لغتنا الكردية هبة ربانية لا منة بشرية
التاريخ: الأحد 05 اذار 2006
الموضوع:


 
بقلم:علاء الدين عبد الرزاق جنكو
ameer336@hotmail.com

رنَّ هاتفي – كنت حينها في جمع من زملائي – أخبرتني زوجتي في تلك المحادثة أن إدارة المدرسة التي يتعلم فيها أولادي اشتكت إليها ضعفهم باللغة العربية .
ارتسمت على وجهي علامات لست متعودا عليها ، استفسر زملائي عن الخبر ، فأخبرتهم .
انبرى أحد الجالسين قائلا : ما لك واللغة الكردية ؟ !  حرام عليك وعلى أبنائك أن تتكلموا بغير لغة القرآن ؟؟ ما أشد تعصبكم أيها الأكراد !!!


حينها نسيت طفليَّ ومشكلتهم ، وقلت له : لا يحق لك أن تجعل من نفسك علامة فهَّامة وأن تفتي وأنت لست أهلا لها .
وإذا أردت الحكم الشرعي فهو من تخصصي أنا – بحكم دراساتي الشرعية –  لا أنت ، ولكن جدلا أسألك ، إذا كان حرام علينا أن نتكلم باللغة الكردية فلماذا خلقنا الله أكرادا ولماذا أمدنا بهذا اللسان ؟!!  علما وأنا الكردي أقوى منك وأنت العربي في كل ميادين لغة القرآن !!
هذا الحوار كثرا ما يتكرر عندما يلتقى كردي بعربي ، فكان لا بد من بيان مسألة اللغة في الميزان الشرعي لأنها الشمَّاعة التي يتمسك بها أصحاب هذه الرؤية .
اللغة كما جاءت في لسان العرب : أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم . وعلى الرغم من اختلاف العلماء في وضع اللغة ، فذهب البعض أنها توفيقية من الله ، وذهب البعض أنها بشرية ، والبعض على ابتداء اللغة توفيقية ثم الباقي كان بشرياً وغيرها من الأقوال ، قال الشوكاني نقلاً عن جمهور العلماء : يجوز كل هذه الأقوال من غير جزم بأحدها .
واللغات هي آية من الآيات  الدالة على عظمة المولى جل وعلا ، قال تعالى : ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم )  ( الروم 22 )
فاختلاف الألسنة آية دالة على وحدانية الله تعالى وقدرته وحكمته ، يجب الاعتزاز بها ودعمها ، ومخطئ من حاول العبث والتلاعب بوجودها ، ومحاولة طمسها ، لأن مآله الفشل فهو ينطح قانوناً كونياً إلهياً .
ثم أن الشريعة الإسلامية حرمت بعض التصرفات معللة أنها تدخل في باب تغيير خلقة الله سبحانه وتعالى ، كما في حكم النامصة والمتنمصة . فإذا كان إزالة بعض الشعرات تغييرا لخلق الله ، أفلا يكون مسح لغة وقطع لسان من جذوره تغييرا لخلق الله ؟!!
ثم أن إحياء أية لغة هو إحياء لآية من آيات قدرة الله تعالى بين البشر ، والنظر إليها بتفكر وإمعان يقوي الإيمان عند العبد ، مثلما يرى في حديقة جميلة الزهورَ المختلفة في ألوانها وأشكالها .
وحتى يتحقق التعارف الذي من أجله خلق الله البشر شعوبا وقبائل لا بد من إحياء اللغات لأنها الوسيلة الأبرز التي يتحقق بها هدف التعارف .
وعليه فلا يفهم أهل لغة كلام أهل لغة أخرى إلا بتعليم لغتها ، والادعاء بتفضيل لغة على لغة غير ثابت ، بدليل من القرآن الكريم أو الحديث الشريف.
 وقد تناول ابن حزم الظاهري رحمه الله هذا الموضوع ، فقال : ( وقد توهم قوم في لغتهم أنها أفضل اللغات وهذا لا معنى له ، لأن وجوه الفضل معروفة وإنما هي بعمل واختصاص ولا عمل للغة ولا جاء نص في تفضيل لغة ) .
وقال في موضوع آخر : ( وقد قال قوم : العربية أفضل اللغات ، لأنه بها نزل القرآن كلام الله تعالى ، قال علي : وهذا لا معنى له ، لأن الله عز وجل قد أخبرنا إنه لم يرسل رسولاً إلا بلسان قومه وقال تعالى ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) ( فاطر 24 )
وقال أيضاً : ( وأما لغة أهل الجنة وأهل النار فلا علم لنا إلا بما جاء في النص والإجماع ، ولا نص ولا إجماع في ذلك ) . وقال : ( وحروف الهجاء واحد لا تفاضل بينها ) .
كما أن وحدة اللغة ففائدتها أن أبناء اللغة الواحدة يجدون فرصة أوسع وأكبر في التفاهم ، وتبادل الأفكار في بينهم ، مما يزيل عنهم الغربة والاستوحاش إلى حد كبير ، وإن أبناء اللغة الواحدة أقرب إلى الشعور والإحساس بعضهم ببعض  .
وواضح أن من يتكلم لغة بلد ما يكون أكثر إفادة في شؤونها وأعمالها  .
فبناءً على كلام ابن حزم : لا يجوز بحجة أفضلية لغة على غيرها أن يطمس غيرها من اللغات ، ويمنع أهلها بالحديث بها ، وهو ما حصل في بعض الفترات من تاريخ المسلمين المعاصر ، ويحضرني هنا قرار وزارة الأوقاف التركية التي منعت ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الكردية ، بإدعاء أن اللغة الكردية لا تستوعب المعاني العظيمة للقرآن الكريم كما في اللغة التركية !!!
وأغرب ما سمعته في هذا الموضوع أن أحد علماء المسلمين تخوف من مروق الكرد من الإسلام إذا ما درسوا بلغتهم الكردية !!
لا ادري كيف يفكر هؤلاء ، هل مرق أكثر من مليار مسلم في العالم من الإسلام لأنهم درسوا لغاتهم ولم تكن العربية عندهم لغة رسمية ؟!!!
وهناك سؤال يطرح نفسه : كيف يكون الحال إذا اتسعت الدولة الإسلامية وامتدت نطاقها لتشمل بلادا غير عربية ، فماذا تصنع حينئذ ، وهي مضطرة للتعامل مع أبناء تلك الدول لشرح وبيان تعاليم الإسلام ؟
و اللغة الكردية لغة أصيلة، ورصينة، وقائمة بذاتها، و هي ككل اللغات الأخرى قد استفادت وأفادت ، دخل فيها بعض النسمات من اللغات الأخرى كما هبت نسمات منها إلى اللغات الأخرى المحيطة ، و هذه حالة عامة في أغلب لغات العالم بما فيها العربية و الانكليزية .
وهي من اللغات الإسلامية التي يجب إظهارها وإحياؤها ، وكل من يفسح المجال أمامنا ولا يحول بيننا وبين لغتنا ليس له منة علينا ، لأن هذه اللغة هبة ربانية وهبنا إياها ، لعلمه أننا نستحقها ، والتحدث بها يزيد من جمالنا ورونقنا في هذه الكون .
وكل من يحاول استغلال الفكر الإسلامي الحنيف في خدمة نزواته الداعية إلى إزالة اللغة الكردية وحصرها في الشوارع والمقاهي بعيدا عن المدارس والجامعات والمساجد بادعاء أن إحياءها هي إماتة للغة القرآن إنما يعتدي على حق الله تعالى ، ويتعد حدود الشرع والعقيدة .
أقولها – وبكل قناعة –  هذه الدعوة لا تعني البتة أننا نهمل اللغة العربية أو نحاربها ، بل على العكس تماما ، وأقولها وبكل فخر أن الشعب الكردي من أكثر الشعوب غير العرب يجيد العربية وفي كثير من الأحيان يتفوقون حتى على أهلها !!
اللغة العربية لها أولوية التعليم أكثر من اللغات الأخرى من الناحية الشرعية حتى يتمكن المرء من فهم دينه وحقيقة عباداته ، حتى أن العلماء عدوها من علوم الآلة ، وهذه الأولوية لا تعني الأفضلية مطلقا ، لأنه قد يحتاج الإنسان المسلم أحيانا للغة الإنكليزية أكثر من اللغة العربية ليقوم بواجب شرح الإسلام الحنيف للعالم ، وهو الحاصل في أيامنا هذه .
وقد تجد كتابا باللغة العربية يسيء إلى الإسلام وثوابته ، في الوقت الذي تجد كتابا باللغة الألمانية يتحدث عن سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ؟!!
وإذا كان تعليم لغة الأعداء مطلوب أحيانا – شرعا –  لأمن شرهم فعلى المسلمين تعليم لغة الأخوة للتعارف والتقارب معهم  .
ليرفع الجميع مناجاتهم إلى ربهم كل بلغته ، مثل الطيور التي خلقها الله بأنغام مختلفة ، تعزف بها ألحان الحياة الجميلة ... تلك التي أحد نغماتها هي لغتي الأم .... اللغة الكردية ....






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=59