الحرب الباردة بين الثقافة والسياسة الكردية
التاريخ: الأحد 01 تشرين الثاني 2009
الموضوع: اخبار



خليل كالو

 ما زالت الحرب الباردة تخيم على الأجواء والهوة واسعة والشرخ قائم بين الثقافة والسياسة الكردية وتسير العلاقة من سيء إلى أسوأ حيث يعيش كل منهما بمعزل عن الآخر فلا سفارات ولا وساطة  ولا نية للتزاوج والارتباط في ظل الأوضاع الحالية ومن دون أن تستقيم إحداهما سلوكها المتبع وتغيير في نهجها وخطابها حتى بات كل واحدة منها تتخندق في مرابطها القتالية  في زمن قد ولى فيها تلك الحرب بين القوى العظمى ذاتها في القرن الماضي وما زال يسعى كل طرف للإعداد بقدر استطاعته لكسر أنف الآخر ولوي الذراع ولا بوادر لفك الارتباط والهدنة بينهما والحال هذه هي مصيبة المصائب كون الكل يعيش الضعف المزمن.


علما أن العلاقة بين السياسة والثقافة في الظروف الطبيعية وما بينهما من وسائل إعلام تشكل الركيزة الأساسية لكيان أية دولة وبقاء أية جماعة من الاستمرار في الحياة بشكل طبيعيي خلال كل مرحلة من مراحل مسيرتها التطورية فلا يمكن الفصل بين مهمة من هو سياسي ومن هو مثقف في عملية البناء والتغيير الواقع وصنع رأي عام وتحريك القوى العامة الشعبية لصنع مستقبل أفضل بدونهما حيث لكل واحدة منهما أدواتها الخاصة بها وأسس وقواعد عمل مختلفة تسير كل منهما عليها وإلى هذه اللحظة ما زال الشارع الثقافي الكردي والمثقف يعاني من استبداد مزدوج من تسلط القوى السياسية عليه والتدخل في شؤونه العملية والداخلية والسطو على العمل الإبداعي  سواء كان فكرا أو أدباً  أو فناً  أو أي مجال آخر وصد الأبواب أمام أية حركة جدية في هذا المجال وتعكير صفوة الأجواء والمناخات بين المثقف والشارع الشعبي ووسائل الأعلام المتنوعة التي تمتلك الكثير منها ولها التأثير على بعضها الآخر والتربص بمن يكتب ويعبر بعيدا عن مزاجهم وخاصة إذا ما كان المقصود والمتربص به  يحمل في ضميره ووجدانه الرؤية  الواضحة والجرأة على النقد وتعرية المخبأ والمستور يتعرض إلى الملاحقة والتشهير وتلويث السمعة بثقافة دونية وراكدة ضحلة  غير متعارف عليها لدى الشعوب المتحضرة والتصدي له بكافة السبل من أساليب التشهير القذرة وتضييق زاوية الحركة عليه بذهنية المستبد وإغلاق الطرق المؤدية إلى الأماكن التي يمكن للمثقف أن بتنفس فيها للتعبير عن ذاته ومن دون فتح مجال للأقلام الواعدة النظيفة  بالسير أحرارا لتكوين شخصية  ورأي عام و تنمية ثقافة شعبية كردوارية ذات سيادة واستقلالية  وحرية في التعبير ما لم تسير في فلكها أو تبتعد عن الساحة السياسية قدر الإمكان ولكن من حسن حظ مثقفي  الكرد أن التقانة والتكنولوجيا والثورة المعلوماتية وأدواتها  خففت الكثير من آلام ومعاناة العاملين في حقلي الصحافة والثقافة وذللت الكثير من الصعوبات أمام أي تقدم  أو عمل يمكن أن يقدم عليه المثقفون خارج رقابة السياسة ووصايتها . لم تكن العلاقة حسنة وطبيعية بين هاتين الفئتين في يوم من الأيام حتى في أحلك الظروف والصعاب التي تعرض لها الكرد وحتى في أيام  الثورات والمحن والمجازر والحملات القتل الجماعية والمفاصل التاريخية لأسباب يمكن الحديث عنها في سياق الحديث وتأتي في مقدمتها التخلف العام الذي يتصف به السياسة والثقافة معا ونمطية الشخصية القائدة لعملية  التحديث والتغيير والإبداع من كلا الطرفين وفقدان الثقة المتبادلة بينهما بسبب  خوف السياسي من المثقف لمنافسته على الواجهة كونه يشعر في ذاته بالدونية وأنه متسلط لحقوق الغير وعدم وجود انجازات حقيقية له يتحصن من ورائها فيخاف أن ينغص الآخر عليه راحته ويقلل من شأنه وكذلك الخوف من تمرد المثقف الذي هو من طبيعته على سيطرة وسطوة السياسي في ظل غياب وجود مؤسسات قومية ووطنية شاملة للفصل بين مهام وعمل كل فئة  من حيث الحدود والحركة  والوظيفة والامتياز والحقوق والواجبات . لم يستطع الثقافة أن تنجز الكثير في ظل واجهة السياسة الحالية للكرد إلا بقدر ما طلب منها وما حظي برضاها فبقي الثقافة تراوح مكانها وتعمل في الأجواء التقليدية وفي ظل سياسات عجزت هي نفسها من تطوير وتغيير ذاتها نحو الأفضل لذا بقيت معظم المفاهيم والأفكار الخاطئة والبالية من ميراث القرون الوسطى تعمل داخل المجتمع الكردي دون رادع و نقد وتقنين  مما انتعش في ظل هكذا أجواء وثقافة  بؤر جديدة ذات فكر وثقافة مستهجنة غريبة الأطوار والأفعال تسير جنب إلى جنب مع ثقافة الكراديتي التي قد خطت خطوات ابتدائية لا باس بها ونغصت عليها أجوائها وقد كان ذلك بسبب تمزق وتشتت السياسة الكردية منذ عقد الستينات  لأسباب خاصة بطبيعة الكرد من  حيث السلوك والثقافة والفكر الممتلك  فأفرزت نماذج وشخصيات سياسية ذات ثقافة سلفية مطعمة بمفاهيم أجنبية عصرية بعيدة عن الأصل والجذور وخاصة أيام الحرب الباردة والمعسكرات الايديولوجية وسياسة الأحلاف  فبقيت السياسة الكردية ملزمة مكانها وانتظرت الانتصار لأحد المعسكرين في ذات الوقت لم يكن الكرد متحالفين أو محسوبين أو منتمين بشكل حقيقي وصحيح ومتوازن إلى أي طرف من الأطراف  فقط كانوا متفرجين ومشاهدين للأحداث ومتأملين فاغتربت السياسة والثقافة عن بيئتها الأم فصار كل طرف يعمل بمعزل عن حقيقته كممثل لهوية وقضية لها استحقاقات وطنية وقومية يستوجب الاتحاد والتضافر والمساندة والعمل المشترك . وانقسمت السياسة بين الأحلاف الشيوعية والمهتدية والملتزمة واليمينية واليسارية والشمالية والجنوبية وما إلى ذلك من طوائف وعشائر عصرية وما زالت تبعات تلك الفترة تفرز نتائج وخيمة على المجتمع الكردي. المهام الكبيرة تحتاج إلى رجال كبار والمسألة الكردية هي مسألة كبيرة ومعقدة ومركبة لها أبعادها الثقافية والفكرية والتاريخية والاقتصادية والدولية لذا تحتاج إلى رجال كبار في كل شيء فكرا وحكمة وفلسفة وشجاعة وثقافة وإرادة ففي خضم هذه التعقيدات وعدم توفر الأدوات والوسائل المتاحة لم تظهر القيادة القومية الإستراتيجية ونظرية الفكر القومي و نظرية الثقافة المرافقة لها فخلقت من مجمل الساحة الكردية بؤر سياسية قطرية ومناطقية فتشتت السياسة و معها الثقافة ولم  تتكون لدى المجتمع الكردي رأي واحد و ثقافة واحدة و فكر واحد خصوصا بالنسبة إلى مسألة الحقوق القومية والوعي الجمعي كمتحد له خصوصية . بالتالي تمزق كل شيء ومنها السياسة والثقافة  شر تمزق مع مرور الأيام  نتيجة الأخطاء المرتكبة والمتراكمة والتستر عليها  حسب الأمزجة والرؤى الارتجالية والمحسوبية وساندتها ثقافة المتثاقف كونه منتمي يدافع عن عشيرته وجزيرته وزعيمه بعد ان نسي جوهر رسالته الوجدانية والضميرية  كما حصل وكصورة طبق الأصل  في زمن الإمارات الكردية المنقرضة التي دافعت الفئة المثقفة من رجال دين حينها عن مكاسبها ومصالحها الأنانية دون أفق تفكيري واسع لمستقبل الكرد فضيعوا ذاتهم ولنفس الأسباب والعوامل الذاتية والنفسية الحاضرة في زماننا ولو بشكل آخر الآن  .فمن دون أن ينجز الطرفان عمل مشيد بالرغم من بذل مجهود  في غير موقعها  في ظل غياب النظرية القومية آلت  الأمور من سوء إلى أسوأ  واستمر الوضع دون معالجة إلى وقتنا الحاضر فلم يكن حال السياسة بأفضل من حالها الآن كثيرا و كانت الثقافة غائبة عن الساحة الجماهيرية ومتآلفة وعلى تردد واحد مع أطراف النزاع السياسية بسبب انتماءها فكانت طرف نزاع  مشاكس وعنيد من طراز الكردي الأحمق ونسيت وظيفتها الأساسية  فساهمت بشكل فعال في التشتت والتقسيم . عندما تخلت الثقافة ورجالها عن مهامهم الحقيقية ابتلعت الثقافة من قبل السياسة مقابل حوافز معنوية تافهة في كل الأحوال فمثلا  مقابل أن يقول له الكردي البسيط جاء الأستاذ وراح الأستاذ..الخ فأصابت جسم الحراك العام للمجتمع الترهل والعجز والشيخوخة في غياب ثقافة التنوير والتحديث ولمدة تجاوزت ثلاثة عقود مما خلفت فجوة وهوة كبيرة بين المستجدات والتغييرات والتطورات الدراماتيكية التي حدثت على الصعيد العالمي والتحديث الواجب القيام  بها على الصعيد الداخلي للمجتمع الكردي فبقي متخلفا من كل جوانبه السياسية والثقافية والفكرية والتنظيمية والاجتماعية والنظر بعين أعور إلى العالم الجديد ومن دون روح ممن يكون له قضية . عندما دخل  الحراك العام في الأزمة منذ سنوات ولم يستطع الخروج من وضعها الخانق وبل ازداد وتيرة وشدة الأزمة  انفصلت الثقافة عن السياسة شيئاً فشيئاً أو بالأحرى هربت من تلك الأجواء  بعد انعدام الأمل في تصحيح ما آلت إليه الأوضاع  وصارت تسير بشكل منفرد وضمن مسارات ودوائر محايدة إلى حد ما وناقمة ومشحونة قليلا من الداخل سعت في داخلها إلى تحقيق  حضور الأنا ورد الاعتبار بعد عبودية واستبداد السياسة لها دامت سنين  في محاولة منها بأنها تستطيع فعل شيء بمنعزل عنها والتقرب إلى الجماهير والتعبير عن مشاعرها فتنفست الثقافة الصعداء بعد أن فتحت أمامها نوافذ وساحات وميادين جديدة من الصحافة والطباعة ووسائل نشر رخيصة الثمن للتعبير والحركة بحرية أكثر والتحرر من تسلط السياسة والقيود التنظيمية والروتين المميت لروح الإبداع.  الآن تقدم الثقافة على السياسة في بعض جوانبها وبخطى ومسافات لا باس بها وبجهودها الذاتية بالرغم من زمن الانفصال القريب. 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6278