الحزب الديموقراطي التقدمي، مازوسية في التنظيم، وإشكالية في الممارسة السياسية
التاريخ: السبت 30 كانون الثاني 2010
الموضوع: اخبار



خالص مسور

ما نعلمه هو أن الحزب - أي حزب - وفي أي بلد من بلدان العالم إما يمثل شريحة معينة ذات مصالح واحدة في دولة ذات سيادة كالأحزاب البرجوازية لتمثيل الطبقة البرجوازية والأحزاب الشيوعية أو اليسارية لتمثيل الطبقات الكادحة مثلاً، أو أن يكون هناك حزب واحد أو عدة أحزاب تمثل كلاً منها تطلعات شعب بأكمله يريد الحصول على حقوقه الأساسية وهذا ما ينطبق على الحالة الكردية الراهنة في سورية مثلاً، أي أن أي حزب كردي في سورية – وحسبما نعلم- يأتي على أساس تمثيل تطلعات هذا الشعب في حراكه السياسي في سبيل نيل حقوقه القومية، ولهذا يكون دوماً الحزب وسكرتيره في خدمة الشعب وليس العكس. فالسكرتير في هذه الحالة يمثل مع كوادره وقواعد حزبه أهداف وتطلعات من يمثلونهم بعيداً عن الأنانية والمصالح الشخصية الضيقة.


إذ من المفروض أن ليس هناك حزب في العالم يمثل مصلحة شخص واحد كالسكرتير أو غيره وإن وجد عندها يتحول هذا الحزب إلى حزب مافيوي بامتياز لايهدف إلا إلى الإحتفاظ بمنصب شخصي بأية طريقة كانت مع أقل القليل فيما يخص مصلحة من يمثلونهم، وما نراه في المشهد السياسي الكردي اليوم هو تمسك الغالبية من سكرتيري الأحزاب الكردية ومن حولهم ممن (لاءهم نعم) وبشكل مستميت حتى النهاية بمناصبهم، الأمر الذي ينعكس سلباً على مسار الحركة السياسية من خلال التركيز على القضايا غير الأساسية مما يؤدي إلى خلق حالة مستديمة من الإنشقاق والتشتت والضياع.
وبدون أن نطيل كثيراً سنأتي هنا إلى موضوعنا الأساس وهو قضية الحزب الديموقراطي التقدمي وما جرى فيه مؤخراً من إتخاذ قرارات الطرد بحق مجموعة من الكوادر المتقدمة للحزب ومنهم السيد فيصل يوسف مع مجموعة من الكوادر الآخرين. فأنا هنا كفرد خارج الحزب لا أدافع عن أحد بعينه ولا أتهم أحداً بما يشين وإنما يطيب لي أن أعالج حيثيات الموضوع حسبما أراه صائباً وهو بعض اقتراحات ورأيي الشخصي فيما حدث بتجرد ونزاهة ودون ميل أو تحيز. وأعتقد أن من حق أي احد أن يبدي رأيه في مسألة سياسية أصبحت مزمنة في خلفيات المشهد السياسي الكردي الحديث. فما أراه في هذا الصدد هو ألا يسارع أو يبالغ الطرف المفصول من الحزب السيد فيصل يوسف ومن معه في الرد على مثل هذه الوقائع والإجراءات التنظيمية بسرعة ودون تفكير أو روية، بل عليهم التأني وإيجاد الحلول المناسبة في الخروج من المأزق ضمن الحزب وليس خارجه وألا يسمي نفسه منشقاً وكل انشقاق محزن كما يقول لينين، وبالفعل - وحسبما علمت - يأبى السيد فيصل يوسف ومن معه تسمية ما حصل بالإنشقاق ويريد حلاً ضمن أجواء حزبية ديموقراطية عادلة، وهو لايمانع في أن يعين السيد عبد الحميد درويش سكرتير الحزب ثلاثة يسميهم هو وأنا لست منهم – والقول للسيبد فيصل يوسف- للبت فيما استجد من أمور ولا مانع في أن يكون أحدهم أخاه الدكتور صلاح ليصار إلى إستشارة القواعد الحزبية وكوادره لحل كل المشاكل العالقة بالروية والتعقل وضمن الاطر الحزبية القانونية القائمة. أي أن الرجل ينآى بنفسه عن أي مكاسب لا تقرره الأجندات الحزبية، ويعطي الحق للحزب بكوادره وقواعده لطرح مايرونه من حلول مناسبة في هذا الشأن للحفاظ على تماسك الحزب والحيلولة دون تشظي الحزب وتشتته، وهو مطلب عادل برأيي لأنه يقرر هنا الإحتكام إلى الحزب لحسم الموقف وهي ظاهرة صحية ومناسبة في قوانين الأحزاب بدلاً من قرارات الطرد والفصل من جانب واحد، لأن من لايحتكم إلى حزبه يفقد مصداقيته الحزبية تماماً. هذا من جانب ومن جانب آخر أقول بما أن السيد سكرتير الحزب قد تقدم في السن وقل نشاطه الحزبي عن ذي قبل، فمن جميل التصرف أن يبادر إلى تسليم الأمر الى الشباب المتحمسين بطريقة ديموقراطية وشفافة ليجربوا حظوظهم في متاهات أروقة الحياة الحزبية الصعبة، وخاصة وأننا في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتغير المفاهيم والقواعد بين يوم وآخر بل وساعة وأخرى، فنحن لانستطيع أن نجلب الخليفة المأمون ليحكم المسلمين في هذا العصر فلكل عصر رجالاته وقواعده وأصوله، فماكان سائداً من مفاهيم وضرورات في أيام تأسيس أول حزب كردي (1957م) ومابعده ليس مثله الآن، وما أريد قوله هو أن لكل عصر رجالاته ومفاهيمه وطريقته في التعامل مع الأحداث، والنتيجة هو القول بأن هذه الإنشقاقات المتتالية التي تجري بين آونة وأخرى في صفوف أنصار الحزب التقدمي لن تأتي عبثاً وتدل على وجود إشكالية في الممارسة السياسية وخلل كبير على المستويات العليا في التنظيم كان يجب إصلاحه منذ الإنشقاق الأول، وطالما لم تجر الإصلاحات المناسبة في وقتها المناسب لذا جاءت ما يمكن ان نسميه بعمليات التصفية الأخيرة كنتيجة لعدم تلافي تلك الإشكاليات السياسية والتنظيمية على الساحة الحزبية وهذه الإشكاليات تكمن - حسبما يراه المراقبون - في سيادة نوع من العشائرية، والتسلط، وانعدام الشفافية، والتأبيد. وهذا ما يستدعي منا القول بأن هناك فرصة تاريخية متوفرة الآن وليس غداً للسيد سكرتير الحزب التقدمي ليسجل سابقة تاريخية فيبادر وهو متحل بالروح الرياضية ليعلن طواعية وأمام الإشهاد تنازله عن منصبه بكل إجلال ووقار ويترك الأمر ليختار الحزب عن طريق مؤتمر حزبي وبشكل ديموقراطي سلس سكرتيراً آخر يناسبه من بين الكوادر المتقدمة أو غيرهم من الشباب المتحمسين لخدمة مصالح من يمثلونهم وممن يعنيهم الأمر.
وعندها فليأت من يأت سواء أكان السيد فيصل او الدكتور صلاح أو غيرهما لافرق، وسيكون الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات الحزبية هوالحكم الفصل، على ألا يستمر السكرتير الجديد المنتخب ليس هنا فقط بل في كل الأحزاب الكردية الأخرى – وكما نوهت إلى ذلك في مقالة سابقة- الا يستمر في منصبه أكثر من دورتين مدة كل منهما أربع سنوات، ويمكن أن يمدد له سنتين أخريين عند الضرورة، وعندها سيتم التخلص من كل الإنشقاقات والمهاترات الحزبية ضمن الحزب الواحد على الأقل وسيؤدي الحزب رسالته بشكل اكثر كفاءة وجدية، وهو إن حدث فسيكون بمثابة تسجيل سابقة سياسية إيجابية في تاريخ الحراك الحزبي الكردي، وهو أفضل من قرارات الطرد والتشظي والتشتت الحزبي الذي جرى للمرة الثالثة في الحزب الواحد، أو ما سوف يجري في أي حزب كردي آخر، فالحزب إن كان يحمل الإسم الديموقراطي عليه أن يكون ديموقراطياً عن حق وحقيقة ويلجأ في كل مرة إلى قواعده الحزبية ليختار وبدون مماحكات وتدخلات من يراه أهلاً لقيادته، والحال كيف نكون لا ديموقراطيين ونطالب غيرنا بتطبيق الديموقراطية تجاه حقوقنا...؟ وأنا لا أستثني في كلامي عن الديموقراطية الحزبية أحداً وإنما الكل معنيون بالأمر والكل يجب أن يكونوا عند حسن الظن حتى تتحقق ظاهرة انطباق النظرية على الممارسة في الشأن الحزبي العام ويتم اكتساب ثقة الجماهير الحزبية والخارج حزبية أيضاً، وبدونها فلن يعير أحد إلى الديموقراطية الحزبية آذاناً صاغية، وسيصبح هذا الحزب كمن يرى القذى في أعين الآخرين ولايرى القذى في عينيه. فلماذا لايملك أحدنا الشجاعة ليفعل ما فعله القائد الجنوب أفريقي الشهير (نلسن مانديلا) الذي ناضل وسجن وعذب وفي سابقة سياسية تاريخية فذة. فحينما أوصل الرجل شعبه إلى النصر وتقدم به العمر تنازل بكل أريحية عن منصبه كرئيس للجمهورية وكسكرتير لحزب المؤتمر الوطني فسجل بذلك مأثرة سياسية تاريخية في بلده والعالم كله وهناك آخرون غيره عملوا الشيء ذاته. وفي الختام على سكرتيري الأحزاب الكردية المحترمين ومن في حكمهم من القيادات والكوادر أن يعلموا – وهم يعلمون بالفعل- بأن الشفافية والتحديث والتطوير تأتي على الدوام مع الدماء الشابة وذو العقول النيرة، فافسحوا لهؤلاء المجال حينما تطعنون في السن، أو حينما تعجزون عن آداء مهماتكم، أو حينما تنتهي مدة ولايتكم، كي يلعب الشباب لعبتهم السياسية العويصة والمجهدة للآمال وللنفس وللجسد معاً.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6635