للعار درجات يا بلجيكا
التاريخ: السبت 06 اذار 2010
الموضوع: اخبار



صالح بوزان

لو حدث ما حدث لقناة  ROJ-TV في أي بلد عربي، أو حتى في تركيا النصف أوروبية، لكان الحدث طبيعياً. ففي هذه البلدان لا قيمة للدساتير ولا لحقوق الإنسان، ناهيك عن حقوق الشعوب، والإعلام في خدمة الحكام, يسيرونه كما يشاءون. لكن أن يحدث هذا العمل البربري من قبل بلد عريق في الديمقراطية والحضارة, ومكان للجوء العديد من طلاب الحرية والإنسانية، إن ذلك ليس عار لبلجيكا بل لكل الحضارة المعاصرة.  
ماذا يزعج بلجيكا وأمريكا من قناة تتابع حقوق الشعب الكردي، وإن كانت تنطلق من وجهة نظر خاصة قد لا تتطابق مع وجهات نظر الآخرين. أليس جوهر الديمقراطية هو قبول وجهة نظر الآخر؟. ماذا حدث للمنظومة الفكرية والسياسية للحكومة البلجيكية حتى انحدرت إلى هذا الدرك الذي يذكرنا بنظام صدام حسين وفرانكو؟


وإذا كان قد حدث ما حدث بناء على طلب الحكومة التركية، فإن للعار حينئذ جانباً قذراًً. فالاتحاد الأوروبي يضع شروطه على قبول تركيا في الاتحاد. والاتحاد الأوروبي يقر بانتهاك تركيا لحقوق الإنسان والأقليات والإعلام؟ وهو يعترض على وصاية الجيش التركي على السياسة. بكلمة أخرى فتركيا مدانة أوروبياً بعدم مراعاتها لمعايير أوروبا في الديمقراطية، ومع ذلك تقوم حكومة بلجيكا بتلبية مطلب تركيا في انتهاك حرية الإعلام على أرضها؟ ومن قبل بوليسها. أليس في المسألة قذارة سياسية؟
من ناحية أخرى، لا يمكن تبرير هذا الرعب التركي من هذه القناة الإعلامية؟ فهي لا تدعو إلى تقسيم تركيا، ولا تطالب بدولة كردية مستقلة، بل تركز على حقوق الشعب الكردي الأساسية  ضمن إطار ديمقراطية شاملة لتركيا، هذه الديمقراطية التي يعترف حزب العدالة والتنمية نفسه بأنها ضرورية لتركيا الحديثة، ولذلك يسعى لتعديل الدستور.
نحن نعلم أن الدول الكبرى التي تتحكم بالسياسة العالية كثيراً ما تقوم بانتهاك القيم الديمقراطية والإنسانية من أجل مصالحها الاقتصادية. هذا ما فعلته الدول الرأسمالية خلال القرنين الماضيين. وكذلك فعلته الدول الاشتراكية، عندما وضعت مصالحها فوق القيم الاشتراكية والإنسانية العليا.
هذه الحقائق ليست جديدة، فكل من يراجع التاريخ الحديث والمعاصر سيجد آلاف الشواهد الدامغة عليها. الجديد في الأمر هو ذلك التناقض الصارخ في السياسة الغربية التي تتحدث عن الطبيعة الاستبدادية لأنظمة الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه تقف إلى جانب هذه الأنظمة ضد شعوبها. فعلى سبيل المثال، عندما حمل بوش الابن الديمقراطية على دباباته وغزا الشرق، سارع حكام المنطقة إلى الحديث عن الديمقراطية، وبدأت تعيد النظر، ولو شكلياً، في أسلوب حكمها الاستبدادي. وظهرت مصطلحات مثل التغيير، والتحديث، والإصلاح، والانفتاح، وقبول الآخر.. وغير ذلك.  أما أوبا الذي تغنى بالديمقراطية في بداية عهده، نراه يميل إلى البحث عن تفاهمات مع الأنظمة السياسية في المنطقة على حساب حقوق الإنسان والأقليات والشعوب. إن انتهاك حقوق الإنسان والأقليات في الشرق الأوسط أصبح أكثر فجاجة في عهد أوبا مقارنة بعهد الغازي بوش.
في الحقيقة ثمة تاريخ أسود للبلدان الأوروبية وأمريكا تجاه قضية الشعب الكردي خلال القرن الماضي. وهذه الحقيقة موثقة في ملفات محفوظة في أدراج وزارات الخارجية لهذه البلدان.
كان من الطبيعي أن يشك قادة حركات التحرر، ومنظمات حقوق الإنسان بمصداقية الدول الغربية, كما تشك بمصداقية دول المنطقة. لكن المشكلة أن لا عدالة في القوانين الدولية، بل أن كلمة العدالة نفسها مصطلح إشكالي لدى الدول الغربية، ناهيك عند دول العالم الثالث. فالغرب لا يتعامل مع الشعوب، بل يتعامل مع الحكومات. وحتى جرائم الإبادات الجماعية، لها تحليلها الخاص في الغرب. فإذا ألحقت هذه الجرائم الضرر بمصالح الدول الغربية، فهي تسمى عندئذ بالجرائم، أما إذا دخلت في إطار مصالحها فستكون لها تسمية أخرى.
فعلى سبيل المثال أيضاً. أن ما جرى في لجنة الكونكريس الأمريكي تجاه مجازر الأرمن في تركيا العثمانية، كان من المفروض أن يقر في عهد بوش الابن، لكن الأخير فضل مصالح أمريكا على العدالة الإنسانية وأفشل القرار. كما قام أوباما  "الديمقراطي جداً" ووزيرة خارجيته بالضغط على الكونكرس لمنع إصدار القرار.
في الحقيقة لا تعتبر هذه الجريمة محصورة بتركيا فقط،، فهي جريمة ألمانيا وإيطاليا، وكافة الدول الغربية التي سكتت عنها في حينها، لكون الأرمن ينتمون إلى الكنسية الروسية، ولذلك اعتبرت هذه الدول أنهم امتداد للتوسع الإمبراطوري الروسي. فتصفية أرمن تركيا عندئذ تعني بالنسبة للدول الأوروبية القضاء على النفوذ الروسي في السياسة التركية المستقبلية.
أعود إلى مسألة غزو البوليس البلجيكي لمركز القناة الكردية. فالعمل غير مبرر بكل المعايير، وعلى الكرد ولا سيما على المثقفين والساسة تحليل الحدث أعمق من الشعارات. فمن ناحية لا يمكن حل قضية الشعب الكردي في أي جزء من أجزاء كردستان بدون دعم أوروبا وأمريكا، ومن ناحية أخرى أن هذه الدول توظف الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات والشعوب لمصالحها. فإذا تطابقت هذه الحقوق في مكان ما من العالم مع مصالح هذه الدول، فإنها ستقف معها بكل قوة، وستستخدم كل الأدوات، بما قي ذلك تلك التي ترفضها نظرياً. أما إذا تعارضت هذه الحقوق مع مصالحها، عندئذ ستصمت عن الجرائم ولو كانت أكثر فظاعة من الجريمة التي لحقت بالأرمن.
ما يمكن أن يفشل هذه السياسة الغربية، هو أن يقف الشعب المعرض للجريمة موقفاً موحداً، وأن يكون لديه قادة  محنكون، ومثقفون قادرون أن يوصلوا قضايا شعبهم إلى المحافل الدولية وإلى القوى الخيرة في هذه البلدان الغربية نفسها، وهي قوى كبيرة ولها دور فاعل.
هناك حقيقة مرة ترشحت من التاريخ الكردي الطويل، ولا سيما من التاريخ المعاصر.وهي أن دغدغة أية جهة خارجية لشريحة من الأكراد، أو لأكراد قسم من كردستان على حساب أكراد الأقسام الأخرى، هي سياسة لم تجلب للأكراد سوى الكوارث والإبادات. فمهما كان موقفنا من PKK ومن قناة ROJ-TV فإن الوقوف الكردي معها في هذه اللحظة من الضرورات القومية والوطنية والأخلاقية. لقد خدمت هذه القناة قضايا الشعب الكردي في كافة أقسام كردستان. وخدمت اللغة الكردية وآدابها في ظروف قاسية وأدخلت الأغنية الكردية إلى كل بيت كردي. وهي التي وقفت بجدارة ضد الصهر الكردي في القوميات الأخرى، وضد الاغتراب الكردي عن ذاته.
إنه عار على الحكومة البلجيكية أن تنحدر إلى استخدام أساليب حكام المنطقة تجاه حرية الأعلام، وخطأ لا يغتفر لأية جهة كردية؛ سياسية كانت أو إعلامية أن لا تدين هذا العمل، ولا تقف اليوم مع .ROJ-TV







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6743