نحو تعزيز ثقافة التسامح وقبول الآخر
التاريخ: الأحد 12 كانون الأول 2010
الموضوع: اخبار



عبد الرحمن آبو

تتميّز المجتمعات البشرية منذ الأزل بتعددها العرقي والديني, والذي أخذ في فترات زمنية حالات تناحرية ألغت الآخر القديم المختلف في حدّيه الديني والعرقي, وحتّى يسود الجديد المختلف كان لا بدّ من القضاء على القديم تماماً وبالقوّة, واتّخذت في مراحل تاريخية مختلفة أشكال الإبادة الشاملة ( الجينوسايد ), و تمّ العمل على صهر الآخر المختلف وتذويبه وطحنه تماماً في حوجلات القوي وطواحينه؛ إلاّ أنّه وفي ظلّ التطوّر الحاصل في المجتمعات البشرية على جميع الأصعدة من فكرية واقتصادية وسياسية في عصرنا الحالي, ومع تنوّع أشكالها الحياتية والتي تتجسّد في الاختلاف  السياسي والذي من خلاله تمارس المجتمعات حياتها المنظمة؛ بغية الوصول إلى الحياة الآمنة


 و مع تبلور ثقافة تقاربية قوامها إنشاد الإخاء, و التطوّر وصولاً إلى مجتمعات تستطيع العيش جنباً إلى جنب على مبدأ قبول الآخر المختلف قومياً ودينياً وسياسياً من الحضن الطبيعي ورحم المعاناة لتجارب الشعوب والأمم التي لاقت الأمرّين من جراء الصراعات الدموية العقيمة والجوفاء؛ القائمة على السيادة الوحدوية للقوي و المشبعة بثقافة الكراهية وإلغاء الآخر ونفيه ومحاربته؛ واستغلال بعض الجماعات لظروف جماعات أخرى تحت مسميات وثقافات لم تتمثلها أبداً, وجعلت المبدأ حصان طروادة لتحقيق مآربها؛ حيث لاقت تلك الذهنية السيئة ردّات فعلٍ عنيفة أتت بالوبال على البشرية جمعاء, وأثبت التاريخ بأنّه لا يمكن في أي حالٍ من الأحوال إلغاء الآخر, ولابدّ من اختيار بدائل أخرى تحقّق إلى حدٍّ ما سبل التعايش السلمي المشترك وحل النزاعات والأزمات بأسلوب الحوار على مبدأ ثقافة التسامح وقبول الآخر.

إنّ مدلولات وسمات ذلك المبدأ بدت منذ أمدٍ بعيد في أفكار وتنظيرات العديد من الفلاسفة والمفكرين؛ إلاّ أنّها لم تلاق النور نتيجة سيادة أفكار أخرى مقوننة خدمت إلى حدٍّ كبير المصالح الشخصية أو الفئوية أو العشائرية أو القومية العصبوية.

متطلبات الوضع الكوردي:
الكل يدرك طبيعة المرحلة التي تمرّ بها قضيتنا القومية وما يتطلّبه الواقع المعاش الجديد من مستلزماتٍ قد تكون قسرية نوعاً ما, وربّما التضحية ببعض الخاص لأنه في العادة الغلبة دائماً للعام, وفي سبيله – إذا كنّا نمتلك نوعاً معيّناً من الجرأة المغلّفة بالجدّية, والصراحة الموسومة بالمسؤولية  تذوب فيها الأنانية والأحقاد القاتلة, ومطلوبٌ إن كان على الصعيد الفرد الكوردي, أو الأحزاب التمهيد لعملية التغيير دون المساس بالثوابت القومية لشعبنا الكوردي, وروافعها( حواملها ) النضالية.

أولاً- على صعيد الفرد الكوردي:
- الإيمان بالعلم والتعليم لأنّه السبيل الأقرب والأمثل في تحقيق ميادين عدّة.
- مراجعة شاملة لتاريخه الفردي, والعمل على تحرير ذاته من الأنانية والعصبوية باتجاهاتها العديدة الأحادية الفردية , الجزم والقطعية , المزاجية والانتقائية؛ مع إيلاء الاهتمام الشديد بالجانب الاقتصادي لأنّه شريان الحياة.
-  التوفيق بين الالتزام بالقضيتين الوطنية السورية والقومية الكوردية؛ مع تمثّل شروط ومقاييس الإيمان بهما.
-  امتلاك الجرأة لكي يعترف بقصوره وسوء تقديره لجملةٍ من الأمور والحالات التي مرّت بها البلاد وخاصّةً قضيتنا الكوردية بكلّ المقاييس في فترات زمنية مختلفة, وهذا ليس بعيبٍ أو ضعف.  
- احترام رموز شعبه وقاداته المخلصين؛ لأنّ احترامهم وتقديرهم هو احترام للتاريخ النضالي الكوردي, وأي استهتار أو تقزيم لنضال القادة المخلصين هو إهانة للحالة النضالية وتضحيات الآلاف من مناضلينا, واستهداف للقضية في الصميم.
-  النضال الملتزم والمستمر القائم على الإيمان القوي, والجدّية في الممارسة على أساس التربية القومية السليمة ( الكوردايتي ), والحذر من الوقوع في هاوية العجرفة وتقديس الذات, والبحث الدائم عن الخطأ, وتصحيحه في العين ذاته, و العمل الدؤوب على إعداد وتدريب نفسه سياسياً ومراقبة سلوكه على الدوام.
- تحكيم ذاته لمقاييس الأخلاق والضمير, والتحلّي بالقيم الفاضلة واعتبار القضية الكوردية قضيته المحورية بدون منازع, والابتعاد عن العبثية قدر الإمكان.
- تعزيز وترسيخ ثقافة التسامح وقبول الآخر المختلف قومياً- سياسياً- دينياً في نفسية الفرد الكوردي بغية الوصول إلى توفير قواسم الحياة المشتركة للوصول إلى غدٍ أفضل ينتفي فيه جميع حالات التخاصم ونبذ الآخر, أو إقصائه, أو إذلاله, وضرورة صيانة كرامته لأنّ الإنسان هو غاية الحياة وأسمى ما في الوجود.

ثانياً- على صعيد الحركة الوطنية الكوردية:  
- دراسة شاملة ومراجعة مسؤولة لمراحل تطوّر القضية الكوردية في كوردستان- سوريا والوقوف بجرأة وحسم أمام الأخطاء والعثرات التي اعترضت المسيرة الشاقة لحركتنا, وضرورة تلافي الثغرات والشوائب التي شابت رحلتها الطويلة والمؤلمة.
- إعمال الصيانة لمجمل الجهاز الحزبي, وفق خطوات هادئة, ومنطقية تعيد الاتّزان إلى الآلية, وتكسبها بوصلتها الحقيقية؛ بحيث يكون وفق معيار المرحلة ( طبيعة النظام الاستبدادي القمعي, الظروف الذاتية لشعبنا, الظروف الإقليمية والدولية المتقلّبة ).
- ترسيخ الثوابت النضالية لشعبنا بما هي قضية أرض وشعب له كلّ الحق في تقرير مصيره بنفسه؛ حسب مبادئ شرعة الأمم.
- صياغة برنامج نضالي آني مرحلي يلبي متطلبات المرحلة الحالية للحراك السياسي في سوريا, وآخر استراتيجي شامل يتضمن الثوابت الأساسية لقضية شعب ( كوردي ) يعيش على أرضه التاريخية ( كوردستان ).
- اعتبار انتفاضة آذار المجيدة 12/3:2004م ؛ تاريخ تحوّل فعلي في مسيرة نضال شعبنا الكوردي؛ حيث استطاعت القضية الكوردية  وذالك عبر تضحيات الانتفاضة الخروج من سجنها المحلي  المسيّج بالحديد والنار والكره والإنكار الى منابر وأوساط دولية وعالمية واكتسبت المزيد من الدعم والأصدقاء ، واستقطبت الرأي العالمي الى حد ما.
 - إسدال السريّة التامة قدر الإمكان على العمل الحزبي, وتشريبه النكهة النضالية كما كانت في فتراتها الدسمة المبنية على الكوردايتي, ولكن وفق منظورٍ حضاري, والعمل على تمتين الفعلين التنظيمي والسياسي, مع ضمان وحدة الفكر و الإرادة والفعل والسلوك, والبحث عن مصادر تمويل مالية دائمة.

 - تقوية العلاقات الأخوية النضالية بين الأطراف الكوردية, للوصول إلى صيغٍ نضالية متقّدمة وبالتالي إنجاز المرجعية المنشودة.
- وضع ميثاق شرف ملزم لكل الأطراف, قوامه وحدة الكلمة, والمصير, والمبتغى خدمةً للقضية الكوردية المقدّسة, وأي خروجٍ عنه يعتبر خيانة للقضية, والأمانة.
- التوجّه نحو الجناح العربي الوطني الديمقراطي المعارض, وحتّى الأطراف الشيوعية, بغية إنجاز برنامج سياسي وطني يلبّي رغبات, وطموحات كل المكوّنات القومية, والدينية في البلاد.
- العمل على تدويل القضية الكوردية وبقوة في الساحة الدولية, والعمل على إقناع العالم الحر بعدالة القضية الكوردية.
- إجراء حواراتٍ أساسها مصلحة الوطن, ومكوناته الأثنية والدينية للوصول إلى صيغة دستور عصريٍ.
- العمل مع جميع الأحزاب والأطراف الكوردية في أجزاء كوردستان بغية عقد مؤتمر كوردي شامل ذات طابع دولي في كوردستان- العراق.

خطوات لا بدّ منها على الصعيد الداخلي:
- القضية الكوردية في سوريا قضية وطنية بامتياز تهم جميع مكونات المجتمع السوري.
- العفو العام عن المعارضين, من سجناء الرأي, والتعبير, وجميع المناضلين الديمقراطيين, ومنهم أبناء شعبنا الكوردي, وصولاً إلى تبييض السجون بالكامل .
- الدعوة إلى عقد طاولات مستديرة عبر حوارٍ ديمقراطي متكافئ تحت سقف قبول الآخر والعمل على ترتيب حوار وطني عام يقوم على استعداد الأطراف لنبذ إملاء الشروط والإنصات إلى الآخر, والسعي الجاد لفهم المواقف, وإحقاق الحقوق, خاصةً وأنّ التجارب قد أثبتت فشل سياسة الحزب الواحد في قيادة الدولة, والمجتمع..!

- العمل على إلغاء المشاريع الاستثنائية العنصرية المطبقة بحق الشعب الكوردي, وإلغاء (الأحكام العرفية, والطوارئ) فوراً, وتشكيل لجان فورية تعمل لإعادة الجنسية السورية للمواطنين الكورد المجرّدين حسب إحصاء 1962 السيئ الصيت, وإرجاع الأراضي الكوردية المستولى عليها (حسب مرسومٍ صادرٍ عن القيادة القطرية 1974) إلى أصحابها الكورد , وصولاً إلى التطبيع الكامل مع تعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم طيلة أعوام مزرية خلت .

- صياغة (اتفاق وطني) يرتضيه الجميع, والذي يعتبر ثمرة تفاعل الجميع على أرضية الولاء للوطن لأنّه الوعاء الصحّي للجميع, الذي يحكمه دستورٌ عصري, توافقي يلبّي الحالة الوطنية, والديمقراطية, واعترافاً صريحاً بوجود الشعب الكوردي كقومية رئيسية في البلاد, له كامل الحق في تقرير مصيره بنفسه, على قاعدة الاتحاد الاختياري الحر .

- تشكيل لجان وطنية متخصصة من كلّ الأطراف لتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه, وإيجاد الآليات اللازمة للتطبيق, والتطبيع .

المطلوب دولياً:
- احترام إرادة الشعوب الخاضعة لعوامل القهر والاستغلال والاضطهاد, وخاصّة إرادة شعبنا الكوردي في الحرّية والانعتاق.
- الاعتراف لكلّ شعبٍ بالحق في اختيار طريق تطوّره الاجتماعي والسياسي بكلّ حرية.
- احترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي, وضرورة احترام حقوق الإنسان وفق العهد الدولي.
- العمل على ترسيخ مبادئ العقلية السياسية الجديدة في عقول الشعوب أولاً, مع الضغط القوي على الأنظمة الشمولية التي تتغذّى غالباً من مائدة النزاعات لإبقاء ديمومتها,  حيث من المفترض أن تقوم العقلية السياسية الجديدة على التعامل المرن مع القضايا الحيوية العالقة, والإرادة القوية في التدرّج الهادئ نحو تراخي التوتّر في مناطق النزاعات وصولاً إلى الحل النهائي, وهذا لن يكون بالأمر الهيّن,. ولكن لا بدّ من طلقة الانطلاقة, وعلى جبهة واسعة, مع احترام إرادة الشعوب في تقرير المصير, وخاصّةً إرادة شعبنا الكوردي في كوردستان. 

قصارى القول مطلوبٌ من الجميع العمل على ترسيخ ما هو مجدي ويضع الحياة في قالبها الحقيقي من دون معاناة أو آلام ولا يتمّ ذلك إلاّ بالاعتراف بالآخر و حتّى الآخر المختلف, وفتح صفحة جديدة أساسها التسامح, ورفع شعار ليصبح سمة العصر بدون منازع (( لنعمل معاً لتعزيز وترسيخ ثقافة التسامح وقبول الآخر..))
11/12/2010    







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7662