كيف نمارس حقوقنا الذاتية في سياق المصلحة العامة؟!
التاريخ: الثلاثاء 04 ايار 2010
الموضوع: اخبار



محمد قاسم (ابن الجزيرة)
m.qibnjezire@hotmail.com

يبدو هذا العنوان مألوفا في ذاكرتي، لأنها انشغلت به كثيرا.
دلالة هذا العنوان مهمة –كما أرى وافهم-
فمعظم المشكلات الذهنية تأتي كنتيجة لاختلاط المعاني.. وتداخل المدلولات..!
ولعل هذا هو الدافع للفلاسفة منذ القديم ليبحثوا عن مخرج يعين على القدرة على فرز الحقائق عن غيرها...فكانت الخطوة الموفقة –وإن كان البعض لا يزال يعترض عليها – على يد الفيلسوف الإغريقي أرسطو، عندما ابتكر الأدوات المنطقية في التفكير -أو اكتشفها- تحت عنوان "المنطق " هذه الكلمة العربية التي تترجم الكلمة اليونانية الدالة على المعنى "لوغوس" في اليونانية.
الـ"لوغوس" يعني المنطق ومدلوله: التعقل والكلام، أمر يعرفه كل المثقفين.


العبارات عندما تكتب-أو يُنطق بها- ينبغي أن تكون واضحة.. خدمة لوضوح المعاني فيها، ووضوح سياق النص أيضا.. ومن ثم الفهم. والتفاعل وفقا لذلك.
قبل أن تظهر الفضائيات و تنتشر ..كنا نتابع التلفزيونات التركية –وهي عديدة- بخلاف ما كان سائدا في سوريا حيث بالكاد هناك محطتان –كلتاهما محتكرتان من النظام، تمثلان فلسفته في الحكم والإعلام.. وقد كانت فلسفة مملة غالبا، وأحيانا مؤلمة الوقع على النفوس والأذهان. لأنها تهدف إلى صهر الذهنية الشعبية، وذهنية مختلف الشرائح الاجتماعية ومستوياتها.. في بودقة تصوّر القائمين على الحكم .. وهو الانصهار في أسلوب هجين يجمع ما بين المختار من  الماركسية ، ومنهج البعث في تحديد معنى "القومية العربية" وتطعيمهما ببعضهما بطريقة تعسفية لخدمة تصورهم، وربما لخدمة البقاء في الحكم بالدرجة الأولى.. عبر الهيمنة النظرية المهيئة للهيمنة ميدانيا ..!
وهنا لا بد من الإشارة إلى اختلاف بين المنهج الغربي في التفكير حيث صياغة المفكرين والفلاسفة –المثقفين عموما- عبر البحث والتحليل والاكتشاف..الخ. وبين المنهج ألبعثي حيث صياغة السياسيين -الحزبين- وفرضه على الواقع الاجتماعي بـ"شرعية الثورة".
في تلك الظروف كنا نشاهد التلفزيونات التركية المتعددة الاتجاهات والانتماءات الفكرية والحزبية.. وكنا نشاهد –الى جانب المسلسلات والأغاني الشجية –بعض البرامج التي يدور فيها الحوار بين شخصيات أكاديمية وخبرات.. واختصاصات..الخ. –وهذا مقصدنا  من هذا العرض
وكانت هذه البرامج تبدأ منذ الصباح الباكر.. وتستمر الى وقت متأخر أحيانا.. ولأني لم أكن افهم  اللغة التركية فلم أكن أستمع إليها إلا لماما؛ وبدافع فضولي قد لا يطول.. ولكنني اكتشفت فيها عمليات حوارية حول مفاهيم مختلفة؛ سياسية أو اجتماعية او فنية او غير ذلك..
وكنت أتساءل: ترى لماذا هذه البرامج المملة.. هل هناك من يستمع الساعات الطوال الى هذه الموضوعات..؟!
 ألا يوجد بديل آخر ..؟1
وفيما بعد انعم الله – عبر الغرب كما دائما- علينا بتكنولوجيا الفضائيات؛ والتي ابتدأت بـ"قناة الجزيرة " و التي لعبت دورا تنويريا هاما جدا في التأثير على الذهنية العربية بشكل أو بآخر؛ لولا أنها بدأت تتأثر بالأمور الذاتية والموجهة –كما هي عادة النظم والمنظومات ذات الاتجاه الشمولي او العاطفي قومويا.. انعكس سلبا على أدائها المهني .. وانحدر بها عما كانت عليه ، وقبل ان تظهر "قناة العربية" التي استطاعت في فترة وجيزة ان تنافسها.. وربما تفوقها في بعض الحالات.. وعلى الرغم من أنني لا أبرئ العربية من بعض انحياز –ربما مقصود او غير مقصود- ناتج عن الطبيعة العاطفية للقائمين عليها.. فنحن في هذا الشرق يصعب علينا الفصل بين الحدث وميلنا نحوه –سلبا او إيجابا- وهذا ما يخل دائما بمهنية العمل المؤدى في الشرق.. والعرب منه. ومن ثم توالت الفضائيات المختلفة ، وانتقل الإعلام نقلة نوعية.. بالرغم من مسحة ذاتية –يبدو أن الذهنية العربية –أو العروبية على الصحيح -لا يمكنها التحرر منها –ربما بسبب طبيعة التكوين الذهني-السيكولوجي (الثقافي). وهي تبدو مشكلة مزمنة يصعب التحرر منها في المدى المنظور..لكن الملامح الإيجابية تتبلور شيئا فشيئا على كل حال.ا.
لقد حاولت أن أرى الفارق بين الحوارات في هذه الفضائيات، وتلك الحوارات التركية التي لم أكن افهمها .. وكنت ابذل جهدا لذلك.. واحيانا اسأل العارفين..!
فعرفت –فيما بعد- أنها حوارات حول قضايا مختلفة ، تذاع يوميا لتسهيل فهم الناس للمفاهيم والمصطلحات والمعاني والوسائل والطرق ..والتي جميعا تخدم الوعي الاجتماعي في كل أبعاده.. إضافة إلى الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية وكل ما يتعلق بوعي المجتمع أفرادا وجماعات.
وعندما جاءت الجزيرة, وجدت مثلها على شاشتها.. وقد استهوتني هذه الحوارات بأشكالها المختلفة، كما غيري.. مثل: برنامج الاتجاه المعاكس، برنامج بلا حدود، برنامج لقاء اليوم، برنامج شاهد على العصر...الخ.
وعندما كثرت الفضائيات " وأصبحت على قفا مين يشيل" كما يقال في الدارجة.. قلدت بعضها بعضا وتبنت هذه البرامج، كل واحدة في الاتجاه الذي يخدمها طبعا.. وهذا منطق الأشياء.. ولكن الذي أريد الوقوف عنده هو ما يلي:
في البلدان المتقدمة والتي تسمى دولا-عن حق- بكل خصائصها كدول تتكون من :
مؤسسات ديمقراطية.. في ممارسة أنشطتها سياسيا واقتصادا حرا وفق قوانين لمصلحة المجتمع ككل –لا مصلحة فئة قومية او طائفية أو دينية..الخ.- وهي مشكلات تجاوزتها جميعا بمقدار مقبول ومعقول.. مهما قيل في شان نواقصها وعيوبها-فالبشر ليسوا كاملين أبدا:
و"حسب المرء أن تعد معايبه" كما يقول الشاعر!.
في هذه البلدان، الإنسان كائن نما بحرية معقولة.. واكتسب خبرة خصوصية ..وله فرديته التي يعتز بها، وتدعمها القوانين بشفافية، فتأسست في ذهنيته مساحتان في إطار علاقة متكاملة كالعلاقة التي تعرف -في المنطق- بالجنس والنوع أو (العام والخاص).
ففي كل ذهن مساحة عامة تتضمن المفاهيم الجمعية و الاجتماعية مثل:
-         المصلحة الوطنية وتشارك مصلحته الشخصية معها،
-         مصلحة المجتمع الإنسانية ، في علاقتها بمصلحة الوطن "الجغرافيا" وتشارك مصلحته الشخصية معها...الخ.
وفي كل ذهن –الى جانب ما سبق- مفاهيم المصلحة الخاصة بتجليات مختلفة..ولكنها دوما يفترض أن تبقى في سياق المساحة العامة أو الاتجاه العام.
المساحة العامة (المصلحة العامة) جنس.. والمساحة الخاصة (المصلحة الخاصة) نوع.
والجنس يحوي النوع كما هو معلوم.
يمكن التمثيل لذلك بـ (دائرة كبيرة ضمنها دائرة صغيرة) وهما متكاملتان متفاعلتان في هذه الحالة...
 أصبحت المصلحة العليا تفرض ذاتها، وتفرض على الجميع القبول بها عن وعي ودراية لنتائجها عبر القبول بالقانون... وأصبحت المصلحة الخاصة جزءا من سياق المصلحة العامة..
وكنتيجة لتربية متدرجة للوعي فقد أصبحت مفاهيم ثقافية داخلة في نسيج بنية الوعي الأخلاقي والقانوني. وان كان القانون هو الأساس هنا.
لذا فمهما حاول بعضهم أن يتجاوز المصلحة العامة خدمة لمصلحته الخاصة فإنه لن يستطيع. لأن الذهنية الشعبية والحكومية مرهونة  بطيعة العلاقة بين "العام" و"الخاص".
وذلك كنتيجة للانتخابات الحرة والنزيهة بشكل عام. وان وجدت اختراقات فلن تفلح كما حصل لرئيس الولايات المتحدة الأسبق "نيكسون" مثلا والذي خلع من الرئاسة عندما كُشف عن تجاوزات قانونية منه.. كمثال فقط  لا للحصر.
فهل نطمح كشعوب متخلفة –والعربية منها طبعا- إلى إيجاد انسجام -من نوع ما - بين العام والخاص.. في صيغة قانونية تخدم الوطن مع مواطنيه؟!
لنتفاءل..بالرغم من صعوبته..!!






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7018