فلسطين واللعب بمكان آخر
التاريخ: الأربعاء 30 حزيران 2010
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

   الممانعة بمختلف تياراتها وجماعاتها الاسلاموية والقوموية الرسمية منها والشعبوية من عرب وترك وعجم في ورطة بعد أن جازفت حسب مزايدات شعاراتية حتى على أصحاب القضية في ركوب – الموجة الفلسطينية – وقذفتها أمواج البحر المتوسط الاسرائيلية الصنع الى ميناء – أشدود – المحتل وتلاشت أساطيلها الصوتية من واحد واثنين الى الثالث المحروس من – حراس ثورة الآيات – وذهب كل التهديدات المنطلقة حسب الطريقة التركية أدراج رياح خمسينات الصيف الحالي المشبعة بأتربة صحاري الربع الخالي والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو : ماهي النتائج التي ترتبت بعد نهاية المشهد الدرامي لاسطول أو قافلة - الحرية - على القضية المركزية والأطراف المعنية ؟.


    منذ البداية لم تبدأ الحملة الاقليمية الدولية لكسر الحصار على غزة وخرق القرار الاسرائيلي المجحف والمنافي للشرعية الدولية بالتنسيق والتعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية الجهة الشرعية الرسمية الوحيدة التي تحظى بالاعتراف الدولي والتعاطي من جانب هيئة الامم المتحدة واللجنة الرباعية الوسيطة والادارة الامريكية التي تدير المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والجامعة العربية والحكومة المصرية التي تشرف على عملية المصالحة الفلسطينية والمعنية بالحصار والمعابربل أن معظم الأطراف المنخرطة في حملة السفن اما ليس على وفاق مع قيادة السلطة ومناوئا لها ومنحازا لحركة – حماس – الانقلابية المتحكمة في ادارة غزة مما أضعف من حظوظ نجاح الحملة منذ ساعاتها الأولى ورسم علامات استفهام عديدة حول أهداف وأجندة المشرفين الحقيقيين من وراء الستار على العملية تمويلا وتسييرا ومواكبة اعلامية حية والذين اتضح أنهم موزعين بين أنظمة تركيا وايران وسوريا وتوابعها من حزب الله اللبناني وجماعات قريبة من حركات الاخوان المسلمين وامتداداتها من مؤسسات اعلامية وفضائيات ومنظمات اغاثة وجمعيات حقوقية وشخصيات برلمانية وذلك بحسب الأهداف الخاصة المتوخاة والدور المتعلق بكل طرف تحت ستار كسر الحصار على غزة وليس من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية المركزية الشاملة غير القابلة للتجزئة بحسب مبدأ حق تقرير المصير .
   كان واضحا أمام أصحاب القضية والمراقبين أن العملية برمتها لم تكن بريئة وذلك بالتركيز على غزة فقط بهدف تكريس الانقسام الفلسطيني وترسيخ سلطة – حماس – وصولا الى حسم مسألة اقامة امارة حسب النمط – الطالباني - منفصلة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية وتأكد ذلك بصورة أوضح لدى رفض – حماس – القاطع منذ بداية الحملة لكل حوار أو مصالحة مع السلطة وحركة – فتح -  أو توقيع على الورقة المصرية أو استقبال لوفد الفصائل الذي كان يعتزم القيام بزيارة القطاع وذلك ظنا منها – حماس - أن القوافل ستخرق الحصار والخطة ستنجح وبالتالي ستنفرد هي بقطف الثمار .   
   الأتراك أصيبوا بالذهول أمام حجم ضحاياهم وواجهت حكومة حزب العدالة مأزقا سياسيا لم تنقذها محاولات رئيسها المرتبك وتصريحاته النارية وتهديداته الفاقدة للصدقية وبان للرأي العام التركي والعالمي مدى التناقض الصارخ في نيات السلطات الحاكمة وأهدافها المعلنة : شعارات تضامنية مزايدة مع الفلسطينيين كشعب محروم معرض للاضطهاد والقمع والتجاهل مقابل الرفض والانكار لحقوق الشعب الكردي الذي يتشابه الى درجة التطابق المبدئي مع نظيره الفلسطيني كصاحب قضية قومية عادلة والتعامل مع –  حماس – كجهة تحررية المدانة عالميا كحركة ارهابية وفي الوقت ذاته وصم ب ك ك بالارهاب الى جانب ذلك ورغم الالحاح التركي رفضت اسرائيل أي اعتذار ووجه الموقف التركي أمريكيا وأوروبيا بالامتعاض الى درجة أن الرئيس الفرنسي أعلن :" إن أردوغان ذهب بعيدا في تصريحاته ولا بد من إيقافه " كما أن العديد من الأوروبيين غير راضين عن دفاع أردوجان عن حركة حماس ووصفها بأنها حركة وسطية وجهادية تسعى لتحرير أرضها .
  الايرانييون تراجعوا عن اعلانهم السابق بتمويل وارسال بواخر بمواكبة الحرس الثوري الى شواطىء غزة وحزب الله يتخلى عن وعوده في تسيير باخرتي – مريم وحنظلة – وأكثر من ذلك وفي ذروة التصريحات والتحضيرات من أجل تسيير القافلة رقم 2 في لبنان لدعم الشعب الفلسطيني قامت مظاهرات فلسطينية حاشدة بمشاركة واشراف حركة فتح وممثل السلطة الوطنية ومقاطعة – حماس والجهاد الاسلامي - في بيروت مطالبة بانصاف الفلسطينيين في لبنان والاعتراف بحقوقهم المدنية فيا للمفارقة أين أولئك المزايدون من متعهدي السفن وبائعي حمولاتها من المواد التموينية أو ليس فلسطينييو لبنان أقرب وأولى بالدعم والرعاية والمساعدة من سكان غزة ؟
   السورييون لم يمنعهم تورطهم في الحملة بشريا منذ البداية من الانسحاب الهادىء بدون ضجيج وتوقفت بعض المصادر طويلا عند طلب الرئيس بشار أسد من نظيره البرازيلي لعب دور الوسيط مع اسرائيل وهو الذي كان يرفض حتى الوساطة الفرنسية ويصر على التركية، وهو ما فسرته المصادر بالتخلي التدريجي عن تركيا في الوساطة.
 أما اسرائل فمن مصلحتها التركيز فقط على غزة وحصارها وطوي القضية الأساسية أو تناسيها وهي تتعامل مع الموضوع من موقع القوي وكما تريد وبأطول مدة زمنية ممكنة لتحقيق أهدافها التوسعية وتنفيذ نياتها المبيتة في توسيع الاستيطان وقضم الأرض الفلسطينية في أجواء الانشغال بالمواد التموينية وأصنافها المسموحة والممنوعة والاستمتاع بسماع تصريحات قادة – حماس – في دمشق وطهران والتلهي بمشاهد انزعاج وتوتر القادة الأتراك وانفعالات أمين عام حزب الله ومتابعة تكويعات الرئيس السوري.        
بالمحصلة فإن هذا الخلاف، المدعّم بغياب المؤسسات التشريعية، وتدنّي مستوى الإحساس بالمسؤولية الوطنية، يستنزف قوى الفلسطينيين ويبدد قدرتهم على استثمار التعاطف الدولي معهم، حتى على مستوى رفع الحصار عن غزة.
واضح أن إسرائيل تعمل، كعادتها، على إفراغ عملية رفع الحصار من مضامينها، وتحويلها إلى شرك جديد للفلسطينيين، بتكريس فصل القطاع عن الضفة (لتـــــحكمها بـ «الممر» بينهما)، وبتحويل غزة إلى معضلة لمصر والسلطة. وثمة مخططات إسرائيلية تتضمن رفع الحصار عن غزة، من البحر ومن معبر رفح، وتمكين الحركة التجارية، مقابل إغلاق إسرائيل حدودها مع القطاع تماماً، وإخلاء مسؤوليتها عنه نهائياً (حتى بقطع الكهرباء والماء والغاز والمحروقات)، بحيث يتم تحويل غزة إلى مشكلة مصرية، وإلى قضية خلافية فلسطينية - مصرية.
وعلى الصعيد الفلســـطيني، تتوخّى إسرائيل من رفعها الحصار (بالشكل الذي تريده) تكريس انقسام الكيان الفلسطـــيني، وإشغال الفلسطينيين بالشقاق بينهم، لاستنزافهم واحباطهم، وتقويض صدقية قضيتهم، وإظـــــهار عدم أهليتهم لإدارة أوضاعهم أمام العالم، ما يتيح لها التملص من ضغوط عملية التسوية.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7176