ذِمَـم الفيسبوك
التاريخ: الأربعاء 11 ايار 2011
الموضوع: اخبار



بقلم: إبراهيم محمـود
 
رغم كل حالات الطواعية التي تميّز الفيسبوك في الاستجابة لرغبات الفيسبوكي، وتلك غواياته الكبرى، إلا أنه لا يراعي ذمة أحد. نعم، لا سرَّ يرعاه أو يلتزم به أو يحرص على إبقائه سراً مهما أبدى " مواطنه" تفنناً" في جعل أثره عائداً إلى غيره بانتحال شخصي في الاسم أو الصورة أو بهما معاً، لأسباب وجيهة أو دونها. إن الذي يقوم عمله أو يكون مبدأ وجوده وبقائه على هتك السر لهذا الطرف أو ذاك، سواء تمثَّل في شخص عادي أو معتبَر أو قوة سلطوية ضاربة وفي زمن غير محتسب أو على غير ميعاد، هو نفسه من ينزع عن السر اسمه انطلاقاً من صفته/ علامته الفارقة. إن رفض الأبوة كقاعدة مؤثرة نافذة المفعول، يعني رفض البنوة أيضاً، وهذه السواسية كقاعدة أخلاقية في العلاقة البينية تجعل الفيسبوكي في امتحان عسير دائم إزاء ما يقوم به، عبر تجريده من خيلاء الشطارة أو الفهلوة التي قد تهبه نشوة خاصة في مباغتة تكسبه صيتاً لزمن معلوم،


 في لقطة: صورة تكون شهادة عيان ما، تصدم من يعيش الزمن المركَّب له، مهما كان نفوذه، وتمارس إثر ذلك تغييراً في مسار تاريخ قائم، أو انعطافة فيه، خصوصاً بالنسبة للذين يعنيهم الزمن الحسابي، وليس الرياضي، رغم أنهم منتمون إلى الزمن الثاني: الرياضي، والمتحولات القيمية غير المحسوبة..حيث إن حالة الإقدامية تدع الفيسبوكي هذا في عراء المكاشفة من خلال من هو أكثر براعة في تقفّي أثره، وتلك هي القاعدة الأمثل لعمل الفيسبوك: التواصل الاجتماعي الذي يحيل الجميع إلى مشهد تصادمي، وإن كان الذي يقدّم نفسه ممثّل قوة مجتمعية، هو الأكثر عرضة لما لا يتمناه، إذ إن مفهوم" التواصل الاجتماعي" ضال ومضلّل: ضال، إن نُظِر إليه في اعتباره العصا السحرية في جعل الجماد ناطقاً، وهذا خلاف المبثوث فيه طبيعياً، ومضلّل، حين ينسى الفيسبوكي أنه داخل في لعبة محكومة بالبياض وثمة فتنة لون تحول دون رؤية الخفي. أي إن ثمة دائماً ما يغفل عنه الفيسبوكي، ما يقع في دائرة المحظور جرَّاء شعور بمتعة تفقده صوابه أحياناً وهو يجد نفسه مالك كنز ثمين، يتمثل في صورة أو أكثر، معلومة لها طابع توثيقي تصله بالحريص على موقعه، فلا يدقق عبر سريان فعل النشوة، نشوة الاكتشاف وحيازة المعتبَر، في خطورة الوديعة التي باتت لديه وضغطها عليه ومن خلالها، في مفهوم الإشهار.  

الفيسبوكي تشده غواية إبراز الذات في غفلة ما، إلى ترك أثر يعنيه، إلى منح مقتفي الأثر المتخصص في هذا المجال، محفزات لافتة وهو يتعقب خطوط تحركاته، وهذا يعني ضرورة اليقظة على مدار الساعة، وهذا يعني- دائماً- أن ليس في عهدة الفيسبوك، شيء من قبيل( خارج أوقات الدوام)، ليس من شيء من قبيل( داخل- خارج)، أو( مراقب نظام حركة)، أو( سرّي جداً)...الخ، بقدر ما يوجد ما يدخل في نطاق ما هو مباح دائماً. إن ما هو سر بطريقة ما، معلَن عنه باسمه ومن يكون المعزز له، وما هو مغزاه، وإن تحدثنا عن أكثر الحالات خصوصية أو إحاطة بالسرّية. إن الويكليلكسية ليست أكثر من رحم يقذف بأجنة تتحدى المعنيين بتحليل الزمرة الدموية، كما لو أن تشكيل الأجنة يعتمد على مبدأ حياوي: إيروتيكي، في طقوسيته الجماعية، كما كان الحال في زمن غابر، أو مشهد شعائري في العتمة، تتداخل فيه الأجساد بأعراف طبيعتها، ويكون التلقيح حائلاً دون معرفة الحامل للأثر، إذ يكون الكم المتنوع فاعلاً في هذه العملية، ولكن ذلك لا يلغي أخلاقية العمل، أو ما كان لأجله هذه الشعائرية المستحدثة، رجوعاً إلى المبدأ الذي كان وراء تجلّي عالم الفيسبوك، كما هو الحديث عن العولمة التي لا يمكن لها أن تُسمَّى إلا من خلال قوة تمارس تعييناً لعلاماتها الفارقة، وهذا ما يتخوف منه أولئك الذين يتلمسون في أنفسهم القوة بصيغ شتى، إلى درجة احتكار الميتافيزيقا ذاتها في منحاها الغيبي: اللاهوتي أو الديني، حيث إن السماء نفسها تكون عرضة للمداهمة وتسيير شئونها بطرق، أقلها هي أنها تزيح ملكية أولي الأمر جانباً، أو أنها تتهددهم في عقر دارهم، لأن الفيسبوك يعمل وفق مبدأ الفوضى وهو غير ثابت، أي ضرب النظام القائم بمعناه الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو الأدبي أو التقني ذي الامتياز، وهذا يشكل تحدياً كبيراً، لمن يعيش في عالم يكون السرّي فيه أساس قوته، لنجد الفيسبوكي صادماً أكثر المعنيين بما هو داخل في نطاق الممنوع أو المحظور لدواعي مختلفة، وهو شديد اليقظة والمعرَّف به قوة تأديبية ومميتة أحياناً، وقد أفقِد الهيبة الممنوحة.
ذلك ما يمكن معاينته في عالمنا اليوم، وفي المحيط العربي بامتياز، إن روعي فيه التفاوت المريع والفظيع بين العاملين في السر، إيماناً بأن المزيد من التغيب عن الأعين، يعني المزيد من التحكم وإحكام القبضة، وباسم القانون الذي يُراعى فيه هذا الجانب من السرّية التي أضحت راهناً طرفة الطرائف، أو رومانس السلطة، مهما كانت صفتها، وهي على بيّنة من حقيقتها الذاتية باعتبار المسنَد إليها هو حقيقة العالم الذي تمثّله.
إنها لمفارقة مذهلة عندما يصبح المعنيُّ بما هو أمني وردعي مادة فيسبوكية، امتيازاً لمن لا امتياز له واقعاً!
هنا، يسهل القول  بأنه القانون المسمى يعمل وفق مبدأه القديم، أو الرعوي الطابع في اتجاه واحد، مبدأ أرضي في طرق لا تخفي علامتها وهي أنها مراقبة بالرادار، لكن ثمة ما يغفل عنه الرادار دائماً، وهو في عجزه عن تصوير كل شيء، لأن نظامه ليس أكثر من حيازة مكانية وباستطاعة معينة، إذ إنه يعيش في غفلة عن هويته ومحدودية قواه، وبالتالي فإن الفيسبوك  هو فيروس النظام المحصَّن بالذات، وهذا التحدي يمثّل العدو الشرس للضوابط، ويلزِم بضرورة الدخول في مجتمع المشافهة والمكاشفة، ليكون مفهوم" كشف الأسرار" تعرية المقيم في السر، حيث إن الجغرافيا لم تعد معايَنة أرضياً، ومن إحداثيات يمكن التوقف عندها، إنما هو المفهوم الفضائي للعلاقات، كما هو شأن مسامات الجسد التي تمنح صاحبه عافية، وفي الآن عينه تبقيه عرضة لما لا يتمناه.
عربياً، يظهر جلياً، أن الذين يمارسون استملاكاً للمصائر وما يعتبرونه قانونياً، ودائماً في إهاب السرية المحروسة، يعتاشون على ذاكرة فاقدة لصاحيتها. إن الفيسبوك هو من يعلمنا بذلك. الفيسبوك يلغي الشهود المتخصصين أو من هم جاهزون للتعبير عن أن واقعة ما قد تمت بهذه الطريقة لا بغيرها، وربما نكون هنا في وسط ملحوظ يمثّله شهود زور، وما أكثرهم، ولكن ذلك يبلبل وعي من يعيش على حقيقة معينة تعينه وهي التي تبقيه ممثل القوة الأوحد هنا وهناك، إنه قانون طبيعة من نوع آخر أو يضاهي ما هو طبيعي عندما يغدو" الطبيعي" تلغيماً للثقافة المحتكرة أو جاري التصرف بها، أي ما يخص نسبية القائم في قوته لتكون ذمم الفيسبوك هو إحلال مبدأ المساواة وإلزام المراهنين على واجب الطاعة استجابةً لسر مهيب بتغيير قواعدهم، لا بل بالتخلي عن هذه القواعد كلياً، طالما أنها تمنح الواقع بأكثر معانيه روعة، قيمة غير مسبوقة في التفاعل المجتمعي.
دون ذلك، ليس على أمناء السر، مهما تراءت مراتبهم أو مواقعهم وحالات تخفّيهم عن الأنظار: أنظار العامة، وحيث لم يعد من الممكن في ضوء الجاري الحديث عن" العامة" كما لو أنهم بيادق شطرنج، وهم راصدون الجاري فيسبوكياً، ليس على هؤلاء إلا أن يمعنوا النظر في أنفسهم مرآوياً ومكاشفة الطبيعة التي، هي وحدها، تحدد ما ليس سراً وقد صير سراً، وهم محكومون بالتاريخ، وما هو سر يعود إلى الطبيعة ذاتها، وهي تباغت من لا يأخذ بحكمة المتحول فيها، وهي تترجم ذمم الطبيعة والجديرة وحدها بأن تُراعى لصالح الجميع ليس إلا!







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=8516