خيارات العقل الكوردي
التاريخ: الثلاثاء 12 ايار 2009
الموضوع: اخبار



عبد الرحمن آﭙو

درجت العادة لدى بعض الأقلام الثقافية الكوردية, والمهتمين بالشأن السياسي الكوردي, وكذلك العاملين في الحقل الحزبي, عند تناولهم حيثيات القضية الكوردية في غرب كوردستان – سوريا – سرد الواقع  التاريخي لنشوء القضية الكوردية, ومرورها بمراحل مختلفة مؤلمة تتوزّع على مساحةٍ زمنية تتجاوز النصف القرن, وما لفّتها من سدائل, وأردية سوداء ومظالم فاقت الوصف والتصورات, حتّى كادت تصل في أحايين كثيرة إلى القمع المطلق...!, والاعتقال, والقتل الممنهج من قبل النظام البعثي على الهوية, مع العمل المستمر والمتواصل نحو تقزيم الوضع الكوردي, والمحاولة الميؤوسة العقيمة لصهر القومية الكوردية ضمن بوتقة القومية العروبية, بمفاهيم بعثية مطلقة لم ولن تتغيّر, حتّى وإن جلبت, وتجلب نتائج كارثية - مثلما يحصل الآن – على الوطن السوري, وحصل في العراق سابقاً ...


إ نّ ممارسات النظام اليومية بحق الداخل السوري, بعد أن تنفّس الصعداء..!؟, حسب اعتقاده, وتصوّره, وبالأخص تجاه القضية الوطنية الكوردية, وخيرة مناضلي شعبنا الكوردي, والكوادر المنظّمة المتقدّمة في صفوف حركتنا الوطنية التحرّرية, لدليل عل استهتار النظام بالوطن وبالمواطن, حتى سجّلت الوقائع حالات الاستهداف لشخصبات وطنية, وكوردية تاريخية كانت لها اليد الطولى في الحفاظ على الفسيفساء الرائع الذي يزيّن جبهة الوطن العريضة, ولعلّ وقائع انتفاضة الكورد الآذارية المجيدة (2004 )م, تعتبر الحلقة الأهم في تاريخ نضال الشعب الكوردي في كوردستان – سوريا, عل طريق إعادة التوازن والمنطق و الاعتبار لقضية عادلة, هي بحق قضية أرض وجغرافية ( كوردستان ), وشعب ( كوردي ), لا يمكن المساومة عليها, ولا هي باستفزازية...!, بقدر ماهي وقائع ثابتة و قائمة ليس لأحد الحق في الإدلاء بتصريحاتٍ غير مسؤولة, ندفع ضريبتها إلى الآن, ولاحقاً...!, لأنّه ليس بالإمكان تغيير فصولها, أو تثليم حدودها, أو تقزيمها, ونفيها, مثلما يتصوّره البعض من بني القوم,...  أو الخصم اللدود المشبّع بروح الحقد والكراهية تجاه الآخر المختلف قومياً وسياسياً, والذي يمارس أبشع السياسات المعادية لإرادة شعبنا الكوردي, ولعلّه في أحايين كثيرة يوزّع الشهادات, أو الثناءات, وحتى الهبات لمن يطعن في حقيقة القضية, بما هي قضية أرض وشعب, لأنّ شعبنا الأبي, ومناضليه قد دفعوا الثمن غالياً, ولا تزال الضريبة كبيرة,... كيف يمكننا أن نأمن لنظامٍ, وهو يمارس أبشع أنواع القمع والإذلال بحق أبناء شعبنا, وهو الذي أمعن وبتقصّدٍ واضح في هدم الجدار الوطني, ولا يزال يزجّ بالآلاف منهم في غياهب السجون المظلمة, ويطعن في كرامتهم دون واعظ أو رادع, يحارب, ويتجاهل قضية أربعة ملايين كوردي...؟ عن أي عقلٍ كوردي تصدر تلك الو لاءات, أو الشهادات اليتيمة..؟ وهل حقاً بات العقل الكوردي يعيش اليوم في أزمة, أو في فتراته الحرجة.؟ ما العقل الذي يجب أن يسود في المرحلة الحالية, خاصّةً أنّنا نجابه ضغوطات, وممارسات تفوق تصوّرات العقل الكوردي الراهن, والذي يريد منه البعض أن يسير نحو الاستهلاك, والمرض, والضمور.؟ وما هي خيارات العقل الكوردي السائد.؟
مظاهر وبوادر:
في فترات نضالاتنا المستمرة, والتي لا تزال تدلق دماً, ونحن نبحر في غياهب القرن الحادي والعشرين, عصر العولمة, والمصالح, ..يعيش الكوردي, عصراً , وواقعاً يكتنفه القلق العميق, والهزّات تلوا الهزات, وسياسات غاية في العدائية والشراسة, وواقع معاش يومي يعكس بوضوح بوادر أزمة عقل فعلية, تتجسّد بين الواقع المرير, وتصرّفات من هم بموقع المسؤولية, والقرار, لا هذا يدرك ذاك, ولا ذاك يدرك هذا,...وبين هذا وذاك يلعب الخصم بكلّ قوّة, وحقد, والضريبة تكون باهظة تدفعها في الغالب جدران الثقة والمصداقية, وفي الأفق غير البعيد تلوح بوادر أزمة, أو ربّما تراجع, وبعض أعراض ذلك, النقد العميق والجارح للذات أحياناً, حتى خيّل للبعض منّا, ولذواتنا أنّنا لم نعد راضين عن أنفسنا وعن سلوكنا النضالي, وكذلك قبول البعض الرضوخ لقلائل من الضغوط, وتقديس الذات, أو احتقارها, والشك بدل الثقة, وممارسة الفردية, والعداوة المفرطة, أو الولاء بلا حدود, والتنافس الفوضى غير المقنّن, والتسلّط, والعزوف عن البحث عن الخيارات الملائمة, والهوّة التي تفصل بين النظرية, والتطبيق,..كلّ ذلك يضعنا أمام حيرة, ورهبة..!
من طبيعة الأشياء أن لا تدوم الأمور كما هي قائمة على الأرجح, وخاصةً إذا أخذنا في الحسبان التأثيرات الثلاثة في الواقع الكوردي, الفرد الكوردي,...والجمع الجماهيري,..والجمع الحزبي المنظّم, والذي يعتبر بمثابة العقل من الجسد, والشريان الحيوي في المجتمع الكوردي, كآلية منظمة تجمع الفرد الواعي, والجمهور المضحّي, وإنّ أي خللٍ في تلك الآلية, يعني بالضرورة اللجوء إلى إعمال الصيانة, وفق خطوات هادئة, ومنطقية تعيد الاتّزان إلى الآلية, وتكسبها بوصلتها الحقيقية, وإلا فإننا ندفع بتاريخنا النضالي منذ عشرات السنين نحو الانتحار, أوالمحرقة...!
إشكالية العقل الكوردي:
حسبي هناك إشكالية ثلاثية تضرب العقل الكوردي, الأحادية الفردية, الجزم والقطعية, المزاجية والانتقائية, وهذه الإشكاليات الثلاث موجودة, ومعشّشة, وإن كانت بدرجات متفاوتة, وبنسب مختلفة, وكلّها تزيد في تعميق الأزمة في الذهنية الكوردية, وتزيد من الفترة الحرجة, وتضفي عليها الرهبة والقلق, لقد حسمت بعض النظم خياراتها للتوجّه نحو أجواء أكثر ديمقراطية, والبعض الآخر لا يزال رهيناً للفردية, وحكم الفرد الأبدي المطلق, وبين هذا وذاك يحاصر القلق مجاميع قدمت من واقعٍ مرير رشفت من مناهل ثقافة الفوضى, والانا, جلّ ثقافاتها غيبية لا تمت للواقع بصلة, وربّت الأجيال وفق مقاييس صورية, لا يفهمها إلاّ واضعوها, فلا الفردية تصلح , ولا المزاجية تفلح, ولا الجزم يصح, وفي كلّهم تهوّرٌ وضياعٌ للحق الكوردي, وهدمٌ لمكتسبات شعبنا, وإهانةٌ للدم الكوردي الشهيد, فهناك في الثقافة والممارسة اقتباسٌ أو إبداعٌ, وما جائزٌ لمرحلةٍ, لا يعني أنّه جائزٌ لكلّ المراحل.
خيارات لا بدّ منها:
في الوقت الذي تسقط في العالم خيارات الضعف, والفردية, تنبري عوامل أخرى دعائمها العقل الجمعي, والدعوة الصريحة إلى التيقّظ والحذر من مغبة الوقوع في الأفخاخ والمصائد, ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال تجاوز الفترات الحرجة في المسيرة التحرّرية الشاقة لشعبنا بفتح الآيادي ورفعها إلى السماء في ساحات التمنّي, والرجاءات, والتوسّلات, بل أنّ العمل الواقعي, والمدروس, وبعقليةٍ جماعية هو الطريق الصحيح والأسلم لتجاوز المعضلات, والأزمات, ولا بديل عن العمل الكوردي المشترك. 
 12/5/2009  







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=5569