عبد الرحمن خليفاوي.. لروحك السلام *
التاريخ: الأربعاء 17 اذار 2010
الموضوع: اخبار



  محمد قاسم

صدفة لمحت اسمه في الشريط الإخباري على قناة الدنيا السورية، كان خبرا عن تكريم اللواء عبد الرحمن خليفاوي رحمه الله. فتداعت الذكريات حتى عادت الى العام  /1971/. وبالتحديد يوم السابع من شهر آذار منه.
في ذلك اليوم دخلت –برفقة صديق لي، والأفضل أن أقول مغبون مثلي- الى مكتب رحب للسيد وزير الداخلية السوري حينذاك "اللواء عبد الرحمن خليفاوي".
كانت هي المرة الأولى والأخيرة التي شاهدته فيها عن قرب.
وقد حملت انطباعا عنه ظللت أحدِّث الناس به، وسأبقى أحدّث به الى أن يوافيني الأجل. !


من نتيجة اللقاء القصير الذي جرى معه، وقبل ذلك بعض وقت كنت أتابعه فيه  وهو يتعامل مع المراجعين -وكانوا كثرا -. بينهم شيوخ طاعنون في السن، و نساء عجائز، وأناس في مختلف الأعمار و من الجنسين ..
 كل له حاجة أو مظلمة، جاء ليعرضها عليه.
وأما مظلمتنا فقد كانت تعطيل تعييننا كمعلمين؛ بعد تخرجنا من دار المعلمين بالحسكة.
 كنا / 13/ ثلاثة عشر خريجا، منهم اثنا عشر كوردا، والثالث عشر كان عربيا، يدعى عدنان خلف. ثم سويّ أمره بعد حوالي خمسة وأربعين يوما ليثبّت. ونبقى نحن الكورد فقط بلا تعيين ولا تثبيت.
 عُرفت القضية –حينها- بقضية الإثني عشر.
لماذا تم تعطيلنا عن التعيين، مع أن الدراسة على نفقة الدولة وتعيين الخريجين ملزم لها ؟!
 ببساطة: لأننا كنا كوردا فحسب..!
 يا لهذه الذهنية الغريبة في زرع الفرقة بين مواطنيها، ودفع البعض الى ردود الفعل بديلا عن الألفة والتواد. فضلا عن تجاهل كل القوانين الإنسانية في هذا الشأن.!
وأما التبرير والتفسير فهو أغرب.
اتهامات تستند الى فبركة مسبقة أو تقارير يرفعها طلاب في الثانوية –عمر المراهقة- للحكم –ادعاء بالاستناد إليها – على مصائر الخريجين من المؤسسة التربوية.-إعداد المعلمين..!!!
كانت النتيجة دوسيهات كبيرة تستقبل تقارير تصفنا بما لم ينزل الله به من سلطان.
وهي تهم لا تزال سارية في شرايين ثقافة العروبيين وأوردتها -للأسف- على الرغم من دخولنا الألفية الثالثة..
وهذه سمة في النظام العروبي عموما، وفي النظام الأيديولوجي خصوصا. لاسيما  نظام الحزب الواحد في الحكم. كان هذا في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي ألمانيا الشرقية، وفي كوبا "كاسترو" التي لم تسمح بالموبايل إلا بعد مرض كاسترو الأخير وتسلم أخيه الحكم.
المهم .. في الثاني من الشهر الحادي عشر –كانون الأول 1970تم تعيين الخريجين من دار المعلمين بالحسكة، ولم نعيّن - نحن الثلاثة عشر- فتمت مراجعة المسؤولين في المحافظة جميعا، دوائر الأمن، حزب البعث، مدير التربية، المحافظ ...الخ. ولكن النتائج جاءت بلا جدوى.. فلم يكن هناك معيار قانوني، بل مزاج سياسي فحسب..
الجميع يفترضون المخالفة في سلوكنا، ويكيلون لنا الاتهامات أحيانا –ونحن نعرف الكثيرين ممن كانوا يفعلون ذلك، كيف كان سلوكهم الميداني..!
أخيرا –وليرحمه الله إن كان ميتا، وليوفقه الله إن كان حيا- حمل سماعة الهاتف -وكان محافظا- ليسأل مدير التربية – وكان قبل ذلك، مديرا لدار المعلمين-ويفترض به أن يكون مدافعا عن طلابه، لكنه عاداهم بعنجهيته وعنصريته- وسأله:
 ألا تحتاج الى معلمين وكلاء ؟ قال:بلى.. فقال السيد المحافظ:
فلم لا تعيّنهم وكلاء –وهم مؤهلون تربويا – ريثما يبت في وضعهم النهائي..؟!
قال: لا أستطيع تعيينهم على مسؤوليتي.. فقال السيد المحافظ:
 عيّنهم على مسؤوليتي" [i] ".
عيّنا في الثامن والعشرين من شهر كانون الأول عام 1970. بعد ستة وعشرين يوما من تعيين زملائنا، وقد تم تثبيتهم خلال الشهر نفسه. بينما تأخر تثبيتنا الى يوم 24 نيسان عام 1971 ..بفارق حوالي ستة أشهر، بعد أن شرحنا في كل ما يشكل ذواتنا ماضيا وحاضرا.
.وضاعت علينا حقوقنا المترتبة على التثبيت خلال هذه الفترة إلى الأبد –ما لم يحتسبه الله لنا ..!
 التقينا المرحوم الأستاذ كاظم عبد الحليم –وكان حينها عضوا في مجلس الشعب، وشكونا إليه الأمر ، قال: احمدوا ربكم أنكم عيّنتم لا تهتموا بالشهور الستة..
كنا نحن - الخريجين الإثني عشر-  قد اتفقنا على التلاقي في " قامشلي"  مطلع شهر آذار من عام 1971 لنستلم رواتبنا، والتي تأخرت أربعة أشهر، ولم نستلم منها سوى راتب شهرين في الأول من آذار..
وفعلا التقينا في احد المقاهي -لم اعد أتذكره- ولم يحضر البعض، الموعد- وكانوا  متعاطفين –حينها- مع الحزب التقدمي الكوردي الذي يتزعمه السيد عبد الحميد درويش -دون أن نعلم الأسباب-.
لكنهم -فيما بعد-  أعلنوا عن استيائهم ؛ لأننا-بزعمهم- كنا نتجاهل سعي الحزب في حل مشكلتنا ، لذا لم يحضروا، ولم يعترفوا بجهودنا أبدا.
وكان قد تقرر في جلسة المقهى؛ أن يذهب اثنان موفدان عن الجميع –الإثني عشر –الى دمشق لمراجعة المسؤولين هناك خاصة الداخلية- وكان يرأسها السيد اللواء عبد الرحمن خليفاوي –حينها-. وقد تم اختياري واختيار الزميل محمود حسين.. نبهني احد الزملاء ناصحا: لا تذهب.. سيتهمك البعض .. لكنني لم أجد التنبيه مقنعا .." [ii] " فنحن نسعى في حل مشكلتنا ، فما علاقة الأمر بمشكلات الأحزاب ؟
وذهبنا الى دمشق .. كنا قد قررنا أن يدفع كل معلم مبلغ عشر ليرات مبدئيا لمصروف السفر، وقد دفع الخمسة الحاضرون، لكن الغائبين لدوافع سياسية، لم يقبلوا بالقرار، ولم يدفعوا ما يترتب عليهم حتى اللحظة- سامحهم الله على كل شيء.
اخترنا فندقا متواضعا " [iii] "  لئلا يكلفنا كثيرا من المصروف، فيرهق زملاءنا وكانت السرير بـ "ليرتين سوريتين"، وكنا نأكل ساندويتش الفلافل بربع الليرة ..وارخص الأطعمة..
ذهبنا لمراجعة وزير الداخلية –المرحوم اللواء عبد الرحمن خليفاوي.. لكننا لم نحظ بمقابلته إلا بعد ستة أيام من الانتظار، ظننا انه يتجاهل المواطنين..
ظنا ورثناه من سلوك المسؤولين، في بلادنا عموما..
لكن –كما بدا فيما بعد- كان ظننا في غير محله.. فقد كان الرجل في أسفار ومهمات.
وعندما عاد استقبل المراجعين فورا، وبطريقة ذكرتنا بما كنا نسمعه من العادلين من الحكام في التاريخ -الباب المفتوح-..
كنا قرابة العشرين أو أكثر ربما من المراجعين- إذا لم تخني الذاكرة-  من مختلف الأعمار والجنس والحاجات..
جلس كل منا في مكانه على كرسي مريح..ينتظر دوره.
وقف المرحوم خلف طاولته –وكان قصير القامة نسبيا..- وأشار الى النساء أولا، ثم الشيوخ، ثم الشباب ..فيتحدث كل واحد إليه عارضا مظلمته أو حاجته...
كان يستمع إلينا باهتمام’ وهو واقف خلف مكتبه...
لم نشعر بتهيب من مراجعته كوزير –وكنا لا نزال في مطلع العمر.. ونخشى على قضيتنا أن ينالها التعسف –كما عوّدنا الكثيرون جدا من مسؤولينا، كما حصل مع مسؤولينا في المحافظة أثناء مراجعتهم...
عندما سمع حكايتنا، دق الجرس. جاء أحدهم وكان طويلا أصلع-فقال له:
  نقيب أحمد. أحضر أضابير هؤلاء.. وجاء النقيب باثنتي عشرة إضبارة ذات لون أصفر-كما أتذكر- .. وبعد حديث قصير معه ، أشار إلينا أن ننتظر في الخارج وسينظر في قضيتنا..
وفعلا تم ذلك، وأعلنوا أنهم قد أرسلوا منذ الثاني عشر من الشهر السابق كتابا الى وزارة التربية بأن لا مانع من تعييننا..
لا يمكنني أن أنسى وداعة هذا الرجل، وصبره على الوقوف طيلة مراجعة أكثر من عشرين شخصا ربما..وهدوء حديثه، ولطف اهتمامه.
.وقد علمت فيما بعد انه أوصى بفتح مركز لمعالجة السرطان مجانا..
فيا رحمة الله انزلي على روحه.ولتحتضنه يا فردوس السماء.
ويا  أيها الأثرياء والمسؤولون –أينما كنتم-
 أليس خيرا لكم ولشعبكم أن تحذوا حذو عظيم في صمت؛ كما كان المرحوم اللواء عبد الرحمن خليفاوي..!

والى اللقاء في حلقة أخرى عن كيفية مقابلتنا لوزير التربية حينذاك ،استكمالا للمراجعة التي بدأت بالمرحوم وزير الداخلية، اللواء عبد الرحمن خليفاوي رحمه الله
.
-------
[i] -كان المحافظ حينئذ السيد مدحت نوح..وكان له مكتب محاماة في شارع فلسطين في الحسكة،ولا ادري ما آل إليه  مصيره الآن. أرجو له الخير كله ميتا وحيا.

[ii] - كان الذين حضروا الموعد في المقهى هم كل من: محمد عباس،عبد الحليم ملا،علي إبراهيم،محمود  حسين،محمد قاسم.ربما بعض الذين غابوا لم يكونوا بالتفكير نفسه مثل المرحوم جميل محمد  وعمر حمدي وبشار عيسى.....لكن هؤلاء -في الأصل- لم يكونوا مشتركين معنا في السعي بحيوية  لأسباب تخصهم.

[iii] -فندق الأخطل في السنجقدار كان يديره أبو هيثم،وأظن أن اسمه كان عرفات أو شيء شبيه.رحمه الله .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6808