العلاقة بين التطرف الديني / الأيديولوجي والإرهاب .
التاريخ: الأربعاء 09 اذار 2011
الموضوع: اخبار



   ادريس عمر -المانيا
Idris577@hotmail.com

وقع اختياري على موضوع العلاقة بين التطرف الديني /الأيديولوجي والإرهاب نظراً لانه الموضوع الاكثر أهمية وأثارة للجدل والاهتمام من بين المواضيع التي تشغل العالم المعاصر, خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الارهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الامريكية.
فالتطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة ,


أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف فإنه يتحول إلى إرهاب , فالتطرف دائماً في دائرة الفكر أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنفية من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب.
والارهاب هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ,سواء كانت المواجهة داخلية ,بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها ,أو كانت المواجهة خارجية بين الدول .فالارهاب هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي ,حيث تستهدف العمليات الإرهابية القرار السياسي ,وذلك بإرغام دولة أو جماعة سياسية على اتخاذ قرار أو تعديله أو تحريره ,مما يؤثر في حرية القرار السياسي لدى الخصوم .والإرهاب هو باختصار عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعاً من القهر للآخرين ,بغية تحقيق غاية معينة .

في بحثنا هذا سوف نحاول أن ندرس الظاهرة بأبعادها الشاملة وتشخيص المشكلة بصورتها الحقيقية ودراسة المتغيرات والأبعاد الجديدة التي بدأت تأخذها .نحاول أيضاً أن نلقي الضوء على أثر تلك الظاهرة في توسيع الهوة الحضارية بين الشعوب.
سنحاول ان نعتمد على المصادر العربية والاجنبية ,ونحاول التكثيف والاختصار مع ذكر اسم المراجع ,لكي نسهل عملية الاطلاع على التفاصيل  لمن اراد التوسع .

يكمن أهمية بحثنا هذا في معالجة موضوع التطرف الديني الايديولوجي والارهاب بشكل أكاديمي وعلمي . ونحاول بذلك فتح الأبواب على مصرعيها للبحث العلمي في هذا المجال الصعب وفي المجالات المحاورة له أي كل الابحاث التي يمكن أن تتقصى أبعاد هذه الظاهرة وتجلياتها في المجتمع العربي والعالمي .

مفهوم مصطلح التطرف :
التطرف لغة مشتق من "الطرف" أي "الناحية" ,أو منتهى كل شيئ".وتطرّف "أتى الطرف", "وجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط ".وكلمة "التطرف " تستدعي للخاطر كلمة "الغلوّ" التي تعني تجاوز الحد . وهو من "غلا" "زاد وارتفع وجاوز الحد ". ويقال الغلو في الأمر والدين .
التطرف مصطلحاً يضاد مصطلح "الوسطية" الذي هو من الوسط " الواقع بين طرفين ", كما يقول الأصبهاني في مفردات غريب القرآن .وهو يحمل في طياته معنى "العدل".
والتوجيه القرآني كان دوماً يحث على الاعتدال,فالله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها.وهو يعلي من شأن اليُسر .وهو ينهى عن البخل والشح ,لأنهما تطرف في التعامل مع المال.كثيرة هي الأحاديث النبوية التي تشرح ذلك وتدعو إلى الرفق"إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.ولن يشاد أحد إلا غلبه " .
والتطرف يرتبط عادة بالانغلاق والتعصب للرأي,ورفض الآخر وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه وأفكاره.والمتطرف فرداً كان أم جماعة ينظر إلى المجتمع نظرة سلبية , فلا يؤمن بتعدد الآراء والأفكار ووجهات النظر ,ويرفض الحوار مع الآخر أو التعايش معه ومع أفكاره , ولا يبدي استعداداً لتغيير آرائه وقناعاته , وقد يصل به الأمر إلى تخوين الآخرين وتكفيرهم دينياً أو سياسياً , وربما إباحة دمهم .

ويزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والاعتقاد والتصور النظري ,إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي , الذي يعبر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات وتصفيات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة لتحقيق بعض الأهداف . وعادة ما يكون التطرف السلوكي والمادي نتيجة وانعكاساً للتشبع بتطرف سابق في الفكر والقناعات والاعتقاد .(1)

إن مفهوم مصطلح التطرف الديني لم يرد لفظه في الشرع وقد استعمله بعض العلماء كالنووي وابن تيمية ومعناه لغة الوقوف في طرف الشيء والخروج من الوسط والاعتدال فيه وهو يشمل الذهاب إلى طرف التشديد وإلى طرف التسهيل فالغالي في الدين متطرف والجافي عنه متطرف.

قال الجصاص:( طرف الشيء إما ابتداءه أو نهايته , ويبعد أن يكون ما قرب من الوسط طرفا ).لكن المشهور استعماله في التشدد والتعمق وهو المقصود في خطاب المتكلمين فيكون مرادفاً للغلو ومفهمومه في الشرع مجاوزة المسلم الحد الشرعي في كل شيء كما قال الإمام أحمد لابنه :(لا تغلو في كل شيء حتى الحب والبغض ).وقال ابن تيمية (وقوله:"إياكم والغلو في الدين " عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال .والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على مايستحق , ونحو ذلك ,والنصارى أكثر غلوا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف).

وقال ابن حجر :(وأما الغلو فهو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد وفيه معنى التعمق يقال غلا في الشيء يغلو غلوا وغلا السعر يغلو غلاء إذ جاوز العادة والسهم يغلو غلوا بفتح ثم سكون إذا بلغ غاية ما يرمى ). وهو عام له صور كثيرة وتعدى حدود الشرع في الاعتقاد أو العبادة أو السلوك أو الاخلاق والمشاعر أو غير ذلك فقد وقع في مسلك التطرف المشين .

موقف الإسلام من الظاهرة :
رغم شيوع ربط التطرف بالإسلام لدى أمريكا والغرب إلا أن الإسلام قد حذر أكثر من غيره من أخطار هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على أصحابها وعلى مجتمعاتهم ,والقراءة الواعية للنصوص الشرعية الإسلامية في القرآن الكريم والسنة النبوية ,توضح مدى إدراك الإسلام لخطورة الظاهرة,بل إن الإسلام أنكر على أتباع بعض الديانات مظاهر التطرف والتشدد في السلوك والعبادة ,قال رسوالله (ص) "إياكم والتعمق في الدين " إلا أن هذا الكلام يدعو إلى التساؤل كيف يكون التعمق في الدين مذموماً؟! وماالمقصود بالتعمق في الدين ؟هل المراد به التعمق في فهمه أو التشدد في تطبيقه ؟قال ابن منظور : "المتعمق :المبالغ في الأمر ,المتشدد فيه ,الذي يطلب أقصى غايته"ونحوه ماذكره ابن الأثير في النهاية .

وإن المتتبع لموارد استعمال كلمة "التعمق" في الأحاديث والنصوص الإسلامية ,لايخالجه أدنى شك ,أن المراد به ليس التعمق في فهم الدين وبذل الجهد لأجل اكتشاف أبعاده ومقاصده ,فإن هذا المعنى لا يمكن أن يكون مذموماً في الشريعة الإسلامية,كيف وقد حث القرآن عليه ورغب فيه من خلال مدحه للراسخين في العلم ,ودعوته للتفقه في الدين والتدبر في آيات القرآن الكريم, وإنما المقصود بالتعمق المنهي عنه: المبالغة والتشدد في الأخذ بتعاليم الإسلام وحدوده وأحكامه وسننه,بما يخرج المرء عن جادة الاعتدال ويوقعه في الإفراط أو التفريط ,وهذا المعنى هو ما يشهد به سياق الاحاديث , ففي تتمة الحديث المذكور أعلاه علًل (ص) نهيه عن التعمق في الدين بالقول :..فإن الله تعالى جعله سهلاً, فخذوا منه ما تطيقون ,فإن الله يحب مادام من عمل صالح وإن كان يسيراً".إن التعمق والتشدد في الأخذ بأحكام الإسلام يقود إلى الإفراط أو التفريط, ويوقع في التطرف الديني الذي يعتبر من أخطر أنحاء التطرف ,وقد مر في كلام علي (ع) :"لا ترى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرّطاً".(2)

إن التشدد في تطبيق الدين والمبالغة في العبادة صفة عرف بها الخوارج وكل الجماعات المتطرفة الظاهرية وقد أرشد النبي (ص) إلى ذلك في قوله "يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليست قراءتكم بشئ ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء".

وأطلق الإسلام على المتطرفين أوصافاً سالبة,من مثل وصفهم ب"المتنطعين" و"المغالين",كما وصف ظاهرة التطرف ب"الغلو"و"التنطع".والنبي محمد (ص) حذّرمن مصير صعب ومظلم ينتظرالمتشدين والمتطرفين بقوله: "هلك المتنطعون ",أي المتطرفون المتشددون.

وهناك كلمة لعلي (ع) تسلط الضوء على أهم النتائج والآثار السلبية للتعمق وتبين أبرز مواصافات المتطرفين دينياً ,يقول(ع) مخاطباً الخوارج كنموذج حيّ وصارخ للمتعمقين :"أيتها العصابة التي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة,وصدّها عن الحق الهوى وطمع بها النزق وأصبحت في اللبس والخطب العظيم ".وما نستشف من هذا الحديث ,أن للمتعمقين والمتطرفين دينياً عدة مواصفات :

1-فقد الميزان :أي إن الشخص المتعمق والمتشدد يفتقر إلى الميزان الصحيح الذي يقيس به الأمور,ويحدد به ما ينبغي إتخاذه من المواقف ومالا ينبغي,ولذا من الطبيعي أن يخبط خبط عشواء, فيتخذ الموقف ونقيضه ويقول الكلام وضده ,بسبب سطحيته وجهله بالتشريع ومقاصده وعدم إحاطته بالدين من جميع جوانبه, وهذه الصفة قد ذكرها وأشار لها الإمام علي(ع) بقوله في نهاية الحديث السابق :"وأصبحت في اللبس والخطب العظيم ".

2-كثرة اللجاج :ومن علامات التشدد والتطرف الديني كثرة اللجاج والمخاصمة , فالمتطرف لايركن إلى الحجة وإن كانت دامغة ,ويتنكر للحقيقة وإن كانت ساطعة جلية,يكثر من الاسئلة في غير محلها ,ويجادل في الواضحات ويطلب على البديهيات حجة ودليلاً ,وهذا ما عّبر عنه الإمام في كلامه الآنف عن العصابة المتطرفة "أخرجتها عداوة المراء واللجاجة "وانطلاقاً من هذا أوصى (ع) ابن عباس عندما أرسله لمحاورة الخوارج ,أن يخاصمهم بالسنة لا بالقرآن,فإن القرآن حمّال ذو وجوه ,يركز على العمومات والكليات مما يفتح مجالاً للمناورة والمجادلة ,بينما السنة الفعلية والقولية أكثر تفصيلاً وتحديداً.

3-التضيق على النفس:لقد دعا الإسلام في ذم التشدد والنهي عنه ,والدعوة إلى التوازن والاعتدال والترغيب فيه فعن رسول الله (ص) "لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم,فإن قوماً شددوا على أنفسهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات" والمفارقة العجيبة :أن يبلغ تشدد البعض وغلوه وتطرفه الديني درجة يزايد فيها على الانبياء والأولياء ,وينطبق عليه المثل "أنه ملوكي أكثر من الملك ".

4-الحماقة والعجلة :وهو ما وصف به الامام علي (ع) عصابة المتطرفين قوله : "طمع بها النزق "والنزق هو الخفة والعجلة مع الجهل والحمق ,ومن الطبيعي أن خفيف العقل محكوم بالعجلة والارتجال ,والعجلة مصدر رئيس من مصادر الخطأ في شخصية الإنسان قال (ع) :"من ركب العجل أدرك الزلل".

5-إتباع الهوى: ووصف (ع) تلك الجماعة بصفة هي الأخرى من مصادر الخطأ في الشخصية الإنسانية في الفكر والعاطفة والسلوك وهي صفة إتباع الهوى قال : وصدها عن الحق الهوى " فإن الهوى يعمي ويصم , ولذا فإنه يردي ويهلك قال علي (ع) "من أطاع هواه هلك ".

6-تكفير الآخر : لايقتصر تشدد المتطرف على نفسه ,بل إنه يتشدد مع الآخرين ويقسو في حكمه عليهم ,وربما أخرجهم عن الدين واستباح دماءهم وأعراضهم وأموالهم ,وهذا ما حصل مع فرقة الخوارج وسواها من الفرق والحركات المتشددة,بما في ذلك بعض الحركات المعاصرة التي لا تتورع عن الإفتاء بكفر من خالفها في الاعتقاد وهدر دمه .

والتطرف لا ينحصر في الجانب الديني فحسب , فهناك أشكال مختلفة من التطرف السياسي والثقافي والاجتماعي .وإذا كان التطرف الديني في الوقت الراهن هو الأبرز في المجتمعات العربية والاسلامية كما في المجتمعات الغربية , فإن تطرفاً يسارياً قد ساد المنطقة العربية في فترة الستينيات وبداية السبعينيات ,ولم يكن التطرف القومي أحسن حالاً .وغالباً ما كان أصحاب التوجهات الدينية في تلك الفترات يقعون ضحية ذلك التطرف اليساري والقومي حين وصل اليساريون والقوميون إلى السلطة ,فتعرضت الجماعات الدينية للقمع ومصادرة الحريات والاعتقال ,وفي بعض الاحيان إلى التصفية والإعدام ,بعد أن صودر حقها في التعبير ,بل في الوجود ووجهت لها الاتهامات بالرجعية والعمالة للاستعمار.
                                        
المسألة إذن ليست حكراً على تطرف ديني ,فكما أن هناك تكفيراً دينياً ,هناك تكفير سياسي وعلماني .ومثلما أن هناك توجهات إسلامية متطرفة ترفض الاعتراف بالاخرين وتعمل على إلغائهم ,هناك في المقابل علمانية متطرفة تستخف بالدين وتتجرأ على الثوابت الدينية ,وترفض محاورة من يخالفونها الرأي ,وتصنفهم على أنهم خارجون على الصف الوطني ,وتمارس بحقهم سياسة القمع والاستئصال .

وفي هذا الشأن يؤكد المفكر العربي محمد عابد الجابري أن " في جميع الأيديولوجيات هناك دوماً موقع ما للتطرف والغلوّ " مضيفاً :"سبق لي أن قلت :إنه لوكان الزمان زمان الماركسية لكان كثير من الشباب الذين يستقطبهم اليوم التطرف الديني أو الإثني يعملون في صفوف التطرف الماركسي ,وهذا سبق أن حدث ".(3)

كما أن التطرف ليس حكراً على المجتمعات العربية والاسلامية ,فكل المجتمعات عانت أو تعاني من أشكال مختلفة من التطرف الديني والسياسي ,سواء في الفكر والمعتقد ,أو في الممارسة والسلوك .فمثلاً كان اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق إسحق رابين أحد أشكال التطرف الديني الاسرائيلي  .لكن اليوم وللاسف التطرف الإسلامي المتثل بتنظيم القاعدة والتنظيمات الاخرى المرتبط بها باتت تهدد العالم الحضاري والمجتمعات الانسانية في كل مكان وتمارس الارهاب بدون رحمة .
ويرى البعض أن ظاهرة التطرف تنشأ في العادة نتيجة أربعة عوامل أساسية هي :-الفقر-الجهل والأمية-مناهج التعليم "المتشدّدة" –وجود أنظمة حكم متطرفة تمارس العنف .

لكن يظل سلاح القهر أكبر الأسباب التي تولد العنف ذلك أن أغلب الأنظمة الحاكمة العربية قد مارست أشد أنواع القهر والتعذيب في حق إسلاميين من دون هوادة ومرت عهود على الشعب العربي لا مساحة فيه لرأي ولا متنفس فيها بقول , وقد واكب ذلك الخنوع المذل والاستسلام الكامل لحكام العرب تجاه رغبات أمريكا واسرائيل وتجاهل غليان الشارع العربي وإحساسه بالتهميش والمذلة ,وفي نفس الوقت جاءت السياسات الدولية والقرارات الأممية منحازة في اتجاه معين وتكيل بمكيالين وكلها تميل ضد المصالح العربية والإسلامية.

وهو ما أدى إلى خلل في الرؤية التي تجاوز حد تغليب المنطق والعقل والحكمة وتدفع نحو الغلو والتطرف .

ويزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والاعتقاد والتصور النظري إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي ,الذي يعبر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال قتل وتصفيات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة لتحقيق بعض الأهداف .وعادة ما يكون التطرف السلوكي والمادي نتيجة وانعكاساً للتشبع بتطرف سابق في الفكر والقناعات والاعتقاد .

تاريخ الظاهرة :
والتشدّد أو التطرف موجود داخل كل مجتمع وحزب وجماعة فالتعصب للرأي والقناعات , وعلى إلغاء الآخر ونفيه , والتعامل معه بتشدد وجدّة فكرية أو سلوكية , ليس بالنهج الجديد , ولا يختص بفترة زمنية دون أخرى ,ولا بمجموعة بشرية معينة , بل هو ظاهرة بشرية موجودة طبيعية منذ وجد الإنسان , وستظل موجودة مادامت الحياة البشرية , لأنه يتعلق بطبائع البشر وميولهم ونفسياتهم.
وهذا ما يفسر التصنيفات الشائعة سياسياً داخل كل جماعة أو حزب , من متشددين ومعتدلين , صقور وحمائم, محافظين وإصلاحيين .وإذا فشل أي حزب أو جماعة في احتواء وجهات النظر الداخلية المتباينة ,ولم تستطع هذه الأطراف التعايش مع بعضها البعض , فإن ذلك يفضي في كثير من الأحيان إلى انشقاقات وانقسامات.
ولو رجعنا إلى تعريف التطرف الذي سقناه من قبل ,باعتباره يمثل أنشطة عن معتقدات , واتجاهات ,ومشاعر,وأفعال, واستراتيجيات تبناها شخص أو جماعة بطريقة تبعده عن الأوضاع السائدة بين الناس ,فقد تستطيع الاقتراب من جوهر التطرف الديني الذي يقوم عادة على مجموعة من المعتقدات التي قد تتفاوت في مرونتها أو جمودها , وتختلف في سطحيتها أو عمقها ,وتتنوع في آليات عملها.

على سبيل المثال قام المفكر المتطرف سيد قطب منظر جماعة الاخوان المسلمين وخصوصا في مرحلته الايديولوجية الأخيرة التي يعبر عنها كتابه معالم على الطريق على مجموعة معتقدات متكاملة أبرزها الحكم بجاهلية المجتمعات الاسلامية المعاصرة وتكفير قادة الدول الاسلامية مما يمهد الطريق لفكرته المتطرفة الجوهرية وهي أنه لاسبيل لتغيير هذه الاوضاع إلا بالانقلاب على الدولة باصطناع العنف.(4)

وبناء على هذه المعتقدات يتم غسل مخ كوادر الجماعات الارهابية من خلال تنمية اتجاهات بالغة السلبية ازاء مجتمعاتهم ودولهم من ناحية وتقريظ عملية الانقلاب العنيف عليها ,حتى لو أدى ذلك الى التضحية بحياتهم ,لان في ذلك سبيلا إلى الجنة باعتبارهم شهداء.
ويتم من خلال برنامج للحشد والتعبئة تغذية مشاعر أعضاء الجماعات الذين تم تجنيدهم بكراهية الواقع الاجتماعي الذين يعيشون فيه ,تمهيداً لاقناعهم باستراتيجية الانقلاب على الاوضاع ,واقناعهم بالقيام بالافعال الارهابية المنوط بهم تنفيذها .


والحقيقة أن الفكر الديني المتطرف فرع من فروع التطرف الإيديولوجي بوجه عام .وهذا التطرف قد يعبر عن نفسه في صفوف الجماعات اليسارية ,كما أنه قد يعلن عن ذاته في صفوف الجماعات اليمينية .

ولعل جماعة الألوية الحمراء الإيطالية الماركسية التي قامت في السبعينيات بحوادث ارهابية متعددة تعد نموذجاً للتطرف اليساري,في حين أن جماعة الكلوكلوكس العنصرية في أمريكا والتي تشكلت أساساً لملاحقة السود تعد مثالاً للتطرف اليميني .

غير أنه اذا كانت قد انتهت مراحل التطرف اليساري في أوروبا وغيرها من القارات ,وتم تفكيك الجماعات الارهابية بعد ان قبض على قادتها وقدموا للمحاكمة ووقعت عليهم جزاءات رادعة , فانه يمكن القول إن مرحلة التطرف اليميني وصلت الى منتهاها ,بعد أن نضج المجتمع الامريكي من خلال سياسات فعالة ,أدت إلى القضاء على ظاهرة التمييز العنصري ضد السود ,ولعل انتخاب أوباما باعتباره أول رئيس أسود شاهد على ذلك.

وحتى نفهم أصول ومنابع الفكر الديني المتطرف في البلاد الاسلامية , لابد أن نلقي نظرة وجيزة على تعريف التطرف الايديولوجي .

والواقع هذا النوع من التطرف ظاهرة معقدة ,لأنه ينطوي على عديد من الأبعاد فهو –بحسب تعريف معتمد- عبارة عن (أنشطة تتمثل في معتقدات واتجاهات ومشاعر وأفعال واستراتيجيات )يتبناها شخص أو جماعة بطريقة بعيدة عن الأوضاع السائدة بين الناس .وهذه الأنشطة تبرز في مواقف محددة باعتبارها شكلاً عنيفاً من أشكال الصراع بين جماعات متطرفة والسلطة السياسية .

وفي مجال تحديد منابع التطرف يرى بعض الباحثين الثقات أن من بينها الحرمان النسبي ,بمعنى سيادة الفقر ,والافتقار الى الخدمات الصحية والغذاء السليم والتعليم وكلها تتضافر لكي تشكل مبررات العنف.

وإذا أضفنا الى تفسير الحرمان النسبي باعتباره أحد منابع الارهاب ,انكار النظم السياسية للحاجات الإنسانية الأساسية كالحاجة إلى الأمن والكرامة ,أو عدم الاعتراف بهوية الجماعات المختلفة ومنعها من الدعوة إلى مبادئها المتطرفة ,بالأضافة إلى الفجوة التي تزيد اتساعاً بين ما يعتقد الناس أنهم يستحقونه وما يمكن لهم الحصول عليه ,كل هذه العوامل أو بعضها يمكن أن تمثل خميرة للتطرف ,وخصوصاً حين تسد المسالك المشروعة للتعبير عن احتياجات الناس .

ولكن التأمل في مشهد الارهاب العالمي الراهن يقودنا إلى نتيجة مهمة , أن الارهاب هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف" سياسية" ليس فقط في سياق المواجهه الداخلية بين السلطة السياسية وبين جماعات معارضة لها ,وإنما أيضاً كأداة للتعامل بين الدول وبعضها البعض,أي أنه-بهذه الصفة- ليس أداة لتحقيق أهداف عسكرية.والإرهاب يتضمن انتهاكاً عمدياً ليس فقط للقواعد القانونية والشرعية العامة ,وإنما أيضاً للقواعد العرفية والدينية السائدة .وهذا أمر ملائم لطبيعة الفعل الإرهابي التي تفترض إشاعة الإحساس بعدم الأمانة, واستحالة التنبؤء به .والفعل الإرهابي ذو طابع رمزي ,فهو لا يقصد لذاته ,بقدر ما ينطوي عليه من رسالة موجهه إلى كافة الضحايا المحتملين الآخرين, بحيث يوقع الرعب في القلوب ويثير التساؤل عن ماهية الضحية التالية.

وتقوم الجماعات الإرهابية بارتكاب أعمال عنف ذات طبيعة إجرامية ,خارجة عن قوانين الدولة وهذا يدفع الحكومة المستهدفة إلى القيام برد فعل عنيف لقمع هذه الجماعات,وذلك بتفتيش المنازل مثلاً,واعتقال المواطنين وسجنهم بدون محاكمة ,وسن قوانين الطوارئ التي تحد من الحريات ,وغير ذلك من الوسائل التي لا تؤدي في أغلب الأحوال إلى إنهاء حالة العنف والإرهاب ,ولا تؤدي إلى القضاء على هذه الجماعات ,بل إن جميع هذه الأعمال القمعية التي تقوم بها بعض الحكومات قد تؤدي إلى المزيد من الإرهاب والعنف ,ومن ثم تعيش البلاد في سلسلة لا تنقطع من الإرهاب والإرهاب المضاد,بين إرهاب الأفراد والجماعات من ناحية,وإرهاب الدول والحكومات من ناحية أخرى .وأثناء محاولة الإرهابين مقاومة الحكومة بالعنف والإرهاب تعبيراً عن استياءهم ورفضهم لها ,فإنهم يجعلون المدنيين أهدافاً مشروعة لعملياتهم الإرهابية .

اذاً الإرهاب الذي نشهده الآن هو أداة لصراع سياسي ,تمليها إمكانات وظروف القوى التي تلجأ إليه,وهذا يعني أنه إذا ما توافرت ظروف وإمكانات أكبر فإن تلك القوى سوف تكون مستعدة لتطوير أدواتها وأساليبها .وهذا الإرهاب منظم ,ومخطط,وذو أهداف محددة ومتراكمة.


ومن أخطر الظواهر السلبية التي شاعت في العالم المعاصر ظاهرة الإرهاب وقد امتد خطرها ليشمل العالم كله ,فلم يعد مجتمع من المجتمعات بمنأى عن هذا الخطر, لأن الارهاب ليس له وطن ولا دين ولا جنس ولعل الأعراف والمواثيق الإنسانية والأديان السماوية جميعها وفي مقدمتها الإسلام ترفض الارهاب .

وهنا سنحاول ذكر بعض الامثلة عن الجماعات الارهابية التي ظهرت في مختلف بلدان العالم :

الإرهاب في المانيا :

يتمثل الإرهاب الألماني بما فعلته الحكومة النازية في عهد هتلر , حيث قامت النازية في بادئ الأمر بالقضاء على الشيوعيين والإشتراكيين الديمقراطيين والنقابات العمالية,مفتعلة حريق الرايخستاغ "Reichstagabrand "في 27 شباط 1933م, حيث تم القبض بتهمة إشعال الحريق على الهولندي الجنسية ووصفه بأنه ينتمي للحزب الشيوعي ,لتسويغ لقضاء على الحزب الشيوعي الالماني.وصدر في اليوم التالي 28 شباط مرسوم عطل الحريات الشخصية وحرية الصحافة والاجتماع ,بحجة حماية الدولة والشعب , فوجهت السلطات النازية الإرهاب ضد الحزب الشيوعي والحزب الإشتراكي وبقية الأحزاب , وقامت السلطات بإغلاق مقرات هذه الأحزاب ,وقامت السلطات بإغلاق مقرات الأحزاب ,وأغلقت الصحف وإمتلات السجون ومعسكرات الإعتقال ,حيث في اليوم التالي للحرق تم حبس 5000 شخص .وقاد الإرهاب النازي إلى هجرة كبيرة بحثاص عن الأمن والحرية والديمقراطية .وأمتد الإرهاب النازي إلى اليهود فوقعت الإعتداءات على محلاتهم التجارية وإرتفعت الهتافات في الشوارع ضدهم إلى أن وصل الحد إلى الحوادث المفجعة "إبادة جماعية " التي ارتكبت ضدهم .

-ظهرت في ألمانيا الجماعات الإرهابية المتطرفة اليمينية واليسارية بعد الحرب العالمية الثانية ,وقامت بإرتكاب أعمال ضد المصالح الأمريكية في ألمانيا وضد الحكومة التي كانت تتدخل لقمع هذه الحركات .ومن أهم هذه الجماعات اليسارية ,حركة RAF  عصبة الجيش الأحمر" والتي تعرف بإسم "بادر-ماينهوف "وقد بدأت نشاطها عام 1968م, وقامت بعمليات نهب وهجمات بالقنابل وخطف أشخاص وطائرات,وقامت بالعديد من الفعاليات الإرهابية في ألمانيا وخارجها .وقد شارك بعض أعضاء المنظمة في العمل الإرهابي الذي تم عام 1975 م على مقر منظمة الأوبيك ,كما قامت بإختطاف الطائرة الفرنسية عام 1976م بعد إقلاعها من تل أبيب وعلى متنها 250 مسافراً ,وأيضاً إختطاف الطائرة الألمانية عام 1977م, حيث توجهوا بها إلى مقديشو, حيث تمكنت فرقة من القوات الخاصة الألمانية إنهاء حالة الإختطاف بعد قتل الخاطفين .وكذلك تكونت منظمة الخلايا الثورية (RZ) عام 1973 ,وتتركز أنشطتها في عمليات الشغب والإعتداءات اليسيرة.

وقد ظهر إرهاب اليمين في ألمانيا الإتحادية نتيجة لظهور إرهاب اليسار, إلا أنه يختلف عنه في أهدافه وأسلوبه ,فإرهاب اليمين لا يهدف إلى تغيير المجتمع وإقامة نظام شيوعي متحرر من روابط السلطة,ولكنه يسعى إلى إقامة نظام ديكتاتوري ,ولذلك لا يستهدف رموز السلطة ,وإنما يختار ضحاياه من عامة الشعب ,والواقع أن إرهاب اليمين في ألمانيا الغربية أقل خطورة وضعفا من إرهاب اليسار ,إلا أنه يستمد جذوره من الحزب الوطني الديموقراطي NPD الذي يمثل اليمين المتطرف, الذي يعاني حالياً من ضعف شديد,وكذلك جماعات النازي الجديد,ومنها جماعة Hepp Hexel التي تعادي الولايات المتحدة الأمريكية وقامت بتنفيذ العديد من العمليات ضد قواتها الموجودة في ألمانيا, ولقد تنامت عمليات اليمين الإرهابي بعد الوحدة الألمانية نظراً لتزايد معدلات البطالة,وتزايد الشعور المعادي للاجانب العاملين في ألمانيا ,وتحول هذا الشعور المعادي إلى عمليات عنف ضدهم.

الارهاب في إيطاليا:

يرتبط الإرهاب في إيطاليا ارتباطاً وثيقاً بالفاشية,ويرجع ذلك إلى عام 1945 حيث تنتهي الحرب العالمية الثانية,وتنتهي التجربة المرة التي عاشتها أوروبا مع النازية والفاشية , وتبدأ إيطاليا الطريق الصعب لإعادة البناء وتعمير ما دمرته الحرب ,وتعيد الأحزاب تكوين نفسها توطئة لإقامة نظام ديمقراطي.

ففي عام 1946 كون مجموعة من الفاشية حزباً أطلق عليه أسم "الحركة الاجتماعية " الإيطالية ,وظل يعمل كمأوى لفرق اليمين المتطرف ,لأن السلطات لم تحقق أي نجاح في تطهير أجهزة الدولة الإيطالية من الفاشيين .فمن حوالي أربعين ألف معتقل فاشي في أكتوبر 1946م, لم يبق منهم بعد شهور قليلة في السجون الايطالية سوى قرابة أربعة آلاف .ويذهب بعض الكتاب الإيطاليين إلى التأكيد على دور المخابرات الأمريكية والإنكليزية في معاونة بعض الفاشيين القدامى على التغلغل في أجهزة الدولة والقوات المسلحة ,ويرون التمهيد لإرهاب اليمين بدأ مباشرة عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية ,حيث كانت الولايات المتحدة وبريطانيا في حاجة إلى تكوين شبكة من العملاء ومقدمي المعلومات عما يتم في أعلى مستويات الدولة ,وفي هيئة أركان القوات المسلحة الإيطالية .وفي كنف الحركة الاجتماعية ,وجد إرهاب اليمين الظروف المناسبة للنمو.

ومنذ عام 1945م وحتى عام 1968 م قام الفاشيون بإرتكاب مجموعة من الإعتداءات على خصومهم السياسيين ,ونظموا العديد من المظاهرات غير القانونية المتسمة بالعنف في الميادين العامة ,وقاموا بهجمات على مقار الأحزاب السياسية الديمقراطية .وتوضح تلك الأعمال مدى تطابق وتأثر الأسلوب الإجرامي لإرهاب اليمين في تلك الفترة بالفاشية ,حيث إن نفس الأسلوب اتبعته الحركة الفاشية في بدايتها ,إذ قامت بارتكاب العديد من أعمال العنف المسلح ضد صحف ومقار الاحزاب اليسارية .

مما تقدم يمكننا القول بأن الفترة من عام 1945 م وحتى عام 1968 م كانت فترة صياغة أو صناعة إرهاب اليميين لأنها الفترة التي أخذت فيها تلك الحركات –التي تستهدف قلب نظام الحكم –خطواتها الأولى نحو الخروج عن الشرعية ,والتي قامت خلالها بتنظيم نفسها محاولة إعطاء تبرير ايديولوجي مقنع لنشاطها .ولكن حتى تلك الآونة لم يكن لدى إرهاب اليمين الوسائل والتمويل المالي والرجال المناسبون والمستعدون لبدء الكفاح ضد الدولة الديمقراطية.

ولكن تغير الأمر بعد عام 1968م الذي شهد إندلاع الحركة الطلابية ,وعام 1969 م الذي شهد تصاعد الحركات العمالية مما أثار ذعر رجال الصناعة والقادة السياسيين والعسكريين.فشهد إرهاب اليمين قفزة واسعة وتحولا نوعياً ملحوظاً .ففي الثاني عشر من شهر ديسمبر 1969 م تبدأ صفحة مؤسفة في تاريخ الارهاب وفي استراتيجية العمل ال‘رهابي اليميني حيث وقعت مذبحة "بياتسا فونتانا " في ميلانو , وذلك عندما انفجرت قنبلة كانت مخبأة تحت منضدة البنك الوطني الزراعي المزدحم مما أسفر عن مصرع ستة عشر شخصا وإصابة تسعين أخرين .

وبدأ إرهاب اليمين في تطوير أسلوبه الاجرامي بالاتجاه نحو ارتكاب المذابح التي أثارت قدرا كبيرا من الهلع والفزع نظرا لعدم تحديد أشخاص الضحايا , وسقوط أعداد كبيرة منهم .وتستمر موجة الارهاب اليمين في إيطاليا خلال السبعينات ,ويستمرمعها إرهاب المذابخ لتسجل آخر المذابح التي وقعت في محطة سكك حديد مدينة بولونيا في الثاني عشر من اغسطس عام 1980م .

الارهاب في أسبانيا:

ظهرت منظمة "ايتا" ومعناها "بلاد الباسك والحرية" على مسرح الأحداث في الخمسينات ,حيث تأسست عام 1959 م وبدأت العمل المسلح عام 1961 م ,ثم تزايد  نشاطها في أعقاب موت الجنرال فرانكو عام 1975 م.كان ظهور ايتا بمثابة رد فعل مضاد للطابع الاستبدادي الذي اتسم به حكم فرانكو. وكانت ايتا تبدو عند نشأتها حركة قريبة من حزب الباسك الوطني ,ولكنها ابتعدت عنه في الستينات منتهجة الخط الماركسي اللينيني مستهدفة تحقيق استقلال إقليم الباسك وتوحيد مقاطعاته السبعة في دولة واحدة ذات اتجاهات شعبية اشتراكية لغتها الرسميية هي اللغة الباسكية .

ورغم ما تعرضت له منظمة "ايتا" من انشقاقات ,فإن أهدافها ومبادئها الأساسية لم يطرأ عليها تغيير جوهري, وبالذات إيمانها الراسخ بأن تحقيق أهدافها لا يتأتى إلا من خلال اللجوء إلى العنف .وتضم منظمة "ايتا" جناحين :الجناح العسكري ,والجناح المدني .وتعتنق المنظمة ثورية ذات جذور اشتراكية,ولها علاقات وروابط مفيدة على المستوى الدولي .

أما عن العمليات والاعتداءات الإرهابية التي قامت بها "ايتا" فأول عملية قامت بها "ايتا" في عام 1968 ,حيث إغتالت مدير مكتب المخابرات الأسبانية بمدينة سان ساباستيان بإقليم الباسك ,ميليتون مانثاناس .كانت أقوى ضربة وجهتها المنظمة إلى الحكومة الاسبانية في عام 1973 حيث إغتالت رئيس الوزراء الإسباني لويس كاريرو بلانكو وذلك بواسطة سيارة ملغومة في وسط مدريد .فقد تزايدت تلك العمليات بصورة ملحوظة بعد نهاية حكم فرانكو حيث بلغت ذروتها في الفترة من عام 1978 م وحتى عام 1980 م,وهي الفترة التي شهدت فيها ؟إسبانيا قيام حكومة ديمقراطية .وقد وجهت "ايتا" الجانب الأكبر من اعتداءاتها ضد رجال الشرطة وأفراد الحرس المدني ,كما عمدت المنظمة إلى مهاجمة الجيش وتعرض كبار قادته لحوادث الاغتيال لدفع القوات المسلحة لتغيير موقفها المؤيد لوحدة إسبانيا , وعدم انفصال إقليم الباسك ,ولإثارة عناصر معينة داخل القوات المسلحة ودفعها للاستيلاء على السلطة.ويرد اسم المنظمة ضمن تقرير وزارة الخارجية الامريكية عن الإرهاب في 27 إبريل 2005 .

الإرهاب في المملكة المتحدة :

تسيطر على ايرلندا مشكلتان رئيسيتان هما مشكلة العلاقة بين البروتستانت والكاثوليك ,ومشكلة العلاقة مع انكلترا .فقد نجح الايرلنديون –بعد كفاح –في التوصل عام 1920 م إلى اتفاق مع حكومة انكلترا ثم بمقتضاه تكوين دولة " ايرلندا" إلا أن المقاطعات الست الشمالية ظلت خارج نظاق تلك الدولة , ثم اسفرت التطورات عن إعلان الجمهورية بدون ايرلندا عام 1949 م ولم تعد منذ ذلك الحين تابعة للتاج البريطاني .

ولكن مشكلة ايرلندا الشمالية ظلت قائمة ,حيث كان الوطنيون الايرلنديون يصرون على الاستمرار في الكفاح حتى تتحقق وحدة المقاطعات الست لايرلندا الشمالية مع باقي الدولة .وهكذا استمرت "منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي "IRA  التي تكونت عام 1922 م في العمل المسلح حتى بعد اعلان جمهورية ايرلندا عام 1949 م.ولقد تصاعدت الموجة الإرهابية الأخيرة في ايرلندا الشمالية –والتي لاتزال مستمرة –من خلال الحملة التي نظمتها الأقلية الكاثوليكية للمطالبة بحقوقها المدنية كاملة ,ثم تطورت تلك الحملة لتأخذ صورة الاضطرابات وأعمال العنف مما أدى إلى تدخل القوات البريطانية عام 1969 م .ولقد صاحب تلك التطورات تغيرات هامة في " منظمة االجيش الجمهوري" غلبت كفة الجناح المتشدد الذي يعتقد في حتمية اللجوء العمل العسكري المسلح (الإرهاب).

ركزت "منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي " هجماتها على الأهداف الاقتصادية مثل المخازن والمحلات الكبيرة ,كما تم تخريب العديد من المصانع واختطاف بعض رجال الصناعة ,وقد لاقت تلك الاستراتيجية نجاحاً كبيراً , في بداية الامر ولكن سرعان ما خبا هذا النجاح بعد أن قامت الشرطة بتطوير وتحسين إجراءات الأمن ,وكذلك بعد أن اتضح أن مثل تلك العمليات تضر بالكاثوليك مثل ما تلحق الضرر بالبروتستانت .

وقد اتسم الأسلوب الإجرامي لمنظمة الجيش الجمهوري الإيرلندي ,والإرهاب الايرلندي عموماً,خلال العشرين عاما الأخيرة بالميل إلى توجيه الضربات العشوائية دون اعتبار لأشخاص الضحايا ,فأصبحت البارات والمحلات ووسائل النقل العام أهدافاً مفضلة للارهابين,وهذا قد أدى إلى الإضرار سياسياً بالمنظمة .

المنظمات الإرهابية الصهيونية في اسرائيل :

تأسست إسرائيل على الإرهاب,وأصبحت ممارستها له أمراً عادياً,ولايوجد في العالم كله ما يماثلها في ممارسة الإرهاب ,فقامت بإغتصاب الأرض والوطن,ورأت أن هذا الإغتصاب لن يكتب له النجاح إلا بالإعتماد على الإرهاب .وقد تفوق الإرهاب الإسرائيلي على الإرهاب النازي,في جوهر الفكرة القائمة على الإرهاب وفي تنفيذها بإستخدام شتى الأدوات بما في ذلك سلطة الدولة الإرهابية.

ويدل الأدب والفكر الصهيوني الإسرائيلي ,وكذلك المناهج العلمية التي تدرس لطلاب المدارس الإسرائيلية,على الأعمال الفكرية التي تعبر عن الإرهاب عقيدة وواقع,والمناهج والبرامج التربوية تهدف إلى تربية الإرهاب في نفوس وعقول الناشئة في المدارس ,بهدف تنشيط الذاكرة اليهودية بما حدث لآبائهم وأجدادهم في الشتات,وتظل الروح اليهودية في حالة استنفار دائم لحماية الدولة بكل الوسائل بما فيها الوسائل الإرهابية,وبذلك تمكنت الصهيونية من تحويل عدد كبير من شباب اسرائيل إلى آلات عنفية إرهابية لاتؤمن بغير الدم والقتل طريقاً لتحقيق الهدف.(5)

وقد أدى قيام دولة إسرائيل إلى ظاهرة العنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط,حيث قاد النشاط المنظم للمنظمات الصهيونية,التي إتخذت القتل والتدمير وجميع أنواع الإرهاب كهدف أساسي لإستئصال الشعب الفلسطيني من وطنه,من أجل تأسيس دولة للكيان الصهيوني ,إلى تنامي أنشطة الإرهاب .
 
من أهم أبرز هذه المنظمات الإرهابية الصهيونية هي : الهاجناه ,الاتسل ,ليحي وشتيرن, ومنظمات عديدة أخرى .كان الإرهاب والعنف سفك الدماء وسيلة هذه المنظمات الإرهابية وغايتها لتحقيق حلم الصهيونية في إنشاء الكيان الصهيوني بدليل المجازر المتعددة وأعمال الإرهاب والقتل والتنكيل التي ارتكبتها هذه المنظمات ضد أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين .وبعد قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948 م تأسست منظمات إرهابية صهيونية أخرى هي: حركة غوش ايمونيم,منظمة"امانا" رابطة تقدم الإسكان والاستعاب في يهودا والسامرة وغزة ووادي الأردن,رابطة الأمن على طريق يهودا والسامرة ,منظمة ماعتس, الحشمونيون,حركة الإستيلاء على المسجد الأقصى,المخلصون لجبل البيت, جمعية صندوق جبل البيت, حركة هتحيا ,حركة تسومث,حركة اليمين الإسرائيلي الجديد منظمة الإرهاب ضد الإرهاب ,حركة كاخ .
                                                                      
الارهاب العربي -العربي المعاصر في العراق

مرَّ العراقيون في فترات متعددة من تاريخهم الطويل بأنظمة حكمتهم بالحديد والنار والرعب والإرهاب,كما أثبت العراقيون في مختلف العصور أنهم شعب صعب المراس,لايقبل الخضوع لأي نوع من أنواع الحكم,واعتادوا على مقاومة الحكام بالعمل السري,وبالمعارك العنيفة وبعمليات الإرهاب والمؤمرات وغيرها من الأساليب.ولعل أبرز مثال على جو الإرهاب الذي عاشه العراقيون في فجر الإسلام كان أثناء تولي الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية العراق سنة 75 هـ.

ولقد عاصر العراقيون  فترة حكم حزب البعث ارهاباً لامثيل له في عصرنا الحالي ,هذا الحزب الذي تأسس على النمط الستاليني ,وحول العراق إلى دولة بوليسية ذات الحزب الواحد.وعندما تسلم حزب البعث السلطة في العراق لأول مرة في عام 1963م,كان الحزب منظمة صغيرة لا يزيد عدد أعضائها الرسميين على بضع مئات,وعندما تسلم الحزب السلطة مرة أخرى في عام 1968م,شن حملة كبيرة لاستقطاب أعضاء جدد..ولجأ الحزب لتحقيق هذه الغاية إلى أساليب الاقناع,والتهديد,والاجبار على الانخراط في حزب البعث,مستهدفاً بالدرجة الأولى فئة الشباب قبل أن تتشكل انتماءاتهم السياسية والفكرية. وفي عام 1990م , كان عدد أعضاء الحزب يتراوح ما بين حوالي 25,000 إلى 50,000 عضو كامل العضوية ومليون ونصف أعضاء من ذوي الدرجة الأدنى .واخترق أعضاء الحزب كل وحدة عسكرية عراقية,وكل مدرسة,ومكتب ,وكل مصنع ,وكل شارع.ولإحكام السيطرة على الشعب,كان للحزب أجهزته الأمنية الخاصة به وميليشياته الخاصة به كذلك.

استعمل حزب البعث الجيش العراقي لتحقيق طموحاته الإقليمية,ولإخضاع ثورات الأقليات,ولحفظ النظام في داخل العراق.كانت مهمة اخضاع الشيعة والأكراد من مسؤوليات الجيش,وقام الجيش بهذه المهمة بقسوة شديدة تفوق مستوى التهديد الذي كان يواجه النظام من هذين المصدرين .

ورغم ظهور محاولات انقلابية ضد حزب البعث من قبل القوات المسلحة,فقد فشلت جميعها بسبب تحويل الجيش إلى جيش حزبي.وبين عام 1968م وعام 1980م قام حزب البعث بزيادة القوات المسلحة ثلاثة أضعاف حتى وصل إلى 200,000 رجل.وفي عام 1990م كان عدد أفراد القوات المسلحة العراقية مليون رجل.وقد أصبحت القوات المسلحة العراقية مليون رجل.وقد أصبحت القوات المسلحة العراقية في مصاف جيوش الدول العظمى,إلا أن حزب البعث العراقي قد وظفها لخدمة مصالحه الحزبية الضيقة وأدت تلك السياسة إلى تدمير القوة العسكرية العراقية التكنولوجية وقتل أكثر من مليون من ذلك الجيش والمدنيين العراقيين عندما قرر نظام الحكم في العراق غزو الاراضي الإيرانية في عام 1980م ,ثم احتلال الكويت في عام 1990 م.

وتبع نظام البعث العراقي مختلف الاساليب القمعية من اعتقال وسجن وتعذيب وأعدام بسبب وبدون سبب,وبعث الارهاب في نفوس المواطنيين وترويضهم ,وفي كثير من الاحيان,يتم اعتقال المشتبه بهم سراً في منتصف الليل,تاركين عائلائتهم يترددون على الدوائر الحكومية لمعرفة مصيرهم بلا جدوى,ويتوقع المواطنون أن تقرع السلطات البوليسية أبوابهم في أية لحظة,ومارسوا كل انواع التعذيب من ضرب على اقدام وضرب الأذن بالحذاء واستعمال الصدمات الكهربائية على اليدين والاقدام والأعضاء التناسلية والكلية والأذن ,يقدمون للمعتقل الطعام خلال فترات غير منتظمة,وأحياناً شديد الملوحة,ويجعلون زنزانته إما شديدة البرودة أو شديدة الحرارة,ويمنعونه من تنظيفها.ويقولون للمعتقل أنهم اعتقلوا زوجته وستتم معاقبته إذا لم يتعاون مع السلطات.كما أنه يسمع صراخ السجناء الاخرين ليأخذ منها عبرة وتدفعه للتعاون مع المحققين.

وتم إعدام الأشخاص أو الجماعات التي اعتبرها النظام أعداءها السياسيين .فقد تم إعدام حوالي (300) شخص من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي حتى عام 1961م, وقاموا حزب البعث عشوائياً باغتيال العراقيين المعارضين أينما وجدهم .وفي أواخر السبغيات ,قام الحزب باغتيال عدد من العراقيين في بيروت, والقاهرة,ولندن,وفي عام 1980 م قررت قيادة الحزب اعتبار الاغتيال جزءاً من سياسة العراق الرسمية,وأعلنت القيادة "أن يد الثورة تستطيع أن تصل إلى أعدائها حثيما وجدوا".وقد أدت هذه السياسة إلى جعل العراقيين الذين يعيشون في المنفى خارج العراق غير أمناء على حياتهم بغض النظر عن الدولة يعيشون فيها.ومن عمليات الاغتيال التي قام بها النظام العراقي :
1-تفجيرات قنبلة جرحت ثمانية أشخاص في فينا في شهر يوليو 1980 أدى إلى طرد السكرتير الأول والملحق في السفارة العراقية في فينا.
2-اغتيال محمد السلمان,وهو شيعي عراقي وعضو في الحركة الإسلامية المعارضة في دبي عام 1981م.
3-محاولة اغتيال شلومو أرجوف,سفير إسرائيل في لندن في شهر يونيو عام 1982.
4-جرح محمد زكي السويج, وهو رجل دين شيعي عراقي,أثناء تأديته فريضة الصلاة في تايلاند في مايو 1987 م.
5-اغتيال مهدي الحكيم في يناير 1988 وهو أحد زعماء أسرة الحكيم الشيعية,حيث أطلق عليه الرصاص في بهو فندق هلتون في الخرطوم في السودان .ونتيجة لذلك الحادث اضطرت العراق إلى إغلاق سفارتها فيالخرطوم.
6-اغتيال زوج ابنة الرئيس صدام حسين,الفريق حسين كامل وشقيقه بعد عودتهما من الأردن إلى العراق للعيش هناك,وبعد ان تلقى حسين كامل تظمينات من الرئاسة العراقية على حياته وحياة شقيقه,وكان ذلك عام 1996م.
7-إعدام أربعة أردنيين في مطلع شهر ديسمبر 1997م بتهمة تهريب قطع سيارات من العراق للاردن مما أثار سخط الهيئات الرسمية والشعبية الأردنية.(6)

تنظيم القاعدة:

ولعل الجماعات الارهابية الاسلامية أصبحت هي البارزة الآن ,وبشكل أخص تنظيم قاعدة الجهاد أو القاعدة حركة جهادية إسلامية يتزعمها  أسامة بن لادن وهي تنظيم يتبنى فكرة الجهاد ضد "الحكومات الكافرة" وتحرير بلاد المسلمين من الوجود الأجنبي أيا كان .وتصنفها الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب الدول الغربية أبرز تنظيم إرهابي عالمي .

نشأ تنظيم القاعدة عام 1987 على يد عبدالله يوسف عزام على أنقاض "المجاهدين" الذين حاربوا الوجود السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي في أفغانستان ,وتشير بعض المصادر إلى أن عدة جهات كانت تدعم هذا التنظيم أبرزها وكالة الاستخبارات الامريكية (سي آي أي) يهدف مواجهة مد الاحتلال السوفياتي .

وقد تدرب الآلاف من الجهاديين في معسكرات التدريب التابعة للتنظيم ليقوموا إثر ذلك بعمليات في عدد من المناطق التي تشهد صراعات إقليمية أو حروب أهلية على غرار الجزائر ومصر والعراق واليمن والصومال والشيشان والفليبين وإندونيسيا والبلقان.

يتولى قيادة تنظيم القاعدة أسامة بن لادن السعودي (الذي سحبت منه الجنسية),يساعده عدد من القادة البارزين على غرار المصري أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم ,وأبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق عام 2006 بغارة أمريكية,واليمني رمزي بن الشيبة والباكستاني خالد شيخ محمد المعتقلين بغوانتانامو.
ورغم هذه القيادات المعروفة يرى أغلب المراقبين أنه من الصعب تحديد تركيبة هذا التنظيم الذي يعتقد أنه مكون من مئات وربما آلاف التي تعمل بشكل مستقل . 

تظل هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة أبرز عمليات القاعدة على الاطلاق والتي استخدمت فيه طائرات مخطوفة للهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون ,وأدت إلى مقتل حوالي ثلاثة آلاف شخص .وتبعت هذه الهجمات قيام الحكومة الأمريكية بشن الحرب على الإرهاب ,وتشمل التقنيات المميزة التي تستخدمها القاعدة الهجمات الانتحارية والتفجيرات المتزامنة في أهداف مختلفة, والذي يقوم بها قد يكون أحد أعضاء التنظيم الذين أخذوا تعهدا بالولاء لأسامة بن لادن أو الأكثر "المرتبطين بتنظيم القاعدة" الأفراد الذين خضعوا للتدريب في احد المخيمات في أفغانستان أو السودان .

تشمل أهداف القاعدة نهاية النفوذ الأجنبي في البلدان الإسلامية وإنشاء خلافة إسلامية جديدة .من معتقدات القاعدة أن التحالف المسيحي اليهودي يتآمر لتدمير الإسلام ,وقتل المدنيين من المارة مبررا دينيا في الجهاد.

وصفت فلسفة القاعدة الإدارية بأنها "مركزية في القرار واللامركزية في التنفيذ.وبعد الحادي عشر من سبتمبر ,والحرب على الإرهاب ,يعتقد أن قيادة تنظيم القاعدة "أصبحت معزولة جغرافياً ,مما أدى إلى ظهور قيادة مركزية للمجموعات الإقليمية واستخدامهم "الاسم التجاري " للقاعدة .وتصنف القاعدة كمنظمة إرهابية من قبل كل من مجلس الأمن  للامم المتحدة والأمانة العامة لحلف شمال الأطلسي والمفوضية الأوروبية ,ومعظم الدول الأخرى .

 ,لأنه مد خطوط ارهابه إلى معظم الدول بدء من أمريكا مرورا بباريس ولندن ومدريد وباكستان والعراق ودول عربية أخرى متعددة.(7)
كما يشتبه بعلاقة تنظيم القاعدة بعدد من العمليات والتي من أبرزها:

- في حزيران 1996: هجوم بشاحنة مفخخة على قاعدة الخبر بالمملكة العربية السعودية يوقع 19 قتيلاً أمريكياً وأربعمائة جريح.
-أغسطس 1998 :هجوم على سفارتي امريكا بكل من كينيا وتنزانيا وسقوط 224 قتل.
-أكتوبر 2000 : هجوم بزورق على المدمرة الامريكية بعدن في اليمن يوقع 17 قتيلاً و38 جريحاً في صفوف قوات المارينز الأمريكية.
-أبريل 2002 :هجوم على كنيس يهودي بجزيرة جربة التونسية يوقع 21 قتيلاً وثلاثمائة جريح .
-تشرين الأول 2002 :هجوم على ملهى ليلي ببالي في إندونيسيا يوقع 202 قتيل وثلاثمائة جريح.
-أيار 2003 :سلسلة هجمات انتحارية بالمتفجرات تستهدف مصالح غربية بمدينة الدار البيضاء المغربية تخلف أكثر من ثلاثين قتيلاً.
-تشرين الثاني 2003 :هجوم على كنيسين يهوديين بمدينة إسطنبول التركية يخلف 27 قتيلا ونحو ثلاثمائة جريح.
-آذار 2004:هجمات على قطارات الضواحي في العاصمة الإسبانية مدريد يوقع 191 قتيلا و1500 جريح.
-تموز 2006 : هجمات على منتجع شرم الشيخ بمصر تخلف 88 قتيلا.


فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وحتى الآن تصدر مصطلح الإرهاب والتطرف قائمة آولويات مختلف دول العالم سواء أكانت عظمى أم صغرى –لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت مسألة مكافحة الإرهاب والتطرف أحد آولويات سياستها الخارجية حيث أصبحت المسألة الأمنية هي المحك الرئيس والأساسي في علاقاتها مع باقي دول العالم بخاصة دول الشرق الأوسط .وقد تجلى ذلك في خوضها عدة حروب خاصة في أفغانستان في 2001 ثم بعدها العراق بعامين فقط 2003.

فالعلاقة بين التطرف الديني والارهاب علاقة بديهية فالتطرف هو أحد أسباب الارهاب والمغذي الرئيسي للارهاب .

والإقرار بأن وجود الظاهرة أمر طبيعي ,ليس محاولة للتقليل من حجم المشكلة وخطرها ,وإنما وضعها في سياقها الصحيح الذي يساعد على فهمها .وكونها ظاهرة طبيعية لاينفي عنها صفة أنها ظاهرة مرضية لاصحية. وإذا كان القضاء عليها –بصورة مطلقة –صعباً عزيز المنال,فإن الحد منها وتقليص أخطارها ولآثارها السلبية على المجتمعات يبقى أمراً مطلوباً بصورة مستمرة.(8)

وتأخذ هذه الدراسة أهميتها من النتائج التي يمكن أن تتوصل إليها فهي بإثارتها لهذا الموضوع تكشف النقاب عن واحدة من المشكلات الكبرى التي يواجهها المجتمعات العربية والعالمية وتفتح آفاق الاهتمام السياسي والاجتماعي بهذه المسألة لمعالجتها والتصدي لنتائجها الخطرة في المجتمعات العالمية .

من خلال اطلاعنا على ظاهرة التطرف الديني والارهاب ومتابعتنا لكم من الكتب والدراسات والمقالات التي نشرها كتاب ومؤلفون وندوات حوارية حول هذه القضية  .ظهر لنا بروز مشكلات التطرف والارهاب كطابع مميز ومؤثر في مجريات الامور على الساحة الدولية .وهذا يعد من الأمور المهمة والخطرة في مختلف المجالات والتي تهدد الأمن والسلام العالميين . خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط والتي افرزت تدهور واضطراباً سياسياً من خلال أعمال العنف والتعصب فيها.وحاولنا التعرف على جزء من القضية ومخاطرها على شعوب العالم والانسانية.
و يمكن استنتاج العوامل والاسباب التي تؤدي إلى مثل هذه السلوكيات الخطرة في المجتمعات وهي :

1-الجهل بين الافراد والجماعات وحتى قيادة الدولة التي تمارس ارهاب الدولة.
2-الفقر والبطالة التي يعاني منها الناس واحياناً التعمد من قبل الدولة في خلق هذه الحالة بهدف ابادة الجنس البشري للتخلص من عرق أو جماعة معينة غير موالية للنظام السياسي القائم .
3-الظلم والعدوان واستعمال القسوة ضد البشر وخصوصاً في الأنظمة الدكتاتورية التي تصادر حقوق الإنسان الاساسية .
4-مطلب تحقيق المصير الذي يواجه دائماً الرفض من قبل الانظمة السياسية المنغلقة .
5-فقدان النظام المؤسساتي في آساليب الحكم وغياب الطابع المدني .(9)

وما كانت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية الشهيرة و تفجيرات القطارات في مدريد في 11 آذار وتفجيرات لندن في تموز 2005 الا أمثلة واضحة على حجم مخاطر التطرف والارهاب الذي يمارسه هذه التنظيمات والتي راح ضحيتها اكثر 5000 مابين قتيل وجريح ,وتبنى تنظيم "القاعدة "الإرهابي المسؤولية عنها ,وهذا كان بمثابة الإنذار الكبير للولايات المتحدة الامريكية وللعالم ,عن المخاطر التي تتعرض لها عالمنا المعاصر, وأن هذه الهجمات أدت إلى استنفار جميع الدول بلا استثناء ,للوقوف صفا واحدا للرد على المسئولين عنه ,ومواجهة آثاره وتداعياته.

وأن احداث 11 سبتمبر جعلت أمريكا على مراجعة تقييم وترتيب أولويات سياساتها الخارجية من جديد, مما أدى إلى نشوء سياسة جديدة , تدور حول مجموعة من القضايا الساخنة مثل "مكافحة الارهاب" ,"نشر حقوق الإنسان ","السيطرة على أسلحة الدمار الشامل","ضمان الأمن القومي الأمريكي","والقضاء على الاسلام المتطرف ".(10)

أما الإجراءات العملية للسياسة الخارجية فقد تمثلت في التوسع في القيام بالحروب الاستباقية والوقائية ,تقسيم العالم إلى أصدقاء وأعداء ,بلورة ما كان يسمى بمحور الشر وعزله ,والتركيز على منطقة الشرق الأوسط كمسرح رئيسي لمصالح الولايات المتحدة وساحة لصراعاتها الخارجية .

مالم يتم استيعاب المتغيرات الجديدة التي طرأت على ظاهرة التطرف في المنطقة والعالم ,ومالم يتم مواجهتها بكثير من الحكمة والعقلانية ,بعد الفهم العميق للظاهرة ,فإن من المكن ارتكاب أخطاء إضافية تؤدي إلى زيادة حجم المشكلة لا الحد منها. فلم يعد ممكناً مواجهة ظواهر التطرف والتشدد والإحباط ,بذات الوسائل  القديمة التي كان البعض يصرّ على اللجوء إليها وأثبتت التجربة العملية فشلها.

وهذه بعض المقترحات لمعالجة المشكلة ,وايجاد السبل الكفيلة لحل هذه المُعضلة .
في البداية لابد هنا التوقف عند نقطتين هامتين :
الأولى :عند العمل على معالجة المشكلة يجب ضرورة التمييز بين التعامل مع التطرف في إطاره الفكري الذي يقتصر على الأفكار والقناعات والتوجهات,وبين التطرف الذي انتقل إلى دائرة الممارسة المادية السلوكية العنفية.
فالأساليب المجدية في التعامل مع الأول ,لاتجدي بالضرورة في التعامل مع النوع الثاني .وماهو ضروري للتعامل مع الشكل الثاني قد لايكون ضرورياً للتعامل مع الشكل الأول.

الثانية:جرت العادة على مواجهة ظاهرة التطرف بأحد أسلوبين:
1-الأسلوب الأمني البوليسي:وهو المفضل لدى غالبية الأجهزة الرسمية والمؤسسات الأمنية العربية والإسلامية.
2-الأسلوب السياسي والفكري :عن طريق الاستيعاب ,وفتح قنوات الحوار,لاقناع من يحمل فكراً متطرفاً بأن أبواب التأثير والإصلاح بالطرق السلمية بعيداً عن العنف وإراقة الدماء ,متيسرة أمامه وليست مغلقة.

ولوحظ أن غالبية الدول التي اقتصرت على التعامل بالأسلوب الأول ,لم تنجح بعد سنوات طويلة من المواجهه ,في الوصول إلى هدفها بإضعاف التوجهات المتطرفة, وكانت النتيجة مؤلمة للطرفين ,للسلطة وللمجموعات المتطرفة, وغالباً ما دفع المجتمع الثمن غالياً من دماء أبنائه ومن اقتصاده واستقراره نتيجة هذه المواجهه العقيمة.(11)
 
وان أفضل الطرق لمواجهة المشلكة هي :
1-إنهاء حالة التفرد السياسي الذي تمارسه كثير من الحكومات والأنظمة,والتوقف عن سياسة القمع وتكميم الأفواه ,والتوجه لفتح أبواب الحريات المسؤولة في كافة الجوانب. وإذا كانت بعض الأطراف الخارجية تتحدث عن الإصلاح السياسي كضرورة تخدم مصالحها, فإن مصلحة الأمة وشعوبها,بل وحتى حكوماتها, أن تباشر عملية إصلاح ذاتية حقيقية , وأن تقنع الجميع بأن إمكانية التغيير والإصلاح بالوسائل السلمية متاحة.وان يتم ذلك دون تأخير أو إبطاء .

2-معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية,وتقليص الفجوة الآخذة بالاتساع بين أغلبية مقهورة ومسحوقة في المجتمعات العربية, وبين أقلية متنفذة تسيطر على الثروات والمقدرات والدخول. لاسيما أن قناعة تسود لدى أوساط شعبية واسعة بأن الفساد واستغلال المناصب والمواقع  للإثراء غير المشروع هي التي تقف وراء ما تتمتع به نخبة مهيمنة محدودة من مكتسبات .

3-إعطاء استقلالية حقيقية لمؤسسات التوجيه الديني, والتوقف عن توظيفها كأداة لحشد التأييد لتوجهات السلطة السياسية,كي تكون قادرة على ممارسة دورها بفاعلية في التوعية والتثقيف الديني والتصدي لبعض مظاهر الفهم الخاطئ للاسلام.

4-التوقف عن وضع جميع الحركات الإسلامية في كفة واحدة ومناصبتها جميعها العداء بشكل أعمى, ودون وعي أو تمييز, وإدراك أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الواعية في مواجهة الفهم الخاطئ.

5-الحذر من دعم مظاهر "التطرف العلماني"في مواجهة"التطرف الديني",فكلا التطرفين نتائجه خطيرة على المجتمعات العربية والإسلامية, وتنامي الواحد يستفز الآخر ويعمل على تفعيله.

6-وقف التصريحات المعادية للاسلام والمسلمين في الغرب,سواء من قبل بعض وسائل الإعلام,أو بعض النخب السياسية الفكرية والدينية, لأن من شأن هذه التصريحات العدائية أن تستفز غضب العرب والمسلمين وتولد مشاعر غضب شديدة.(12)

وكذلك فان طرق المعالجة والمكافحة للتعصب والتطرف والارهاب تكمن في كل ماهو نقيض الفقرات الستة أنفاً يضاف إليها ضرورة وجود تعاون مجتمعي دولي واقامة أسس الحكم الديمقراطي وحكم الأغلبية من خلال مؤسسات دستورية وقيام دولة القانون إضافة إلى احترام حقوق الإنسان الاساسية وحمايتها وضمانتها .. واشاعة حرية التفكير والوقوف ضد سياسة التمييز الطائفي وضرورة ايجاد قواعد للتداول السلمي للسلطة وفقاً للدستور وطبقاً للالتزامات الدولية .


الخاتمة

والخلاصة : إن التطرف رد فعل على تطرف آخر. فالعنف لا يولد إلا عنفاً مضاداً , وسرعان ما يتحول الأمر إلى حلقة مفرغة لا نهاية لها .وما لم تتم معالجة الأسباب التي تشكل أرضاً خصبة لانتشار الأفكار المتشددة في العالم العربي والغربي ,فإن أي معالجات أمنية ستكون قاصرة عن مواجهة الظاهرة,بل قد تشكل الأفكار سبباً إضافياً لتناميها.

ومن هنا فقد باتت الحكومات ملزمة بإدراك أهمية إعطاء الفرصة لحركة مجتمعية تحاصر الفكر المتطرف,وأن تشرك المجتمع في المعركة ضد الإرهاب, فالإرهاب رغم كل مساؤئه ,إلا إنه عندما يضرب داخل المجتمع ويهدد استقرار الناس وأمنهم فإنه يدفع المجتمع للتكاتف والتلاحم لمجابهة هذا الخطر, ولا بد أن تستفيد الحكومات من هذا القانون الطبيعي ومن إنجاح هذا التحرك عبر فتح مزيد من الأقنية التي تتيح للمجتمع التعبير عن رؤاه وعن رفضه لمشروع الفوضى وتدمير الذات ,عن التفافه حول ثوابته التي تضمن له الاستقرار والأمان , وبالتالي ينبغي إعطاء هامش أكبر لحركة المجتمع الأهلي فهو صاحب المصلحة القصوى في تطويق دوائر التشدد والقضاء على الفكر المتطرف وعلى تجار الموت .

ومن الضروري أن يتزامن مع هذا التحرك الواسع إطلاق حملات إعلامية شاملة وحزمة متكاملة ومترابطة من البرامج والأنشطة والحملات والفعاليات الإعلامية والثقافية التي تتفاعل مع المجتمع وتحوله من متفرج إلى شريك وليتحمل المجتمع شطراً من المسؤولية في الحرب على الإرهاب ,من الضروري إشراك الأسرة والمرأة على وجه الخصوص باعتبارها ذات التأثير الأكبر في تشكيل وصياغة العقول الشابة,مثل تلك البرامج القائمة على أسس حديثة ومدروسة سوف تسهم إلى جانب ما تعكف دول المنطقة الآن عليه في مجال التعليم والأمن إضافة إلى الإجراءات لتطوير البنى الاقتصادية والسياسية سوف تسرع في القضاء على الإرهاب وفكر التطرف وإجهاض مشروعه العدمي , وهو ما سيكون كفيلاً بعدم تكرار إزعاج أهالي مدننا الوادعة .

المصادر:

1 -ظاهرة التطرف الأسباب والعلاج –المحامي  منتصر الزيات من موقع الكاتب نفسه www.alzayat.com 
2 -المصدر السابق نفسه www.alzazat.com
3 -كتاب الاسلام والعنف قراءة في ظاهرة التكفير للكاتب الشيخ حسين الخشن ص  110-115
4 – التطرف يميناً والتطرف يساراً –المفكر محمد عابد الجابري www.aljabriabed.net/gauche3.htm
5 -تشريح لظاهرة الفكر المتطرف –السيد ياسين –موقع العربية الالكتروني
6 -كتاب الارهاب الدولي –الكاتب خالد عبداللطيف http://. alerhab com/page1.html
7 -الإرهاب في العالمين العربي والغربي ص159-176
8 -كتاب الإرهاب في العالمين العربي والغربي إعداد الدكتور أحمد يوسف التل ص 11-17
9 -تشريح لظاهرة الفكر المتطرف للكاتب السيد ياسين –موقع العربية الالكتروني www.alarabiya.net
10 -بحث عن مفهوم الارهاب ومعناه من الانترنت
11 -الموسوعة الجغرافية -أولويات السياسة الخارجية الامريكية بعد احداث 11 سبتمبر د.اسماعيل شاهر اسماعيل 
12 -ظاهرة التطرف الأسباب والعلاج –المحامي  منتصر الزيات من موقع الكاتب نفسه www.alzayat.com
13 -ويكيبيديا ,الموسوعة الحرة.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7942