الاستبداد بين ياسمين تونس وغضب مصر
التاريخ: السبت 29 كانون الثاني 2011
الموضوع: اخبار



عارف جابو

كما فاجأت انتفاضة الياسمين المراقبين باتساع رقعتها وانتشارها في كل أنحاء البلاد، كذلك بالنسبة للمظاهرات التي انطلقت في يوم الغضب من ميدان التحرير بوسط القاهرة، فإنها فاجأت الكثيرين باتساعها لتشمل مدناً أخرى وليطول ثلاثاء الغضب ويتحول إلى أيام غضب، ويصل إلى جمعة الغضب. ويبدو أن الاحتجاجات لن تتوقف، فلحسن الحظ ومن سخرية القدر، أن الأحزاب والتنظيمات التي وجدت لكي تحكم أو تقود الحركات الاحتجاجية والمعارضة، غائبة. فما يميز احتجاجات مصر كما تونس، هو غياب التنظيمات وقادة المعارضة التقليدية بل إن المعارضة بمعناها وشكلها التقليدي غائبة.


فالشبكة العنكبوتية حلت محل التنظيمات في تحديد توقيت ومكان وشكل الاحتجاجات والشعارات التي تردد خلال المظاهرات، هذا إلى جانب تبادل المعلومات والأخبار حول مجريات الأحداث والتطورات في المناطق الأخرى وبالتالي التواصل والتنسيق بين جماعات الاحتجاج.
وهكذا يبدو أن ثورة المعلوماتية والانترنت قد غيرت شكل تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات أيضا وبات الانترنت سلاحاً فعالاً وحاسماً في الاحتجاجات، ولكنه سلاح لا يريق الدماء فهو حضاري يتماشى مع قيم ومبادئ العصر، ما يغيظ النظم الاستبدادية التي تتمنى العنف من المحتجين لكي تبرر قمعها وعنفها المضاد المبالغ فيه لارهاب الخصوم، ولهذا تلجأ إلى حجب الانترنت وخاصة المواقع التبادل الاجتماعية.

مصر- شعارات سياسية منذ البداية
وبالمقارنة بين تونس ومصر فرغم التشابه الكبير بين الوضعين وإلهام نيران بوعزيزي وثورة الياسمين للشباب المصري. فإن هناك اختلافات أيضا، سواء في الاحتجاجات أو نظامي المخلوع بن علي ومبارك.
فبالنسبة للمتظاهرين المصريين فإنهم رفعوا ومنذ البداية إلى جانب الشعارات والمطالب الاقتصادية والاجتماعية، شعارات سياسية أيضاً، فهم يطالبون باحترام حقوق الانسان واطلاق الحريات العامة ورفع حالة الطوارئ، وحل البرلمان واستقالة الحكومة بل حتى باسقاط نظام مبارك برمته. بينما في تونس ظلت شعارات الانتفاضة محصورة في الاطار الاجتماعي، ولم تتحول إلى مطالب سياسية حتى وصلت الاحتجاجات إلى العاصمة وشاركت فيها الأحزاب والنقابات المهنية في الأيام الأخيرة.
أما بالنسبة لنظامي مبارك وبن علي، فرغم أن كلاهما ديكتاتوري، إلا أن مصر تتمتع بهامش حرية إعلامية أكبر مما كان في تونس. أما خلفيتهما، فإن مبارك أتى من المؤسسة العسكرية ووصل إلى أعلى المناصب فيها، وبالتالي فهو يعرف خفايا هذه المؤسسة وكيف يتعامل معها ومع القائمين عليها وطريقة تفكيرهم، وكسب ودهم وولائهم. وهذا ما يرجح إمكانية وقوف الجيش إلى جانبه وعدم تركه يواجه مصيره كما حدث مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، الذي لم يستطع كسب ولاء الجيش، الذي تخلى عنه واختار جانب الشعب؛ إذ أن بن علي كان ذا خلفية أمنية، فهو ابن المؤسسة الأمنية. والأمن لا يستطيع مواجهة المظاهرات حين تكون حاشدة تشارك فيها كل الفئات الاجتماعية، وهذا ما حدث بالضبط في تونس حيث لم تستطع المؤسسة الأمنية السيطرة على الوضع، والجيش لم يلب نداء بن علي ولم ينزل إلى الشارع ويشارك في قمع الانتفاضة، وهكذا كان للجيش التونسي دور في التعجيل في سقوط بن علي، بل حتى الدور الحاسم في اللحظات الأخيرة. بينما هذا السيناريو مستبعد في مصر، حيث لا تستبعد إمكانية نزول الجيش إلى الشارع حين يضيق الخناق على النظام ويصبح مهدداً بالسقوط، هذا إذا لم يبادر مبارك إلى اتخاذ خطوات ومبادرات تحول دون تفاقم الوضع وتصاعد موجة الاحتجاجات إلى مستوِ يهدد نظامه بالانهيار، ويستدعي تدخل الجيش.

الدرس التونسي القاسي للغرب
أما من الناحية الجيوسياسية، فهناك ايضا اختلاف كبير بين مصر وتونس، البلد الصغير الذي تقدر مساحته بنحو 163 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانه يتجاوز العشرة مليون بقليل، بينما تتجاوز مساحة مصر المليون كيلومتر مربع وعدد السكان الـ 83 مليون نسمة. أما من حيث الدور السياسي الاقليمي والعربي، فإنه لم يكن لتونس دور فاعل وتأثير على السياسة الاقليمية أو العربية، وكان نظام بن علي يستمد أهميته بالنسبة للغرب من كونه مكافحاً للاسلاميين وشريكاً في مكافحة الارهاب، إلى جانب دوره في مكافحة الهجرة غير الشرعية والحيلولة دون تحول تونس إلى ممر للمهاجرين غير الشرعيين من افريقيا إلى أوربا، هذا بالاضافة إلى الأهمية السياحية لتونس لدى الأوربيين.
بينما مصر لها دور فاعل ومؤثر وثقل في السياسة الاقليمية والعربية. فنظام مبارك أيضا كافح الاسلاميين المتطرفين وضيق الخناق جداً على "المعتدلين" منهم، ومن هنا ينظر إليه الغرب، أمريكا وأوربا، كشريك أساسي في مكافحة الارهاب والاسلاميين في المنطقة. كما أن مصر لاعب أساسي في عملية السلام في الشرق الأوسط ولها تأثير على الفلسطينيين، وإن كان تأثيرها على السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس أكبر منه على حماس وحكومتها في غزة.
كما أن مصر أول دولة عربية وقعت اتفاقية سلام مع اسرائيل منذ عام 1979، ومنذ ذلك الحين يسود سلام بينهما، وإن كان بارداً. ومن هنا فإن لمصر دوراً كبيراً في استقرار وأمن المنطقة. وبالتالي فإن أي تغيير فيها، وفي اي اتجاه كان، ستكون له انعكاسات على المنطقة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تتجاوز بشكل كبير الدور الالهامي لثورة الياسمين وسقوط بن علي.
ومن هنا فإن الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، لن يقف متفرجاً حتى يحدث "الزلزال ويسقط نظام مبارك"، ولهذا تتالت الدعوات من برلين وبروكسل وباريس وواشنطن إلى ضبط النفس وعدم قمع المظاهرات السلمية، مع المطالبة بالاصلاح والديمقراطية واحترام حقوق الانسان وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وهكذا يبدو أن الغرب قد استفاد من التجربة والدرس التونسي، فهل يستفيد مبارك وغيره من الحكام المستبدين ويتعظون من السقوط المدوي لـ بن علي وهروبه؟  







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7804