الكتابة في الزمن الصعب ..!
التاريخ: الثلاثاء 01 كانون الأول 2009
الموضوع: اخبار



دهام حسن

يعرف كثير من الأصدقاء عندما شرعت في نشر مقالاتي، كانت كتاباتي تأخذ طابعا ثقافيا فكريا، فكتبت عن الليبرالية والعولمة والمجتمع المدني والاشتراكية والمفاهيم القومية والعلمانية والحضارة والدين والاستبداد التاريخي...إلخ كنت أنكبّ على هذه الموضوعات لكي أفهم أنا أولا ثم أصوغ الأفكار بلغتي عند النشر، وأذكر أن أحد المواضيع استغرق معي مدة ثلاثة أشهر تمخضت عن مقالة لا تتجاوز ألف كلمة..
هكذا كنت أجهد وأنقب لكي أحيط بالموضوع إحاطة جيدة بعض الشيء قبل إنزال بضاعتي إلى سوق المتلقين والمستهلكين، وكان ما أكتبه يأخذ الطابع الثقافي التعليمي قبل أي شيء آخر، ربما هذه المزية جاءتني وفرضت نفسها عليّ جراء مهنتي التعليمية في التدريس، ولا أخفيكم أن موضوعاتي تركت انطباعا جيدا لدى بعض القراء المهتمين بالشأن الفكري، لكن بالمقابل جاءني العتب واللوم والنصيحة من أصدقاء مقربين، قالوا: لماذا لا تكتب في الشأن الكوردي، فكان لهم ما أرادوا فكتبت لكن ماذا بعد..!


قلت في أول مقالة لي، أعلم أني أسير في حقول من الألغام، وإن إرضاء الجميع غاية لا تدرك، فضلا من أن هذا المنحى(إرضاء الجميع) حالة من حالات الانتهازية، والمثقف مهمته الطبيعية هي الرصد والنقد والتحليل.. ترى كيف جاءت ردود الأفعال وكيف كانت النتيجة .!؟
لقد لقيت مقالاتي استحسانا واسعا من لدن الكثيرين، وتركت ارتياحا عندهم، لكن بالمقابل أثارت حفيظة وجفاء بعض الجاحدين الناقمين عليّ.. لماذا تكتب في الشأن القومي الكوردي وأنت خلفيتك المعرفية ماركسية (شيوعية) وقد شارك مؤخرا في هذا الرأي أحد اللوندين (فيروس البارتي) أي أن هؤلاء يجردونني من قوميتي ويصنفوني بالتالي خلف ماركس وإنجلز ولينين، ولا يعلمون أنهم بالتالي يصنفون أنفسهم في رتل العنصرين القوميين من هتلر وموسوليني وفرانكو.. ولا أستزيد من ذكر أسماء بعض القوميين العنصريين الحاليين.. ثم أن اسمي الصريح لا المستعار دهام حسن، فاكتب في هذه المسألة باسمك الصريح، لكي تكون الفائدة ممكنة للمتابع..
ولا خشية أمنيا لو بحثنا مسألة فكرية تتعلق بالشأن القومي..مثل هؤلاء العنصريين لا يقرون بحق الرأي الآخر في التعبير، فكل شيء حكر عليهم ومصادر، فإما أن تكون معهم تابعا مصفقا كما حال بعضنا للأسف، وإلا فقف بعيدا..!
..! تصوّر أن خمسة عشر جاحدا حاقدا يضعون الدرجة الدنيا على مقالة صغيرة لي عن حامد بدرخان بعنوان (كلمة طيبة...) ونص شعري غزلي لي حظي بذات الدرجة أي الدنيا وبنفس الرقم، وليعلم هؤلاء أنهم بهذا يمدوني بالراحة، أي أن الرسالة قد وصلت، وبالتالي هذا يعني أن مواقفي وكتاباتي أتت أكلها، إذن فليموتوا في غيظهم..
قلت رأيي بقناعة وصراحة في المرجعية... قلت لا يمكن لأحد أن يقف ضد المرجعية من حيث الطرح المثالي والفكرة.. لكن تحقيق المشروع رأيته ضربا من الطوباوية يحضره الخيال لا الواقع، وعللت ذلك في الحوار الذي اجري معي، وفي مقالاتي المنشورة حصرا في ولاتي مه.. وأيضا قلت في الوحدة: ثمة فصائل لو تواضع قادتها وضحّوا بديمومتهم على رأس تلك الفصائل لتحققت الوحدة بين بعضها وبيسر وسهولة.. لكن الوحدة بين الفصائل كافة غير ممكنة، هذا أمر لا يقرّه لا الواقع التنظيمي ولا الواقع السياسي والاجتماعي أيضا.. وفي المجلس السياسي قلت يمكن أن يتم التنسيق بين معظم الفصائل، بل ربما جميعها إن حسنت النية، لأن التنسيق لا يلغي دور واستقلالية الأحزاب منفردة...
لهذا كلّه جاء طرحي وفكرتي قبل المناداة بأي مشروع هو الموادعة بين كافة الفصائل والتصافي والمجالسة والتهادن والتواصل والتلاقي والمصالحة وما لا تحضرني من مفردات متشابهة تقرب المسافة وتخدم التقارب والتآلف وتؤسس لمشاريع وحدوية مستقبلا..
لهذا أقول إن الاستعراض في قاعة  الدكتور نور الدين زازا، والتظاهرة الجماهيرية في قرية (جول بوستان) ليس بداعي تفاعل المشاريع المطروحة، بل هو هروب من استحقاقات المرحلة، وما يراود  بعض المخلصين المعنيين في الشأن الكوردي من هواجس وأحلام يتم وأدها من قبل هؤلاء، وهو أيضا تغبير على بعض المساعي الجادة في هذا المنحى.. بل أرجح أيضا بأن مثل هذه التظاهرات التي غيّب عنها عمدا الفاعلون القادرون على الجدل والمناقشة وتداول الموضوع من كافة جوانبه، وحضرها بعض المصفقين الإمعة الذين لا رأي لهم، هو أيضا تغطية للأزمة التنظيمية التي يمر بها التقدمي وقد علمت أن بعض كوادره تقدموا باستقالاتهم، فمن يكون داعيا للوحدة، يكون حريصا أولا وأخيرا على وحدة حزبه، ولا يسبب في هلهلة (يكيتي) أيضا هذا الحزب الذي كان مثار إعجاب وتقدير لانتشاره الكثيف سيما بين الدارسين في يوم ما، فضلا عن اعتداله في الطرح..هكذا كان (يكيتي) في يوم من الأيام كما نقولها في الحكايات، هذا المشي في ركاب الآخرين، وتراخي قيادتها، واستسهالهم لهذا السير أمر يبعث على العجب.! فحال التقدمي مع يكيتي (أشبه بأعمى يريد أن يصارع خصمه البصير في شروط متماثلة فيستدرجه إلى قاع قبو مظلم دامس) كما يقول ديكارت... وأقول كما يقول أحد اليسوعيين طالما هناك عمل لبناء مؤسسات وحدوية فما عليكم إلا أن تطهروا النية طالما لا تستطيعون لا بناء مشروع ولا منعه..يقول باسكال في حالة مشابهة:(حين لا نستطيع أن نمنع العمل نطهّر النية، وبذلك نصحح فساد الوسيلة بطهارة الغاية)..
لم تكن (جول بوستان) أبد مهدا مناسبا  لتداول أو بناء مرجعية، ولم تكن الغاية من هذا الحشد بحث المرجعية أساسا، فبعض قيادي أحد الأطراف صرحوا بأن لا علم لهم بهذا اللقاء، أما المستقلون المستغلون، فقد جردوا من رأيهم الحر واستقلاليتهم فغدوا يصح فيهم قول الشاعر الجاهلي: 
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
لهذا تراني أبدا غير مشجع في الكتابة بشأن الحركة السياسية الكوردية، وسآخذ بنصيحة بعضهم أن أبتعد عن هذا الواقع ولو لفترة وسأعود إلى دائرتي الفكرية، أعبّ منها ما تمدني بالحقيقة التي أنشدها دائما..
 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6388