البوصلة الكوردية والبراغماتية اللازمة
التاريخ: الأحد 01 ايار 2011
الموضوع: اخبار



بقلم: م.رشيد

لم يتخلف الكورد لحظة عن ميادين الوطن منذ تشكله كدولة، فكانوا ثواراً وأبطالاً وشهداءً في معارك الاستقلال والتحرير، ورموزهم أمثال ابراهيم هنانو ويوسف العظمة والبارافي...، وكانوا قادة أشداء وبناة أكفاء وحماة أوفياء في تثبيت أركان الدولة في كل النواحي والمجالات سياسياً واقتصادياً وعسكرياً..، وأبرزهم أبو العابد والشيشكلي والزعيم..، ولكن نجومهم المتألقة بدأت تغيب من سماء الوطن رويداً رويداً مع تصاعد التوجهات الشعوبية والقومية، والتي صممت على الغدر بهم واقصائهم باسم العروبة والأمن القومي والتوازن الاقليمي والدولي، إلا أن الحضور الكوردي بقي مستمراً بنزاهته واخلاصه وكفاءته.. في مختلف ساحات العمل والنضال، ومختلف ورش البناء والدفاع والانتاج ..، بالرغم من سياسة التهميش والتصفية والابعاد التي مورست بحقهم ، وحظرت عليهم الانخراط في كثير من القطاعات الهامة والحساسة كالدوبلوماسية وقوى الأمن..، ومنعتهم من تبوؤ أية مناصب أو مراتب عليا(حكومية أونيابية أو عسكرية أوإدارية أو قضائية) في مؤسسات الدولة.


تحولت تلك التوجهات الشوفينية في ظل الحكومة الانفصالية رسمياً إلى قوانين استثنائية ومشاريع عنصرية، تم تطبيقها على أرض الواقع ضد الكورد  ومناطقهم من قبل الحكومات المتعاقبة مع الزيادة في أعدادها والتفنن في تنوعها، لتشمل كافة مناحي الحياة، وكانت أكثرها فتكاً وجوراً ومقتاً هو قانون الاحصاء الاستثنائي السيء الصيت، ومشروع الحزام العنصري البغيض...
 
وبعد تسلم حزب البعث السلطة وقيادة المجتمع والدولة، وتغيير علم الاستقلال الوطني والدستور الوطني بما يتوافق وينسجم مع أيديولوجية الحزب،أصبح الكورد يعانون إضافة إلى اضطهادهم القومي الذي ازداد وطئته،الظلم والحرمان من الحرية والديموقراطية والحياة الكريمة.. (أسوة بغالبية الشعب السوري) في ظل حكم الحزب الواحد والأحكام العرفية وسريان قانون الطوارئ وتفاقم الفساد وتعاظم الاستبداد..
 
بظهور العولمة كنظام عالمي جديد بمفاهيمه وتقنياته، اثر انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين،ودخول الحلفاء بغداد واسقاط نظام صدام ، تغيرت الظروف الدولية والاقليمية، افتعلت أجهزة النظام الأمنية والحزبية أحداث 12 آذار 2004، لتفرض من خلالها أجندات خاصة بها، لتبرر سياساتها المتبعة داخلياً وخارجياً، بما تدعم استئثارها للسلطة واحتكارها للثروة، وتحكمها بمصير العباد والبلاد بدون معارض أو منازع..،وقد نجحت إلى حد بعيد في ترهيب الشعب السوري،من خلال ممارسته القمع والبطش بحق الكورد (تحت شعارات قوموية واتهامات أمنية..)، فقتلت العشرات منهم في المعتقلات وقطعات الجيش، وشردت الآلاف من العوائل من دورهم وديارهم، وجيّشت المرتزقة وسلحتهم من بعض القبائل العربية والمسيحيين، وحرضتهم على قتلهم والتنكيل بهم وهتك أعراضهم ونهب أموالهم..،وبذلك عمقت الجراح وعظمت المصيبة والحيف والغبن والظلم..، وأصدرت المزيد من المراسيم والتعاميم الاستثنائية (كالمرسوم 49 لعام 2008) التي تهدف إلى النيل من الكورد بكل الوسائل والطرق..
 
وبعد هبوب رياح التغيير على المنطقة واجتياحها لسوريا عبر محافظة درعا، واتساع رقعة الاحتجاجات وما آلت إليها الأحداث من اراقة دماء المئات من المواطنين واعتقال الآلاف منهم، وحصار المدن والبلدات، وتحطيم التماثيل والصور العائدة للرئيسين الأب والابن..، وتصاعد وتيرة المظاهرات والمواجهات، وتأزم الأوضاع وتعثر المعالجات وتدويلها، ودخول العديد من الأجندات الاقليمية والدولية والمحلية على الخط ، وبالتالي تعدد السيناريوهات لتداعيات الأحداث ونتائجها، فإن بوادر الحل والانفراج تبدو مجهولة وغائبة، تعود أهم أسبابها للمعالجة الأمنية والقمعية مع البطء والتلكؤ والتردد في اجراء الاصلاحات وتلبية المطالب والنداءات ..
 
وفي ظل الظروف الحالية، تتسلط الأنظار على الكورد بسبب خصوصيتهم القومية، ودورهم المتميز في المعادلات الوطنية ديموغرافياً وجغرافياً وسياسياً..، حيث يعتبرون القومية الثانية في البلاد من حيث التعداد،وتنظم صفوفهم أحزاب ومنظمات في الداخل والشتات، وتقود نضالاتهم من أجل تأمين الحقوق القومية العادلة ضمن حدود الوطن، إلى جانب سعيهم لبناء نظام وطني ديموقراطي مدني تعددي، يتوافر في ظله العدل والمساواة والعيش بحرية وكرامة وأمان.. لكل مكوناته دون تمييز أو تفضيل..، فمن جهة، تحاول السلطة جاهدة لتحييدهم عبر وعود (لا يوثق بها لكثرتها وتكرارها وعدم تنفيذها) لتلبية بعض مطاليبهم وكانت البداية الخجولة والناقصة بمنح الجنسية للمجردين منهم، أو عبر تلويحها بأحداث 12 آذار والأجهزة الفتاكة والرهيبة التي يمتلكها، تحت ذرائع واهية، مفادها الانفصالية والعمالة واقتطاع جزء من سوريا والحاقها بدولة أجنبية وغيرها من الاتهامات الباطلة، التي عبأت الشعب العربي بها وجيشتهم على أساسها ضد الكورد لتمرير ممارساتها واجراءاتها العنصرية بحقهم ، وسوف لن تتورع في استخدام أقسى وأبشع الوسائل في تجريمهم والفتك بهم، ومن جهة أخرى، يطالب معارضو النظام وأصوات أخرى (لها أجندات خاصة)من هنا وهناك الكورد للانخراط بأعلى النبرات والشعارات والمستويات في الاحتجاجات الجارية، وتحملهم أوزاراً ومسؤوليات تفوق واجباتهم وامكانياتهم واستحقاقاتهم القومية والوطنية والأممية والانسانية..
 
بصورة عامة يبدو موقف الكورد على الصعيدين الشعبي والحزبي ناضجاً ومتزناً ومرضياً لتاريخه(بالرغم من وجود اختلاف في وجهات النظر وتباين في التحليل والتقييم بين الفرقاء والأفراد ضمن البيت الكوردي)، ويتطلب الاستمرار عليه لتحقيق التوازن والانسجام والضبط في ظل المتغيرات والمستجدات..، فلابد من الانطلاق في ضوء العبر والدروس التي استخلصها الكورد من تجاربهم المريرة وأبلغها وأقربها زماناً أحداث 12 آذار بمجرياتها وتداعياتها وآثارها، وكل ما كان يحيط بها من آراء ومواقف وتنظيرات وتشكيكات..،بغض النظر عن بعض الحركات والجمعيات والأفراد التي ترتفع أصواتها من الداخل والخارج وعبر الفيسبوك والانترنت وبعض الفضائيات..،وهذا من حقهم الطبيعي في التعبير والحركة تحت بند الحرية والديموقراطية في اطار مناقشة ودراسة القضايا العامة والمشتركة ولكن بشرط:
1-    عدم الإساءة لحقيقة القضية الكوردية وعدم إلحاق الضرر بثوابتها وعدم المساس بشرعيتها وعدالتها،وعلى أساس أن الكورد جزء من الكل، والجزء يتبع الكل منطقياً وعلمياً، فلا يجوز أن يكونوا في المقدمة لينتحروا، ولا في المؤخرة ليندحروا، بل في الموقع المناسب بما تملي عليهم واجباتهم وحقوقهم.
2-     إن الكورد لن يصبحوا ثواراً تحت الطلب لغيرهم، ولا ضحية أو لا مطية لتمرير مخططات وأجندات جهات أخرى لا تخدم قضاياهم ومصالحهم وطنيا ً وقومياً.
3-    كما يجب توخي الحيطة والحذر من التورط في مواقع ومواقف غير مدروسة المعالم ومضمونة النتائج، فتجلب لشعبنا المعاناة والمتاعب..،لأنه تكفيه العذابات والويلات والانتكاسات والهجرات..
4-    التروي والدقة في اتخاذ المواقف قبل الحصول على الضمانات والتأكيدات كالاعتراف بحقوق الشعب الكوردي من المعارضة والسلطة على حد سواء.
 
    ولتمتين الموقف الكوردي وفرضه على الساحة الوطنية السورية، لا بد من توفير بعض المقومات والمرتكزات أهمها:
أ‌-       لامناص من توحيد الصف الكوردي وترتيبه عبر اطار عام وشامل لكل القوى السياسية بدو استثناء، كخطوة أولية وتحضيرية لعقد مؤتمر كوردي وطني يشارك فيه ممثلون عن النخب والكوادر والفعاليات الاجتماعية والثقافية والمهنية والدينية..لتشكيل مرجعية وطنية شرعية ومؤهلة، تتصدى لمهام التمثيل والتعبير عن الكورد في جميع المحطات والمحافل والساحات ..
ب‌-  العمل الجاد لاعداد مشروع كوردي (قومي- وطني)،واعتماده كبرنامج عمل موحد يعبر عن طموحات وتطلعات الشعب الكوردي في كل النواحي السياسية والقانونية.. وعلى جميع الأصعدة،يساهم في اعداده المختصون والمهتمون أنى كان موقعهم مستقلون أو حزبيون.
ت‌-  الانطلاق دائماً من المصلحة الكوردية القومية-الوطنية، والبناء عليها، بعيداً عن الصراعات الحزبية والخلافات التحالفية والعداوات الشخصية والمصالح الذاتية ..
ث‌-  الالتزام بالخصوصية الكوردية السورية، وعدم خلطها بالعموميات القومية وأجندات القوى الكوردستانية، نظرياً وعملياً (مع احترام التحالفات والعلاقات الأخوية  الخاصة التي تربط الأحزاب الكوردية السورية معها).
ج‌-    التعامل الواقعي والعملي مع الظروف والأوضاع والمعطيات المتغيرة، وطي صفحة العمل الحزبي الكلاسيكي أسلوباً وشكلاً، فتركيا أردوغان وغول ليست كما كانت في عهد ديمريل وجيلر، وعراق اليوم ليس كعراق الذي كان يحكمه الدكتاتور صدام، وهكذا..
ح‌-    يجب التعامل براغماتياً وسياسياً مع الأحداث من منظار القضية الكوردية قبل كل شيء باستخدام الحنكة والحكمة والتكتيك، بعيداً عن الانفعال والعاطفة والتهور والتوجس..
خ‌-  العمل الجاد والدؤوب على تحصين الموقف الكوردي وطنياً ومحلياً، وذلك بتفعيل وتنشيط الأطر الوطنية العامة كإعلان دمشق مثلاً، والسعي لعقد مؤتمر وطني شامل، على قاعدة كل مكونات الشعب السوري (بمختلف انتماءاتهم وألوانهم) شركاء حقيقيون في الوطن في سرائه وضرائه،وبخيره وشره..
د‌-  الحذر والحيطة من الانزلاق أو الانجرار إلى صراعات طائفية أو أثنية، تخطط لها جهات مشبوهة، غايتها ضرب الوحدة الوطنية والتعايش السلمي الأهلي، والتي من شأنها ادخال البلاد في نفق مظلم طويل لا تحمد عواقبه، وفي هذا المنحى يتطلب من الحركة الكوردية إعداد مشروع عمل أو وثيقة شرف ضد العنصرية والطائفية تدين كل الدعوات والمحاولات الهادفة لخلق الفتن والنعرات بين مكونات الشعب السوري مهما كانت الدواعي والأسباب، ومهما كانت العناوين والمسميات، وتشكيل لجان للمتابعة والتنسيق مع باقي المكونات.
ذ‌-      ضرورة التحاور والتشاور والتنسيق مع الحركات الشبابية الكوردية الثائرة، وتقديم الدعم والرعاية والنصح لها، لحمايتها من المندسين والمتآمرين والمتهورين والانتهازيين والمتسلقين...، الذين قد يستغلون الجموع المحتشدة فيرتكبون حماقات وتحريفات،أو يرفعون شعارات متطرفة وهتافات مشبوهة أو غير مقبولة، من شانها إخراج الاحتجاجات من مساراتها السلمية والمطلبية، ودفعها إلى مواقع خطيرة وغير آمنة في شكلها وطابعها، وخارجة عن نطاق السيطرة والضبط ، وغير محمودة في تداعياتها، وبالتالي الإساءة لها وللقضية بكاملها، وإلحاق الأذى بمنظميها ومشاركيها (وماأكثرالمتربصين والحاقدين ..) ، وحين وصول الأمور إلى تلك الحدود، لا بد من التدخل الفوري بزخم وبسرعة للحد من التفاقم والتعاظم ، حيث تقتضي المسؤولية السياسية والأخلاقية، والواجب القومي والوطني لتدارك ذلك، لأن الكل معني بالأوضاع والأحداث وما ستتمخض عنها.     
وفي الختام نؤكد أن المرحلة صعبة والظروف حرجة والتطورات المتسارعة خطيرة..، وفي ظلها يتسم الموقف الكوردي بالحساسية والأهمية، ويستدعي الحذر والدقة، ويهم رسمه كل النخب والفعاليات..، بناء على الظروف الذاتية والموضوعية، لأن ما سينجم عن اتخاذه من عواقب ستؤثر على جميع شرائح المجتمع الكوردي وفئاته  سلباً كانت أم إيجاباً.
01/05/2011 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=8422