكية وخلق قصص واهية وسيناريوهات كاذبة، على أن التظاهرات تحمل في طياتها "إمارات سلفية"، "عصابات مسلحة"، "مندسين"، إلى ماهنالك من صور إجرامية، تعطي صورة قاتمة وعنيفة لثورة الشباب السلمية. كل هذا  من أجل التهرب من الإصلاحات والتمسك بالنظام القائم والمبني على كم الأفواه والفساد والتشدق بالشعارات الكاذبة من قبيل أن هناك "مؤامرة" على البلد، ونحن من "دول المقاومة والممانعة"، التي تزعج إسرائيل والغرب.


قبل أيام قليلة ،كان خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الشرق الأوسط والتطورات الكبيرة التي تشهدها المنطقة ومواقف الإدارة الأمريكية من الأحداث التي تشهدها دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، أوباما كان واضحاً عندما تحدث عن سوريا، و قال:" على الرئيس بشار الأسد أن يقود عملية التغيير أو يتنحى". وأضاف أن" الرئيس الأسد أمام خيارين: إما أن يقود العملية الإنتقالية أو أن يبتعد". وطالب أوباما النظام السوري أيضاً بوقف القمع بحق المتظاهرين، وبالإفراج عن السجناء السياسيين وبالسماح لمجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان، بالوصول إلى مدن مثل "درعا". بعد هذا الخطاب كان لدى النظام السوري فرصة كبيرة، على أن يوقف آلة الحرب ضد مواطنيه ويعلن على الملئ أن الشعب السوري يستحق الحرية وبجدارة، وها هي خارطة الإصلاحات.
لكن هيهات من نظام يمارس القمع والفجور منذ أربعين عاماً، يقتل الناس ويصادر حريته، على أن يقوم بالإصلاحات ويعيد لشعبه كرامته المهدورة وحريته المقموعة.
ففي "جمعة آزادي" جمعة الحرية- 20 أيار، قامت جميع الأجهزة الأمنية وأقسام من الجيش، بمجزرة جديدة بحق المتظاهرين، وراح ضحيتها أكثر من 44 شهيداً. و إستمر النظام في غيه يوم السبت، عندما شيع المتظاهرون جنازات يوم الجمعة في مدينة حمص، وقتل يومها أكثر من عشرة سوريين أيضاً.
النتيجة كانت، نفذ صبر المجتمع الدولي حيال الممارسات اللا إنسانية التي تقوم بها السلطات السورية ضد شعبه، فقامت دول الإتحاد الأوربي بفرض عقوبات على النظام السوري، و عقوبات على الرئيس بشار الأسد كونه (قائد الجيش والقوات المسلحة)، في خطوة تهدف إلى مزيد من الضغط عليه لإنهاء العنف ضد المحتجين الذين يطالبون بإسقاطه. وتمثلت العقوبات ضد الأسد في المنع من السفر وتجميد الأصول المالية.
المضحك والمبكي في العملية، هي تصريحات وزير الخارجية وليد المعلم حول هذه العقوبات، عندما قال: " إن ما قام به الاتحاد الأوربي هي مؤامرة، وكانت مدروسة سابقاً من أمريكا وقد نفذتها دول أوربية"، ويتابع " إن العقوبات على الرئيس السوري هي عقوبات على الشعب السوري". إن دل هذه التصريحات على شيء فإنما يدل على أمرين أثنين: إما النظام غبي، لا يدري ما يقوم به، ولا يعرف عواقب أفعاله. أو يستغبي الشعب السوري- الجبار والحكيم والباسل- ويردد على مسامعه نظرية المؤامرة التي لا يصدقها حتى النظام نفسه.
في هذا السياق، يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال هام هو: على ماذا يعوُل النظام السوري في عملية التحدي والعناد ضد المجتمع الدولي؟ إذا كان النظام لا يعنيه مايقوله الرئيس الأمريكي، وماتطلب منه أسرة المجتمع الدولي و الإتحاد الأوربي وعلى لسان رئيستها كاترين آشتون وبأكثر من مرة، ولا يلبي مطالب شعبه في الحرية والديمقراطية. مالذي يجعله ان يستمر في عنجهيته هذه وعلى ماذا يعوُل وماهي الأوراق المتبقية بين يديه في السياسة الداخلية والخارجية؟، أليس مضحكاً أن يقول المدعو وليد المعلم إننا أيضاً سنعيد النظر في العلاقات الأوربية، ونقف ضد مصالحها،... إلخ.
كلنا يعرف ان وقوف الدول الكبرى من قبيل الصين و روسيا في بعض المواقف بجانب سوريا في الأمم المتحدة، ماهي إلا نوع من المحسوبيات الدولية بين الدول الكبرى نفسها، ولا علاقة لها بقيمة النظام نفسه التي لا تعادل شيئا في الميزان والواقع ، وهذه المواقف بالنتيجة ليست "لسواد عيون سوريا"، بل للمحافظة على مصالحها  وإستثماراتها.
أما إيران،فلا مصداقية لها إتجاه سوريا، مثلها مثل تركيا، إذ كانت تركيا حتى البارحة من أقرب الأنظمة إلى سوريا، فها هي غيرت بوصلتها الآن وبمقدار 180 درجة عكس الإتجاه، كون مصالحها الدولية كادت تتضرر من علاقتها بالنظام القائم في سوريا.
الورقة الأخيرة التي يملكها النظام ويراهن عليها في خلق فوضى بالمنطقة إذا ماضاقت عليه الأمور، فهي ورقة" دول المقاومة والممانعة"، والمعروفة من الكل بإن هذا المحور يتكون من سوريا، إيران، لبنان (بقسمه الشيعي، حزب الله وحركة الأمل)، و منظمة حماس في غزة.
إيران ، همها الأول والأخير الشيعية أو (عملية التشييع)، فهي لها أجندة خاصة في المنطقة (العراق ولبنان، أمثلة حية)، وليست المقاومة ضد إسرائيل أو الوقوف ضد مصالح الغرب كما تزعم، لأن هناك الكثير من الوثائق التي تثبت مدى الصلات السرية بين إيران وإسرائيل من جهة وبين إيران والغرب من جهة أخرى.
حزب الله وأمل، تستمدا قوتهما من إيران وبمساعدة سورية، همهما هو السيطرة على لبنان وجعلها " إمارة إيرانية شيعية".
حماس، يحاول أن يستفيد من الدول المتاجرة بالقضية الفلسطينية وأن تحصل على أكبر قدر ممكن من الأموال، لتصبح قوة كبيرة أمام فتح والضفة الغربية. تحصل على حصصها من الدعم المادي والمعنوي من إيران وسوريا مقابل تحركها ضد إسرائيل عند الطلب.
بمعنى عام، ليس هناك شيء إسمه  "دول الممانعة و المقاومة"، إلا في خيال الدول والمنظمات التي تتحرك ضمن نطاق مصالحها وأجندتها الخاصة، و تستغل عواطف و هموم الشعب العربي.
الرهان الأول والأخير للنظام السوري يجب أن يكون على شعبه في الداخل ومثقفيه في الخارج، وإلا سيكون مصيره الزوال.
أوسلو 25.05.2011







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=8613