في الفكر النقدي الكوردي, الثقافة الكوردية في المحيط العربي والإقليمي
التاريخ: الأربعاء 16 اب 2006
الموضوع: اخبار


بقلم : عبد الرحمن آلوجي

مما هو من بدهيات الأمور أن الثقافة القومية لكل أمة هي ثمرة طبيعية لتراكم كمي ونوعي في التراث والفلكلور والثقافة العامة والإعداد والتربية , والإعلام في شكله البدائي الأولي من مراسلات الحمام الزاجل إلى الفضائيات والأنترنت , والشبكة الدولية المعقدة من الاتصالات المباشرة والسريعة , لتكون هذه الثقافات متداخلة ومتقاطعة في كثير من القواعد والخطوط والأسس , ومتعارضة بل متضادة ومتناقضة في أحيان أخرى مع تضارب المصالح وتناقض المواقف.

والثقافة الكوردية المعاصرة هي من هذا النسيج الفكري الذي لا يمكن بتره وقطعه عن التأثر والتأثير, والتكيف مع المحيط , والاستمداد من ثقافة مشتركة هي نتاج حضارات الشرق في الدين والتفسير الكوني , والوقوف على الحقائق والدراسات العلمية , وإدراك لما يحدث ويفسر على المستوى العلمي والأدبي والفني , وما يمكن أن ينجم من الآثار الأكاديمية من علوم ومناهج وأفكار وقيم وآراء , تضاف إلى التراث القيمي والروحي من المفاهيم المادية والروحية وما لكل ذلك من تلاقح الحضارات بحكمتها وفلسفتها وعقائدها ومذاهبها واتجاهاتها الفكرية العريضة , لتتشكل من كل ذلك هذه الحصيلة الهائلة من العلوم والمعارف والفلسفات ومناهج الدراسات , وما أفرزته من معاهد ومدارس وجامعات , ليكون لكل ذلك أثران بارزان : الأثر الإنساني العام , والأثر المحلي الخاص , أو ما يسمى بالثقافة القومية لكل شعب ولكل أمة.

وبالقياس إلى هذين الأثرين , لا بد ّ من فهم وإدراك المحيط الأوسع لكل بقعة جغرافية يمكن أن تترك بصماتها على البعدين القومي الخاص والعالمي العام , وهو المحيط الإقليمي , فبيئة جنوب شرقي آسيا تترك بصماتها على شعوبها , بما لها من تراث وعادات وقيم وتقاليد ومفهيم مفرقة في التراث الشعبي والمذهبي لهذه الشعوب , كما تجد مثل هذا الأثر في محيط الشرق الأدنى والأوسط وجنوب إفريقيا وشمالها , وأوروبا الشرقية والأمريكيتين , والبرازيل والأرجنتين وآسيا الصغرى وبلاد الأناضول , وما لكل محيط من طبيعة ثقافية تثري و تعطي نكهة إقليمية ونكهات أثنية خاصة , تضفي على الطبيعة الثقافية لكل شعب خصوصية هي نتاج فعلي لمجمل التطورات التاريخية , وقيمها وآراء المبدعين والفلاسفة والعلماء والمؤرخين , مما يعطي التراث الإنساني والثقافة الإنسانية بعدا إقليميا مثريا , لا بد من ملاحظته في مجمل الدراسات الإنسانية والاجتماعية , في معرفة وإدراك الخاصية الثقافية , وأثر البيئات والمجالات الإقليمية في تهديد الهوية الثقافية للشعوب المتجانسة والمتجاورة , والمفترض أن تزداد تجانسا وتواؤما في إطار الخصوصية الإقليمية وعموم الثقافة الإنسانية , والتي بدأت تخترق الحدود وتتجاوز الأقاليم , وتضفي على هذه الثقافات بعدا جديدا , بدأ يتوضح من خلال تكسر الطوابع الإقليمية , مع تداخل وتمازج وتواؤم الثقافة العامة , وتحديد الأطر الكبرى لثقافة إنسانية تجنح إلى السلم والمدنية والاستقرار , ووضع برامج ومناهج جديدة , في التربية والتوجيه والإعداد , لمناهج ديمقراطية عادلة تؤمن بالتواصل , وتتجنب الخوض في الإركاع القسري وحشر الأدمغة بثقافات متشنجة وغير مجدية , تتخذ طابع الإكراه والعنف والضغط , لنقل مفاهيم متطرفة وأخرى جاهزة ترهق الفكر الإنساني , وتصنف وتكفّر وتجبر على تفكير خاص من شأنه أن يقود إلى صراعات وحروب وتناظرات وأخطاء قاتلة تؤخر المسيرة العلمية وتسيء إلى الثقافة الإنسانية , على الرغم من أن القيم والمذاهب والمدارس الفكرية والمذهبية من شأنها أن تتطور وتنتعش في ظل ثقافة ديمقراطية تستوجب الحرية الفكرية والمناخ المستقر الهادئ لأجواء تساهم إلى حد كبير في تحديد منهجية علمية تقود إلى نتائج باهرة في الإبداع والإنتاج الفكري الهادئ بعيدا عن أجواء الإكراه والعنت والقمع الفكري والمذهبي .

والثقافة الكوردية في ظل المحيط العربي والإقليمي , ومن خلال تلاقحات وتمازجات فكرية وعقائدية ومذهبية بعيدة المدى في الزمان قرونا , وفي المكان محيطا واسعا مضطربا , بعشرات الثقافات القومية والمحلية من عربية وفارسية وأمازيغية وآثورية وأرمنية وقبطية.. إلخ , إلى جانب ثقافات الشعوب والأمم التي صهرتها الإسلام في البوتقة العربية , لتتخذ من لغة القرآن أداة تفاهم ووسيلة تواصل .. إن هذه الثقافة  بقيمها وتراثها ومفاهيمها ومدارسها , إلى جانب الثقافة المعاصرة بعلومها ومناهجها وآدابها وقيمها , يمكن أن تشكل أساسا واقعيا وعلميا لبناء الثقافة القومية والإقليمية والعالمية , لمفهوم الثقافة الكوردية التي ينبغي أن تعلم الأرضية التي تقف عليها , فلا تفقد تراثها في الحكمة والمثل والأسطورة والفن والعادات والقيم والتقاليد الكوردية العريقة , بالإضافة إلى تلك الحصيلة الكبيرة والواسعة من التراث الشرقي عامة والإسلامي خاصة , وما كان للكورد من دور كبير في تاريخها وثقافتها وريادة كثير من جوانبها , لتعيش حالة من التواؤم والتجانس والتكامل , وتدرك أن لهذه الخصوصية الإقليمية أثرا كبيرا في المجتمع الكوردي دون أن تفقده عنصر التلاؤم والترابط مع الفكر العالمي , والرؤية المدنية , والطاقة العلمية المبدعة وآثارها في الاجتماع والسياسة , ومفاهيمها في الحريات العامة والديمقراطية وثقافتها الحرة في التأسيس والتطوير , دون الانجرار في قواعد لعبة من شأنها أن تباعد بين شعوب المنطقة وتواصلها الثقافي والقيمي والروحي , وبتناغم وتكامل مع المحيط الإقليمي المتداخل أصلا مع المحيط الدولي والسياسات العامة , وما يمكن أن تفرزه من قيم جديدة , تعتمد الإنسان ورفع سويته وإعلاء مكانته , وإنارة حقوقه , وممارسته الكاملة لحرياته العامة وقناعاته الخاصة , دون إرهاق أو إكراه أو عنت أو قمع فكري أو مذهبي , ليكون ذلك مدخلا جديدا إلى فهم حرية الشعوب وإمكاناتها في الانعتاق والتحرر من التفكير بالنيابة والوصاية , والأنظمة التي تقود شعوبها إلى تفكير محدد خاص , يعتمد عنصر الإبلاغ والقسر دون الافهام والإعداد والتربية وفق قيم المعاصرة والقانون الدولي , ولوائح حقوق الإنسان , والتلاقح والتكامل بين الحضارات , وإيثار القيم الإنسانية والروحية الكبرى التي تشكل المناخ الأكثر عمقا وجمالا ومدنية في الإبداع والتوصل إلى قيم الفضيلة والخير والاستقرار , بعيدا عن أجواء التناحرات وسحق تطلعات الشعوب , وإتاحة الفرصة للقيم الفردية , في إطار تنظيم العلاقة بين المجتمع والدولة , وفي عقد اجتماعي جديد متطور ومرتكز على القيم الإنسانية والروحية الرفيعة والتي من شأنها أن تعزز علاقات المجتمع وتبادله الثقافي وتكامله الإبداعي , وتطوره النوعي باتجاه نبذ الوصاية في أطرها العامة والخاصة ومؤسسات الدولة الضاغطة مما يعطي للشعوب طاقاتها في الانفتاح والتواصل والتلاقي والتكامل الوجداني , ليكون المحيط الاجتماعي والمجال البيئي منطلقا لبناء ثقافة إقليمية ووطنية جديدة , تعطي لكل أثنية طابعها الخاص , وتحركها العام , وإطارها الإنساني الأوسع لبناء أسس صرح ثقافي جديد يمكن أن يشكل أساسا لتلاقي الشعوب وتواصلها , لا لتناحرها وتعارضها , ووقوفها في خط المواجهة والتشكيك والتآمر والصيغ الاتهامية الجاهزة والمستعينة بهذا الاتجاه أو ذاك  , مما يوقع في حالة خلط وبلبلة وتشكيك يجعل المنطقة وشعوبها على شفا صراعات وتناحرات وحروب بغنى كامل عنها ليكون السلام والأمن والتلاقح والتواصل الفكري والتلاقي الحضاري والروحي أساسا لكل حوار وتواصل يوديان إلى تكامل وتفاهم , من شأنهما أن يوطدا لعلاقات أكثر عمقا ورسوخا , بعيدا عن استحقاقات التمييز والاضطهاد والاستعلاء القومي والتفكير الأحادي وشطب الأنظمة لكل طموح قومي مشروع للشعوب والأثنيات والتركيبات المعقدة للمجتمع الإنساني في الشرقين الأدنى والأوسط , لتكون الثقافة الجديدة منطلق بناء وإيمان بالآخرين وحب وتواصل وتجانس وتبادل وجداني قيمي رفيع يؤسس لثقافة منفتحة ومتطورة .          







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=664