لا خيار لهذه الأنظمة سوى حل ديمقراطي عادل لقضية هذا الشعب
التاريخ: الأثنين 14 كانون الأول 2009
الموضوع: اخبار



  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم: رئيس التحرير

من المسلم العقلي أو الجدلي أن الصراع كان وما زال من طبيعة علاقات المجتمع البشري، أو أنه (أي الصراع) كان ولا زال أساسا للتطور والتقدم الاجتماعي والسياسي، إلا أن التناحري منه واقتتال الشعوب وخاصة الداخلي بقي من العوامل التي تحد أو تعرقل عملية التطور لهذه الشعوب إن لم نقل هو معول الهدم لدولها وأوطانها، لاسيما وأن تلك الصراعات قد تستغل في أكثر الأحيان سواء لتدخلات خارجية، أو تتسع دائرتها لتأخذ أبعادها الدولية، وقد تؤدي إلى بروز ظواهر متطرفة وأخرى إرهابية تبدأ ونهاياتها مجهولة، وتبقى هي الأخرى تزيد من تشديد عرقلة عملية التقدم وتلغي مبادئ الحوار و التفاهم، وتبقى مداها مفتوحة وإمكانية حصرها أو احتوائها صعبة المنال، وبالتالي يبقى البلد المعني مسرحا لدمار قد يستمر لفترات وقد يستغرق لسنين طوال..


وعموما تبقى هذه الصراعات الحادة من طبيعة الشعوب ذات التطور المحدود أو المتخلفة، ولذلك فهي تأخذ الحدة في أكثر مناطق العالم تخلفا ومنها منطقتنا.. وتأتي اليوم حركة التطور الطبيعي من جهة، وعملية التغيير والتحول إلى المواقع الديمقراطية التي اجتاحت العالم من جهة أخرى تلك التي بدأت مع انهيار المنظومة الاشتراكية بدءا من الاتحاد السوفييتي السابق ومرورا بدول أوربا الشرقية والبلقان وسقوط جدار برلين وما حدث في أمريكا يوم 11 أيلول 2001 وصولا إلى أفغانستان والعراق وحتى يومنا هذا، حيث علاقات سياسية جديدة ونظام عالمي جديد قيد التكوين، وتظهر معه ملامح مشروع كوني يتبلور في سماته إلى خدمة الإنسان وتطلعاته باتجاه تحقيق حياة سياسية خالية من القمع والاضطهاد عبر نبذ القوة والعنف واتباع أسلوب الحوار والتفاهم سبيلا من أجل حل القضايا والمشاكل التي تعرقل التطور وتحد من التآخي والتعايش ولاسيما في دول تمتاز بالتعددية القومية والدينية والسياسية ..الخ وخصوصا كتلك التي نعيشها اليوم، والتي تتقاسم كردستان والشعب الكردي (العراق، تركيا، إيران، سوريا).. وليس بخاف ما تشكله قضية شعبنا الكردي من معضلة هامة وأساسية سواء على مستوى هذه الدول أو على صعيد منطقة الشرق الأوسط بل حتى على الصعيد الدولي كونها قضية شعب تعداده عشرات الملايين وجذوره عميقة في تاريخ هذه المنطقة وهو مازال محروما- رغم كفاحه المرير - من كافة حقوقه كإنسان قبل أية اعتبارات أخرى من قومية أو سياسية  أو اقتصادية  أو اجتماعية (عدا العراق)، وكما هو معلوم لدى هذه الأنظمة والشعوب أن لا استقرار في هذه المنطقة بمعزل عن حل قضية هذا الشعب الذي ينشد الحرية والتآخي والوئام، على عكس أنظمة هذه الدول وما اتبعته حيال هذا الشعب من أساليب النكران للوجود إلى جانب محاولات طمس هويته وتذويبه في أتون القوميات السائدة عبر سياسة التفريس والتتريك والتعريب، ومحاربته في لقمة عيشه وتهجيره القسري المباشر أحيانا و أخرى غير المباشر من مناطقه الأساسية، وصولا إلى سياسة الإبادة الجماعية (الجينوسايد) التي مارستها بعض الأنظمة، كما لا يخفى ما يعانيه هذا الشعب في هذه المرحلة التاريخية من الفاقة والحرمان إلى جانب القمع والتنكيل من لدن الأنظمة القائمة في طهران وأنقرة ودمشق، وجربت هذه الأنظمة صنوف الأساليب البوليسية القمعية والعسكرية فلم تفلح ولم تأت بنتيجة، لأن تلك الأساليب ما كانت يوما سبيلا إلى إنهاء الشعوب وقضاياها، بل الحوار الوطني والتفاهم المسئول هو السبيل الأمثل وهو ما تقتضيه الحالة الوطنية في كل موقع ومكان .. ومن الجدير ذكره، ما حققه شعبنا الكردي من تقدم على الصعيد الجماهيري ومن نقلة نوعية وتبلور واضح لقضيته في المحافل الدولية والإقليمية، وذلك عبر النضال السياسي والجماهيري  والتفاعل مع المتغيرات الدولية والاستفادة من التحولات الحاصلة  لتغدو قضية تحظى باهتمام المجتمع الدولي، بمعنى أن القضية الكردية لا يمكن لها أن تستمر من غير حل ديمقراطي عادل، خاصة وأن كل المؤشرات تدل دلالة واضحة على أنها بدأت تأخذ سبيلها إلى وضع أسس ذلك الحل آجلا أم عاجلا، فلماذا إذا لا تكون حوامل هذا الحل من صلب التآخي والتعايش؟ ولماذا لا يكون الحل عبر التفاعل الوطني في كل موقع ؟ ليكون هذا الحل عامل تعزيز للحمة الوطنية وعامل قوة للوطن يساهم في الذود عنه وحماية وحدته وسيادته ..
إن تركيا اليوم، وبعد عقود من إنكار الوجود الكردي أو تسميته بأتراك الجبال، ومراحل من الصراع المرير الدامي والقتال الضاري الذي خاضته قوى العنف من العسكر وأجهزة الأمن ضد الشعب الكردي وقواه ومنظماته وأحزابه السياسية  بغية حسم الأمر بطريقة القوة في كل مرة، إلا أنها لم تفلح في تحقيق ذاك الهدف، ولجأت من أجل ذلك إلى أساليب الخداع والمراوغة فلم تجدي نفعا، ورأى رئيس الوزراء التركي الراحل توركوت أوزال أن لا بد من حل سلمي لقضية هذا الشعب، وطرح مشروعه  في هذا الصدد، إلا أنه لم يلق النور، ويذكر أنه كان ضحية هذا المشروع ، ويرى اليوم أيضا حزب التنمية والعدالة الحاكم ومعه القوى الديمقراطية في البلاد أن لا بديل للأسلوب السلمي وخيار الحوار والتفاهم، أي أنه الآخر يحمل مشروعا يدعي أنه  سيتخلى بموجبه عن سياسته التقليدية تجاه الشعب الكردي، وعلى أنه أوسع مدى من نطاق الدولة التركية، بمعنى أن المشروع سيكون على مستوى ترتيبات جديدة لمنطقة الشرق الأوسط ، ينبغي أن تساهم فيه أنظمة المنطقة وشعوبها ولاسيما المعنية منها بكل ألوانها ومكوناتها القومية والدينية والسياسية وحتى الاقتصادية، وبموجبه يرى الجميع وجوده فيه من عرب وترك وفرس وكرد ومسلم (سنة وشيعة) ومسيحي ..الخ ؛.إلاّ أنّ قرار المحكمة الدستورية العليا في تركيا  بحل حزب المجتمع الديمقراطي يعتبر ضربة قاصمة للجهود الرامية إلى حل هذه القضية بالأساليب السلمية والديمقراطية و سيعيد الأمور إلى المربع الأول.
من هنا، نرى أن الأنظمة المعنية بالقضية الكردية وهي تركيا وإيران  سوريا، أن تبادر إلى الوقوف جديا على هذه القضية وأن تسعى سواء عبر بلدانها وشعوبها وقواها السياسية أو من خلال مشاريع عملية مشتركة على مستوى المنطقة، بغية وضع حلول ديمقراطية وعادلة لقضية هذا الشعب الذي يعد من مكونات المنطقة عبر التاريخ وينبغي أن يتمتع إلى جانب أشقائه من عرب وترك وشعوب إيرانية بكامل حقوقه القومية والديمقراطية وفي إطار وحدة تلك البلدان وبما يساهم في تقدمها وتطورها وليعيش الجميع على أساس علاقات الاحترام المتبادل والمحبة والوئام.

* جريدة صادرة عـن مكتب الثقـافـة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا – العدد (416) كانون الأول 2009

لتنزيل مواد العدد انقر هنا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6454