هل الذهنية العربية تقبل ثقافة التغيير والديمقراطية ؟
التاريخ: الجمعة 09 تشرين الاول 2009
الموضوع: اخبار



زارا مستو
zarakobani@hotmail.com

        لا شكّ أنّ أيّ شعب هو نتاج ثقافة بيئته, ومولود عادات وتقاليد فكره, فضلا عن تأثيرات مجاورة يعيشها سواء في مجالات سياسية أم ثقافية أم اقتصادية أم فكرية, فالشعب العربي من الشعوب التي عاشت في عزلة طويلة الأمد, ولا يزال مكبّلاً بمفاهيم وعادات وتقاليد تعود إلى الفكر القبلي, وتعيق تطوره, وقيامه بدوره المنوط به, ذلك الفكر الذي يقوم على الإلغاء والانتقام والاضطهاد والاستبداد,على الرغم من أنه يعيش في ظلّ عصر يتسم بتحولات وتغيرات جمة في الأصعدة كافة.


     لقد استطاع بعض شعوب العالم أن تقفز خطوات كبيرة في مواكبة التغيير والتطور في المجالات عامة منذ عصر التنوير,هي تتسم اليوم بأنها ديمقراطية وصناعية وحضارية علماً أنها كانت تعيش الظروف نفسها, يقول الأديب العربي الكبير أدونيس في مقالة له نشرت بتاريخ 07/05/2009 في الحياة بعنوان :(أدونيس يكتب عن زيارته إلى كردستان العراق )

 "... ليــس التخلّـــف قـــدَراً. والنهــوض، إذا كان معجـــزة، فإنّ هذه المعجزة قد حققتها شعوب لم تكن في ماضيها أعظم من العرب... لا أقدر أن أتجاهل كون النهضة العربية في القرن التاسع عشر قد بدأت قبل النهضة اليابانية بنصف قرن. ويعرف الجميع أن نهضة اليابان تحركت في عهد الإمبراطور الشاب موتسو هيتو بدءاً من 1868. فأين صارت اليابان الفقيرة بالموارد الطبيعية، منذ بداية القرن العشرين، وأين بقينا رغم كرم الجغرافيا العربية وغزارة مواردها الطبيعية؟
بل إن النهضة العربية في القرن التاسع عشر بدأت قبل النهضة الصينية الحديثة بقرن كامل. وإذا تذرعنا بالاستعمار، فالصين أيضاً كانت واقعة تحت احتلالات متعددة بينها الاحتلال الياباني. كما عانت من نفوذ غربي، إنكليزي بخاصّة، ومن تحكّم طاغ. فأين صارت الصين اليوم وأين بقينا؟ ولا أتحدث عن كوريا وماليزيا وأندونيسيا وسنغافورة، نعم سنغافورة: كيف كانت، وكيف صارت.
 منذ ما سُمّي بـ «عصر النهضة» إلى اليوم، يزداد العرب تراجعاً في كل الميادين - نسبياً وقياساً إلى تقدّم غيرهم - في التربية والتعليم، في النموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، في حقوق الإنسان وفي الحريّات الديمقراطية، في السلطة وفي السياسة. وماذا أقول عن موضوع صيانة البيئة؟ ...ً، يزداد العرب تبعية للقوى الكبرى، الاقتصادية والسياسية، بحيث إنهم تحوّلوا إلى مستهلكين، وإلى قوة شرائية استهلاكية، على المستوى الكوني لا مثيل لها، إلى درجة أنهم تحوّلوا إلى «ثروة سوقيّة» هائلة للقوى المنتجة في العالم.
 - لم يعملوا مؤسّسيّاً، على ابتكار ما يحتاجون إليه في حياتهم وأدوات تطويرها، لا في ميدان الصناعة والتقنيات العالية ولا المتوسطة، ولا في ميدان البحث والمعرفة والعلوم الدقيقة. ولا نرى حتى جامعة نموذجية واحدة، أو معهداً نموذجيّاً واحداً للبحوث في أي مجال.
 - ازداد العرب استبداداً. وازدادت خاصّتهم غنى وعامّتهم فقراً. وتواصلت نسبة الأميّة - مقارنة بالمعدلات العالمية - خصوصاً بين النساء؛ وازدادوا تفكّكاً وتعصّباً على الصعيد الاجتماعيّ والدينيّ والسياسيّ. وازدادوا بطالة، وازدادوا على الصعيد النفسي ضياعاً ويأساً وبحثاً عن المخارج، في الهجرة، وفي الجماعات المتطرّفة خصوصاً. وتبعاً لذلك ازدادوا عودة إلى ما يزيد في التدهور والتخلف: أخذوا يتداوون بالداء...
 - ليس للعرب حضور سياسيّ فعّال على الخريطة السياسية الكونية، بوصفهم عرباً؛ وإنما ينحصر حضورهم في كونهم سوقاً، وثروة نفطية. لهم بتعبير آخر، حضور بوصفهم أداة أو أدوات، وليس بوصفهم طاقة خلاّقة تشارك في بناء العالم".
    فالشعوب العربية لا تزال تحيا وتتحرك وتعمل وفق تلك الذهنية , ذهنية القبيلة, فإن ما يبعث على الخشية والقلق هو وجود بعض أنظمة و قوى عربية إسلامية قومية تقف في وجه أي تغيير إيجابي في منطقتنا, وتخشى من أية تحولات ديمقراطية  سياسية  في المنطقة لصالح شعوبها, فإن ما يحدث الآن في العراق الجديد مثال حيّ على  تكاتف قوى ظلام وبعض قوميين وغيرهم من الإرهابيين لضرب ركائز هذه الدولة الحديثة, فإن الديمقراطية تهدد كيان ووجود هذا الفكر القبلي من داخله, وتشكل ضربة موجعة أمام بقائه حياً.
   ويقول المنظر الأصولي الإسلامي صالح سرية وهو مصري الأصل في كراسه المعنون بـ" رسالة الإيمان " عن الديمقراطية :
«... إن الديمقراطية، على سبيل المثال، منهاج للحياة مخالف لمنهاج الإسلام. ففي الديمقراطية أن الشعب هو صاحب السلطة في التشريع، يحلل ويحرم ما يشاء... في حين أن الشعب في الإسلام لا صلاحية له في تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك، فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهودية مثلاً، فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً ويهودياً في الوقت نفسه لا يمكن أن يكون مسلماً وديمقراطياً»
     يقول الأستاذ حسن مدن في مقالة له نشرها في الحوار المتمدن العدد: 2758 - 2009 / 9 / 3 بعنوان عن الثقافة الديمقراطية :  (ويبدو لي أن الثقافة الديمقراطية في أي مجتمع لا تنفصل عن الممارسة الديمقراطية، وإذا كانت الأفكار تمهد للتحولات، فان التحولات هي التي ترسخ الأفكار وتوطد دعائمها وتجعل منها نمطاً من الوعي والعيش، وبالتالي فإننا لا نتوقع أن تشيع الثقافة الديمقراطية في مجتمعٍ يهاب الممارسة الديمقراطية ويخشى ما ينجم عنها من مفاعيل. أنظمة الاستبداد في الشرق، وعالمنا العربي في القلب منه، روجت، وما تزال، أن شعوبنا غير جديرة بالديمقراطية، لأنها ليست ناضجة لها، فهي تتطلب وعياً وثقافة وتعليماً، ولكن هذه حجة العاجز أو الخائف من ولوج الممارسة الديمقراطية، لأنه يجد فيها تهديداً لمصالحه في الانفراد بالسلطة والثروة، فيما الديمقراطية تتطلب المشاركة والتقاسم في الأمرين. الثقافة الديمقراطية تفترض الممارسة الديمقراطية، التي من خلالها نختبر قابليات الناس لأن يحسنوا استخدام الديمقراطية، التي تتطور تدريجياً، والمجتمعات كافة، من خلال التدريب الديمقراطي، تتدرب على إدراك أهمية الديمقراطية وأهمية ما يقترن بها من مكتسبات، وأهمية أن تصبح هذه الديمقراطية ثقافة وتعليماً نتلقاهما في كل مفاصل الحياة، بما في ذلك في غرف البيوت وفي غرف الدراسة. للهروب من الاستحقاق الديمقراطي تقول أنظمة الاستبداد إن لنا ديمقراطيتنا النابعة من ظروفنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولا يمكننا مجاراة شكل الديمقراطية في الغرب، ويذهب الغلو ببعضهم ليقول انظروا ماذا فعلت الديمقراطية في لبنان: لقد أحرقته، لكن ليست الديمقراطية هي من أحرق لبنان، وللدكتور سليم الحص قولة مأثورة في هذا المجال هي:" في لبنان الكثير من الحرية وفيه القليل من الديمقراطية").
ويقول المفكر العربي الدكتور صادق جلال العظم في مقالة  نشرها في الحوار المتمدن   العدد: 2749 - 2009 / 8 / 25  بعنوان : " العرب وإنتاج الديمقراطية "
  "يصعب على العقل العربي ببنيته الراهنة إنتاج الديمقراطية، لكني لا أعتقد بأن هذا العقل ثابت أزلي. أنا أقبل بنموذج ناجح بحدود 30 بالمئة، رغم أننا حتى الآن غير قادرين علي تحقيق ذلك. في لبنان هناك ديمقراطية طوائف، هناك محاصصة، ليست ديمقراطية تقوم علي أساس المواطنة, النظام السياسي في لبنان يمنع الديكتاتورية بحكم التوازنات القائمة علي أساس طائفي، لكنه لا يحقق ديمقراطية حقيقية تقوم علي أساس المواطنة. وكذلك الأمر في العراق الذي يسير في ذات الاتجاه.
ما الذي يفتقده العقل العربي حتى يستطيع قبول الآخر أو الشريك في الوطن كما هو. ماذا يحتاج حتى يستطيع تحقيق هذه المعادلة المستحيلة الحل حتى الآن؟.
- هذه المسائل يتعلمها الفرد نتيجة قسوة البدائل التاريخية. ويمكن أن نستحضر في هذا السياق العراق كمثال. أنا أري أن العراقيين إذا أرادوا الحفاظ علي وحدة بلدهم وتجنب حرب أهلية طاحنة، فعليهم أن يتعلموا من هذه الأحداث التي يمرون بها دروساً تاريخية. الأكثرية الشيعية في العراق لا تستطيع القول بأن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية وتسكت. يجب أن تقول بأنها تعني حكم الأكثرية مع حفظ حقوق الأقليات، وأقصد الأقليات السياسية وليس بالضرورة الأقليات العددية العرقية أو الدينية.. هم يقولون نحن أكثرية وبالتالي نحكم، والديمقراطية هي حكم الأكثرية وهذا يجانب الصواب. الديمقراطية هي حكم الأكثرية مع حفظ حقوق الأقليات وإلا فإن البلاد ستواجه الانقسام والحرب الأهلية والخراب.. هذه المسألة يجب أن يتعلمها العقل العربي، بأن يقبل بالآخر ويقبل بوصول الأقلية نفسها إذا ما رتبت تحالفاتها لتصبح أكثرية دون أن تمارس الإقصاء أو تنتقم من الأكثرية بعد وصولها إلي السلطة " .
     إن السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت ثقافة هذه الشعوب غير غادرة على تقبل وإنتاج الديمقراطية كيف ستقبل حقوق الطوائف والقوميات الأخرى التي تعيش معها , وكيف ستعترف بحضارات الشعوب الأخرى؟!
          يبدو أن الذهنية العربية برمجت وعلّبت على أسس الاستبداد والتحكم والإلغاء والإقصاء والخرافات والأساطير التي مضى عليها الزمن, فإنها شوهت بفعل هذه الممارسات والأسس, فأغلب أنظمة الحكم والقوى العربية – باستثناء بعض رؤى المثقفين العرب- في العالم العربي تعمل بمنظور تلك الثقافة، كنظرتها لمسألة القوميات، والدين والدولة، وحقوق المرأة، ومواقفها تجاه دول الغرب وحضارتها .... الخ.
يقول المفكر العربي الأستاذ شاكر النابلسي في مقالة بعنوان " هل تغيّرت العقلية العربية بعد 11 سبتمبر؟.
     نشرها في الحوار المتمدن بتاريخ : العدد: 2771 - 2009 / 9 / 16
" فعناصر تكوين العقلية العربية جاءت من الأساطير، والخرافات، والشائعات، والأحداث التاريخية غير الموثقة، والتدين الشعبي. وهذه العقلية هي التي تتحكم بالقرار العربي منذ زمن طويل وحتى الآن. وهذه العقلية هي التي تثير العواطف وتؤججها، ويستعملها كثير من الكتّاب لإرضاء الجمهور ونيل استحسانه. في حين العقل يبقى الأداة الناقدة والمحاسبة، والدليل إلى الحقيقة والواقعية" .
    إذاً, فالحل يكمن في الدرجة الأولى في تخلي هذه القوى والأنظمة التي تدير الشؤون العربية عن هذه الثقافة القبلية التي ترفض كل جديد يخدم شعوب منطقتنا , وعليها أن تواكب التحولات التي تحدث على الصعيد الكوني, وبما تنسجم مع هوية شعوب هذه المنطقة, وهذا كله لا يعني أنه ليس للعرب فضل وإسهام في الحضارة على مرّ العصور, بل للعرب بصمات واضحة في تاريخ الحضارة الإنسانية ,فإنّ ابتلاء الشعب العربي بهذه الثقافة جعلته أن يكون غير فاعل في محيطه منذ فترة طويلة, إلا أن القوى العلمانية الديمقراطية الحالية  تستطيع أن تلعب دوراً مهماً في رسم خريطة جديدة للذهنية العربية, وبلورة مشروع ديمقراطي حضاري يستوعب الفئات كلّها , ويعترف بالآخر دون إقصاء أي أحد, ويعترف بحقوق الإنسان , وحقوق الأقليات القومية والطائفية, ويواكب مفردات المرحلة كما يتطلب الأمر , فهذا المشروع هو سيكون الحل الملائم والمناسب لواقعنا الحالي, على الأقل في هذه المرحلة. 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6172