ويظل التغيير مستمرا..!!
التاريخ: الثلاثاء 08 اذار 2011
الموضوع: اخبار



  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم: رئيس التحرير

منذ أول تغيير حصل في الاتحاد السوفيتي السابق (1985 – 1991) أي تحديدا في فترة تولي ميخائيل غورباتشوف لزعامة الحزب الشيوعي السوفيتي ، بدأت الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية تتداعى الواحدة تلو الأخرى ولاسيما المكونة للمنظومة الاشتراكية وتحديدا معظم تلك التي كانت تدور في فلك السوفييت نفسه ، وتنوعت أساليب ووسائل التغيير بين منطقة وأخرى أو بلد وآخر ، منها ما حصل التغيير فيها من داخل مؤسسات السلطة الحاكمة أو الحزب الحاكم كما في الاتحاد السوفيتي وبلغاريا وألبانيا ، ومنها ما حصل تحت ضغط الجماهير كما في رومانيا وبولونيا بعد انهيار جدار برلين ومنها ما حصل بتدخل خارجي مثال بعض دول البلقان وأفغانستان والعراق ،


 ولعل الأقل خسارة وأقل كلفة تلك التي كان من داخل مؤسسات النظام وخصوصا بلغاريا حيث بدأ باستقالة تيودور جيفكوف من السلطة ومن زعامة الحزب الحاكم ، ومن ثم اتخاذ خطوات عملية جدية مهدت للتغيير الديمقراطي وتم على إثرها إجراء انتخابات برلمانية عامة ونزيهة فازت بنتيجتها المعارضة واستلمت زمام الأمور في البلاد وقد أخذ التغيير فيما بعد شكل مشروع شبه كوني ولاسيما بعد 11 أيلول 2001 حينما تعرض برجين أمريكيين لهجمات إرهابية مدهشة ، مما أثار حفيظة المجتمع الدولي ، ودفعه عبر الهيئات والمحافل الدولية باتجاه المزيد من التعاون ووضع السياسات الضرورية لدرء المخاطر المستجدة الناتجة عن المنظمات الإرهابية ، والتوافق على البرامج والأساليب اللازمة من أجل التغيير والتحول ، حاملة هذه المرة عناوين عريضة وبارزة منها محاربة الإرهاب بكل الوسائل وكذلك القوى والأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية المساندة لها ، ومكافحة أسلحة الدمار الشامل ، ومساندة حق الشعوب في تقرير مصيرها ، ووضع الأسس اللازمة للتنمية الاقتصادية ولبناء أنظمة ديمقراطية ، وطرح مشاريع إقليمية هامة كمشروع الشرق الأوسط الكبير ، وتسريب مخططات جديدة حول ترتيبات جيوسياسية واسعة في العالم وفي منطقتنا بشكل خاص..الخ .


وهكذا يلاحظ أن مسار التحول أو التغيير يبقى ثابتا ولو أنه يأخذ أشكالا وأساليب قد تختلف بين الحين والآخر أو من عقد لعقد ، لاسيما وأن المنطقة العربية كما هو معلوم تشهد في هذه المرحلة وتحديدا منذ مطلع العام الحالي 2011 انتفاضات شعبية وثورات جماهيرية عارمة بدأت من تونس وامتدت تداعياتها إلى مصر وليبيا واليمن وغيرها معبرة بوضوح صارخ عن إباء الضيم و إرادة الشعوب في التحرر من الظلم والجور الجاثمين على صدورها لعقود خلت ، واختصار ذلك في رغبتها بتغيير الأنظمة المستبدة وتأسيس حياة سياسية جديدة مبنية على الركائز الديمقراطية التي تكفل مشاركة الجميع في صنع القرار السياسي وبناء الوطن بتوفير مستلزمات تطوره ، وتحقيق التوزيع العادل للسلطة والثروة بين أبناء المجتمع الواحد ، ويبدو أن عملية التغيير هذه تظل مستمرة لتشمل عموم الأنظمة المستبدة خاصة وأن إرادة هذه الشعوب تلتقي مع التوجهات الدولية في هذا الصدد ، يتجلى ذلك عبر تحركاتها ومواقفها السريعة من خلال مختلف وسائل  إعلامها وعلى مختلف الأصعدة من سياسية وإعلامية وحتى عسكرية ..
وفي بلدنا ، يبدو أن لا خلاف بين مختلف القوى السياسية على التغيير في سوريا من حيث المبدأ ، بما فيها النظام حيث يقر بضرورة القيام بحملة الإصلاحات في مختلف المجالات وخصوصا الاقتصادية والمعيشية .. مما يعني أن التغيير ضروري وحتمي لكن كيف ومتى ؟؟ هذا ما يدور حوله الخلاف ، حيث يرى النظام أن الأمر لا يعدو عن كونه مجرد تحسين الوضع المعيشي للجماهير الفقيرة عبر توفير بعض فرص العمل أو رفع الحد الأدنى من أجور ورواتب العاملين في الدولة ، أو تخفيض نسب الرسوم الجمركية ورسم الإنفاق الاستهلاكي على بعض المواد الغذائية وتقديم معونات شكلية وقتية لأكثر المتضررين أو الذين يعانون الفاقة لدرجة المجاعة ، وذلك من خلال إجراءات إدارية ينبغي الإسراع في تنفيذها، في حين يرى البعض أن التحولات يجب أن تكون عميقة لتتناول مختلف القضايا المفصلية في البلاد وفي المقدمة منها الإصلاحات السياسية والاقتصادية والدستورية ..الخ ، بينما البعض الآخر يرى أن لا مناص من الدعوة للانتفاضة الجماهيرية العارمة أسوة بتونس ومصر وبأسلوب سلمي وحضاري بغية تحقيق نقلة نوعية باتجاه تحقيق تغيير شامل ، ووضع أسس لنظام سياسي جديد يستند على الجماهير وقواها السياسية المختلفة والمبادئ الديمقراطية ، وتحقيق دولة الحق والقانون التي تضمن العدل والمساواة بين كل مكونات الشعب السوري بانتماءاته القومية والدينية والسياسية ..الخ .

الواقع أن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلدنا يزداد تأزما ، وأن حالة الاحتقان الداخلي تشتد بين السلطة والمجتمع برمته ، وأن الجماهير متعطشة للخروج من حالة الخنوع والمذلة إلى رحاب الحرية والديمقراطية ، فهي لا ترى في المعالجات الترقيعية ما يجدي نفعا ، لأن المسألة تقتضي علاجا بنيويا في طبيعة النظام ، وذلك بالانتقال النوعي من حالة الاستبداد إلى الركائز الديمقراطية على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات الحياتية ..
هكذا ، فإن الوضع بما يعني تفادي الأزمات ودرء البلاد من مخاطر المواجهات الداخلية المحتملة ، يقتضي أن يمتثل النظام لمسئولياته وأن يتناول قضايا البلاد ومعاناة الجماهير بأهمية واهتمام ، وأن يبادر إلى دعوة مختلف المكونات الوطنية في البلاد القومية منها والسياسية والدينية إلى حوار وطني جاد بعيدا عن التعسف والإملاء ، بغية التوافق على مختلف القضايا الجوهرية التي تقتضي الوقوف والمعالجة ، بدءا بمشروع دستور جديد وقوانين عصرية للأحزاب والانتخابات والمطبوعات ووصولا إلى إجراء انتخابات عامة ديمقراطية حرة ونزيهة ، تكون القاعدة الحقيقية للإقرار الدستوري بالتعددية القومية والدينية والسياسية ، والأساس في معالجة مجمل القضايا والمسائل الأساسية الوطنية بما فيها القضية الكردية في إطار وحدة البلاد ..

وعلى أن تسبق هذه الدعوة للحوار مبادرة حسن النية ، وتوفير المقدمات الضرورية لهذا الحوار، وذلك بالإفراج عن كافة معتقلي الرأي والموقف السياسي ، ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، وإلغاء المحاكم الاستثنائية ، وكل القوانين والمشاريع العنصرية المطبقة بحق الشعب الكردي من حزام عربي وإحصاء استثنائي لعام 1962 والسياسة الشوفينية من تعريب وإجراءات أخرى وصولا إلى المرسوم 49 لعام 2008 الخاص بالعقارات ، وإطلاق الحريات الديمقراطية في البلاد ، بغية تحقيق أرضية المصالحة الوطنية والتوافق المسئول على مجمل قضايا البلاد على طريق بناء الدولة الوطنية الحديثة التي تحقق العدل والمساواة بين الجميع وضمان مبدأ سوريا لكل السوريين ، ليتعايش الجميع على المحبة والوئام ..

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (430) شباط 2011 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7934