رحلة اكتشاف الحقيقة
التاريخ: الجمعة 27 اب 2010
الموضوع: اخبار



أحمد الجبوري

في البداية لا بد من مقدمة قصيرة عن موضوعنا هنا و هو الشعب الكوردي و وجوده و ارضه و حقوقه في  الاوطان التي يعيش فيها انا بحكم انتمائي السوري عايشت الكورد عن قرب بحكم الجيرة و القربه عن طريق المصاهرة بين العرب و الاكراد في محافظة الحسكة . لقد نشأت كغيري من الاطفال الذين هم من جيلي في كنف حكم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ينتهج سياسة تربوية كغيرة من الانظمة الشمولية بتربية الطفل تربية حزبية بحتة تبدأ من منظمة طلائع البعث في مرحلة الدراسة الابتدائية و شبيبة البعث في المرحلة الاعداية و الثانوية و من ثم اتحاد الطلبة في المرحلة الجامعية و بذلك ينشأ كل منا و قد تم حشو راسه بما يراه حزب البعث و يريده.


 و بذلك نشأت أنا في ظل هذه التربية و هذه السياسة و لم أكن أرى سوى النظام الحاكم على أنه كل شئ هو الوطن و هو العروبة و هو المناضل من اجل تحرير فلسطين و الجولان و لواء أسكندرون السليب بلد زكي الارسوزي وعربستان و الجزر الاماراتية الثلاث و كل بقعة ارض عربية محتلة و حتى سبتة و مليلة المغربيتين . يوازي ذلك إنكار شامل لأي وجود كوردي و خاصة في التاريخ و الجغرافيا , هل تصدقون لو قلت لكم أني كنت في مرحلة الدراسة الجامعية و بعدها في الوظيفة و لم أكن أعلم أن بطل الاسلام و محرر القدس البطل صلاح الدين الايوبي كرديا أو يوسف العظمة أول شهيد يسقط دفاعا عن دمشق برصاص الفرنسيين الغزاة , أصدقاء اليوم, و الكورد أصبحوا أعداء يهددون سلامة الوطن و وحدة أراضيه . بحكم طبيعة الانظمة الشمولية الديكتاتورية الشعوب هنا مسلوبة الارادة و الحقوق , لأنه هناك من يفكر عنها و يقرر عنها و يتحكم بها كقطيع يملكه و ليس كشعب له حقوق و عليه واجبات , هذا حال الشعب السوري كله على امتداد الوطن طولا و عرضا في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي و حكم الرئيس حافظ الاسد و من بعده الرئيس بشار حافظ الاسد الذي ورث الحكم عن أبيه الراحل. لكن الكورد كانوا يعانون من الاضطهاد القومي المستمر الى يومنا هذا , فهم مستهدفون في لغتهم و وجودهم و ثقافتهم و فلكلورهم  و من ممارسة حقوقهم السياسية و الاجتماعية. و هنا اورد مثالا بسيطا مثل انتخابات مايسمى بمجلس الشعب في محافظة الحسكة مرة واحدة فسح المجال لأنتخابات من دون تدخل أمني و بعثي  فاز بمقاعد المستقلين الثلاثة أكراد و هم كل من السادة حميد حاج درويش و كمال أحمد آغا و فؤاد عليكو , و لذلك كانت الاولى و الاخيرة . إن الوضع في سورية لا يخفى على أحد من السوريين و خاصة الكورد و لكن المصيبة أن السوريين من غير الكورد لا يعلمون شيئا عن الكورد و مناطق تواجدهم و تعدادهم و لو بشكل تقريبي بسيط سوى قلة قليلة من الشعب السوري , باستثناء السلطة التي تعلم ما لا يعلمه احد سواها .

بعد هذه المقدمة البسيطة عن الكورد في سورية لابد من التحدث قليلا عن الكورد في تركيا و ايران و العراق و معاناتهم أمام اضطهاد حكومات الاستبداد و العنصرية القومية  فمثلا في تركيا كنا نسمع أن لا وجود للاكراد فيها و إنما هناك أتراك الجبال وكما يقول هؤلاء الاتراك أن تسمية أتراك الجبال بالاكراد نسبة الى فصل الشتاء الذي يتصف بشدة برودته في تلك الجبال وعندما يسير عليها الانسان تصدر صوتا كالتالي (قرط قرط قرط) و بذلك سمي هؤلاء أي اتراك الجبال بالاكراد , الى هذه الدرجة وصلت بهم العنصرية بحيث يتم نفي الوجود رغم الوجود. و عندما بدأ حزب العمال الكوردستاني بالعمل ضد النظام الفاشي التركي أصبحنا نسمع هنا و هناك أنه حزب أو عصابة ارهابية و يتم الترويج لذلك بكافة الوسائل مستخدمين كل ما يمكن من شراء الذمم بالمال و السلطة و غيرها من المغريات لدى ضعاف النفوس , و تم محاربتهم حربا شرسة طوال السنين الماضية و حتى اليوم , مستخدمين كل صنوف الاسلحة من الطيران الى القنابل الفوسفورية و العنقودية و غيرها من الاسلحة الفتاكة. أضافة لما يسمى بحماة القرى الذين ساهموا في مواجهة مقاتلي الحزب (الكريلا). و هنا للانصاف و من خلال خبرتي الشخصية مع حزب العمال الكردستاني لابد من ذكر أن حصول بعض الحوادث المؤسفة من قتل البعض او قطع انف او اذن و هذا متداول بين الاكراد و معروف , هي تصرفات فردية و شخصية و بعيدة عن منهاج الحزب و تعليماته الصارمة بالانضباط  و الالتزام الاخلاقي و التحلي بأخلاق المناضل من اجل قضية مقدسة. و لا أنكر أن مثل هذه الامور لم يحصل و لكن علينا أن نتذكر قول القائد عبدالله أوجلان في هذا الموضوع حيث قال نعلم أن هناك بين صفوفنا مندسين لهم غايات ومصالح شخصية و أفعالهم تنسب للحزب نتمنى أن لا يكون بيننا منهم أحد يسئ للحزب و سمعته بأفعاله المشينة تلك. و سأورد لكم مثالا حصل في أحدى قرى الشريط الحدودي بين تركيا و سورية على الجانب التركي بقرية تدعى تل منار  حيث أن شابا كان يقوم بعمل بطولي لحزب العمال لناحية تزويدهم بالمؤونة و بشكل يومي و بسيارته الخاصة مخاطرا بنفسه لاجلهم لقناعته بهم أنهم على حق و لابد من مناصرتهم و في إحدى الليالي يقوم  شخصان من أعضاء الحزب بملاحقته في قريته و قتله مع شخص آخر قريب له حصل هذا عام 1997 و السؤال هنا هل من مصلحة حزب العمال الكردستاني قتل أشخاص مثل هؤلاء يقومون كل ليلة بمدهم بالمؤونة , كل عاقل يعلم أن الجواب طبعا لا ليس من مصلحتهم قتل مثل هؤلاء. و لذلك علينا تجنب الوقوع في خطط و مؤامرات الآخرين , هذا على الارض أما اعلاميا فبعضكم يتابع بعض المسلسلات التركية المدبلجة على قنوات عربية إن لم يكن جميعكم و تشاهدون كيف يتم أعطاء صورة سيئة عن الحزب و مناصريه و أن الاتراك هم المؤمنون الصادقون المدافعين عن الانسان , فكيف ذلك بربكم و هم يحرمون أكثر من عشرين مليون كردي في تركيا من القراءة و الكتابة و التحدث بلغتهم في اي دائرة حكومية او حتى في جامع للصلاة و اليكم هذه الحادثة التي حصلت معي منذ عدة ايام في قرية كردية بحتة في تركيا صدف أن صلاة الجمعة الثانية في رمضان الحالي صادفتني فيها فمررت للجامع و معي بعض الاخوة  للصلاة فإذا بالامام بعد قراءته الخطبة بالعربية يشرحها باللغة التركية علما انه لايوجد و لا شخص تركي واحد بتلك القرية , فساله احد الاخوة معي لماذا تشرح بالتركي و الله تعالى يقول في كتابه العزيز و ما ارسلنا من رسول إلا بلسان قومه , و ذلك ليسهل فهمهم لما يسمعون فلم يجب الامام و خرجنا من دون ان نسمع الاجابة. تجولت في مناطق عدة في كردستان تركيا و قابلت من دون سابق معرفة سواء من مناصري حزب العمال او الذين ليس معه و الحديث دائما كان ينتهي الى مصلحة حزب العمل الكوردستاني الذي يعترف الجميع بأنه صاحب الفضل في إيقاض الشعب الكوردي في كردستان تركيا و تعريفه بحقوقه و المطالبة فيها بكافة الوسائل سياسيا و عسكريا حيث الجناح العسكري يقاتل و يقدم قرابين الدم و الشهداء قوافل و الجناح السياسي او حزب السلام الديمقراطي يناضل على الجانب الآخر و هو الآخر يقدم قوافل المعتقلين حيث وصل العدد الى 1700 معتقل سياسي منهم الكثير من رؤساء البلديات المنتخب ديمقراطيا و أعضاء برلمان و مسؤولين في الحزب , هذه هي عدالة الدولة التركية الاسلامية بقيادة اردوغان المدافع عن فلسطين و شعبها و يقهر شعبه و يقتله لأنه يريد ان يتحدث بلغته و يتصرف بشؤونه كما هو الحال لغيره .



و قليلا  قليلا تصاعدت رغبتي في رؤية الكريلا في معاقلهم في تلك الجبال العصية الصامدة كصمودهم رغم البرد و حر الصيف الشديد و الجوع و القتل المتواصل , فسرت بمعرفة أحد الاخوة هناك الى أحد مواقعهم و فجأة ظهر لنا شابا في مقتبل العمر من تحت صخرة على سفح جبل شاهق بحيث تشعر أنه يلامس عنان السماء يرتدي ملابس الكريلا و يحمل بندقية روسية الصنع و جعبة صدرية مليئة بالمخازن و بعض القنابل , و سألنا ما إذا كنا نعرف الى اين نحن ذاهبون حيث قال استمراركم بالسير في هذا الاتجاه فيه خطورة عليكم فهل تريدون المتابعة , فقلنا له نريد مقابلتكم ليس اكثر , فقال سيروا بهذا الاتجاه و ستلتقون بمن تريدون و بالفعل بعد السير اقل من كيلوا متر واحد ظهر مقاتلي الكريلا تحت الاشجار و الصخور و كانه يوحي بانه مركز تجمع او ما شابه و لكن لا بناء او اي شئ سوى الصخور و الاشجار و بعض المزروعات على جانب نهر ماء عذب من الخضروات بمساحات صغيرة جدا بحيث لا ترى من الاعلى , فالمقاتلين كانوا في حالة نفسية و معنوية عالية من خلال الحديث و هم يعرفون ما يعملون جيدا و لا يأبهون للموت فهدفهم يستحق الفداء , الكثير من المقاتلات بين الكريلا منهن الشابات بحدود العشرينات الى الاربعينات و ما فوق يحملن السلاح مثلهن مثل الرجل تماما , نفس السلاح و نفس الملابس و نفس القنابل و يمتطين الاحصنة والبغال و يسرن ايضا بمفردهن دون مرافقة رجال في تلك الجبال العميقة الوديان الشاهقة القمم التي اعطت شموخها لهؤلاء المقاتلين و المقاتلات. و بعد الحديث و النقاش و الاستفسار عن بعض ما جئنا لأجله عزم الضيوف على المغادرة فأصروا على اليقاء للغداء , المفاجئ أن الغداء الوجبه الرئيسية لهولاء المقاتلين الاشداء الذين كلهم شموخ و معنويات كان عبارة عن تين أشجار تلك الجبال لم ينضج بعد قد تم طبخه و تقديمه كوجبة غداء , هذه هي حياتهم و غذائهم و سكنهم فعلى من يتحدث عنهم بسوء عليه أن يكون مثلهم بتقشفهم في الحياة و شموخهم في الجبال و هم يحملون السلاح لتحرير شعبهم من التهميش بما فيهم هؤلاء المتخاذلين , و الجميع يعلم بأن الحكومة التركية أصبحت مجبرة على التفاوض مع الرئيس اوجلان و حتى طلب المساعدة منه , تحت ضغط مقاتلي الكريلا على الجيش التركي . و التحرك الشعبي الذي يغلق المدن عندما يطلب منه ذلك من قبل الحزب , كانت هذه مقتطفات مما نستطيع ذكره في هذه المرحلة عن رحلتنا لأكتشاف الحقيقة .
أما عن كردستان العراق لقد ابهرنا ما شاهدنا خاصة على الحدود في معبر ابراهيم الخليل حيث الاستقبال الجيد من قبل موظفي الحدود و الراحة التي يلقاها الضيف او المسافر حيث الصالة النظيفة المكيفة المزودة بأجهزة التلفاز و كذلك القهوة و الشاي و كل ذلك مجانا , عدا انك لن تنتظر طويلا لتسمع مناديا عليك يعطيك جوازك مع الترحيب و بكل لطف . و عند التجوال في مدن كردستان العراق تجد ان الامان متوفر و الحمدلله و خلال وجودنا لعشرة ايام لم نسمع ما يكدر الامن و الاستقرار أما عن العمران فحدث و لا حرج  , تجد البنايات ترتفع هنا و هناك و الشوارع تجدد طولا و عرضا. أما حالة الشعب الكوردي في كوردستان العراق من الناحية المعيشية و المادية فهي في أحسن حال و تجد امام كل بيت سيارتين او ثلاث آخر موديل و الاستيراد ليل نهار بدون توقف من كل شئ من مستلزمات البناء و الغذاء و السيارات الخ ..... العمل متوفر للجميع لكني لا أخفي خشيتي من أن ما أصاب شعب دول الخليج العربية النفطية يصيب شعب كوردستان , حيث ظهر لي أنهم شعب عشائري بحت و يخجل من العمل من ناحية , و خاصة في البلديات حيث تجد عمال البلديات في كوردستان هم من الاجانب . و من ناحية أخرى كثر الخيرات التي توزعها حكومة الاقليم على السكان من حصة تموينية و رواتب تقاعدية و مساعدات تصل أحيانا في البيت الواحد لأكثر من اربعة رواتب و بذلك أصبح هناك ليس اكتفاء و حسب , انما تخمة ستؤدي بهم في النتيجة الى الركون للغير من اجل العمل لدرجة اني وجدت في البيوت خادمات من الفلبين و افريقيا و غيرها .
في طريق العودة من كوردستان العراق الى كوردستان تركيا الى جزيرة بوطان حاولنا العثور على قبر النبي نوح عليه السلام لذكر ذلك في القرآن الكريم أنها رست على الجودي ونحن نجهل تماما انه في جزيرة بوطان , و لكننا نعلم ان هناك قبر ممو و زين . فزرنا أهل احد الاصدقاء في قرية قريبة من الجزيرة للسلام عليهم و سالنا اننا نود زيارة قبر ممو و زين , فتكفل البعض بأخذنا هناك و لكن بعد ان نتناول طعام الغداء عندهم , المهم في النتيجة زرنا قبر ممو و زين و لا ننسى ذكر سئ الصيت بكو مدفون بجانبهم , و بعد ذلك فاجئنا الدليل المرافق لنا أن قبر النبي نوح لايبعد سوى دقيقة من هنا بالسيارة و قمنا بزيارة قبر النبي نوح عليه السلام و هنا  بالامكان القول أو الاستنتاج أن النبي نوح هو نبي الاكراد فسفينته رست على الجودي و قبره في جزيرة بوطان و الاكراد شعب عريق ضارب في التاريخ و هذه منطقتهم و هم لم يأتوا غزاة أو فاتحين و إنما هم شعب المنطقة فأعتقد أن هذا النبي هو نبي الكورد , هذا مجرد أستنتاج شخصي و لا إطلاع علمي لديا . في العموم لابد من القول أنه بعد جولة طالت لثلاثين يوما في كردستان أن كردستان حقيقة و ليست خيال و أن الكورد شعب حي و ليسوا اتراك من سكان الجبال (قرط قرط) و هم على أرضهم فرقها و قسمها حقد الحاقدين من الصليبيين أنتقاما من هزيمتهم على يد الفاتح السلطان صلاح الدين الايوبي محرر القدس الذي هزم تشارل قلب الاسد و جميع ملوك و امراء و قساوسة اوربا حينها . و لا ننسى قول قائد الحملة العسكرية الفرنسية على سورية عندما أحتلوا دمشق بعد أندحار السلطنة العثمانية الجنرال غورو حيث وقف على قبر البطل صلاح الدين الايوبي مخاطبا اياه ها قد عدنا يا صلاح الدين فماذا انت فاعل. و النتيجة التي خلصنا اليها أن الشعب الكوردي بأعتقادي و اعتقد جازما أنه لا يقل عن غيره من شعوب المنطقة حضارة و أصالة و أنه شعب وقع تحت التآمر الدولي و من بعد ذلك حكومات المنطقة , و لكن رغم كل ذلك فهو شعب حي ناضل من اجل نيل حقوقه و سيتابع النضال قسم حقق مايصبوا إليه و تحرر من الظلم و اقصد هنا كوردستان العراق و الآخرين يتابعون نضالهم و أنا مـتأكد من أنهم سينالون حقوقهم رغما عن أنوف المكابرين . و لسبب بسيط جدا رأيته بعيني و لم يقله لي أحد و هو أن  الارض و الحجر و الجبل و الشجر و جداول الانهار كلها تتكلم كوردي , و ليس عربي أو تركي أما عن كوردستان ايران للأسف لم أزرها بعد و ستبقى حلم الى أن يتحقق , و لن أنسى كرم الكورد و طيبتهم و حسن أستقبالهم و حسن معاشرتهم و صداقتهم .
27 .08 . 2010    






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7339