الفراق لا يجب أن يكون عداء..!
التاريخ: الثلاثاء 14 نيسان 2009
الموضوع: اخبار



فاضل الخطيب

تحية: ردّ على الأستاذ صلاح بدر الدين، إذا كان هناك من فرصة للرد أكون شاكراً.. على كل حال أحييكم وتمنياتي الطيبة..
ليس المهم أن نقول الكلام الصحيح في المكان الصحيح والوقت المناسب، بل الأهم ألاّ نقول كلاماً غير صحيح في لحظة غير مناسبة.. كم مرة نطرح السؤال لأنفسنا: أين سوريا؟ كم هي سوريا؟ أين كنّا أيام الجلاء؟ أين نحن الآن والعالم لا يلتفت إلاّ إلى استثماراته ودولاراته ويوروهاته التي هي أغلى من حرية إنساننا ووطننا؟ لماذا يترك خروج الإخوان المسلمين من جبهة الخلاص هذا الخطاب غير الصحي المتبادل مع الأصدقاء الذين امتنعوا حضور الاجتماعات منذ زمن؟ وهل العمل السياسي أن تلحقني أو ألحقك؟ ألا يوجد طريق آخر؟ هل وصل الترف عندنا لاختلاق صراعات غير مبررة؟ وإذا كان لابدّ من الفراق، ألا يمكن أن يكون حضارياً؟ أية دروس نعطيها؟ عشرات الأسئلة المشروعة على التعامل غير المشروع بين الذين مازال يجمعهم الهمّ الوطني، وهو سوريا أولاً، وإقامة البديل الديمقراطي.. ميثاق الجبهة لم يتغير.. مازلت أحتفظ بكل الرسائل التي أرسلتها أنا، أو المُرسَلَة إليّ.. تناقض كامل بين روح ما أقرأه في الصحف وبين ما أقرأه في بريدي الخاص.. وحتى آخر رسالة وصلتني في تاريخ 4 / 4 / يبتدئها صديقي بكلمة الصديق، ورغم أنني لا أريد التذكير والاستشهاد – وآمل ألاّ يأتي يوماً لذلك -،


لكنني من اعتبارات الصداقة وموقف الأصدقاء المشترك، أقول كان من المفروض الترفع عن الصغائر، نحن لسنا بحاجة لتسجيل نقاط أمام المراقبين المصفقين.. لست بحاجة للدفاع عن نفسي، لا يوجد عندي ما أخفيه أبداً، وأتحدّى أي شخص أن يقول أنني اتخذت موقفاً سياسياً في حياتي كلها لقاء ثمن ولو كان بمقدار فنجان قهوة.. لم أجمع ثروة لا من سوريين ولا فلسطينيين ولا غيرهم، مكشوفٌ أنا كرائحة القهوة المرة في جبل العرب، ولا يوجد عندي في السياسة ما أستره، وعملي ليس سراً، وراتبي بالتأكيد ليس بين الثلث الأول من موظفي الشركة، بل هو أقلّ من ذلك، وبشكل عام رواتب حامليّ الهمّ السياسي أقلّ من رواتب غيرهم، لأن عملنا هنا ليس وظيفة وراتب بل هو أكثر من ذلك، وأعتقد أن الأصدقاء الذين يحاولون طرح إشارات غير بريئة حول ذلك، من المفيد لو يقتنعوا أنه مازال هناك من يضع سوريا أولاً قولاً وفعلاً، ولا أريد المزايدة على أحد، أو التقليل من وطنية أحد!!.. عندما يسقط القناع عن وجهك، عندما تكون هكذا، عندما تكون أنت، عندما لا يجب أن تقوم بأدوار تمثيلية، انتبه أنه قد تقول شيئاً سيئاً، لأنك تستطيع قول أي شيء بلا رقابة كما يتساقط عنك، لا رقابة غير الذات، وإذا بقي عندك بعض الأصدقاء يمكن أن تقول لنفسك أنك محظوظ.. لأن الحظ يدور كما يقولون، لكن الأصدقاء يبقون هناك، إذا كان من مشكلة لا يبتعدون كثيراً. لا يطلبون حساباً، ولا يبررون ويبحثون عن أسباب لمبادلة وقوفهم بجانبك، قد لا نكون ندرك بوضوح أن ذلك شيء طبيعي. للصداقة تعبيرٌ يقف على طرفه الآخر العداوة، ولكون السياسة غالباً هي صراع أو يرافقها صراع، لذا لا يعني تعبير الصداقة على أساس سياسي بدون الأخذ بالحسبان العداء.. في السياسة الأصدقاء والأعداء يتأثرون ببعضهم، كما التوافق والقطيعة.. سياسة الصداقة هي ما يمكن اعتباره نتيجة لأخلاق المجموعة السياسية وتشعباتها، وهي ضرورة أخلاقية ترتكز على قيم وأهداف مشتركة.. إن سياسة الصداقة هي انتماء وتعبير سياسي، وفي مقابل ذلك سياسة العداوة تمثل العكس.. سياسة العداوة قد تكون شكلاً طبيعياً للصراع بين "المخلوقات البشرية"، قد تكون هدفاً لتوافق سياسي، لكنها بسبب الصراعات لا يمكن تجاوزها.. الصراع(الاحتدام) يُخلق انتماء سياسياً، وقد لا يوجد مثل هذا الانتماء قبل هذا التصادم السياسي.. وكان أرسطو قد قسّم الصداقة إلى ثلاثة أنواع: الأول هو صداقة على أساس منفعة متبادلة، والثانية على أساس جمالية متبادلة، والثالثة تكون على أساس البحث عن هدف شريفٍ ساميّ بشكل مشترك، ويقول الكثيرون - وأنا مع هذا الرأي - أن الشكل الثالث هو الأكثر نُبلاً والذي يُمثّل صداقة حقيقية. أي أنه حسب أرسطو الصداقة السياسية تستند إلى تشابه(تماثل)، وأنا أدرك أنه إذا أردت أن يكون الكثير من معارفك أصدقاءك، كانت هذه الصداقة سطحية ولا ترتكز على مشاعر نبيلة، والذي يريد أن يكون صديقاً لكل الناس، في الحقيقة لن يكون صديقاً لأحد.. وحقيقة أيضاً أن مفهوم الصداقة اليوم فقد الكثير من معناه الأصلي.. الاحتدام(الاصطدام) السياسي بشكل عام سببه إما أخطاء شخصية في التعامل، أو نتيجة سياسية بدون أسباب منطقية. الاتهامات المتبادلة، قد تكون أسبابها مفهومة إذا كانت الصداقة على أساس منافع متبادلة مشتركة، لكن الصداقة المنبثقة من قيمٍ قوية تكون دائماً قادرة على تقديم الجيد المتبادل، لأن هذا هو ميزة القيم ومن يحملها. إن المنافسة بين الصداقة والقيم النبيلة هي معيار التعامل الشريف الشفاف. قبل أكثر من عشرين عاماً وعلى أثر الانقسامات في الحزب الشيوعي السوري، حدث شيء من القطيعة بين رفاق الأمس في منظمة(منظمتي) المجر، وأعتقد أنني بقيت الوحيد الذي لم يقطع الصلة والعلاقة الشخصية مع مسؤول المنظمة الأخرى"المنشقة"، وكانت هناك زيارات متبادلة رغم السلوك العدواني المتبادل في القيادة في دمشق، ثم انقطعت العلاقة لسنوات بعد سفر الرفيق ثم عودته، والتقيت فيه بالصدفة مرة في مطار بودابست وكان مع زوجته، وقمت بشتمه بكل ما استطعت إليه سبيلاً ودون أن يردّ بكلمة واحدة – كان مذنباً لانقطاعه وشعر بذلك – ومن يومها رجعت صداقتنا، لأن الأساسات كانت صادقة وشفافة، وصارت أكثر مصداقية وصراحة.. عند الرغبة في تحضير سَلَطة خضار لا نقوم بوضع البندورة على السكين وتحريكها فوق السكين المثبت ليتم تقطيعها، أحياناً بعض الرسائل والتصريحات السياسية تحمل نفس الخطر، رغم أنه يمكن الوصول إلى نفس النتيجة بأسلوب أكثر جودة.. لا أريد أن أنهي موضوعي هذا بقول نيتشة "ليس الشيء الذي يؤسفني بأنك كذبت عليّ، بل أنني لا أستطيع تصديقك بعد اليوم".. قد يكون أصعب شيء بحاجة تعلمه في الحياة، هو أي جسرٍ نقطع عليه، وأي جسرٍ نحرق خلفنا... مع تحياتي للأستاذ صلاح بدر الدين، وآمل أن تكون رسائلنا القادمة ليست هنا، ونبدأها ونختمها بكلمة صديق.


 14 / 4 / 2009
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=5468