تفكيك البنى الكولونيالية « والآخر القومي »
التاريخ: الجمعة 21 كانون الثاني 2011
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

      عودنا الكاتب السياسي الأستاذ – جهاد الزين – بين الفينة والأخرى على شد انتباهنا نحو مسائل جوهرية باتت في عالم النسيان وهي في صلب قضايانا المصيرية ومحطات بارزة في التاريخ السياسي لسيرة شعوب منطقتنا تكاد تمحى من الذاكرة بفعل ضغط الأحداث اليومية المتسارعة ونحن أحوج مانكون الى سبر أغوارها واستحضارها لتكون عونا لنا ودرسا في هذه الأيام الحبلى بالمفاجآت والواعدة بآفاق التغيير والتقدم الى الأمام بما في ذلك اعادة بناء علاقات المكونات والأقوام التي تزخر بها بلداننا على أساس – توازن المصالح – واعادة الثقة المفقودة بدلا من حالات القهر والتشكيك والاستبداد السائدة وما تستتبع من حروب وصراعات وأعمال عنف وتقاتل بين أبناء الوطن الواحد أو المنطقة الواحدة ,


 وفي آخر ابداعات كاتبنا وليس – أخيرها – مقالته التحليلية المنبهة المنشورة في - النهار " عصر التقسيم الأمريكي للخرائط البريطانية الكريمة " التي تضمنت اشارات حول المساعي الأمريكية في تغيير خرائط بلدان شرق أوسطية وضعتها بريطانيا العظمى عندما كانت في أوج منزلتها – الكولونيالية – في بداية القرن العشرين ومن بينها السودان والعراق وفلسطين وقد تجمع النخب على ماخلفه المستعمر لشعوبنا من اشكاليات ومساوىء وتعقيدات في طبيعة الدولة التي أقاموها والحدود التي رسموها والدساتير التي ساهموا في صياغتها ولكنها تختلف على تقييم الدور الأمريكي الراهن والمنظور وأهدافه ومدى حسن أو سوء نيته اما حسب نظرة موضوعية أومن منطلقات آيديولوجية أو أحكام مسبقة ولاشك أن هذا الاختلاف - الجدل سيدوم وسيعيد انتاجه بين حين وآخر بصور مختلفة .

    نعم نعيش الآن زمن " الخطاب مابعد الكولونيالية " التي أرسى بنيته النظرية – فرانز فانون – في كتابه – معذبو الأرض – الذي قدم له الفيلسوف الفرنسي – جان بول سارتر – , ونتخطى عتبة عصر تغيير الخرائط الاقصائية العشوائية منها أو المدروسة المتجاهلة للآخر قوما أو دينا أو فئة التي رسمتها المؤسسات العسكرية – الاستخباراتية المتغلغلة في المستعمرات قبل أكثر من قرن حسب اجتهاداتها الميدانية القابلة للخطأ والصواب ورفعتها الى مكاتب المندوبين الساميين المطلقي الصلاحيات لدولتي انكلترا وفرنسا على وجه الخصوص وايطاليا واسبانيا في عهود مابعد الحرب العالمية الأولى المعروفة بالعصر – الكولونيالي – الذهبي , فمنذ القرن السادس عشر أبدت بريطانيا اهتماماً خاصاً ببلدان المنطقة بسبب تجارتها البرية مع الهند والشرقين الأدنى والأقصى وحذت فرنسا حذوها بل دخلت معها في صراعات تنافسية لتوسيع الحدود الكولونيالية كما حصل على سبيل المثال من خلافات بين الدولتين بشأن توزيع مناطق النفوذ بعد اقرار اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 وقد مرت الغالبية الساحقة من شعوب وأقوام كوكبنا ان لم يكن كلها في مراحل الاحتلال والانتداب والوصاية والعدوان والهيمنة وذاقت طعم – الكولونيالية – من معظم حكومات بلدان أوروبا – المتحضرة ! – الديموقراطية طوال القرون الماضية وحتى القارة الأمريكية لم تسلم منها  .
    شكل العدوان الثلاثي على مصر الناصرية البلد الأهم في العالم العربي نقطة تحول في مستقبل الدول الأوروبية الاستعمارية – العجوزة - السابقة في الشرق الأوسط وبقدوم سبعينات القرن الماضي بدأ النفوذ البريطاني والفرنسي بالانحسار من شمال افريقيا الى لبنان ومن باب المندب انتهاء بمنطقة الخليج لمصلحة التمدد الأمريكي السريع في المجالات الاقتصادية ( النفط والصادرات والمشاريع الاستثمارية ) والعسكرية ( من تسليح وعقود تدريب واقامة قواعد واتفاقات أمنية )  والثقافية والاعلامية ( بعثات ومنح دراسية وفضائيات ومنظمات مجتمع مدني ) ولم يتوقف الحضور الأمريكي على الصعد السالفة الذكر فحسب بل شمل كما ذكر الكاتب الولوج في عملية تفكيك ليس ماأقامته القوى الكولونيالية من بنى كانت مركبة بالأساس واعادة رسم ما وضعته من حدود فحسب بل طالت كل ما خلفته موازين القوى مابعد الحربين الكونيتين بما في ذلك نتائج مقايضات وتفاهمات الشرق والغرب أو الدول المنتصرة المتحالفة بين ( روزفلت وستالين وتشرشل ) في اعادة هيكلة العالم وتوزيع مناطق النفوذ وقيام أنظمة دول شرق أوروبا في اطار النفوذ السوفييتي وقد عكست النتيجة العملية لهذا الفعل الأمريكي المؤثر المزيد من النتائج الايجابية باتجاه رفع الغبن عن " الآخر القومي " بعد سلسلة من االعمليات – الاستقلالية – لعدد من الشعوب والقوميات في أوروبا وآسيا وأفريقيا وفسرت على أنها انتصارلأراداتها في تقرير المصير كما ربط البعض هذه الانجازات الأمريكية وبعضها عبر عمليات التدخل الانساني و– الحروب العادلة - الى تاريخ يعيد نفسه في هذا العصر عندما أعلن الرئيس الأمريكي – ويلسون – قبل نحو قرن عن مبادئه الأربعة عشر بجواز تطبيق حق تقرير مصير الشعوب والتي لم تلاقي الارتياح من مؤتمر السلام بباريس كيف لا وأن الشعوب المعنية هي من ضحايا الكولونيالية الأوروبية في ذلك الزمان .
     اذا استثنينا الحالة الفلسطينية في مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية برعاية اسرائل كدولة مغتصبة للحق الفلسطيني بتقرير المصير وانسحابها بطبيعة الحال على الكولونيالية البريطانية ووعد – بلفورها – المشؤوم نجد مدى انفراد الدور الأمريكي البارز بامتياز في نصرة " الآخر القومي " وجهوده في تصحيح الخطأ الكولونيالي الأوروبي التاريخي في تهميش العشرات من الشعوب والأقوام والثقافات ويظهر ذلك الدور في استقلال – تيمور الشرقية –وظهور دولة– كوسوفا – المستقلة الجديدة بعد تفكيك يوغسلافيا السابقة واعادة بناء العراق بصيغته الاتحادية ودستوره الضامن لفدرالية اقليم كردستان كتجسيد لحق تقرير مصير الكرد ولحقوق المكونات الأخرى بعد عقود من المعاناة والاقصاء , وبالرغم من كل الملابسات والتردد فقد التزمت ادارة الرئيس بوش الابن بحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة القابلة للحياة ومن جهة أخرى قام الأمريكييون بالمساهمة الفعالة في ضمان سير عملية استفتاء جنوب السودان ودعم الدولة الجديدة في حال اعلانها والالتزام بأمن وسلامة شعب دارفور وتحقيق ارادته في الحرية وهناك من يرى أن فضل الحداثة يعود الى أوروبا وأن مابعد الحداثة ظاهرة أمريكية بامتياز وأن – امبرياليتها الحميدة – لاتمنع أن تكون أكثر قربا من مفهوم العدالة وكل ذلك رغم أهميته الاستراتيجية لايعفي أمريكا من ماضيها المثير للجدل ومسؤولياتها السياسية والأخلاقية تجاه السلم والعدالة ومحاربة الارهاب والعلاقات المختلة بين الشمال والجنوب والفقر والبيئة كدولة عظمى في قرننا الجديد . 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7784