الحرب الدائمة
التاريخ: الخميس 17 اب 2006
الموضوع:


جان كورد
 

ليس هناك من عاقل يصدق بأن الحرب بين اسرائيل ومن وراءها من قوى دولية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبين حزب الله ومن وراءه من قوى عربية وغير عربية، في مقدمتها ايران وسوريا، قد انتهت حقا بصدور قرار مجلس الأمن رقم 1071 مؤخرا، والقاضي بنشر قوات لبنانية ودولية في الجنوب اللبناني لتنفيذ "وقف الأعمال العدوانية". فلا الحرب الدائمة التي انتهت إحدى جولاتها قد أتت بهزيمة ماحقة لطرف على طرف، ولا القرار الدولي، مثله مثل القرارات السابقة، قد جاء بحل للمشكلة الأساسية التي تدور في فلكها سائر المشاكل المحيطة بها، وهي المشكلة المستعصية بين اسرائيل وفلسطين.

رئيس حزب الليكود المعارض في اسرائيل ناتانياهو قال في كلمته التي ألقاها يوم توقف القتال 14/8/2006 أمام أعضاء الكنيست بأن ليس الجيش الاسرائيلي أو الشعب الاسرائيلي وحدهما في خطر، وانما كيان الدولة الاسرائيلية في خطر، وبأن انسحاب الاسرائيليين من جنوب لبنان قبل الآن بسنوات لم يفهم من قبل العرب على أنه كان نتيجة "حسن نية" اسرائيلية باتجاه السلام وانما كهزيمة أمام ضربات حزب الله، والوضع نفسه بالنسبة للانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، حيث فهمه العرب على أنه كان بسبب تعاظم قوة "حماس" التي تعمل على انهاء "الكيان الاسرائيلي". كما شدد على أن الشعب اليهودي لم يشعر بأفكار خطيرة لأي زعيم دولة بعد أدولف هتلر النازي الألماني الذي قاد اليهود إلى الهولوكوست إلا بظهور الرئيس الايراين الحالي محمود أحمدى نجاد الذي يدعو صراحة إلى ازالة الدولة الاسرائيلية من الوجود. وهذا العدو الجديد لاسرائيل هو الذي يقوم بدعم "حزب الله" بالصواريخ والمال في لبنان. ومما قاله ناتانياهو أيضا:"إن العرب إذا وضعوا السلاح جانبا فلن تكون هناك حرب، أما إذا وضع الاسرائيليون السلاح جانبا فلن تكون هناك اسرائيل بعد ذلك." ويبدو أنه قصد  بالعرب هنا كلا من "حزب الله وحماس" إذ أن الدول العربية – كما يبدو – لم تعد تشكل خطرا مباشرا على وجود وكيان اسرائيل.
 الرئيس السوري بشار الأسد الذي لم تطلق رصاصة واحدة عبر جولانه على محتلي أراض سورية منذ انتهاء حرب عام 1973 والذي تخلى بشكل تام عن اسكندرونه الذي لايقل خيرات وأهمية استراتيجية عن ومساحة عن الجولان، بل يعتبر وزير خارجيته وليد المعلم الداعين لفتح جبهة الجولان مع اسرائيل أثناء حرب لبنان الأخيرة وما بعدها مغرضين يعملون لتنفيذ مخطط أمريكي يستهدف جر سوريا إلى حرب مع اسرائيل. هذه الحرب التي لن تدخلها سوريا إلا عبر البوابة اللبنانية وعلى حساب الشعب اللبناني "المنكوب". هذا "الأسد العربي" يتصرف كالغزال في مواجهة اسرائيل بصدد الجولان وأمام تركيا بالنسبة للاسكندرونة المحتلة، يزأر اليوم بقوة ويحاول الاستفادة من نتائج هذه الحرب التي أظهرها في خطابه الأخير كانتصار عظيم له ولحلفائه في ايران وهزيمة لغيره من العرب. نعم إنه يريد ترميم بيته السوري بإظهار نفسه صقرا من صقور الحرب واتهام الزعماء العرب الآخرين بأنهم حمائم يرتمون عند أقدام أمريكا. والبيت السوري بحاجة إلى ترميم حقا، بعد أن خارت قوى النظام ووصلت شعبية الأسد إلى حد "المينيموم" قبيل اندلاع الحرب الأخيرة. 
السيد حسن نصر الله رئيس حزب الله بالوكالة عن آية الله خاميني الايراني قد خسر الكثير في هذه الحرب، ولكنه وعد باعادة اعمار (15000) بيت تم تدميره في هذه الحرب القصيرة الأمد. فمن أين له كل هذه الأموال؟ بعد كل تلك الصواريخ؟ ولماذا لايدفع هذه الأموال للحكومة اللبنانية لتعيد بنفسها اعمار البلاد، إن كان يؤمن بالسيادة اللبنانية؟ أم أن الأوامر التي تلقاها من ايران لاتسمح بذلك؟ وهو سيعيش بعد اليوم قلقا مختفيا ومرتعدا لأن اسرائيل وضعته على رأس قائمة المطلوبة رؤوسهم من أعدائها. ومما لاشك فيه أنه قد وضع لبنان في مأزق سياسي كبير لأنه لم يستشر أحدا من زعمائها بصدد ما قام به قبيل الحرب من اختطاف لجنديين اسرائيليين، مقدما بذلك حجة كبيرة للهجوم الاسرائيلي. 
السياسة اللبنانية ستصطدم بعد الآن ب"حزب الله" أكثر من اصطدامها ب"شعب الله"، وقد صرح الأستاذ وليد جنبلاط بأنه يعتبر تصرفات حسن نصر الله خرقا لاتفاقية الطائف وضد الوحدة الوطنية اللبنانية، كما أنه وجه مثل السيد سعد الحريري اتهاماته ضد الرئيس السوري بشار الاسد بسبب خطابه المؤجج للنار في المنطقة.  
العرب "الصقور" سيحاولون التسلل إلى لبنان مجددا من خلال نوافذ عديدة لاتزال مفتوحة، وايران ستعمل على توسيع رأس الجسر الآيديولوجي والعسكري والسياسي والاعلامي الذي أقامته في جنوب لبنان ليشمل كل لبنان، ومن ثم ضمه إلى "سوريا الأسد"، ولكن اسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي وستقوم بكل ما تراه ضروريا لحماية حدودها الشمالية وابعاد الخطر الايراني الهائل الذي يستهدف كيانها كدولة، حتى ولو اقتضى ذلك القيام بحرب شاملة في المنطقة.
لذا لايمكن الحديث الآن عن حرب منتهية وانما عن انتهاء جولة في حلبة الصراع الدموي على المنطقة  منذ فجر التاريخ وإلى الآن. إنها الحرب الدائمة بين طرفين غير منهزمين وقوتين لاتستطيعان حل مشاكلهما بالحوار ومن خلال بناء جسور للسلام وتبادل المنافع المشتركة. فمن أجل السلام والاستقرار الحقيقي في لبنان وفلسطين يجب أولا فرض سيادة الدولة اللبنانية على كل الأرض اللبنانية وانجاح تجربة التعايش الطائفي الاثني المتعثرة في لبنان، وهذا لن يتم إلا بمشاركة فعالة للشيعة في سائر مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في لبنان، وابعاد تأثير الدول المجاورة وتدخلاتها في الشؤون الداخلية اللبنانية، ومثالنا على ذلك الخطاب الأخير للرئيس السوري الذي اتهم فيه ممثلي الشعب اللبناني المنتخبين بالتآمر والعمالة والارتباط بالأجنبي... ولن تنتهي هذه الحرب الدائمة ما لم يتوصل ممثلو الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي إلى سلام يضمن لشعبيهما حق حفظ الوجود والسيادة الوطنية على أرض واحدة ذات دولتين بينهما علاقات حسن جوار وتبادل منافع وتحل مشاكلهما العالقة بالحوار والعمل المشترك. وإلا فإن قرارات مجلس الأمن ستبقى حبرا على ورق، والمتشددون سينالون مزيدا من الأصوات على طرفي خط النار، وسيتمكن  الانتهازيون من استغلال الفرص لكسب منافع خاصة بهم على حساب دم الشعوب وعن طريق هدر أموالها في حروب متتالية لاتأتي إلا بمزيد من الدمار  والدموع.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=671